أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: طَيْــشٌ

  1. #1
    الصورة الرمزية عبدالإله الزّاكي أديب
    تاريخ التسجيل : Dec 2012
    المشاركات : 1,514
    المواضيع : 68
    الردود : 1514
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي طَيْــشٌ

    كانت الساحة بالبلاد تَشْهدُ غليانا و اضطرابا قويا آنذاك تحت ضغط قوى المعارضة. وكان من الطبيعي أن يطال هذا الحراك السياسي الْحَرَمَ الجامعي و يتخطى أسواره.
    كنت في بداياتي الأولى من التعليم العالي، كنت متوجها إلى إحدى قاعات المحاضرات حين استوقفني طَالبٌ يقول: أيّها الرفيق، التحق بالْحَلَقَة وسط الساحة، سنقاطع الدروس هذا اليوم، و ربما لأيام و أسابيع، فلائحة مطالبنا طويلة و لا شيء منها تحقق !
    كان لي عِلْمٌ بالحَلَقَاتِ في المرحلة الثانوية، لكن متطلباتنا لم تكن تتجاوز سقف مؤسستنا. أخذت مكانا بالحلقة و ألقيتُ السمع للعرض الذي كان يقدّمه أحد الطلبة المدعو الرفيق " مصطفى ". كان متحدثا بليغا يجيد فنّ الخطابة و يفهم كل شيء في السياسة. كان كلما تناول موضوع ما أتقنه درسا و تحليلا و كأنّه أستاذ باحث. عندما كان يأخذ الكلمة أو يردّ على أسئلة الحاضرين تَظَلُّ له رقابنا خاضعة، يشدّ آذان السامعين، حتى أننا لم نعد نخشى على أنفسنا من هراوات الفرق الأمنية و رَفْسِها و رَكْلِها لفكِّ الاعتصام الذي كان يُقرّره الرفيق " مصطفى" و يُجنّدنا إليه، كلما دَعَتِ الحاجة لذلك !
    لقد أحببنا كلمات الرفيق " مصطفى" أكثر من الخبز البائس الذي كنّا نُسكتُ به جوعنا و نَسدُّ به رمقنا.
    كانت سنة سوداء و كان يلوح في الأفق شبح السنة البيضاء من قلة ما أصبناه من العِلْمِ و من فَرْطِ الكدمات و الكسور التي أثثت و تناثرت على أجسامنا.
    لم يكن أمام السلطة من خيار آخر، تمَّ اعتقال الرفيق " مصطفى" و أقرب معاونيه ! خيّم الحزن على محيط الجامعة و ساد الصمت المكان. لم تمض سوى أيام قليلة حتى عاودتِ السلطة الكرة و أجهزتْ على كل الأيادي الخفية التي كانت تحرّك الخيوط في الظلام، و قطعتْ بذلك كل رؤوس التنين الهائج.
    مرّت الأيام و بدأ الطلبة المعتقلين يظهرون واحدا تلو الأخر أو دُفعة دُفعة. كانوا يحكون ما ذاقوه من ألوان و سوء العذاب في غياهب الجُبِّ و كنّا نُنْصِتُ إليهم في ذهول و إعجاب . منهم من قضى رهن الاعتقال أسبوعين، شهر،...، سنة. كل حسب التُّهْمَة المنسوبة إليه و قدرة تحمّله. لكن ظل الرفيق " مصطفى" مختفيا عن الأنظار و لم يُعْثَر له على أثر أو يُعرف له سبيل، ظنناه لقي حتفه و دفع دمه ثمنا و فداءا لأفكاره. نصّبناه شكي فارا نتغنى بمبادئه، و نروي بطولاته . أبقيناه في قلوبنا و أحييناه في ذواتنا و لم يَفل نجمه و إن وارى جثمانه التراب.
    مرّت سنين طويلة...، ذات يوم، كنت أتابع حوارا تلفزيا حول المشهد السياسي بالبلاد، طلع علينا الدكتور الرفيق " مصطفى "، الخبير في العلوم السياسية و الأستاذ الباحث في إحدى الجامعات، يترافع عن الحصيلة الإيجابية للسلطة و يعدّ محاسنها و يردّ على قوى المعارضة !
    أطفئت الجهاز، و في خشوع تام، قرأتُ سورة الفاتحة على روح الشهيد الرفيق " مصطفى".

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد الشرادي أديب
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 721
    المواضيع : 35
    الردود : 721
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهيل المغربي مشاهدة المشاركة
    كانت الساحة بالبلاد تَشْهدُ غليانا و اضطرابا قويا آنذاك تحت ضغط قوى المعارضة. وكان من الطبيعي أن يطال هذا الحراك السياسي الْحَرَمْ الجامعي و يتخطى أسواره.
    كنت في بداياتي الأولى من التعليم العالي، كنت متوجها إلى إحدى قاعات المحاضرات حين استوقفني طَالبٌ يقول: أيّها الرفيق، التحق بالْحَلَقَة وسط الساحة، سنقاطع الدروس هذا اليوم، و ربما لأيام و أسابيع، فلائحة مطالبنا طويلة و لا شيء منها تحقق !
    كان لي عِلْمٌ بالحَلَقَاتِ في المرحلة الثانوية، لكن متطلباتنا لم تكن تتجاوز سقف مؤسستنا. أخذت مكانا بالحلقة و ألقيتُ السمع للعرض الذي كان يقدّمه أحد الطلبة المدعو الرفيق " مصطفى ". كان متحدثا بليغا يجيد فنّ الخطابة و يفهم كل شيء في السياسة. كان كلما تناول موضوع ما أتقنه درسا و تحليلا و كأنّه أستاذ باحث. عندما كان يأخذ الكلمة أو يردّ على أسئلة الحاضرين تَظَلُّ له رقابنا خاضعة، يشدّ آذان السامعين، حتى أننا لم نعد نخشى على أنفسنا من هراوات الفرق الأمنية و رَفْسِها و رَكْلِها لفكِّ الاعتصام الذي كان يُقرّره الرفيق " مصطفى" و يُجنّدنا إليه، كلما دَعَتِ الحاجة لذلك !
    لقد أحببنا كلمات الرفيق " مصطفى" أكثر من الخبز البائس الذي كنّا نُسكتُ به جوعنا و نَسدُّ به رمقنا.
    كانت سنة سوداء و كان يلوح في الأفق شبح السنة البيضاء من قلة ما أصبناه من العِلْمِ و من فَرْطِ الكدمات و الكسور التي أثثت و تناثرت على أجسامنا.
    لم يكن أمام السلطة من خيار آخر، تمَّ اعتقال الرفيق " مصطفى" و أقرب معاونيه ! خيّم الحزن على محيط الجامعة و ساد الصمت المكان. لم تمض سوى أيام قليلة حتى عاودتِ السلطة الكرة و أجهزت على كل الأيادي الخفية التي كانت تحرّك الخيوط في الظلام، و قطعت بذلك كل رؤوس التنين الهائج.
    مرّت الأيام و بدأ الطلبة المعتقلين يظهرون واحدا تلو الأخر أو دُفعة دُفعة. كانوا يحكون ما ذاقوه من سوء العذاب في غياهب الجُبِّ و كنّا نُنْصِتُ إليهم في ذهول و بإعجاب . منهم من قضى رهن الاعتقال أسبوعين، شهر،...، سنة. كل حسب التُّهْمَة الموجهة إليه و قدرة تحمّله. لكن ظل الرفيق " مصطفى" مختفيا عن الأنظار و لم يُعْثَر له على أثر أو يُعرف له سبيل، ظنناه لقي حتفه و دفع دمه ثمنا و فداءا لأفكاره. نصبناه شكي فارا نتغنى بمبادئه، و نروي بطولاته . أبقيناه في قلوبنا و أحييناه في ذواتنا و لم يَفل نجمه و إن وارى جثمانه التراب.
    مرّت سنين طويلة...، ذات يوم، كنت أتابع حوارا تلفزيا حول المشهد السياسي بالبلاد، طلع علينا الدكتور الرفيق " مصطفى "، الخبير في العلوم السياسية و الأستاذ الباحث يترافع عن الحصيلة الإيجابية للسلطة و يعدّ محاسنها و يردّ على قوى المعارضة !
    أطفئت الجهاز، و في خشوع تام، قرأتُ سورة الفاتحة على روح الشهيد الرفيق " مصطفى".
    أخ سهيل

    إن الرجال الكبار الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه، و لم يبدلوا تبديلا مهما كانت الإغراءات و التهديدات قليلون جدا. لأن الكثيرين يغيرون آراءهم كما يغيرون قمصانهم، و لا يجدون في ذلك حرجا، بل هذه الطينة من السياسيين خطيرة جدا تكون عليمة بمواطن قوة و ضعف المعارضين الشرفاء فيكون ضررهم قوي و كبير.
    لقد كنت كريما معه أخي سهيل لأنك قرأت عليه الفاتحة. لأن من انتحر لا تجوز الصلاة عليه بعد انتحاره.
    تحياتي

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالإله الزّاكي أديب
    تاريخ التسجيل : Dec 2012
    المشاركات : 1,514
    المواضيع : 68
    الردود : 1514
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الشرادي
    أخ سهيل
    إن الرجال الكبار الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه، و لم يبدلوا تبديلا مهما كانت الإغراءات و التهديدات قليلون جدا. لأن الكثيرين يغيرون آراءهم كما يغيرون قمصانهم، و لا يجدون في ذلك حرجا، بل هذه الطينة من السياسيين خطيرة جدا تكون عليمة بمواطن قوة و ضعف المعارضين الشرفاء فيكون ضررهم قوي و كبير.
    لقد كنت كريما معه أخي سهيل لأنك قرأت عليه الفاتحة. لأن من انتحر لا تجوز الصلاة عليه بعد انتحاره.
    تحياتي

    أشكر لأخي الكريم و أديبنا القدير محمد الشرادي قراءته المتأنية و تفاعله مع النص، فكما عهدناك لا تبخل علينا بإضافاتك التي تسلط الضوء على جوهر الموضوع و الحكمة من وراءه.
    تحاياي أخي الكريم و بالغ تقديري مع الود

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,110
    المواضيع : 317
    الردود : 21110
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    كما تتلون الحرباء يغيرون جلودهم , ليخطبوا بها ود النظام
    يلبسوا لكل حال لباس , ويفصلوا أفكارهم بقدر ما تسمح به
    هذه الأفكار من التسلق للوصول لمقاليد السلطة والحكم ..
    ولا يهم بعد ذلك مبدأ أو عقيدة .

    أستمتعت بما كتبت بأسلوب جميل وسرد رائع
    تدير شراع القص بقوة وحنكة
    سلمت يداك .

  5. #5
    الصورة الرمزية عبدالإله الزّاكي أديب
    تاريخ التسجيل : Dec 2012
    المشاركات : 1,514
    المواضيع : 68
    الردود : 1514
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية محمد الجابى مشاهدة المشاركة
    كما تتلون الحرباء يغيرون جلودهم , ليخطبوا بها ود النظام
    يلبسوا لكل حال لباس , ويفصلوا أفكارهم بقدر ما تسمح به
    هذه الأفكار من التسلق للوصول لمقاليد السلطة والحكم ..
    ولا يهم بعد ذلك مبدأ أو عقيدة .

    أستمتعت بما كتبت بأسلوب جميل وسرد رائع
    تدير شراع القص بقوة وحنكة
    سلمت يداك .
    شكرا أختي و أديبتنا القديرة نادية الجابي على إضافاتك التي أنارت النص و ثنائك الذي أبهج النفس، فدعمكِ هو المحفز و الدافع.
    تحاياي و بالغ تقديري.

  6. #6
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    أخي سهيل
    وذلك حال نفر ممن اتخذوا الوطنية مطيةً لاحلامهم بينما الوطن هو الحلم
    نهاية قوية حين قرأت الفاتحة وإن كنت أتمنى أن تكون بدون كلمة شهيد
    سرد سلس و مباشر ..تحياتي
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  7. #7
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    نهاية مؤلمة... أظهرت النّفاق والتّسربل بسربال الوطنيّة ورفع الشّعارات البّراقة للوصول لغاية معيّنة
    آفة نفسيّة اجتماعيّة خطيرة
    قصّة هادفة
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    (المعتقلون - شهرا - وفداءً - شكي؟ - ولم يأفلْ - أطفأت ) )

  8. #8
    الصورة الرمزية عبدالإله الزّاكي أديب
    تاريخ التسجيل : Dec 2012
    المشاركات : 1,514
    المواضيع : 68
    الردود : 1514
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش
    أخي سهيل
    وذلك حال نفر ممن اتخذوا الوطنية مطيةً لاحلامهم بينما الوطن هو الحلم
    نهاية قوية حين قرأت الفاتحة وإن كنت أتمنى أن تكون بدون كلمة شهيد
    سرد سلس و مباشر ..تحياتي
    جعلناه شهيدا حتى نُبْقِيَ على الحُلْمِ أخي الكريم و أديبنا القدير عبدالسلام دغمش.
    شكرا على مرورك العطر و العبق الذي تزكي به دوما نصوصي المتواضعة، تحاياي و بالغ تقديري.

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    يحقُّ لك أن تسميها طيش لأنه فعله فعلا طائشا , من يعرف الحق عزَّ المعرفة ويؤمن بمادئه سيحارب الظلم حتى آخر رمقٍ فيه ولن يتغير أبدا بإذن الله ولكن هؤلاء نادر والأكثرية يخشون التعذيب والتهديد فإما يكون لمخه غسيل ويتحول شخصية أخرى ويتساهل ويساند الباغي أو قد يقول بلسانه مضطرا غير مايؤمن به في قلبه
    القصة لن أقول فيها تشويق ولكنها من عمق الواقع وقضية مهمة يجب على كل إنسان أن ينتبه لنفسه ويكون أكثر قوة وإيمانا بمبادئه إن كان على حق , والوصف فيها يجذب القارئ , وايضا النهاية كانت مفاجأة
    فإني توقعته قتل لكن صلاة صاحبه عليه كانت صلاة على روحه الصادقة القديمة واستغرابا لانقلاب حاله

    أستاذ سهيل ..
    اشهدُ بجمال قلمك , تحياتي

  10. #10
    الصورة الرمزية فاتن دراوشة مشرفة عامة
    شاعرة

    تاريخ التسجيل : Jul 2009
    الدولة : palestine
    المشاركات : 8,906
    المواضيع : 92
    الردود : 8906
    المعدل اليومي : 1.66

    افتراضي

    هنالك الكثير من المتجلببين بالشّعارات والأوهام

    في زمن باتت الديماغوغيا منهجا لشحن النّفوس وشحذ الهمم لتحقيق مآرب قوى خفيّة لا ندري كُنهها

    وبما أنّ وسائل الاتّصال تطوّرت بات الزّحف أقوى وأنجع

    طرح راقٍ لقضيّة هامّة أخي

    مودّتي

    فاتن

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. طيــش ..
    بواسطة احسان مصطفى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-03-2010, 11:22 PM