أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الهوية والبقاء .. مزيج متلازم

  1. #1
    الصورة الرمزية ياسر سالم كاتب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : وأرض الله واسعة ....
    المشاركات : 1,312
    المواضيع : 172
    الردود : 1312
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي الهوية والبقاء .. مزيج متلازم




    في لجة هذا العصر المعلوماتي التي تهدر أمواجه عابرة للقارات ، معلنة عن تلاشي البعد وتجاور الأصقاع .. اندرست الحدود الجغرافية ، وذابت الفواصل العقدية.. تمرد الأقوى ، وبسط سيطرته على الضعيف الهش ، ليصبح هذا الأخير مُرْغَما مهزوما إمّعة ، لا يملك من أمر نفسه إلا اليسير ، ولا مفر له من قبضة الحقيقة الموجعة ؛ ليهوي بين مخالبها كَلاًّ ذليلا لا يقدر على شيء..ويغدو مفعولا به ..أو مفعولا مطلقا ، يترنح بين شباك حرية وهمية معلبة ، أوتمرد زائف مقيت ..!
    غير أنه في كلتا الحالتين يُسيره غيره كيفما شاء ..ووقتما شاء..لتُستل من بين مطاويه إرادته كما يستل السهم الرائش من قلب خافق ، ويوهن نبضه رويدا رويدا .. ليغيب عقله ، وتصير خطاه مرسومة بقلم رصاص باهت -لا صرير له - على مقاس من يجره ممتطيا هامته على الملأ

    إنه التداعي الإنساني بأبشع صوره .. حين ينهار فينا صرح الإدراك بغاياتنا فيلجمنا التيه وتعمى البصائر عما يدور حولها ..فنفقد آدميتنا ..
    بل هو السيل العرم الذي اجتاح النفس البشرية فسلخها من كينونتها وحولها إلى ذات أربع لا همّ لها سوى الفرار من رتبة الانسانية الراقية إلى حيث مراتع البهيمية الحمقاء التي لا تتعدى الأكل والشرب ولازمهما

    من هنا ..ومن لحظة الحقيقة هذه التي تنتصب كمقصلة تطوق أعناقنا ونحن نجهل متى يمكن أن تهوي فاصلة الرأس عن الجسد ..كان لابد لهذا الطوفان المغرق المميت من جنادل ومتاريس ثصده وترده ، لتوقف سعيه ..أو تخفف من غلوائه ، وتحول دون اندراس المعالم وطمس الهوية ، وتلم - لعمري - مهمة شاقة قد تغور دروبها أمام الكثيرين ولكنها أبدا لن تتيه أمام الثلة الباقية التي اتخذت المنهج الثابت هاديا تسلك به الفجاج واللِجاج كالشمس في رابعة النهار

    والثلة التى تأخر ركبها عن ركب الأولَى سبقوا
    الثلة التي تأتي على حين فترة من التواصل المدود بين اللحظة الآنية المتغيرة ، والمنهج الثابت الأساس ، ذلك المنهج الذي يضرب في الأرض متجذرا بأعمق ما تكون الجذور
    هذه الثلة ذات سيماء واحدة ،يربط بين لبناتها مادة أشد لحمة من أن تشتت جمعها ريح عقيم أو تنال من آصرتها لأواء وإن عظمت لتثبت ثبات الروح الصابرة بالجسد السقيم

    ولما كان الأصل المميز ثابت المنبت والرجوع ..كانت الوسيلة في الوصول إليه وتناوله ، ثابتة أيضا ، كما ينبغي أن تكون الفروع للجذور

    من هنا يلوح دور المنهج المغروس في أعماق الوعي.. المنهج الذي يحفظ للأمة كينونتها ، وهويتها ..ويمنعها من التميع بيَمّ جهالة المادة بسطوتها الفارغة أو التلون بخزي فوقيّةِ المترفين ، إنه روح الأمة وعنوانها المشرق الذي يميزها عن غيرها ،

    وانتماء الفرد الأَوّلي لِلُحمة هذه الأمة ،هو عنصر اطرادها وبقائها ..
    ولما كان الفرد ذاته وحدة في بناء ؛ فقد صيغت هذه الوحدة بحيث تحمل من الخصائص الذاتية ما يرفع رتبتها وييسر لها مهمتها ، لتغلب على الإنسان فطرة الله التى جبل الناس جميعا عليها ..وهي الإيمان به عز وجل ..والاستسلام لسلطانه العظيم ..وإذا ما تراخت هذه الخاصية عن الجنس الإنساني كانت مادة الفساد هي العنوان الرئيس الذي تعيش تحته القطعان الآدمية المنفلتة من فلكها.. والدائرة في غير محيطها.. لتزداد بهيمية وانفلاتا شرودا في غير محيطها

    فالفرد الذي يحيا بغير إيمان ، إنما هو كائن رث وروح هشيم .. تستدبر فلكها وتسير عكس فطرتها مناهضة لها
    ولشدة التلازم بين المنهج والصيرورة كان لابد من البحث عما يسد الفتق الناشىء عن الإنحراف والتسفل والإخلاد إلى الأرض كلما زادت الهوة بين اللحظة المعتمة وبين نقطة الضوء الأولى .
    فما من أمة غبرت إلاّ جاءها من يوقظ فيها هذه الفطرة (... وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ..)
    وقد صرح بلوتارك أحد مؤرخي الإغريق القدامى قائلا :
    " لقد وجدت في التاريخ مدناً بلا حصون، ومدناً بلا قصور.. ومدناً بلا مدارس.. ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد"
    من هنا كانت حتمية المنهج المميز ..
    المنهج الذي به تتحدد ( حقيقة مركز الإنسان في الوجود الكوني وغاية وجوده الإنساني )
    المنهج الحق الذي يمكن أن نسميه بالمنهج المخلص
    المنهج الذي جاء للقيادة والريادة والسيادة .. ( ومهيمنا عليه )

    به تنتظم الحياة وتجلو الغاية من الوجود الإنساني الشفيف..
    وعليه تنتظم الخطى في سيرها بعيدا عن جواذب الطين ورهق المادة وشهوة الحظ

    ولقد عبر عن ذلك - بداهة - ربعي بن عامر - رضي الله عنه - الذي أجاب (رستم )واثقا بغير عناء عن علة خروجه إليه ..جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد
    منهج يتميز بتفرده في انتظام إطار الحياة بكل ما يحويه من صور الكون في عوالم الضمائر والبصائر وعوالم الواقع الملموس ...
    منهج وسطي (امة وسطا ) لا يعذب من اقتناه ولا يشقى ب9 من احتذاه (طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى ) (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ... )


    -----------------------------------

    (1) كلما طالعت بعضا من اختيارات شيخ الإسلام في فقه التعامل مع الظرف زادت دهشتي وانبهاري لروعة ماسبق إليه وتفرد به .. وأيقنت بكل معنى أنه فرد فذ وعقل متفرد .

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    مقالة تسمو بمحمولها وإباء الروح الناطقة بأحرفها وسموق رسالتها عن أن اقول حسبي من هذه المقالة من حملت لنا من طمأنة على أن أخينا بخير
    لكن هذا كان ما خطر لي لحظة رأيتها

    الحمد لله العظيم أنك بخير أخي

    يحفظك الله ويرعاك

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية ياسرحباب قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2013
    الدولة : دمشق
    المشاركات : 578
    المواضيع : 90
    الردود : 578
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر سالم مشاهدة المشاركة



    المنهج الذي به تتحدد ( حقيقة مركز الإنسان في الوجود الكوني وغاية وجوده الإنساني )
    المنهج الحق الذي يمكن أن نسميه بالمنهج المخلص
    المنهج الذي جاء للقيادة والريادة والسيادة .. ( ومهيمنا عليه )

    -----------------------------------


    [/FONT][/SIZE][/COLOR]

    المقال في مجمله جميل جدا
    و لكن هذه الاسطر تحمل الكثير من المعاني الهامة
    خالص التقدير

  4. #4
    الصورة الرمزية سامية الحربي أديبة
    غصن الحربي

    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 1,578
    المواضيع : 60
    الردود : 1578
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    من المؤمل منا بعد كل هذه السني العجاف أن لا يقل خطابنا عن هذه المقالة السامقة المؤصلة لحمة الأمة بمفهومها الصحيح ومنهجها الواضح المعتدل ولكن سنة الله في الأرض "وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ" أقول ذلك وكلي ثقة بشموس ستشرق بمنهجها الساطع العزيز على الكافرين الذليل على المؤمنين المنهج الذي يستوعب أمة الإسلام كافة يحب لها الخير يناصحها و يأخذ بيدها إلى أن تصل إلى شواطىء التمكين و العزة والمنعة ويحمي هويتها من الإستلاب و التطاحن. شكرًا على هذا الطرح الراقي و النضج المعرفي. كل التحايا.

  5. #5
    الصورة الرمزية ياسر سالم كاتب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : وأرض الله واسعة ....
    المشاركات : 1,312
    المواضيع : 172
    الردود : 1312
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    مقالة تسمو بمحمولها وإباء الروح الناطقة بأحرفها وسموق رسالتها عن أن اقول حسبي من هذه المقالة من حملت لنا من طمأنة على أن أخينا بخير
    لكن هذا كان ما خطر لي لحظة رأيتها

    الحمد لله العظيم أنك بخير أخي

    يحفظك الله ويرعاك

    تحاياي
    الحمد لله على نعمة الإخوة الصادقة
    كلماتك الغالية و وإن بدت للرائي قليلة إلا أنها كافية وشافية
    وما تمنيت أن يتفقدني احد بأكثر من هذا
    فلله الحمد على نِعَمهِ العظيمة وآلائه الجسيمة
    أشكرك أختنا الكبيرة وامنا الرؤوم
    سعدت بحضورك الرائق هنا


    لاحرم الله أحبابك منك ولا حرمك منهم
    وبوركت أيامك
    تحياتي وعاطر الثناء

  6. #6
    الصورة الرمزية ياسر سالم كاتب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : وأرض الله واسعة ....
    المشاركات : 1,312
    المواضيع : 172
    الردود : 1312
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسرحباب مشاهدة المشاركة
    المقال في مجمله جميل جدا
    و لكن هذه الاسطر تحمل الكثير من المعاني الهامة
    خالص التقدير
    يسر الله أمرك
    وجمعنا وإياك على المعاني الإنسانية الرفيعة
    شكرا لتواجدك أخي الكريم
    تحياتي لحضرتك

  7. #7
    الصورة الرمزية ياسر سالم كاتب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : وأرض الله واسعة ....
    المشاركات : 1,312
    المواضيع : 172
    الردود : 1312
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غصن الحربي مشاهدة المشاركة
    من المؤمل منا بعد كل هذه السني العجاف أن لا يقل خطابنا عن هذه المقالة السامقة المؤصلة لحمة الأمة بمفهومها الصحيح ومنهجها الواضح المعتدل ولكن سنة الله في الأرض "وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ" أقول ذلك وكلي ثقة بشموس ستشرق بمنهجها الساطع العزيز على الكافرين الذليل على المؤمنين المنهج الذي يستوعب أمة الإسلام كافة يحب لها الخير يناصحها و يأخذ بيدها إلى أن تصل إلى شواطىء التمكين و العزة والمنعة ويحمي هويتها من الإستلاب و التطاحن. شكرًا على هذا الطرح الراقي و النضج المعرفي. كل التحايا.

    شكرا لرأيك الجميل أختنا الكريمة الأستاذة غصن الحربي
    اللهم اجعل لنا من كلامنا الحق نصيبا كبيرا وحظا موفورا
    نعم أختنا الكريمة ..
    ستشرق شمس الحق على ربوعنا .. كائن ذلك لا محالة ،
    وإن فاتنا التنعم بنورها فلن يفوتنا أن نكون لبنة قوية في سلم صعودها
    اللهم اقدر لنا الخير حيث كان
    ارفع اللهم الكرب عن المكروبين
    وأعد لهذه الأمة عزها ومجدها

    تحياتي لك ودعواتي

المواضيع المتشابهه

  1. مَزِيجُ الرُّؤَى
    بواسطة الطنطاوي الحسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 01-10-2010, 09:23 PM
  2. أنا والزمان - مزيج الفخر والشكوى
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 09-10-2008, 09:33 AM
  3. ......( اني مزيج من تشاؤل).....
    بواسطة وائل ابو صلاح في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 09-05-2008, 08:57 PM
  4. الشهداء وتشكيل الهوية في شعر الانتفاضة
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 28-10-2005, 07:06 PM
  5. الشهداء وتشكيل الهوية في شعر الانتفاضة
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-11-2004, 12:26 AM