كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم إذا خُيّرَ بين شيئين اختارَ أيسرهما ولنا من سنته الإقتداء ومن أثره الإهتداء ، ولكن ماذا لو خُيرت بين أشياء لا حصرَ لها كلها يسيره ومعظمها خيّر و جميعها ممكن.
المولود الجديد ربما يكون الشيء الأوحد الذي يمتلك حقّاً من قبل أن يكونَ شيئاً مذكورا ،فمن حقه أن تختارَ لهُ المنبتَ الحَسن فقد حذرنا رسولنا الكريم من منابت السوء فقال "إياكم وخضراء الدمن" ، وما أن يرى النور حتى يصبح له حقّاً أوليّاً في اختيار الاسم الحسن ، وعند اختيار الاسم في ظل الحُسْن فإنك ستكون أمام عدّة معطيات أولها التسنن في التسمية بما حُمّدَ وعُبّد أو الحارث وهمّام أو تنتقي الاسم الذي يشحذ الهمم أو يدعو للتأسّي والإقتداء مثلما قال عليه الصلاة والسلام"وُلدَ لي الليلةَ ابنٌ سميته على اسم أبي إبراهيم" إضافةً إلى حرصك على الابتعاد عمّا ذُمَّ وقبُح من الأسماء التي قد يراها الابنُ إساءة والدَين، أو ما حرُمَ كعبد اللات أو حتى عبد النبي و عبد الحسين وغيرها ثم البعد عن الأسماء التي تحمل دلالاً أو ميوعةً خصوصاً إذا كانَ المولودُ ذَكَراً أو التي فيها قبح كعاصي وظالم فقد غيّرَ الرسول الكريم اسمَ ابنة عبد الله بن عمر رضي اللهُ عنهما من عاصية إلى جميلة.
قد تكون هذه المعطيات هي أغلبُ ما ينظر إليه الآباء عند التسمية ، ولكن هناك أيضاً بواعث تسمية قد لا تعني للكثيرين شيئاً وإنما تختصُ بمن تعنيه موسيقى اللفظ وشاعرية الاسم ودقّة المعنى وبريق الندرة وجاذبية التفرّد وتماشي الاسم مع حداثة العصر.
قد تمر بذلك كله أمام مولود واحد ذكراً أو أُنثى ولكنك حتماً ستمرُ بأضعاف ذلك إن رُزقتَ توأماً من البنين ، فأولُ ما يشدُ اهتمامك الحفاظُ على ثنائية الوَلدين وإبقاء رابطة الظلمات الثلاث التي جمعتهما إذ كانا في غسقها نُطفا.
كشاعر (تشدّك موسيقى اللفظ و يستهويك إيقاع الكلمة) فإنك ستجد الأمرَ أكثرَ صعوبةً خصوصاً وأنك ستنظر لموسيقى الاسمين ككل متكامل (كهابيل وقابيل وهاروت وماروت وحسن وحسين وعلي عالي) ، ثم تقديم الكبير على الصغير في انسابية الإسمين مع المحافظة على ارتباط ثنائية الاسم وسلاسة النداء فحسن وحسين ليست كحسين وحسن وعلي وعالي ليست كعالي وعلي مثلاً.
تقفُ أمامكَ معضلة مناسبة الاسم للمسمّى فالتوائم غالباً ما يكون أحدهما أكبر من الآخر إن لم يكن سليماً والآخر مريضا.
قررتُ للحظة أن أُسميهما غيث وليث فالأكبر غيثاً والأصغرُ المريض ليثا ورأيت أن الغيث يناسب بهجة القدوم ولزوم الشكر ، والليثُ قد يمنح الصغير ما يعوّض فارق السن ويلبس السقيم لباس الصبر والجَلَد وكدتُ أحسم الأمر ولكن بالنظر لما يفرضهُ العصر من ديموقراطية وتمتع بالحقوق (مع أن حقّي في حمله أقدم) تنازلت عمّا دار بخلدي ورضختُ لِما أُلقيَ في روعي من البعد عن عالم الشعراء قليلاً مع احتفاظي بالحق في المحافظة على ثنائية الاسمين .
نظرتُ للثنائية من جهة أُخرى بعيداً عن تماثل الموسيقى أو وقع الكلمة بالنظر للمعنى أكثر من حركية اللفظ ولم أغفل أن الأكبر منك بساعة أعلم منك بسنة فقمتُ بعملية حسابية وخَلصتُ إلى أن الأكبر منهما أعلمُ من الآخر بـحوالي اثني عشرَ يوماً لأنه سَبقَ الأصغر بدقيقتين فقط ، ولابد أن أراعي الفارقَ الضئيل في العلم بينهما فقلتُ ماذا لو أسميتهما ( عليم وحليم ) كونَ الأكبر أعلم بفارق السن والأصغر أحلم لأنه انتظر بعض الوقت وترك لأخيه فرحة السبق ولكني بهذا أكون قد تناسيت مواكبة الاسم لحداثة العصر أو قد أكون بتخصيص الصفتين نفيت هذه عن ذاك وتلك عن هذا .
شغلَ بالي أيضاً بعد مشاورة سعود الصاعدي الصديق الذي أعتدّه والواعي الذي أعتزُّ برأيه أن أراعي في اختياري مخارج الحروف لكي لا يكون الاسم عرضة لِعبَث اللثغات وإن كنتُ طبعاً قد ابتعدتُ عن الراء نظراً لوجود آثار (طَلاليّة) على رائي ولكنه نبهني (بعلمه) إلى أن أكون أكثرَ إنسانيةً ولا ألتفت فقط لمشاكلي وقال أن أحدَ أبنائك (ليث) قد يصبح فعل ناسخ بفعل فاعـل في أحد بلداننا العربية كمصر والسودان فيُدعى (ليس !) وقد يُصبح الاخر (غيث) في بعض البلدان الخليجية التي تقلبُ الغين قافاً في حال سمعها أحد الأشقاء الآنفي الذكر ونطق القاف المُبدلة وقلب الثاء سيناً (قيس ) ، تذكرتُ حينها قول أبي نواس على لسانِ الألثغ (كم لقي الناثُ من الناثِ) يقصد (الناسُ من الناسِ).
قلتُ في نفسي أيها المتنبّيان أتنامان ملئ جفونكما عن شوارد ما عنَّ لي و أسهرُ جراكما ولم تبلغا عمرَ الضحى وأختصمُ مع صاحبي وما تبادلنا يوماً إلاّ الوئام لا الخصام.
عُدتُ لأقولَ لماذا لا أضيف إلى النيّرين (كما أسماهما سعود الصاعدي) مشعل وشمس سراجين وأُحلّقُ في الفضاء مستضيئاً ؟! فخطرَ لي أن أُسميهما سهيل وبدر ولكن حرصاً مني على العدل بين الأبناء فقد رأيت أن البدرَ أقربُ من سهيل ولا أريد أن أُفاضلهما قرباً أو حبّا ، والقمرُ تابعُ للأرض ولا يستقر على حال بينما سهيل وإن بَعُد فإنه هادي المرتحلين وأنيس الساهرين على مر العصور فانحزتُ للعدل وعُدتُ لنبش الفِكر من جديد وجرى طوفانُه فلم أجد من (جوديّ ) الثنائية سوى حصباء المعنى و هَضبةِ الأوزان مع مراعاة أسبقية اسم الأكبر في وزن النداء فأسميتُ الأكبر نايف ومنحته وزن فاعل تقديراً لأسبقيته في العلم والآخر نوّاف على وزن فعّال ليمنحهُ الاسم بعد رحمة الله شيئاً من الحيوية ، فكان النايفان خير ثنائي لثنائي النيّرين مشعل وشمس وربنا يحفظ ويبارك واللهُ خيرٌ حافظا وهو أرحمُ الراحمين.
8/8/2008