ثقافة الفنّْ

بقلم: حسين أحمد سليم

يهيم العقل خيالا في الإمتدادات اللامتناهية, يستشعر في البعد الآخر التّذوّق الفنّي, فتتناهى لشريحة تفكّره صورا مختلفة المصادر, تحرّضه من حيث لا يدري أو يدري لخوض التّجربة الفنّيّة, متعة نفسيّة شفيفة ترتعش لها الذّات البشريّة, فتحنو الأنامل وتمسك الرّيشة, تمسّد شعيراتها بلطف أثيريّ, لتغمّسها بومض من أطياف لونيّة, تدثّر بها مساحات بيضاء, فتغدو مشرقة بمزيج لونيّ, تعبيرا عما يتراءى للخيال الفنّيّ, وتدليلا على مدى حاجة الإنسان لتوكيد تجربته, وتحويلها إلى رموز ومصطلحات وطلاسم, ترفل لها الأبصار والبصائر مكحّلة الطّرف بغبارية المتعة, ترجمة التّجربة الفنّيّة تذوّقا للفنّ الشّاهد على النّزعات الفنّيّة البشريّة...

فنون بصريّة فيض من صناعة الصور, تجمع بين عناصرها رموزا تزوّدنا بذخيرة ذات قيمة نفيسة, تضيء لنا عتمات مجاهل الأمس البعيد, وتكشف لنا عن مضامين أسرار وغوامض حضارات الماضي, لننهل من معين أمم سادت ثمّ بادت, ونختزن من قبسات ثقافة كان لها مكانتها عبر حقب التّاريخ, نستلهم من بيانات مطاويها ما يتراءى لنا في الخيالات, ونعتمد ما يحلو لنا متوافقا ومساراتنا, معلنين إنتماءاتنا تقليدا لحقبة زمنيّة ما, ونجتهد على ذمّة الثّقافة التي نختزن, ونسم كلّ حقبة من حقب الأمس تمييزا لها...

ثقافة الفنّ, كما الثّقافات الأخرى المتنوّعة, تمدّنا بالمعرفة وتزيدنا متعة, ونحن نرود حقب التّاريخ, نستقريء مخزونه التّليد, ومخزون التّاريخ ما هو إلاّ مصدرا أساسيّا للعطاء, نلجأ إليه كلّما شعرنا بالحاجة الماسّة للنهل من معينه... والغرف من كنوز الفنّ متاح لكلّ مهتم, دون الحاجة إلى الإشارة إلى المضامين, ودون الغوص في أبعاد المسببات التاريخيّة... والفنّ لا ينحصر في الوظيفة التي وجد لأجلها فقط, ولا يتقيد في ماهيته كونه مرآة الحياة, فالفنّ هو للكثير من البشر وسيلة فضلى للتجليات, وهو ناحية هامة للإرتواء الجمالي والتزوّد الفكري, وهذا الفنّ ليس بحاجة لمرجع, أو مفسّر لإستيعابه وفهمه, فالفنّ يفسّر ذاته بذاته...

النّاتج الفنّي مهما تنوّع ومهما إختلف, ومهما كان الزّمن الماضي الذي وجد فيه, وإلى أيّ مدرسة إنتمى لا فرق, لأنه يبقى ذلك الدّفق من الرّهبة التي تنتابنا في الصّميم, ويبقى تلك المتعة التي نتحسسها في الأعماق, ونحن نغوص في بطون الحقب الماضية, نثري ثقافتنا البصرية بما ترفل له النّفوس قبل الأعين, وتهتزّ له البصائر قبل الأبصار, ونحن نتذوّق الفنّ في تجاربه الجماليّة, دون الوقوف عند القيم العمليّة أو الخلفيات الثّقافيّة وأو الحقب التّاريخيّة التي تمثّل, إلى من باب فعل الإثراء المعرفي...