التّكنولوجيا وفنون الرّسم

بقلم: حسين أحمد سليم

تطوّرت صناعات الأدوات والوسائل التّكنولوجيّة, وتسارعت حركات فعل الإكتشافات والإبتكارات الحديثة, وقفزت جميعها, قفزتها العجائبيّة مع تطوّر الثّورة الرّقميّة, وطفرتها في هذا العالم المترامي فوق هذه الكرة الأرضيّة, مواكبة مع ثورة العولمة الدّوليّة, بحيث أصبحت كلّ دولة, بمثابة قرية صغيرة في عالم الشّبكة العالميّة العنكبوتيّة للمعلومات...
ومع هذا التّطوّر المتسارع من حولنا, ومع كلّ الإغواءات والإغراءات التّسويقيّة, وثورة الإعلانات المواكبة لها, دخلت التّكنولوجيا حياتنا العصريّة من باب عريض, وإستحوذت على تفاصيل عيشنا من كلّ حدب وصوب...
هذه الموجات الصّناعيّة المختلفة والمتنوّعة, والتي غدت عنوانا للمدنيّة وسمة للحضارة, أثّرت في غالبيّة مناحي الحياة من حولنا, وفرضت علينا أدواتها ووسائلها بقوّة, ممّا إستدعى الإسراع بتغيير نمط إستخداماتنا التّقليديّة, التي إعتدنا عليها, وبالتّالي تبديل أو تحديث الأدوات التي نستخدمها في نتاجاتنا التّقنيّة والفنّيّة والخدماتيّة, أو الإستغناء عنها ورميها مع أكوام النّفايات...
وكما أصابت عدوى التّقنياّت الحديثة كلّ الإستخدامات, أيضا أثّرت هذه التّقنيّات بطفرة وثورة أدواتها, وإنعكست في مكوّناتها بشكل عام, سيّما الرّقميّة منها, في مختلف شؤون فنون الرّسم...
فمع تطوّر التّكنولوجيا عالميّا, ووجود وسائل الإتّصال الحديثة, التي لم تكن موجودة من قبل أصبحت فنون الرّسم سهلةجدّأ, ومتاحة لكلّ النّاس, حيث ظهرت منظومات الحواسيب, أيّ الكمبيوتر, وبرامجيّاته المتعدّدة, والتي يستطيع بمحاكاتها أيّ كان, أن يتدرّب عليها ويتّقن الفنّ الذي يُريد... ومنها فنون الرّسم, وبشكل رائع ومنظّم, وهذه الأدوات والبرمجيّات, لها فعاليّاتها التّقنيّة الدّقيقة, أكثر من الفهل التّقليدي لإستخدامات الإنسان, ولكنّها ليست بديلا عن هذا الإنسان, مهما بلغت في تطوّرها...
ولقد أصبحت هذه المنظومات الرّقميّة الحديثة, لاغنى عنها لأي فنّان معاصر... وأهمّ الأمثلة على إحتياجاتها اللازمة, ذلك التّحوّل من فنون الرّسم التّقليدي القديم, والذي يعتمد فيه على الحركة اليدويّة ومدى مرونتها, أتت ثورة فنون الرّسم الإلكتروني وتقنيّاته الضّوئيّة, أو ما يُسمّى بالرّسم الرّقمي... حيث أمّنت كلّ التّسهيلات, كي يقوم الفنّان بإستخدام برامجيّات فنون الرّسم, من على منصّات الحواسيب ولوحات مفاتيحها ومراقيبها, بالجلوس أمام الشّاشات الضّوئيّة الحديثة, التي تعمل بالمسّ أو مؤشّرات أدوات التّحكّم الصّغيرة, وذلك لعمل لوحة فنّيّة رائعة... وأيضا يمكنّه مشاركتها عن طريق الإنترنت, بنشرها أينما يُريد في المنتديات والمواقع والصّحف الرّقميّة, والتي تعجّ بها الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة, أيّ الأنترنت...
وهكذا مع هذه الأدوات الحديثة, الحاسوب المبرمج والمّدمّج بمحفظة صغيرة بحجم كتاب عادي, والمرتبط أثريّا ولا سلكيّا بالموجات الكهرومغناطيسيّة, ومع إنتشار الهواتف الحاسوبيّة أيضا وملحقاتها من البرمجيّات المختلفة... أصبحت فنون الرّسم سهلة جدّاً, وفي متناول الجميع...
هذا, وراح الكثير من الفنّانين يُمارسون هذه التّقنيّات الحديثة, وغدوا يُبدعون بشكل لافت, وذلك بفضل التّكنولوجيا الحديثة, التي أغنت الفنّان والرّسّام عن القلم والورقة والرّيشة والألوان, بحيث تحوّلت جميعها ضوئيّة...
ولكن, ومع إنتشار هذه الأدوات الرّقميّة الحديثة وتطوّرها, ومع سرعة ودقّة وجودة أدائها العالية جدّا, ومع حالة إختصارها للجهد والوقت, وتسهيلات نتاجاتها كنسخات أساسيّة... تظلّ قناعة الرّؤيا عند البعض, بممارسة فنون الرّسم القديم, بالورق والرّيشة والأقلام والألوان والخامات والمساطر وغيرها, وتبقى متعة لامثيل لها لأيّ فنّان أو رسّام, أو شحص يُحبّ الرّسم وفنونه, وأتقنه سابقا بيده, فسوف يجد برامجيّات الحواسيب هذه, سخيفة ومملّة نوعا ما... ولكنّ تطوّر التّقنيّات الحديثة, أصبح لغة تواصل العصر, والتّاريخ في ثورة وطفرة الإختراعات والإبتكارات والإكتشافات, لم ولن ولا يعود للخلف...
وهنا ترتسم معالم كثيرة من التّساؤولات العصريّة, ماذا كان سيفعل الفنّانون القدامى في عصرنا هذا في وجود هذه الحواسيب وبرمجيّاتها وتقنيّاتها؟ّ!... وكيف كانت ردّات فعل الكثير الكثير من أولئك الفنّانين العظماء, الذين لم يشهدوا الثّورة التّكنولوجيّة العصريّة؟!... فليس في إمكاننا أن نعرف ما سيكون ردّات فعلهم, عند مشاهدة جهاز حاسوب بحجم الكفّ أو أصغر, يرسم بإتّقان شديد وجودة عالية, دون ورق أو ريشة أو قلم أو حبر أو ألوان أو مساطر, ويطبع بعد الإنتهاء ما يشاء من نسخ أساسيّة, وعلى خامات متعدّدة ومتنوّعة ورقيّة وقماشيّة وجلديّة وخشبيّة ومعدنيّة...
وهكذا غدت كلّ فنون الرّسم الحديثة الرّقميّة, هي الفنون المنشأة بواسطة الحواسيب الرّقميّة... وتشمل هذه الفنون الرّقميّة, جميع الصّور المأخوذة بواسطة الماسح الضّوئي, أو الصّور المرسومة ببرامجيّات الرّسم المختلفة, وبإستخدام أجهزة التّحكّم الصّغيرة, كجهاز الفأرة أو لوحة الرّسم أو لوحة المفاتيح...
ولقد مثّلّت الشّبكة العالميّة العنكبوتيّة, الإنترنت, بعداً جديدا لفنون الرّسم بكافّة أشكاله وأنواعه، تدعمه روابط تتقاطـع بين الفنّــان و العمل الفنّي و المتلقّي، وفي هذا المجال، أصبحت الشّبكة العالميّة العنكبوتيّة, الأنترنت, من ركائز نجاح الأعمال الرّقميّة، وأصبحت كذلك تفرض نفسها بقوّة, بإعتبارها تمنح إمتيازات لا حصر لها في تبادل المعلومات والثّقافت... ومن المؤكّد أنّ الشّبكة العالميّة العنكبوتيّة للمعلومات, الأنترنت, أصبحت مصدر إستقطاب لجميع الفنّانين, لعرض أعمالهم ونتاجاتهم الفنّيّة, وبالتّالي تواصلهم مع فنّاني كلّ الأقطار في العالم, والإطّلاع على النّتاجات المختلفة في مجالات فنون الرّسم الفنّي والهندسي والإعلاني والتّشكيلي والمعماري والإنشائي والبياني والتّضاريسي والفلكي والكفافي واللوني والعنكبوتي... إلى جانب التّسهيلات التّواصليّة الرّقميّة بين جميع الفئات في كافّة المجتمعات, والإحتكاك الأثيري الرّقمي, وإكتساب الثّقافة الرّقميّة العالميّة, ومتابعة جميع مدارس ومذاهب ومسارات وإبتكارات فنون الرّسم...