أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: حدث هذا غداً

  1. #1
    الصورة الرمزية يحيى البحاري أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : السودان
    المشاركات : 686
    المواضيع : 60
    الردود : 686
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي حدث هذا غداً


    كانت أيامه تتسرب سريعاً وعمره يسارع نحو الشيخوخة.. إن تأخر عنك الموت فلن يتجاوزك تقدم العمر! قال هذا لنفسه.
    بات يقضي معظم أوقاته على فراشه، داخل غرفة قصيّة من الغرف العديدة للفيللا.. الغرفة التي اختارها له ابنه وهو يقول:
    - إنها بعيدة عن الضوضاء .. هنا ستجد راحتك يا أبي
    فتقبل منه هذا الاختيار.. وهو يعلم بأنه شيء كالإقصاء من الحياة.. وكلاهما يدرك بأن هذا كان قرار الزوجة " زوجة الابن " التي تدير الأمور في صلف وغرور.. كان فيما مضى يهابه جميع الموظفين معه، يكفي حضوره إلى المؤسسة حتى يعم الصمت المكان، و يشرع الكل في قضاء عمله.. اجتهد في وظيفته حتى تقلد مناصب رفيعة في الدولة.. وإلى جانب ذلك كان يقوم بواجباته كأب ناحية ابنه الوحيد، بعد وفاة زوجته في بواكير شبابه.. فوهب حياته للعمل وابنه .. رافضا فكرة الزواج حتى لايكون لابنه زوجة أب تعكر صفو حياتهما.. إلا أن دائرة الدولاب الوظيفي أدارت له ظهرها ببلوغه سن التقاعد، يومها أحسّ بأن شيء ما بدأ يتناقص من شخصيته، في البدء كان يهاتفه بعض أصدقاء العمل ثم انقطعوا عنه بمرور الوقت، وكان ابنه كثير التأفف منه إذا ماراه خارجاً في زيارة إلى أحد أصدقائه القدامى .. أو إذا رغب في الذهاب إلى النهر .. ولاشيء يفعله غير أنّه يقضي معظم وقته وهو يطالع الجرائد اليومية، لعله يجد فيها من يستدعيه للعمل أو قد يجد خبراً يلغي قرار وصوله إلى سن المعاش! والصحة تتسرب من جسده المنهك.. صار حبيس غرفته القصيّة التي تكسوها الوحشة من كل جانب.. إلا أن كل هذا يتبدد بزيارة حفيده إليه، حيث يحسّ بعدها بأن الحياة تدب في عروقه من جديد.
    قال الحفيد : متى سنذهب إلى النهر ياجدي؟
    - مساءً.. قالها وهو يتناسى غضب ابنه!
    وفي المساء.. شعر الجد بنشاط يسري فى جسده، نهض واقفاً وهو يحمل أدوات الصيد، والحفيد يجاذبه إياها.. كان عليهما أن يتدبرا كيفية التسلل خارج السور، في خفية وحرص بالغين خشية أن يلمحهما ابنه أو زوجة ابنه.. والحفيد يحسّ ويفهم أن الابن دائماً يخاف أبيه و يتساءل لمَ جدي يخاف من أبي؟ وفي براءة الأطفال تنعقد خواطره وتتلاشى.. ثم أخذ يتطلع إلى الفناء يمنة ويسرة وقال:
    - هيا بنا يا جدي، وكأنه قرأ تردد جده.. أكمل قائلاً: لايوجد أحد الطريق خالٍ ياجدي.. هيا بنا
    توكأ الجد على عصاه، وبريث تتبع حفيده.. عندما خرجا من الباب حرص الحفيد على إغلاقه بمهل حتى لايصدر صريراً.. ومن ثم نظر إلى جده وعلى شفتيه ابتسامة تخبره.. ها قد نجحنا ياجدي .. والحفيد يسبقه إلى الطريق يركض ويتقافز أمام ناظريه
    - ياجدي على مهلك هنا بقايا طين.. حاذر ياجدي هنا بركة من المياه .. تعال من هنا، هناك أشواك ياجدي
    كان النهر ينساب في تحد واضح بأنه لن ينضب حتى وهو في موسم انحساره والجد يفهم هذا، كأن النهر يعيد مرحلة شبابه.
    يسأله الحفيد:
    - جدي، جدي من أين أتى النهر؟ وإلى أين يمضي؟
    كان الحفيد حفيّاً بجده والجد فرحٌ بالعاطفة التي يمنحها إيّاه وفي ذاكرته وميض من طفولة ابنه عندما كان يأتي معه إلى النهر قبل أن يصير رجلاً ويعرف كيف (ينتهره) كان يُلح عليه بأن يأخذه معه.
    - أبي أريد مرافقتك إلى النهر
    ويقضي نهاره إلى جواره محاذراً أن يغافله ويذهب إلى النهر بدونه، ويذعن في نهاية الأمر إلى مطالبه، أو هو الذي يناديه هيا إلى النهر.. والأسئلة تتقافز إليه لماذا يكبر الأبناء؟ أليس لمساندة الآباء؟ وخيوط من المقارنة تتسرب إلى ذهنه مابين حفيده وابنه.. وتنزلق روحه إلى أعماق العاطفة ويأبى أن يتقبل قسوة ابنه عليه، أو أن ينكر أبوته ويحسّ بأن هنالك شيء يربطه بسلاسل أكبر من أن يعرف كنهها.. كان يدرك بأنها ذات صلة، صلة قوية، إنّه قلب الأب.. ويأتيه صوت حفيده وهو يقلد تغريد الطيور .. ليته كان مثل هذا النهر لايشيخ أبداً، أبداً.. أو ليته كان فقط في موسم انحساره، لماذا ينحسر النهر؟ لماذا لايحتملنا الأبناء عندما يمتد بنا العمر؟ وبصيص من شعاع الخيوط المتشابكة في ذهنه تطفو على عينيه.. وثمة دمعة غطت على تلك الخيوط، فمسح عينيه بكُم جلبابه ورمق حفيده بطرف عينيه لعله رآه يدمع أو ليت ابنه يدرك بأنه مازال إنساناً له مشاعر وأحاسيس.
    - قلت لك إني غير موافق على هذه الزيجة
    - هذا اختياري يا أبي ولن أتراجع عنه
    هاهو ابنه قبل سنوات قرر الارتباط بامرأة ستكون وبالاً عليه، قبل أن يمنحها أذنيه.. اترك هذا وافعل كذا! ومن ثم رهن نفسه إليها.. ألا يعلم بأن قلب الأب رادار يستشعر الخطر المحدق بالأبناء؟! بقدر أوهامه تزنّ زوجته في عقله، و تُملي عليه أجندتها الخفية بدءاً بالأب الذي صار ثقيلاً على قلبيهما أو كأنه غير جدير بالإنتماء إليه، حين قالت له:
    - إن والدك رجل "غلباوي "
    كان حرياً به أن يقول لها: إنه أبي لا أن يوافقها القول! والحفيد ممسك بـصنارته لعلها تأتيه بجرّة المارد كما حكى له جده من قبل .. إلا أنه في النهر دائماً تأتي الرياح بما لايشتهي الحفيد.. بدأت الرياح المتحركة من أقصى الجنوب تتوارد إلى صفحة النهر ويعلو السماء غبار كثيف ينذر بالعاصفة.
    - ياجدي دعنا نعود إلى البيت ستهب العاصفة ياجدي، كأنه يقول له: سيعاقبك أبي ياجدي
    أسرع الحفيد عائداً إلى البيت ومن خلفه جده.
    - هيا يا جدي، حاذر ياجدي، هنا حفرة ياجدي، هنا أشواك ياجدي
    عندما دلفا إلى داخل الفناء كان الأب واقفاً في منتصف المسافة بين الباب وغرفة الجد القصية.. كان الخوف الذي اعترى الحفيد من العاصفة أنساه قسوة أبيه وعقابه إلى جده، ركض ناحية أبيه كأنه يستنجد به من العاصفة ودفن وجهه في حضنه.. والأب يحدق في الجد ولسان حاله يحدث باللوم والوعيد.. بينما وقف الجد متكئاً على عصاه وعيناه تقطعان المسافة الممتدة بينه وبين غرفته.. يحادثه قلبه، ليت الأب يعرف بأن للجد خيوط لاتنقطع عن الابن.


    الخرطوم/ أول أيام عيد الفطر / 1433 هــ
    يحيى البحاري

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    أخي البحاري

    عنونتها " حدث هذا غداً " وكأنك تقول أن صلف الأب سينتقل إلى إبنه بعد عهد..
    كانت تلك العاصفة ..من رياح الطبيعة ومن جفاء الاب على أبيه العجوز ..إنذاراً مبكّراً
    سرد سلس ممتع..
    أراك قد استهللت بعض المقاطع ب واو العطف ..واتمنى لو انك تراجع ذلك
    تحياتي

    وبتريّث
    عقابه لجدّه
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    الصورة الرمزية يحيى البحاري أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : السودان
    المشاركات : 686
    المواضيع : 60
    الردود : 686
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    أخي البحاري

    عنونتها " حدث هذا غداً " وكأنك تقول أن صلف الأب سينتقل إلى إبنه بعد عهد..
    كانت تلك العاصفة ..من رياح الطبيعة ومن جفاء الاب على أبيه العجوز ..إنذاراً مبكّراً
    سرد سلس ممتع..
    أراك قد استهللت بعض المقاطع ب واو العطف ..واتمنى لو انك تراجع ذلك
    تحياتي

    وبتريّث
    عقابه لجدّه

    أهلا أخي دغمش
    أشكرك على المرور وعلى تنويري وتصويبي
    سأعدل ذلك في موضع آخر لأن الزمن المسموح به للتعديل هنا قد إنتهى
    تحياتي

  4. #4
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    للعقوق صور متنوّعة...
    لا أدري لمَ يلقي الأبناء بآبائهم في زوايا الذّلّ، ولا يخشون المصير ذاته من أبنائهم؟!
    قصّة معبّرة عن صورة واقعيّة أليمة
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    دوائر الزمن تدور وأوراق الخريف تتساقط ليأتي بعدها الربيع بأزاهيره اليانعة تعطي للحياة مذاق مختلف
    ربما ذكرني النص بشخوصه لنص بعنوان " أوراق خريف العمر للقاصة الأخت " سعاد محمود الأمين " مما جعلني أقول أن الفكرة ليست جديدة ولكنها فقد ارتدت ثوبا آخر نسجته وحاكته يراعك
    بوركت أديبنا
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية يحيى البحاري أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : السودان
    المشاركات : 686
    المواضيع : 60
    الردود : 686
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    للعقوق صور متنوّعة...
    لا أدري لمَ يلقي الأبناء بآبائهم في زوايا الذّلّ، ولا يخشون المصير ذاته من أبنائهم؟!
    قصّة معبّرة عن صورة واقعيّة أليمة
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

    أختي أ. كاملة
    ربما هي الغفلة من الزمن
    تحياتي

  7. #7
    الصورة الرمزية يحيى البحاري أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : السودان
    المشاركات : 686
    المواضيع : 60
    الردود : 686
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    دوائر الزمن تدور وأوراق الخريف تتساقط ليأتي بعدها الربيع بأزاهيره اليانعة تعطي للحياة مذاق مختلف
    ربما ذكرني النص بشخوصه لنص بعنوان " أوراق خريف العمر للقاصة الأخت " سعاد محمود الأمين " مما جعلني أقول أن الفكرة ليست جديدة ولكنها فقد ارتدت ثوبا آخر نسجته وحاكته يراعك
    بوركت أديبنا
    تحاياي
    أهلا أختي أ. آمال
    ملاحظتك في محلها الأخت الأديبة سعاد أكن لها كل الود والاحترام
    كانت قد اقترحت علي من قبل بكتابة قصة مشتركة بيننا اختارت الموضوع
    وشرعنا في الكتابة ثم آثرت اكمالها بمفردها ، احترمت رغبتها
    على أمل كتابة عمل مشترك آخر
    تحياتي

  8. #8
    الصورة الرمزية فاتن دراوشة مشرفة عامة
    شاعرة

    تاريخ التسجيل : Jul 2009
    الدولة : palestine
    المشاركات : 8,906
    المواضيع : 92
    الردود : 8906
    المعدل اليومي : 1.66

    افتراضي

    طرح رائع لقضيّة تتوارثها أجيالنا جيلا بعد جيل

    ليت هذه الدراما المأساويّة تتوقّف

    وليت جيل الأبناء يعي فداحة تنصّله من رعاية من حملوا همّهم ورعوهم صبية وأطفالا

    برّ الوالدين هي أسمى المعاني التي تكلّل مجتمعا يصبو إلى النّهوض والتقدّم

    فلولا هذه الجّذور لما كان لنا نبت على وجه هذه الأرض

    وليتنا نعي أنّ مصيرنا سيكون تماما كمصيرهم

    وأن نسعى لتحسينه ببرّنا لهم ليتعلّم أبناءنا هذه القيمة الرّائعة منّا

    دامت روعة حروفك مبدعنا

    مودّتي

    فاتن

  9. #9
    الصورة الرمزية يحيى البحاري أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : السودان
    المشاركات : 686
    المواضيع : 60
    الردود : 686
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن دراوشة مشاهدة المشاركة
    طرح رائع لقضيّة تتوارثها أجيالنا جيلا بعد جيل

    ليت هذه الدراما المأساويّة تتوقّف

    وليت جيل الأبناء يعي فداحة تنصّله من رعاية من حملوا همّهم ورعوهم صبية وأطفالا

    برّ الوالدين هي أسمى المعاني التي تكلّل مجتمعا يصبو إلى النّهوض والتقدّم

    فلولا هذه الجّذور لما كان لنا نبت على وجه هذه الأرض

    وليتنا نعي أنّ مصيرنا سيكون تماما كمصيرهم

    وأن نسعى لتحسينه ببرّنا لهم ليتعلّم أبناءنا هذه القيمة الرّائعة منّا

    دامت روعة حروفك مبدعنا

    مودّتي

    فاتن
    أهلا بك أيتها الأديبة الراقية
    اعتقد بأن التربية تلعب دورا مهما في سلوك الأبناء في المستقبل
    تحياتي

  10. #10
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    هي حلقة تقود بعض نقاطها إلى بعض
    ليقف الحفيد غدا حيث يقف أبوه اليوم، ويخطو الأب/الإبن العاق إلى حيث

    هي قصة كل يوم، عقوق وقسوة يمارسها اليوم لتمارس بحقه غدا
    ومشهد جميل ماتع

    دمت بألق

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. :::( حدث فى مثل هذا اليوم ):::
    بواسطة فريد عبدالعزيز في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-11-2022, 06:05 PM
  2. حدث في مثل هذا اليوم .. متجدد باستمرار
    بواسطة آمال المصري في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 825
    آخر مشاركة: 13-11-2012, 02:47 PM
  3. لماذا حدث هذا في مخيّم اليرموك؟!
    بواسطة زهراء المقدسية في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-06-2011, 10:35 PM
  4. غدا غدا
    بواسطة اسماء محمود في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 13-05-2007, 10:37 AM