أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: مَخْزَأة إبليس

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي مَخْزَأة إبليس

    مخزأة إبليس
    ــــــــــــــــــ
    قال تعالى في الآية 33 من سورة يوسف (( قال ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه ، وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهنّ وأكن من الجاهلين )) صدق الله العظيم .
    ما المغزى ؟ .
    أولاً : توصيف يوسف بن يعقوب عليهما السلام ، أنه رجل كسائر الرجال يعتريه ما يعتريهم وينتابه ما ينتابهم ، مفعم بالرجولة والفحولة ، غير أن العفة والطهارة من شيمته وطبعه لا يقترف من الآثام ما يقترفه الغير ، ودليل أنه كسائر البشر : قوله السجن أحب إليّ ،،، وقوله : وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ... الخ .
    ثانياً : الإقتداء بيوسف كأسوة يتأسى بها كل من يعترضه هذا الحدث ، وعدم القول أن يوسف نبي مؤيد من السماء ، ولو لم يكن كذلك لفعل ،،، أما نحن فعزيمتنا ليست كعزيمته ولسنا كمثله بالكلية ،، لا ، لا بل هو رجل مكتمل الرجولة ولا زال صغير السن .
    وهذا ما أدركه إبليس وأحسه ، وهي فرصته السانحة إن نجح بها هز اطراف الأرض ، وإن فشل باء بمخزاة ما بعدها مخزاة ،،، وها أنذا أسوق فجيعته بالفشل بأسلوب قصصي من وحي الهاجس على ما أتخيله بلسان عربي صريح ، غرضي منه توضيح عظمة يوسف عليه السلام ، وقوة اللغة العربية في البيان ،،، فهاكموها :
    القصة :
    جلس إبليس ودعا بابنه الأعور صاحب الزنى ، فجلس غير بعيد ، ثم قال : أبي ،،، لكأنك دعوتني لأمر جلل ! .
    قال إبليس : بل هو أجلّ وأعظم ، اقترب أريد أن أسِرّه إليك .
    فجعل الأعور يَتّزَحّف شطر أبيه حتى صار بحيث يسمع ما تلوكه أضراس النملة ! إن كان للنملة أضراس ،،، ثم قال : هاه ، لقد أقلقتني ما الأمر ؟
    قال إبليس : أما علمت أن الغلام يوسف بن يعقوب في كِنِّ امرأة العزيز ، وقد اكتملت أوصاله وشبّ أمام عينيها ،،، قال الأعور : بلى ، قد علمت ،،، وما في ذلك ؟؟؟ .
    قال إبليس متعجباً : وما في ذلك !!! ، والله لقد عاد حبل الوصال بينها وبين بعلها بالياً ، وَيَبِسَ على إثره الود ، وأظنها قَرِمَت للفتى كالرجل الجائع إذا اشتمّ رائحة الشواء .
    قال الأعور : كأنك تريد أن ... فقاطعه إبليس وقال : نعم ،،، هذا ما أريده ، فهل أنت لها ؟ قال الأعور : نعم ،،، ولكنّ يوسف نبي وهيهات هيهات أن نمخر عبابه .
    قال إبليس بعد أن نفخ بفمه متضجراً : ما استوزرتك للزنى لتقول لي : إنه نبي ،،، وهيهات ،،، وتبدو ضعيفاً تنوء بأدنى مهمة أنت مناط بها .
    ولكن اسمع ،،، إن عزّ عليك الأمر ، عليك بِزُلَيْخة ، عليك بها فقد ضاقت بما تتكتّم عليه ، وستجدها مستعرة بعد أن فقدت من يداعبها وتداعبه ،، وحتى عادت كالقاع بلا وصل ولا وقاع .
    قال الأعور بعد أن اكتظ نشاطاً : دعني أبي ، دعني أحقق لك ذلك الأمل .
    قال إبليس : على رسلك بني ، إنه نبي وإن المهمة شاقة وأريد أن أوصيك بما يلي :
    أولاً : اعلم أن أبيك للآن مُنِي برنّتين اثنتين ، ولا أريد أن أرنّ الثالثة إن لم تفلح .
    قاطعه إبنه الأعور وقال : وما الرنة يا أبت ؟ قال : هي الصوت والصراخ المستمر ،،، قال الأعور متعجباً : الصوت ! كيف ؟ قال إبليس كأنه يحدث نفسه : كيف أشرحها لك ، كيف ،،، كيف ،،، إسمع هي الغضب والشد والإلتفاف كالأفعى إذا التفت على نفسها ، ثم الصراخ بحنق شديد حتى لكأني أحس الأرض خرجت من كل جزء مني فمزقتني شرّ ممزق ، وأعض بالأسنان حتى لكأن الأجداث خرجت من أم رأسي ، والله لو جعل الجبل العظيم بين أسناني لقضمته من شدة الحنق والغيظ ......... فهل تحب أن تراني بهذه الصورة ؟ قال الأعور : لا ،،، لا أحب .
    ثانياً : عليك بالمُراوَده ،،، فإن الرَوَدَان أشد وقعا على الرجال من غيره .
    قال الأعور وقد أحْدَج بأبيه : ولِمَ ؟
    قال إبليس : أما رأيت رودان الإبل كيف تمشي الهوينا إذا وردت الماء أو رامت الكلأ ، مكتنزة اللحم والشحم ، تختلج وتضطرب أردافها ارتفاعا وانخفاضاً بكل حركة ، ويترجرج سنامها يمينا ويساراً بأناة ،،، بحيث لا تترك فحلاً إلا أشبقته للضراب .
    قال الأعور : هاه ،،، ربما لم أر ذلك ، غير أن بعض بني عمومتنا الذين يقطنون معاطن الإبل ، ذكروا لي شيئاً مما أومأت إليه .
    أما الثالثة : لا تجزع ممن يلعنك منهم ، فوربك لم يلعنوا إلا لعيناً ، واحذر العوذ ، فإن الله إذا أعاذ عبداً تحرّم عليك وتأبّى تأبّي النطق على الميت .
    قال الأعور : أما المرأة فميسور أمرها إن لم تستعذ ،،، وأما يوسف ...... ولكن لا بأس سنرى ما يكون من أمره ،،،،،، ثم طار الخبيث إلى مبتغاه بعد أن بارك إبليس سعيه .
    ــــــــــــ

    في قصر العزيز :
    دخل الخبيث ، وأحدق بيوسف كأنه يتطلع إلى معجزة ، كالملاك النزيه غير أنه بشر ، وكالمنزوع الشهوات غير أنه فحل ،،، ثم كأنه قرأ في عينيه أنه رجل ربط على إرادته فلا تَمَّلِس منه ولا تُسِفّ إلى الرذائل ،،،،،،، ثم كأنه هاب الإقتراب منه فهلع هلعاً شديداً وعاد إلى أبيه .
    وعندما وصل قال له أبوه بلا هويداء ولا رويداء بعد أن تطاير الشرار بين جنبيه : ما أمر أرجعك إليّ الساعة يا أعور السوء ؟ .
    قال الأعور : احلم واسْجِح ،،، والله ما أعادني إلا أنك تُعَدّ مرجعاً في الوسوسة ، وقد افتقرتُ إلى شيء منها ولم تتسنّى لي .
    قال إبليس وقد زهت نفسه بنفسهِ : هاه ،،، ما هي ؟
    قال الأعور : إبن يعقوب ،،،،، إبن يعقوب يا أبتِ ، لقد أجهدني التفرّس فيه ، فما وجدت فيه ضالتي !!! ، لقد نكصت عنه الفاحشة إذ وافته فلم تجده فحّاشاً ، والله لقد قصّرت العفة عن وصف ما به عفاف !!! وغار الشرف لفرط ما يرى من شرف يوسف ،،، وبه ورع لا يشبهُه ورع .
    قال إبليس : لكأني أراك لست من الذامين له !!! .
    قال الأعور : ولا من المادحين ،،، ولكنها الحقيقة .
    قال إبليس بغضب واستهزاء : أسمعتني بلا خجل ولا وجل ، ألفاظاً تصف بها العفة والشرف والورع ، حتى كدت أن تكون شاعراً أُلْهِم حب مَحْمَدَة يوسف ،،، ونسيت بدل ذلك كله ، أن تقول : لقد قصّر الحُسْن عن وصف ما بيوسف من جمال ! ،،، وجنون الشغف عن ما بزليخة من عَتَه الحب ،،، ألم أقل لك يا أنْوَكْ : ما لك وليوسف ؟؟؟ ألم أقل لك عليك بالمرأة إن وجدت أمام الأمل سُدّة ؟؟؟ .
    طِرْ ،،، طر الآن ولا تسكن إلا في عروقها ، ولا تجرِ إلا في دمها ، ولا يتلفظ لسانها إلا بوحيك وأدر طرفها بيوسف دون كلل ولا ملل .
    طار الخبيث ،،، وما أن وصل حتى رأى العزيز ( واسمه قوطيفار ) كأنه الملك ، وكأنه ( أي العزيز ) تاقت نفسه إلى زوجه الجميلة ، فخشي الأعور أن يصيب منها طرفا من حق ، وأن تقضي هي منه وطراً يلجمها عن الباطل ،،، فوسوس له وقال : أيها العزيز ما لك وللنساء ؟ أنت للسياسة والرياسة ،،، وهنّ والله لأثقل على الكاهل من جَوْلَق بالرمل ممتلئ ، ولا تنال منهن إلا الهم والغم والقيل والقال وسؤ المئآل ،،، وإن الأمانة أيها العزيز كبيرة ، وعلى كاهلك أمم فافرغ لهم وانظر أحوالهم ،،،،،،،،،، .
    فحكّ العزيز لحيته ثم تحوّل عن زوجه ويمم شطر وزارته ، وترك زليخة تلتهب وتلتظي بنار الهوى وما ألذعها من نار ، حتى إذا شدّت على أصابعها وتنهدت بزفرات كأنها الحميم ، وعضت على اللمى بأسنان كأنها اللؤلؤ ،،، أدرك الخبيث أن جنون العشق أتى أو هو آت ، وأنها قتلت الحصانة أو كادت ،،، وحتى إذا أضرحت للخجل وأخذت عزائها فيه ،،، وسوس لها الخبيث فقال : وما ترتجين من ذلك العزيز القحم المتقوّس القناة ؟ كيف تنعمين برجل لا يفعل ما يفعله الرجال ؟؟؟ .
    يا زليخة : والله إن كبدي لتتصدّع حسرة عليك ، والله إنك لكالناقة شدّت بالأصفاد وأمامها مرعى خصيب ،،، كيف يَرِد الشُرّب الماء العذب النمير ولا ينالك منه ذَنُوب ؟؟؟ .
    كيف لهذا الجمال أن يَرِمّ ؟ كيف لهذه الأنوثة أن تمسي آسنة ، راكدة لا حياة فيها ؟ .
    انظري ،،، المرعى أمامكِ ،، ذلك الفتى يوسف ، حسن وبهاء ، ورونق وصفاء ، وفحولة مفرطة لو اصطفّت أمامه الجواري الملاح لافترعهن واحدة تلو الأخرى ولا يبالي التعب ، ألا ترينه يتمطّى في الدار ويأكل رغداً حيث شاء ، وقد استوى على سوقه ويفع وينع أمام عينيكِ بصدر عريض وسواعد مفتولة كالحبل الذي أمَرّه صاحبه مرة تلو مرة حتى عاد شديد القوى ، ناهيك عما به من معسول الجمال الذي لا امرأة أحق به منكِ ،،، ليس هو ابنكِ ولا يُعْرِق في نبعتكِ البتة ، فلا تخشي قالة السوء ،،، ويحكِ يا زليخة كيف تزرعين زرعاً ثم يجتنيه غيرك ؟ ،،، والله إنه الغبن بعينه .
    ولا عليكِ أيتها الأميرة البارعة الجمال لوم ،،، بل حق لكِ أن تأمري فتطاعي ، وحق عليه أن يصيخ لدعوتكِ ، بل الأحق أن يكون مطواعة لكِ ورهن أمركِ ونهيكِ ،،، وسواء لجّ في الحديث أم لم يلجّ ، فلن يتجاوز مكانة المستضعفين .
    هَيْتَ لك :
    أسرف الخبيث في إيحاءآته ، حتى صارت المرأة خلاءً من كل شيء ، وحتى صارت خلاءً إلا من يوسف .
    ثم جعَلَت تنظر إليه خُلسة ، نظرات عاشقة بانَ منها الحبيب وقد أقفرت منه حتى جعلت تلتمس الوصال كيفما اتفق لتروي ما أجدب منها ،،، ثم تعطرت بعطر شذي شميم وتسحّبت إليه على حين غفلة وقد أسفرت من حجابها وأسفرت عن جسم بضّ لا تضاهيه الشمس إذا سطعت ،،،،،، وهمّت بما همّت به ، وكلما جاذبته كان الفتى فَوْت رغبتها ، حتى لكأنه قال لها : ما بكِ سيدتي وماذا تريدين ؟
    قالت بغنج ودلّ لا يتماسك معه رجل : أنت سيدي الساعة يا يوسف ، ومن أجدَبَ انتجع .
    ثم لكأن يوسف أدرك أنها جُنّت بدون مس ، أو سكرت من غير خمر فقال لها متعجباً من قولها : من أجدب انتجع !!! ويحكِ إنه ربي أكرم مثواي .
    ثم جاذبته فتفلّتَ وشابكته فتمنّع وأغرته فتعزّز حتى طار من رأسها طائر ، وتركته ساعة أو أقل لتنظر في أمرها وأمره ،،،،،،، وكان الأعور الخبيث ينظر وقد لمح والده إبليس الأخبث في الجوار كان يسمع ويرى ، فأشار إليه أن هلمّ .
    فهرع إليه وقال : أبتاه ،،، أنت هنا ؟ قال إبليس : نعم ، ولا أكتمك ذات نفسي فقد خشيت ألا تفلح ، غير أنك أبليت بلاء حسنا .
    قال الأعور : يوسف يا أبي ،،، يوسف وما أدراك ما يوسف ،،، برغم ما حُكْتُه بصدر زليخة من ما تنزع إليه الأنثى ثم انطوت عليه ، وبرغم الرغبة التي استحرت بها ، والشغف الذي كأنه جُمع لها من كل النساء ثم جُعل فيها ،،، إلا أنه صدّ وعاند ،،، صدّ وعاند كالصخرة الصماء لا تبالي الحدث !!! عجيب أمره ، كيف هو غِرّ صغير قليل الخبرة بمظان النساء ثم يتعفف !؟ .
    قال إبليس بتحسر وألم : آهٍ ثم آه ، والله لقد أوقعني هذا اليوسف بجهد جهيد وتعب شديد حتى جعلني لا أتقارّ على حالة من النزق .
    وإني لأعجب كيف قمت بالإغواء بما يكفي أمة ثم ضقت بهذا الرجل !!! .
    اسمع بني : سأشد من أزرِك ، علّ أصفاد التمنّع تلك التي شدّ بها نفسه تتكسّر .
    قال الأعور : كيف ؟
    قال إبليس : ما ازدحمت الأنوثة والشغف في نفس امرأة ازدحامهما في امرأة العزيز ،،، وسنجعلها امرأة في جسد أنثى لا أنثى في جسد امرأة ، ومن واتاها أحسّها والْتذّها كاللسان يلتذّ بالعسل .
    قال الأعور : هاه ،،، ما أنثى وما امرأة ؟ ماذا تقول يا أبي ؟
    قال إبليس : خِلْتك من أولي الألباب ،،، أيها الغبي كل أنثى امرأة وليست كل امرأة أنثى ! ،،، على الأنثى تتم مصارع الرجال ،،، الأنثى بُنَيْ تُؤتى حتى لو كان الغراب أبيض منها ، وغيرها يأنفها الرجل حتى لو كان النهار أحلك منها .
    قال الأعور مفتخراً بأبيه : خبيث ،،، خبيث أنت يا أبي ،،، ما العمل ؟
    قال إبليس : الرودان الذي علمتك إياه آنفاً ،،، يجب أن تراوده تلك المرأة ، أنا أنفث من ذات يمينها وأنت تنفث من ذات يسارها حتى لا يبقى في قوس صبرها منزع ، هيا هلم بنا .
    ــــــــــــــــــــــ
    شمّرت العزيمة عن سواعد الجدّ والعمل في نفس إبليس وابنه البار ، وتعاهدا ليبتكنّ كلّ منهما أطراف الفضيلة وأرباضها ، وليجعلا في عزيمة المرأة رخصة سائغة ليوسف .
    فوسوس إبليس لها قائلاً : أي زليخة ، ألا ترين الفحولة في الغلام تكاد تنطق ، والله إنها لا تنتظر إلا وقتها أن يحين ، ولن يقتضي حينونتها إلا تغليق الأبواب ثم الرودان .
    ثم مخر عبابها الأعور ووسوس لها قائلا : وا زليخاه ،،، ما هذا دأب عاشقة البتة ،،، تزيّني واكتحلي وتعطري وارتدي ملابساً ما إن يراك من خلاله إلا ظنكِ متجرّدة ، أو لمحكِ إلا خالكِ متعرية ،،، دعيه يرى دأب عروس ، لا دأب سيدة تأمر وتنهي .
    ثم وسوس لها إبليس فقال : دعي جانباً الملك والسلطان ،،، راوديه ، راوديه ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،، .
    وثبت المرأة ويممت شطر الأبواب فغلّقتها ، وبدأت تراود الفتى روداناً يعجز القلم عن وصفه ورسمه ، حتى لكأنها قالت له : أنت الساعة أملك لي مما مضى ، وهاكَنِي يا برد الفؤاد ،،، هاكني ، فقد ( هيت لك ) وإنك يا يوسف لفاعل .
    فما كانت حيلة يوسف إلا أن يهرب تلقاء باب القصر ، فلحقته ومسكته من قميصه تريد إيقافه ، غير أنها قدّته من دُبُر .
    وما كاد الغلام يمس قفل الباب إلا والعزيز أمامه ،،، فوقف ساعة يتأمل الموقف ، ما هذا ؟ ما الذي حدث في الدار ؟ ما أمر خامر عقل الغلام وعقل المرأة ؟ تساؤلات انسلّت من كل حدب ولا ترجع عن قوطيفار إلا بأجوبة دامغة .
    أما زليخة فقد أطرقت وأجهشت ، ثم أرسلت على خدّها الأسيل شيئاً من دمع ، حتى إذا صدّقت نفسها وهي كاذبة ، استغزرت شئونها وأهمت كالمطر !!! ثم قالت : هو راودني ! .
    أما إبليس فبرغم أنه عض على أصبعه حين أفلت منها الغلام ، إلا أنه أدرك أن الأذى لا محالة بيوسف لاحق ، وعليه لم يبدِ أسفه على هذا الموقف .
    فانبرى حكيم كان برفقة العزيز ( إبن عمّ زليخة ) وارتأى إن كان القميص قدّ من قبل فالغلام راود سيدته وهمّ بها ،،، وإن كان قدّ من دبر فالمرأة هي التي راودته .
    فما أن رأى العزيز برهان الحكيم حتى أطرق خجلاً وقال : إنه من كيدكن وأشار إلى زليخة وطلب منها أن تستغفر لذنبها ،،،،،،،،، .
    وما انسلخت أيام حتى ذاعت نسوة من صويحبات زليخة نبأ الشغف ،،، متعجبات كيف امرأة كامرأة العزيز ذات السلطان والجاه تَكْلَف بغلام يعد من الخدم المستضعفين ؟ بل تعدّت الكلف إلى الشغف ثم الغرام والمراودة طلباً للوقاع حتى يسرّ البدنُ البدن !!! ما هذا ورب الكائنات بالرشاد !!! غلام يازليخة ؟ خادم ربيب يا امرأة الوزير ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .
    تسومع النبأ في أصقاع المدينة وانتشر كالنار في الهشيم .
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
    الوليمة :
    خشي إبليس أن يكون قَدّ القميص وما أسفر عنه الرأي من الأهمية بحيث يكبح جماح المرأة ، كما خشي أن تبرأ من الإثم وتثوب إلى رشدها ، والرشاد كلمة ممقوتة لا يستسيغها إبليس ، فهمّ بتثبيت أطناب الشغف ودعم المرأة بسلطان إن اعترضته حجة نكصت ، أو برهان خار وعاد .
    فوسوس لها وقال : لقد صرت يا زليخة بِحُلُوقِ هاتيك اللواتي يلُمْنكِ كالحَسَك ، لا أنتِ خارجة ولا أنتِ متحدرة ، بل علقتِ كالمضغة في القرار المكين .
    هل هنّ رأين يوسف ؟ هل هنّ أحسَسْن لوعتكِ وحرمانكِ ؟؟؟ لا والله لا والله أيتها الأميرة ، ويحكِ أوْلِمِي لهن واخرجيه عليهن بعد أن يتناولن السكاكين ، وسيكون بعد ذلك شأن آخر .
    ولا تكوني من اللواتي يَتَوَرّكْن على الندم ،،، وأي ندم هذا وأنت لم تقترفي جرماً ولم تأتِ شيئاً إدّا ؟؟؟ وما الحب والهوى إلا وديعة استودعها الله بني البشر ،،، والله لو أخرج العزيزُ الغلامَ لصار إليهن وصرن إليه ،،، ثم تتوسّدي الهمّ والحسرة ، وتبلي وتبلى محاسنكِ .
    فكّرت وأدارت برأسها ما أدارت ، وعزمت على الوليمة ثم دعت النسوة ، وما أن هممن بتقطيع الفاكهة حتى قالت ليوسف : اخرج عليهن ،،، فقط .
    خرج الفتى بقدّ اختلس من الربيع نضارته ومن الغصن نداوته ، وخدّ قهر حمرة الورد حتى عاد الورد يدس بالرغام أنفه ، وشفتان لا تحلبان إلا الشهد ولا أظن العسل إلا شيئاً من رضابه ،،، فتى ليس كالقمر ! والقمر ليس أحلك منه فحسب ، بل عجب القمر وقال بعد أن ترك العالمين التغني به : هذا هو الندّ ،،، هذا هو الندّ الذي جاوز ضياءه ضيائي !!!! .
    وكأن الشمس قالت : لِمَ أُشرق وهذا الغلام على الأرض ؟ ! .
    أما النسوة ،،،،،،،، أما النسوة ، فوالله لكأنهن رأين الملاك بعينه ، والحسن بكنهه ، والرجولة على ما ينبغي لها من قوام ، والفحولة على ما يتسنى لها من دوام .
    من كانت متكئة على الأريكة سوّت قعدتها ، ومن كانت طاوية رِجْلها على الأخرى حسّنت جلستها ، ومن كانت جالسة وقفت ، حتى حزّت السكاكين أيديهن فسالت الدماء سيل البُعَاق ثم أطفن حوله طواف الفراش حول الضوء .
    أما إبليس فكان يتأمل مبتسماً ، ثم قال لولده الأعور : أبشر بني ، فإني لأرجو أن يصرن كلهن امرأة العزيز ،،، والله إني لأرى الجنون بعينه ، ألا ترى كيف استهمن به وقطعن أيديهن ، والله يا أعور لا ألذ ولا أطيب من أن يُمْهرن الطلاق من بعولتهن ثم يُطْبِقن على يوسف إطباق الصَدَف على لؤلؤه .
    قال الأعور : لا أظن اللواتي لُمْنَ زليخة بالأمس يلمنها اليوم ،،، بل سَيُبِحْن لها الإثم ، ويصرّحن بالفحش ،،، .
    أما زليخة ،،، فكانت تبتسم بكبرياء كأنها تسخر من النسوة كيف هن أحدقن بالغلام والدماء لم ترقأ !!! ثم قالت : ماذا أرى ؟؟؟ هذا الذي لمتنّني فيه !!! .
    قالت أحداهن بعد أن تنهدت كأنها نَسِمت عبق الروض : ما هذا الحسن ؟ فقد طغى حتى أرجأ الرجال النظر إلينا لأيام وأشهر أُخَر ،،، أفِضْ علينا وارحمنا ولو بالإثم !!! .
    ثم قالت أخرى : لا أبالي الطلاق إن صرت إليك !!! .
    وأخرى متشطرة الشطر الأقصى من المجلس لا زالت تحز بيدها ولا زالت محدقة بيوسف الذي اكتنز الجمال حتى لم يدع منه ولو قطرة واحدة ،،، تبسمت وخطت نحوه بأقدام حافية على بُسُط كأنها الزرابيّ ، وما أن اقتربت منه وانتشت ريحه كأنه المسك حتى خيّل إليها : أنها أقْوَت من أهلها الأرض ! لا الدار فحسب !!! حيث همّت بتبعيجه بأصبعها لتتحقق من انه رجل من سلالة آدم أم خلقاً آخر ومن أي سماء هبط !!! ثم قالت : لكأني لم أر رجلاً قط !!! ويحك يا زليخة كيف تحملت صدّه ؟ وكيف صبرت على إعراضه ؟؟؟؟؟؟؟ ، يوسف أيها الفتى : لو سبيتني سبي الإماء ، ثم جعلتني رهينة السلاسل والأصفاد بدارك أنظر إليك فحسب ، لما عدلت بتلك الغنيمة غنيمة .
    هنا تقدمت زليخة وهي ترى العجب العجاب ، وعلمت أن لا تثريب ولا لوم عليها بعد الآن وقالت : حسبكن الآن ،،، ودعكن من العبث بما هو صائر إلي لا محالة ،،، أما وقد قطعتن أيديكن بلا حس ولا ألم خلال ساعة من نهار ! فكيف الحال بي وقد نما أمامي حسناً بعد حسن ، وتندّر بهاءً يدفعه سحر ويجره السحر نفسه ، ثم تفتّق عن رجل قوي ، فانبجست الفحولة وتجلّت في داري !!! والله لم أعد أدري كيف شرقاً وكيف غرباً ، ولست أدري ما حظاً أرتجيه من النظر ولا شيء غيره .
    هيا لتلتمس كل واحدة منكن رقعة تجفف بها دمها المسفوك ،،، ولا لوم ، ومن أرادت منكن القيل والقال ، فتلك المدينة وأسوارها ولتنظر أيها أقوى جداراً ولتكن كناطح صخرة ، أما يوسف ، أما يوسف ، ليفعلن ما آمره فأقضي لُبانات الفؤاد المعذب ، وإما السجن .
    ـــــــــــ
    سُرّ يوسف بهذا الوعيد ، فهذا مطلبه وشام من بعيد أمارات إجابة دعوته ( السجن وصرف كيد النساء ) ، وذلكم الله عز وجل أنقذ عبده الطاهر بإيداعه الحبوس ليتخرج منها وزيراً لمالية الفرعون ، بعد أن كان خادما مستضعفا في دار العزيز .
    ــــــــــ
    أما الأعور فما أن سمع نبأ السجن حتى لَمّ ونظر إلى أبيه فوجده مسودّ الوجه حانقاً حتى أمسى كل شرّ قد جمع فيه ثم صرخ قائلاً : السجن !!! السجن !!! هذا ما كنت أخشاه ،،، ثم سرعان ما لفت أنتباهه ثلة من الملائكة تسخر منه قائلة : هِيْهٍ أبا مرة ، ألم نقل لك إنك من المدحورين ؟؟؟ بؤ ،،، بؤ بخزي لا ألبسك الله غيره .
    ثم طار الشقي إلى حيث لا يعلم حتى إذا سكت عنه الغضب غار في الثرى حيث مجمع آصرته .
    هذا ،،، والحمد لله رب العالمين .
    حسين الطلاع



  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الطلاع المبدع ..
    اهلا بك في الواحة....
    عمل اقرب الى الرواية القصيرة ، يعتمد على اسلوب التداعي الذاتي و من خلاله يكتشف ما يجري خلف الكواليس الماوارئية ،تعكس الصورة والسببية في آن واحد ، اللغة رصينة و الأسلوب مميز و لا يخلو من حين لآخر من أدب جريء لا يجرؤ الكثيرون على امتطاء صهوته ، مما جعل الرواية موغلة في الميتافيزيقة ، والطوبائية ، و الأسلوب هذا جديد رائع ، و التمازج بين الواقع و الخيال منح النص بعدا جماليا،ربما بالغ الكاتب قليلا في اشعار المتلقي بامكانية تعميم الصورة هذه ، لكنه ايضا ابدع في رسم ملامح القصة من حيث الاستقاء من المعين الميثولوجي ، القرآني ، وتوظيف القصة القرآنية من اجل الاخراج بنص نوعي لا كمي ، يجعل المتلقي يعيش الحدث بكل تفاصيله وبكل رؤاه .
    محبتي
    جوتيار

  3. #3
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الأخ الأديب : جوتيار تمر
    تحليل متمكن ونظرة تحليلية انبعثت من واحد من أساتيذ التحليل الفاحص
    بارك الله فيك .
    أخوك
    د . حسين الطلاع

  4. #4
    الصورة الرمزية روميه فهد أديبة
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    الدولة : مارس
    المشاركات : 772
    المواضيع : 12
    الردود : 772
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    الفاضل حسين ..

    هذه المره الأولى التي أقرأ قصة يوسف عليه السلام من سطور أخرى ، وكـأنك تكشف لنا
    ما وراه الكواليس بطريقة رائعة وأسلوب مميز مطعّم بالصور الجميلة ..

    دمتَ على هكذا إبداع وأكثر ..

    صاحبة الحروف الأربعة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    من وراء الكواليس كانت الدوافع الخفية بنفثها في نفس امرأة العزيز لتبرز لنا الجانب الغير مرئي لمجمل الحكاية
    قرأت قصة يوسف عليه السلام من قبل مرارا .. ولكن هنا استمتعت بصياغة أدبية مائزة ولغة أنيقة
    بوركت أديبنا الفاضل واليراع
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية لانا عبد الستار أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    العمر : 53
    المشاركات : 2,496
    المواضيع : 10
    الردود : 2496
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    تهيبت لدى قراءتها ففي قصص الأنبياء كيفما كان طرحها ما يجعلك تضطر
    أشكرك

  7. #7
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,110
    المواضيع : 317
    الردود : 21110
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    من أجمل ما قرأت من قصص ـ وقد جعلتنا نعيش أجواء( سورة يوسف ) وكأننا نراهم
    ونسمعهم ونتعرف على ما يدور بخلد كل منهم ـ وقد نجحت في رسم شخصية أبليس
    ووسوسته وأثره على زليخة.
    رائعة الفكرة والسرد ـ رائعة اللفظ والحرف
    سقت النص بمهارة وحرفية ومستوى لغوي متين مستخدما صورا غنية نابضة
    أدهشني نصك وأبهرتني قصتك ولغتك البديعة
    أشكرك على هذا العمل الرائع الذي امتعني.

  8. #8
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    أكتفي بالإعراب عن إعجابي الذي تعرف بأصالة لغتك وبديع تمكنك

    دمت بروعتك

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    مانتوق لمعرفته ويتخيله كل قارئ لقصة يوسف ماهي الطريقة والخطة وتفاصيل الحدث التي اعتمدته زليخة وموقف يوسف عليه السلام وثباته وعفته وكيف حدثت وساوس الشيطان
    وكيفية اجتماع النسوة وحديثهن وقد أظهرت لنا مانريد معرفته بتفصيل
    طريقة جديدة ورائعة
    تقديري

المواضيع المتشابهه

  1. إبليس أعلن الإعتزال !!
    بواسطة محمد جاد الزغبي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 05-12-2008, 07:46 PM
  2. إستدراك مخزأة إبليس
    بواسطة حسين الطلاع في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-09-2008, 11:21 PM
  3. إبليس وفعلته الكبرى
    بواسطة أحمد عبدالرحمن الحكيم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 28-06-2007, 11:13 AM
  4. المعركة مع إبليس وجنوده
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 14-11-2006, 02:36 AM
  5. رجم إبليس بالدنماركية
    بواسطة محمد المختار زادني في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-02-2006, 09:23 AM