دماء باردة

دمــاء بــاردة

لم تكن هي المرة الأولى التي تقف فيها أمام مرآتها حائرة باكية , عاينت وجه من تقف أمامها لم تلاحظ سوى تيبس القسمات وغياب دورة دموية كانت موجودة, أدركت حينها أنها فقدت كثيرا مما كانت تحمل من أنوثة , فركت وجهها علها تحرك شيئا من دماء باردة تسكنه , شيء ما أخذ يدور في رأسها وهي تقلب شفتيها وكأنها لا تثق فيما تفكر به , إذن ليس أمامها إلا الإنتظار كما هي عادتها , ولكن ماذا يدور في رأسك أيتها المرأة ؟ هزت رأسها أعادت النظر الى من تواجهها مرة أخرى ابتسمت لها ولكن شيئا لم يتغير من قسمات وجهها فقد بقي باهتا زهرات عمرها الأربع يغطون في نوم عميق ولا يدركون ما يدور حولهم ,حتى وإن أدرك بعضهم فلا حول لهم ولا حيلة نظرت الى وجوههم الملائكية , أطالت النظر فشقت صدرها تنهيدة طويلة قاسية انحدرت على إثرها الدموع غطت وجهها بكفيها لعل ذلك يحجب ما انحدر منهما , حاولت ردع ذلك ولم تفلح كان الوضع أكبر من إرادتها . وهي على كل حال فقدت إرادتها منذ زمن بعيد في آخر الليل اعتاد أن يعود محمَّلا بقسوة يغطي بها عجزه وقد اعتادتها واستسلمت لهاإهانات بكل صنوفهاإذا سألته عن سبب تأخره وأقذع منها إن هي بقيت صامتة ,والويل لها إذا اتجهت للنوم قبل قدومه وقبل أن يغسلها بكيل من الشتائم بلا أدنى سبب أما هي فكانت أثناء ذلك تنظر الى أولادها وتبكي تبكي في صمت . رجعت الى مرآتها , نظرت , تنهدت حاولت خلع ابتسامة من شفتها , أزالت ما يغطي رأسها هزته بقوة فتناثر شعرحالك السواد حول وجه مستدير أبيض وعنق طويل جميل . قررت أن تجعل هذه الليلة مختلفة , تصادف هذه الليلة اكتمال عمر زواجهما العاشر, قررت أن تفتح ولو كوّة صغيرة نحو نافذة أمل . نظرت الى مرآتها طويلا, تلمست وجهها , أرادت وضع بعض من الماكياج ترددت هزت رأسها استدارت هاربة , ولماذا لا أضع وأنفذ , النتيجة واحدة , وربما تعيده الذكرى فأرى ليلة مختلفة بعيدة عن الشتائم عادت الى مرآتها , تزينت واكتحلت , لبست فستان زفافها القديم , أعدت مائدة متواضعة , أشعلت بعض الشموع وجلست تنتظر . آخر الليل وقبيل الفجر بقلبل كان يدفع ويرفس الباب بكلتا يديه وبقدميه منبئا عن قدوم ثور هائج امتقع لونها وتيبست قسماتها باديء الأمر ولكنها تقدمت فتحت له الباب , تصنعت بعض ابتسامة ورحبت نظر اليها من أعلى الى أسفل ومن أسفل الى أعلى ولم يصرخ كعادته انفردت أساريرها قليلا وبصوت به كثير من الهدوء وهو بدير ظهره أنت طالق , طالق , طالق ذابت فرحة كانت قد أعدتها منذ المساء وطوال ليلة كاملة أمام جبروت شرط الزمته به صحبة القمار

القدير محمد ديب سليمان

قدرة فائقة على تصوير موقف درامي واقعي بفنية واقتدار

أعرف هذه الشخصية جيدا لأنها تناسلت في الحياة بشكل مخيف ...

سعيدة جدا لكوني أول من يصافح هذه الرائعة

وأرشحها لقصة الشهر

تقديري وإعجابي

منذ فترة وأنا لم أقرأ بتمعن كما اليوم لأجدني هنا بين تلك الصور التي صنعتها أيدي ماهرة
استمتعت بكل لفتة وكأنني على أرض الحدث لأقول لقد سردت واقعا سيدي الفاضل
للأسف الشديد هناك البعض لايعي قيمة الحياة الأسرية ولايقدرها بل ولايتأثر بها كما تأثر هنا بصحبة السوء التي ألزمته بالطلاق
نص باذخ سيدي صاحب القلم بهي الحضور
راق لي النص وأرشحه لقصة الشهر
تقديري

الأستاذ الفاضل : محمد ذيب سليمان

قصة رائعة أستاذي ، تتقدم فيها أدواتك في القص بسرعة كبيرة ، كل شيء في القصة كاان رائعا ، تصاعد الحدث ، الحبكة ، النهاية ..
نقطة واحدة رأيتها لم تكن في مكانها : المبالغة في القفلة .
فاظهار التناقض ، بين شخصية هذه المرأة وزوجها ، واظهار الفارق الأسري ، والانساني ، لم يكن يستدعي المبالغة في الحدث ، بأن يطلقها دون أن تفعل أي شيء أو حتى يفتعل شجاراً معها .
في ظني كانت القصة ستكون أجمل وأروع ، لو ظهر هذا التناقض من خلال لامبالاته ، دخوله المنزل صامتاً على غير العادة ، دون صراخ ، متجاهلاً مظاهر الاحتفال التي أعدتها له ، يرتقي سريره ، يدير لها ظهره ، ثم يغط في نوم عميق حتى أنها تسمع صوت شخيره وهي لم تفق من الصدمة بعد .
هكذا ستكون القصة قد أظهرت الحدث ، وصاعدت منه بطريقة هادئة ، دون مفائة لم يكن لها ما يبررها .
وهذا طبعاً مجرد رأي متواضع من قارئ ومهتم ليس الا ..وما أنا الا تلميذ في حضرة الكبار .

شكراً أستاذي على قصتك المبدعة
ودي لك دائماً

إذا كنت لم أستطع تبيان السبب في طلاقها
رغم أنه واضح وجلي فهذا قصور في كتابتي

القصة واقعية مئه بالمئة
مع بعض التصرف الذي يفرضه نص قصصي

دمــاء بــاردة

لم تكن هي المرة الأولى التي تقف فيها أمام مرآتها حائرة باكية , عاينت وجه من تقف أمامها لم تلاحظ سوى تيبس القسمات وغياب دورة دموية كانت موجودة, أدركت حينها أنها فقدت كثيرا مما كانت تحمل من أنوثة , فركت وجهها علها تحرك شيئا من دماء باردة تسكنه , شيء ما أخذ يدور في رأسها وهي تقلب شفتيها وكأنها لا تثق فيما تفكر به , إذن ليس أمامها إلا الإنتظار كما هي عادتها , ولكن ماذا يدور في رأسك أيتها المرأة ؟ هزت رأسها أعادت النظر الى من تواجهها مرة أخرى ابتسمت لها ولكن شيئا لم يتغير من قسمات وجهها فقد بقي باهتا زهرات عمرها الأربع يغطون في نوم عميق ولا يدركون ما يدور حولهم ,حتى وإن أدرك بعضهم فلا حول لهم ولا حيلة نظرت الى وجوههم الملائكية , أطالت النظر فشقت صدرها تنهيدة طويلة قاسية انحدرت على إثرها الدموع غطت وجهها بكفيها لعل ذلك يحجب ما انحدر منهما , حاولت ردع ذلك ولم تفلح كان الوضع أكبر من إرادتها . وهي على كل حال فقدت إرادتها منذ زمن بعيد في آخر الليل اعتاد أن يعود محمَّلا بقسوة يغطي بها عجزه وقد اعتادته واستسلمت له إهانات بكل صنوفها إن سألته عن سبب تأخره وأقذع منها إن هي بقيت صامتة ,والويل لها إذا اتجهت للنوم قبل قدومه وقبل أن يغسلها بكيل من الشتائم بلا أدنى سبب أما هي فكانت أثناء ذلك تنظر الى أولادها وتبكي تبكي في صمت . رجعت الى مرآتها , نظرت , تنهدت حاولت خلع ابتسامة من شفتها , أزالت ما يغطي رأسها هزته بقوة فتناثر شعرحالك السواد حول وجه مستدير أبيض وعنق طويل جميل . قررت أن تجعل هذه الليلة مختلفة , تصادف هذه الليلة اكتمال عمر زواجهما العاشر, قررت أن تفتح ولو كوّة صغيرة نحو نافذة أمل . نظرت الى مرآتها طويلا, تلمست وجهها , أرادت وضع بعض من الماكياج ترددت هزت رأسها استدارت هاربة , ولماذا لا أضع وأنفذ , النتيجة واحدة , وربما تعيده الذكرى فأرى ليلة مختلفة بعيدة عن الشتائم عادت الى مرآتها , تزينت واكتحلت , لبست فستان زفافها القديم , أعدت مائدة متواضعة , أشعلت بعض الشموع وجلست تنتظر . آخر الليل وقبيل الفجر بقلبل كان يدفع ويرفس الباب بكلتا يديه وبقدميه منبئا عن قدوم ثور هائج امتقع لونها وتيبست قسماتها باديء الأمر ولكنها تقدمت فتحت له الباب , تصنعت بعض ابتسامة ورحبت نظر اليها من أعلى الى أسفل ومن أسفل الى أعلى ولم يصرخ كعادته انفردت أساريرها قليلا وبصوت به كثير من الهدوء وهو بدير ظهره أنت طالق , طالق , طالق ذابت فرحة كانت قد أعدتها منذ المساء وطوال ليلة كاملة أمام جبروت شرط الزمته به صحبة القمار

أستاذي محمد أنا قرأت هذه الكلمة اتي ترجع السبب الى شرط من صحبة القمار ..
وحتى لو كانت حدثت بالفعل ، فهي حالة نادرة ، وانما كان رأيي /الخاص/ الذي لا يلزم ، بأن القصة كانت ستكون أبهى لو تحدثت عن البرود الذي يحكم العلاقة الأسرية ، وأظهرت التناقض بصورة غير فاضحة .
لكنك أردت سرد حادثة معينة ، ربما حدثت بالفعل وقرأتها أنت ، وهذا بكل تأكيد حقك ، ولا أنكر أنك نجحت في هذا بكل تأكيد .
ودي الأكيد أستاذي

القصة جميلة جدا وأدواتها قد اكتلمت بشكل أجدني أمامه انحني تحية لبديع قدرتك على التقدم في مجال لم تخض غماره إلا مؤخرا كما أخبرتنا ...
دخول سلس وسردية موفقة وقفلة جاءت في موقعها وزمانها
نقطتان استوقفتاني في النص لا أراهما إلا سقطة سهلة المعالجة تجدها متقاربة هنا

قررت أن تجعل هذه الليلة مختلفة , تصادف هذه الليلة اكتمال عمر زواجهما العاشر, قررت أن تفتح ولو كوّة صغيرة نحو نافذة أمل .
نظرت الى مرآتها طويلا, تلمست وجهها , أرادت وضع بعض من الماكياج ترددت هزت رأسها استدارت هاربة

* لم أجد في عبارة "عمر زواجهما العاشر" تعبيرا دقيقا عن سنوات زواجهما العشر، بل لعله يوحي بغير ذلك تماما
*كما ولم يرقني استخدام لفظة "ماكياج" الأعجمية وفي لغتنا بدائل لا بديلا

أكرر تحيتي لهذا التمكن وهذا الاداء الرائع

دمت متألقا

الأخ الكريم أحمد عيسى
لم يكن ما كتبت ردا على ما علقت به
بل رددته الى عجز في طريق التعبير عندي خصوصا وانا لم أمارس القصة إلا منذ عهد قريب جدا
وأنا متابع قوي لققص الأخوة وأستطيع التمييز بينها , وإعمل على الإستفادة من الأساتذة أمثالك
في التعرف على الأدوات المطلوبة في إنتاج قصة جيدة
أتمنى أن أصل الى ذلك بمتابعتكم جميعا وصدقني أنني ممتن لك ولمن يلقي ضوءا ولو بسيطا في
تصويب مسيرة قصة
شكرا لك أخي أحمد

الأخت الفاضلة كريمة سعيد
صدقيني أنني أفتخر برايك فيما أكتب
وأظنه يدفع بي الى الواجهة
فشكرا جزيلا على ما أوليتني