انطلاقة حماس السابعة عشرة وخيارات المرحلة المفتوحة



تأملات :الوطن العربي :الاثنين 8 ذي القعدة 1425هـ - 20 ديسمبر 2004 م



مفكرة الإسلام: تأتي ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية –حماس- السابعة عشرة هذا العام في خضم تراكمات سياسية جسيمة، ومعادلات شرق- أوسطية معقدة ، تطرح على الواقع السياسي أسئلة عصية ، وتدخل الحركة في جدلية البحث والموازنة في خيارات الموقعية السياسية خلال المرحلة القريبة القادمة.



جاءت هذه الانطلاقة ، لتشق طريقها في عباب من الحقائق التي تفرض على الحركة السياسية منطقا في التعامل السياسي ، ومنهجا في العرض والتصور ، ورؤية واضحة لطبيعة الحقائق والمتغيرات ، ولا بد من إجمال تلك الحقائق التي قد تكون طرفا في معادلة التشكل السياسي لخيارات حماس المستقبلية.

1- استشهاد قادة الحركة ورموزها ، وعلى رأسهم مرشدها الروحي ومؤسسها الشيخ القائد احمد ياسين ، وصقرها الغاضب أسد عرينها قوي الشكيمة ، صاحب الهمة العالية الخطيب المفوه القائد التاريخي عبد العزيز الرنتيسي ، إضافة إلى قائمة طويلة من العظماء الأجلاء في رأس الهرم القيادي للحركة ، مما وضع الحركة أمام امتحانات صعبة، وان كان الاستدراك البدهي يتدخل في لحظة الحسم ليقول ان حماس الحركة الودود الولود حركة الجسم المنظم والفكر الممنهج عصية على الانهزام قادرة على إعادة البناء وسد الثغرات مهما قست الضربات وعظمت البلاءات.



2- غياب الرئيس ياسر عرفات ، وما شكل من معطيات جديدة على المستويين المحلي والعالمي ، ولعل قراءة سريعة لطبيعة التصريحات ذات الصلة تنبئ عن طبيعة هذا التغير ؛ ولا أدل على ذلك من التبشيرات الأمريكية الصهيونية بزوال مرحلة التأزم السياسي وقرب مرحلة الانفراج ، ومن تبع ذلك من تحركات فلسطينية وعربية في سياق التهدئة وتذويب الجليد المتراكم على صفحة المد الجهادي الثائر.



3- الانتخابات الفلسطينية المقبلة ،وخيارات الشعب الفلسطيني ، بعد أربع سنوات من المقاومة العسكرية العنيفة فرضت نمطا مغايرا لخيارات اسلو التسعينات، بيد انها لم تحسم جدلية الخيار في ذهنية المواطن العادي فهو متردد بين قبول التضحية وقد عرف انها باهظة والقبول بسياسة الأمر الواقع مع احتمالات التفريط لأنه لم يعد قادرا على احتمال الواقع المرير الذي فرضته هذه الانتفاضة العسكرية المميزة



4- القصعة العراقية، ومعادلة الحرب على الإسلام ' الإرهاب' وإسقاط العالم للفواصل التي تميز بين المقاومة المشروعة وغيرها والرمي للإسلام عن قوس واحدة ، حيث كان نصيب حماس من هذه العملة العالمية عاليا إن لم يكن الأعلى .



بقيت حماس سبعة عشر عاما تخترق فضاءات التشكل السياسي وتصنع لها موقعية تنسجم مع طبيعتها محققة نصرا بعد نصر، ورغم الضربات الجسام إلا أن متابعة متأنية لطبيعة الخطاب السياسي الذي تقدمه حماس في عامها السابع عشر ينبئ عن استقرار وقدرة على التلاعب المحسوم في أوراق اللعبة السياسية الشرق أوسطية ؛ فهي ما زالت تطرح خيار المقاومة كخيار شعبي وحيد ، معلنة من خلال الحشود الجبارة التي أصرت الحركة على إبرازها من خلال المهرجانات الضخمة التي أقامتها في هذه الذكرى ، ونستطيع أن نشير هنا إلى أكثر من ثلاثين ألف محتشد لبوا نداء الحركة في نابلس، ولم تكتف الحركة بابراز الكم في هذه الحشود بل عملت على رسم صورة للخيار العسكري من خلال عشرات المسلحين الذين ملأوا سماء المدينة بزغردات الرصاص ، هذه المدينة التي ظن العدو انه من خلال عمله الدائم قد حسم مرحلة القسام فيها؛ خرجت له بعشرات المسلحين لتقول نحن هنا يا شارون، وتمثل خطاب حماس النوعي من خلال عملياتها النوعية تحت الأنفاق وفي ربوع الوطن.



الشعب الفلسطيني ، وان كان ألان في حالة لا تسعفه كثيرا لحسم خياراته أمام ضغط الواقع وانسداد السبل إلا إن قبول الرجوع إلى ما قبل الانتفاضة يعني القبول بالانتحار الحتمي والسقوط النهائي في الهاوية ، فقد تجلى للشعب أن الآخر لا يريد سلاما ولن يتساهل مع الفلسطينيين ومن هنا فلن تنفرج الأمور بالاستسلام؛ وهذا يجعل الخطاب الحمساوي المتمسك بالثوابت اقرب إلى ضمير الشعب ، حتى حين يمارس الشعب جزءا من سياسة الضعف في البحث عن مسوغات العيش تحت عباءة القبول بالطرح الأسلوي فانه سرعان ما يرتد إلى مربع الرفض والمقاومة حين يكتشف السراب والخداع

ومن هنا فان خيارات حماس هي الأقدر على الصمود والثبات أمام موجات العصف والتغيرات السياسة.



رمضان عمر/ نابلس / فلسطين