أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الفنّ التّشكيلي العاشورائي

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين أحمد سليم قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    العمر : 71
    المشاركات : 163
    المواضيع : 130
    الردود : 163
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي الفنّ التّشكيلي العاشورائي

    الفنّ التّشكيلي العاشورائي
    بقلم: حسين أحمد سليم
    واقعة كربلاء التّاريخيّة بأرض الطّفّ بالعراق في العاشر من شهر محرّم للعام الهجري الواحد والسّتّين, والجعجعة بالإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام, حفيد النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام, ثُمّ قتله وقطع رأسه والتّمثيل بجسمانه وتركه ملقىً في العراء على الرّمال الرّمضاء, وقتل أصحابه ظلماً وإعتداءً وزوراً وبهتاناً, والإعتداء السّافر على أهل بيته والتّنكيل بهم, دون وجه حقّ, وهتك أستارهم وقتل غالبيّتهم, دون إيمان أو وازع من ضمير أو رادع من وجدان, وسبي من بقي منهم على قيد الحياة عنوة قهر وإذلال, وممارسات فعل تعذيبهم وتجويعهم في مسارات الطّريق الطّويل بمحاذاة نهر الفرات, ومروراً بهم إستعراضاً ومهانةً في همروجات سياسيّة ساقطة, بمدن وقرى وبلدات ومسافات ممتدّة, وإجتيازهم الأودية والأماكن الوعرة والجبال والسّهول, مروراً بمدينة بعلبكّ اللبنانيّة البقاعيّة, حيث دُفنت عند أطرافها الجنوبيّة, خولة بنت الحسين التي فارقت الحياة من جرّاء العذاب والجوع والمرض الذي فتك بها, وصولا بهم إلى مجلس الحاكم الطّاغية في دمشق ببلاد الشّام...
    واقعة كربلاء هذه, تُعتبر من زاوية المنظار الدّينيّ الرّوحيّ, ومن خلال الرّؤى الأخلاقيّة الإيمانيّة, وعبر المفاهيم التّراثيّة الشّعبيّة السّائدة في بعض المجتمعات, تُعتبر من أهمّ وأوّل وأرقى الموروثات التّراثيّة التّاريخيّة, التي إنبثقت من رحم تلك الواقعة المؤلمة, غير الإفتراضيّة, تلك الشّعائر الحسينيّة العاشورائيّة السّنويّة, التي تتفاعل مع بزوغ شمس شهر محرّم ولأيّامه الأولى المعدودات وحتّى نهاية العاشر منه... وراحت هذه الطّقوس والشّعائر تتعاظم في تفاعل ثورتها على صعد كثيرة, حتّى وصلت إلينا متجاوزة حقب التّاريخ الظّالم القاهر, رغم كلّ ممارسات فعل الضّغوطات وقهر وعهر الحروب... وساهمت الشّعائر الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بقوّة, في التأثير الواسع الفاعل في بُنى وتطوير وتفعيل منظومات الفنون الثّقافيّة الأدبيّة منها, والفنّيّة التّشكيليّة والأدائيّة القديمة والحديثة على حدّ سواء... بحيث غدت منظومات الشّعائر الحسينيّة العاشورائيّة والإحتفاء بها على أكثر من صعيد, غدت تراثاً عظيماً له أصالته وخصوصيّته وقدسيّته ومرجعيّته في رحاب مجتمعات العالمين العربي والإسلامي على مختلف طوائفهم بشكل خاصّ, وغدت لها وقعها المميّز في أرحبة باقي مجتمعات العالم الآخر بشكل عام... سيّما في ظلال العولمة الإعلاميّة وشيوع عالم الشّبكات العنكبوتيّة الرّقميّة الأنترنت في جميع أنحاء الكرة الأرضيّة المأهولة...
    وعاشوراء هي ذلك الحدث التّاريخيّ, والتي وقعت معركتها غير المتكافئة ميدانيّا, في ذلك الزّمن السّالف, غدت ترتبط بواقعنا الذي نعيش اليوم, وتتّصل بحياتنا التي نُريد لها الإستمرار للغد, بحيث تُغذّي ذاكرتنا وتشحذ وجداننا, وتُقلبن عقولنا وتُعقلن قلوبنا, لتتجذّر في ذواتنا وكينوناتنا وثقافاتنا, ومخزوننا الشّعبي التّقليدي, وتروي ظمأ فنوننا العامّة من أدبيّة وأدائيّة وغيرها, سيّما في مجالات ثقافة الفنون التّشكيليّة منها, وبأساليب متنوّعة من حركات فعل الإبتكار والصّنع في فنون الإبداع بالرّسم, وفنون التّشكيل بالنّحت, وفنون الإبتكار بالأشغال اليدويّة والصّناعيّة والإحترافيّة, بالإعتماد على أسس ومباديء مدارس ومذاهب ومسارات الفنون التّشكيليّة العالميّة المعروفة, مع الإحتفاظ بالخصوصيّات الرّوحيّة الدّينيّة والإلتزام بالمفاهيم المستنبطة إجتهاداً من رحم العبادات والمعاملات المشروعة, إضافة لإستنباط رؤى ومسارات ومدارس فنّيّة عاشورائيّة تتماشى مع التّقاليد والعادات في غالبيّة المجتمعات الملتزمة دينيّاً...
    واقعة كربلاء الطّفّ, التي حدثت في العراق, وشعائر عاشوراء الحسين, وما إستتبعها من سبي وتعذيب لأهل بيت الحسين, جميعها ولّدت وعياً جماهيريّا ثوريّاً لا ينضب له معين, ولا يجفّ له ماء... وعملت على إرثاء ثوابت إرثٍ فكريّ ثقافيّ, تفتّق بثورة عارمة على الظّلم والظّالمين, كائنين من كانوا, تتّقد جذوتها وتلتهب وتتعاظم ولا يخمد أوارها أو يهدأ لظاها...
    هذا, ومع تعاقب الأيّام والشّهور والسنّوات, لم تعد كربلاء تلك السّيرة السّرديّة التٌّقليديّة, التي يعكف على قراءتها وتلاوتها وتلحينها وإنشادها بصوت حزين مؤلم, رجال الدّين وقرّاء العزاء التّقليديين, وغيرهم من أولئك المستفيدين الموسميين, ولم تعد عاشوراء ذلك البكاء والصّراخ والنّحيب ولطم الوجوه والرّؤوس والصّدور والمناكب والجوانب, ولم تعد فاجعة كربلاء تلك الدّموع التي تذرفها العيون الدّامعة على مصاب الإمام الحسين, تفاعلا مع ترانيم وموسقات ودندنات ونشيج قرّاء العزاء, ولم تعد عاشوراء تلك الممارسات التّعذيبيّة التي يُمارسها البعض على أجسادهم ورؤوسهم وصدورهم, ولم تعد عاشوراء الحسين تلك النّذور والقرابين والطّقوس والأدعية والزّيارات ومجالس الأكل والتّطبير...
    فعاشوراء الكربلائيّة الحسينيّة بالمفاهيم الثّوريّة الفكريّة والثّقافيّة المعاصرة, هي تلك الواقعة التّاريخيّة التي أضرمت حركات فعل الإبداع والإبتكار وحفّزت وجدان المفكّرين والفلاسفة والمبدعين والمبتكرين على تجسيد رؤاهم فعل خلق وتكوين إبداع في كافّة المجالات المميّزة, نفسها الوقائع والشعائر العاشورائيّة, حفّزت وجدان الفنّانين التّشكيليين من المسلمين وغيرهم رسماً ونحتا, وأثرت خيالهم برؤى وأطياف فنّيّة من إمتدادات البعد الخيالي, لتصوّر الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة بالطّفّ العراقيّ, ورسم معالم ذيولها اللاحقة التي توالدت من رحمها, كمسيرة السّبي لأهل بيت الحسين وأصحابه إلى بلاد الشّام, ومظاهر الإحتفاءات بهذه الذّكرى الأليمة في الكثير من الأماكن... بما ساهم وساعد على ولادة الإبداع الفنّيّ التّشكيلي الخاصّ, لرسم وتشكيل اللوحة الكربلائيّة والمشهديّة العاشورائيّة, بأسلوب فنّيّ لافت وجذّاب ترفل له العيون وتهرق دمعها, للإيحاءات التي تعكسها تلك اللوحة أو المشهديّة الكربلائيّة العاشورائيّة, التي نمنمتها ونسجتها ورسمتها وشكّلتها أنامل الفنّانين التّشكيليين والرّسّامين الفنّيين في ردهات وقاعات المراسم الخاصّة والعامّة وفي الملتقيات الفنّيّة, تتزركش بالدّماء الحمراء, المنسابة من الرّؤوس المشقوقة بالسّيوف, لتتماهى أمام أنظار النّاس والمتلقّين والمستقبلين, في أرحبة وأروقة المباني للإحتفالات الدّينيّة, وفي قاعات وردهات وبهوات المعارض الفنّيّة في المدن, وعلى جدران البيوت والعمارات والأبنية العامّة والخاصّة, وفوق المارّة في الشّوارع والطّرقات والسّاحات والدّوّارات والحدائق, على شكل صور متنوّعة وأيقونات مختلفة, وشعارات هادفة, ورموز ومصطلحات وتعابير وملصقات, ولوحات ومشهديّات ورسومات, ورايات سوداء وحمراء, ولافتات وعبارات وأقوال وحروفيّات ومجسّمات...
    عاشوراء الكربلائيّة الحسينيّة, أزهرت الكثير من المراسم الإحيائيّة لهذه الذّكرى الحزينة والأليمة, وتوالد من صميمها الكثير من حركات فعل الخلق والإبداع والإبتكار في مجالات عديدة, بحيث تحرّرت العقول والنّفوس من سجن الأحزان والبكاء والدّموع, لترود من نوافذ عاشوراء الحسين إلى أرحبة الخلق والإبداع والإبتكار, وتصوير البعد الثّوري الفكري والثّقافي والفنّي العاشورائي, وإيصاله لمدارك ومفاهيم ووعي النّاس بصور ولوحات ومشهديّات واضحة وجليّة دون لبث أو تمويه... لأنّ ثورة الحسين لم تكن لنفسه, أو لغاية ذاتيّة, بل كانت من أجل دحض الظّلم والجور والكفر والإنحراف عن دروب الحقّ, وفي سبيل مرضاة الله بإقامة دولة الحقّ, ومن أجل الكرامة الإنسانيّة... وهو ما جعل عاشوراء الحسين معلماً تاريخيّاً بارزاً, تجاوز حدود الزّمان الذي حدثت فيه واقعة كربلاء, وتعدّى جغرافية المكان الذي سقط فيه الحسين مقطوع الرّأس مخضّبا بدمائه, لتنعتق عاشوراء الحسين من الإنتماء الخاصّ إلى العامّ, وتتحرّر من منظومة أبجديّات وحروفيّات اللغة الضّاديّة العربيّة, لتتماهى بها غالبيّة اللغات العالميّة الأخرى... وعاشوراء الحسين فعلت فعل السّحر في تطوير شؤون الفنون التّشكيليّة, بحيث كان لها الأثر الأكبر في تحديث جوانب عديدة في الفنون التّشكيليّة القديمة والمعاصرة, سعياً لخلق وإبتكار مدرسة فنّيّة تشكيليّة جديدة, أفخر بتسميتها مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي, والتي تتجاوز وتجاوزت فعلا كلّ المعوقات اللغويّة, لتنفذ إلى القلوب المموسقة بحنين التّشاغف الإيماني الثّوري, عبر عدسات وشبكات العيون التي أبدع الله في صنعها الإعجازيّ, لتنعكس للعقول المتفكّرة في عظمة الخالق, عبر مرآة النّفس المطمئنّة بالإيمان الخالص, وتنتشر رسالة الحقّ التي شاءها الحسين وسقط صريعاً من أجلها, تلك الرّسالة هي رسالة الإسلام النّابض بالإيمان والحقّ والعدالة والإصلاح بما يكفل إستمراريّة الحياة الإنسانيّة العادلة فوق هذه الأرض وفي رضى الخالق...
    مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي الكربلائي الحسيني, هي المدرسة الفنّيّة التّشكيليّة الإيمانيّة المميّزة, التي تحملنا على صهوات أثيريّات ألوانها وأشكالها وعناصرها التّكوينيّة ورموزها ومصطلحاتها وتعابيرها, لترود بنا عالم الفنون الإسلاميّة الهادفة... بناءً على الخصائص الذّاتيّة, والسّمات المتميّزة لهذه المدرسة المبتكرة, بحيث تعكس صورة واضحة وجليّة, تقوم على أساس عقائدي إسلامي متكامل, وعلى تصوّر شامل وكامل لمسيرة الإنسان ووجوديّة الكون والحياة... وهذه المدرسة القديمة والمبتكرة حديثاً, ليس إبتكارها من باب الكماليّات الفنّيّة, أو التّحسينات التّشكيليّة, بل من باب المتطلّبات والحاجيات والضّروريّات في ميادين الفنون الإسلاميّة الهادفة المعاصرة... وهذه المدرسة بالتّحديد هي ضروريّة ومهمّة لتوصيف مكانة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي الكربلائي الحسيني, بحيث من خلالها يتمّ وضع الأمور في نصابها الصّحيح بعيدا عن الخلل في التّصوّر... ووظيفة مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي, هي صنع جماليات اللوحات والمشهديّات والصّور العاشورائيّة, بمهارات ودقّة وحرفة وأدوات متوافرة, لأداء وظيفتها كاملة وشاملة, لأنّ الفنّ الإسلامي العاشورائي, موكلٌ بصناعة الجمال بمعناه الواسع الشّامل, الذي لا يقف عند حدود ولا يتقوقع في محدود... بل يعكس جماليات بدائع صنع الخالق في الوجود والطبيعة, ويُجسّد جماليات الإيمان بالله وعظمته التي تتجلّى في عظمة خلقه, وجماليات الأديان السّماويّة والقيم والعقائد السّماويّة, والأوضاع وأشكال السّياسات التي تهتم بشؤون الخلق, وأشكال الحكم والدّول والنّظم والأفكار والعدالة والسّلام... جميعها من الألوان التي تحتفي بها مدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة, وتجعلها مادّة أصيلة وأساسيّة للتّعبير والتّرميز والتّصوير التّجريدي والسّوريالي والإنطباعي والإفتراضي, من خلال المعايير الإيمانيّة الشّاملة... ومدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة هي وسيلة وليست غاية, وهذه الوسيلة تتشرّف بشرف الغاية التي وجدت لأجلها والتي تؤدّي إليها... وهذه المدرسة ليست للفنّ فقط, بل نشاؤها أساساً في خدمة الحقّ والفضيلة والعدالة والسّلام وفي سبيل الخير والجمال... بحيث ترتقي هذه المدرسة بما تحمل من إبداعات وإبتكارات جماليّة تصل إلى حسّ المشاهد المتلقّي, ترتقي به نحو الأسمى والأعلى والأحسن ونحو الأجمل, وهي بوصلة الإتّجاه نحو السّموّ في المشاعر والتّفكير والإيمان والتّطبيق والمسارات... ولمدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة هدفاً سامياً تسعى إليه, هو إحقاق الحقّ ودحض الظّلم والثّورة على كلّ أشكال الإنحرافات, ولها باعثاً تدفع إليه, وهو ما يمتدّ في أعماق النّفس الإنسانيّة من جمال الإيمان بالخالق... بحيث تلتقي ما تصبو إليه النّفس الإنسانيّة المطمئنّة مع ما يتطلّبه المنهج العقائدي, فإذا بهذا الإنسان مدفوع إلى تحقيق جماليات العدالة بباعث من رغبته النّفسيّة, وباعث من الإيمان بإتّقان العمل الفنّي وإحساساته... ومدرسة الفنون العاشورائيّة لها شخصيّتها الفنّيّة المستقلّة, فليست هي فرعاً من فروع الفلسفة التّقليديّة, وليست كذلك فرعاً من فروع العلم البحت, وليست مذهباً مشتقّاً من ناحية ما, بل هي مهارة فنّيّة خاصّة ومميّزة, تُساعد على تجلّيات الحقائق والكشف عنها, بأساليب ومسارات فنّيّة تشكيليّة رسماً ونحتاً, وهو ما يخلق مسارات مستحدثة في كينونة الفنون التّشكيليّة المعاصرة, تحت مسمّى مدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة... والفنون التّشكيليّة العاشورائيّة تنبع من دواخل النّفس الإنسانيّة, بحيث تجيش هذه النّفس بما تكتنز به من عواطف نبيلة راقية وأحاسيس سامية ومشاعر نقيّة نابضة... فإذا هي ملء الوجدان والخيال والعقل والتّفكّر وملء السّمع وملء البصر, وهي بهذه السّمات تعبير صادق عن الإلتزام الإيماني بتوكيد وتجسيد الحقائق... والفنون التّشكيليّة العاشورائيّة هي لقاء كامل بين إبداعات المواهب ونتاجات العبقريّات, وهي تفاعل شامل بين دقّة الصّنعة ومهارات التّنفيذ وحسن وجماليات الإخراج... إنّها إجتماع وتماذج وإنسجام بين الذّكاء وبين الخبرات والإتّقان, وبهذه المعالم تصل الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة إلى ذروة الجمال في توكيد معالم الحقيقة... وهذه لعمري القواعد الأساسيّة العامّة التي ترتكز عليها مدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة, هذه الأسس وهذه المباديء هي التي جعلت وتجعل من مدرسة الفنون العاشورائيّة, فنّا إيمانيّاً ملتزماً ومتميّزاً له شخصيّته المستقلّة وله كيانه الذّاتيّ...
    وعليه فليست مدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة فقط للجمال, إنّما هي وسيلة فنّيّة تشكيليّة لتدوين حقائق التّاريخ وتوثيق أحداث هذا التّاريخ بمصداقيّة ومسؤوليّة وإيمان...
    فقد بدأت مسيرة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي فور مصرع الإمام الحسين فوق رمال كربلاء, وواكبت مسيرة السّبايا من بقايا أهل بيته... حيث كانت ولادة أوّل عمل فنّي رسّخ في الذّاكرة والوجدان الحدث الكربلائي التّاريخي وما تلاه, رسمة تلك اللوحة الفنّيّة التي قام بنقشها الرّاهب النّصراني قراقوليس لرأس الإمام الحسين, أثناء مسيرة السّبايا من كربلاء إلى الشّام, حين طلب الرّاهب إيداعه الرّأس الشّريف داخل كنيسة دير رأس بعلبك للتّبرّك به... وهذه اللوحة ما تزال محفوظة ضمن ممتلكات متحف موسكو بروسيا...
    وإنبثقت بعد ذلك محاولات تشكيليّة محدودة, من قبل البعض المهتمّ في تجارب وأعمال فنّيّة توثيقيّة, للواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة بالرّيشة واللون, وفي مناطق عدّة من الأنحاء المحيطة, منذ زمن الحكم البويهي, حيث أوحت المأساة العاشورائيّة الدّامية, إضافة لأشكال الطّقوس والشّعائر والمجالس الحسينيّة العزائيّة, أوحت بالخلق والإبداع الفنّي التّشكيلي, للفنّانين والرّسّامين والتّشكيليين في العراق وإيران وأزربيجان والأناضول وبعض مناطق سيبيريا وعدد من الدّول الأخرى, إلى أن عمّت أنحاء كثيرة في العالمين العربي والإسلامي...
    ومع بدايات المراسم والشّعائر الحسينيّة, والإحتفاء السّنوي التّقليدي بالذّكرى العاشورائيّة الحسينيّة, بدأ الإهتمام من قبل الكتّاب والشّعراء بنظم القصائد وكتابة النّصوص من خلال المديح والرّثاء, وأخذت المراسم العاشورائيّة بالتّطوّر في ممارسات الشّعائر والطّقوس, ومنها الإفتاء الشّرعي بجواز التّصوير والرّسم والتشكيل... وتشييد المباني الحسينيّة والتّكايا, وتزيينها بالزّخارف واللوحات الفنّيّة العاشورائيّة والمشهديّات الكربلائيّة, بحيث تضمّ إحدى هذه التّكايا في كرمنشاه والتي تمّ تشييدها في العام 1917 للميلاد, أكبر لوحة فنّيّة شعبيّة لمشهد السّبايا الحسينيين وهنّ مكبّلات بالسّلاسل والأصفاد الحديديّة, بالإضافة إلى لوحات ومشهديّات أخرى, تُحاكي الوقائع الكربلائيّة التّفصيليّة, بتقنيّات بانوراميّة تصويريّة للواقعة بتفاصيلها وعناصرها ورموزها وشخصيّاتها... بحيث غدت اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة العاشورائيّة لوحة سرديّة, شاء الفنّان التّشكيلي من خلالها القيام بدور الرّاوي التّصويري, لتجسيد المشهديّات العاشورائيّة البّانوراميّة, وللإحاطة بتفاصيل الواقعة من جميع الجهات... وأصبحت فنون الرّسم العاشورائي تحكي قصّة الثّورة العاشورائيّة بلغة تشكيليّة فنّيّة, تذخر بالرّموز والتّعابير والدّلالات والإشارات التي تدخل الوجدان من دون إستئذان, وتُحرّك العواطف من خلال جماليات فنون التّشكيل والرّسم في لوحات وجداريّات ومنمنمات, لإيصالها إلى الجمهور المتلقّي بأسلوب ممتع وطريقة سهلة... وتحوّلت اللوحة الكربلائيّة العاشورائيّة, لوسيلة حديثة وعصريّة من وسائل وأدوات الإعلام العاشورائي, لا تقتصر على جماليات الفنون فقط, وإنّما لها وظيفتها الإعلاميّة والإخباريّة, بما تثير التّفاعل مع المتلقّي ليعيش الواقعة الكربلائيّة وكأنها حدثت في الحال...
    فنون التّشكيل العاشورائي هي حركات فعل محاكاة الواقعة الكربلائيّة, والتّعبير عنها بالرّيشة واللون فوق الخامات المتعدّدة ووفق الأساليب والمدارس والمذاهب الفنّيّة المتنوّعة, وبمؤازرة الكلمة التّعبيريّة, بحيث يسهل على المتلقّي فهمها, كما تخيّلها وهي مدوّنة في بطون الكتب التّاريخيّة... فغدا الفنّ التّشكيلي العاشورائي عنصراً مهمّاً لا بُدّ منه لعرض تفاصيل ملحمة كربلاء وإيصال رسالتها المحقّة إلى أبعد ما يُمكن في إثراء مفاهيم عقول الناس وهديها للحقيقة...
    ومع تطوّر فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي, راح الفنّان الخلاّق والرّسّام المحترف يُمارس حركات فعل الإبداع في عمليّات التّعبير عن الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة, فظهرت اللافتات فوق الطّرقات, ورفرفت الرّايات الحمراء والسّوداء المنتشرة والمعلّقة على الأعمدة, وإرتفعت الأعلام فوق الأقواس التّزينيّة عند مداخل البلدات والمدن والقرى, وأخذت الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة في تأدية دورها الوظيفي الإعلامي الدّيني, كما ظهرت الملصقات والشّعارات العاشورائيّة الفنّيّة التّشكيليّة بالأساليب والمدارس التّشكيليّة الفنّيّة, وعملت هذه الأعمال على تحقيق أهدافها بنجاح, مع الإحتفاظ على معالم عناصرها وشخصيّتها التّراثيّة المميّزة... وإنطلقت المراسم والشّعائر العاشورائيّة الكربلائيّة الحسينيّة, وإخترقت إطارها التّقليدي, وسار المبدعون الفنّانون والرّسّامون بعاشوراء نحو العولمة الفنّيّة التّشكيليّة, من خلال تجسيد وإسقاط المعاناة الحياتيّة والمعيشيّة, حتّى أصبحت عاشوراء النّاطق الأصدق, تحكي معاناة الشّعوب المغلوب على أمرها والمظلومة بحكّامها, والحاضرة من خلال المعاني والرّموز والتّعابير الفنّيّة في عناصر اللوحة العاشورائيّة, لتتحقّق عاشوراء وتتجسّد في كلّ زمان وفي كلّ مكان وفي كلّ أرض...
    ونستطيع تحديد قواعد وأسس مدرسة الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة, التي نستكمل إستنباط عناصرها التّشكيليّة ونطمع لترسيخها وتثبيتها كمدرسة فنّيّة تشكيليّة عالميّة, بمجموعة من الرّموز العاشورائيّة, والتي نُلخّصها: بشكل السّيف الذي يقطر دماً أحمراً قانياً, والذي يرمز تعبيريّا إلى إستشهاد الإمام الحسين فوق أرض كربلاء في العراق, وبالرّأس المقطوع عن الجسد والمرفوع على الرّمح, تعبيرا رمزيّاً لرأس الإمام الحسين الذي رُفع على الرّمح والسّير به إلى الشّام, والأكفّ المقطوعة وقربة الماء الممزّقة والتي تُعبّر عن شخصيّة العبّاس الذي لُقّب بساقي العطاشى, لتتماذج هذه الرّموز مع العناصر الفنّيّة التّشكيليّة العاشورائيّة, كالصّور التّعبيريّة للإمام الحسين والعبّاس وعليّ الأكبر, وصور السّبايا: زينب وزوجات الإمام الحسين وزوجات أهل بيته وأصحابه مع الأطفال والجميع مكبّلين بالأصفاد والحديد ومُتشحات بالسّواد, وكذلك صورة الحصان المُدمّى والمثقل بالجراحات, والمُأطيء الرّأس حزنا وألماً على فقدان فارسه الإمام الحسين, إضافة للحروفيّات الكتابيّة التي تتناغم وتتكامل مع تشكيلات الرّسومات الفنّيّة, لتؤلّف العمل الفنّي الإبداعي العاشورائي, ناهيك عن منظومة أطياف الألوان التي تتميّز بها اللوحة العاشورائيّة, وخاصّة اللونين الأحمر والأسود, بحيث يرمز اللون الأحمر إلى لون الدّمّ ويُعبّر عن القتل والشّهادة, فيما يُعبّر اللون الأسود عن الحزن والحداد والفاجعة والمأساة في كربلاء, إضافة لرمزيّته للظّلم بحقّ النّاس...
    هذا ولقد تعدّدت الأساليب والتّقنيّات وتنوّعت المواد والخامات التي تُستخدم في صناعة اللوحة العاشورائيّة والتّعبير من خلالها عن الواقعة الكربلائيّة, من نقوش ولوحات جداريّة إلى لافتات إعلانيّة فملصقات ومجسّمات جامدة ومتحرّكة... وتعدّدت كذلك الأساليب الفنّيّة وتمحورت بين فنون المدارس الكلاسّيكيّة والإنطباعيّة والرّمزيّة والتّجريديّة والسّورياليّة والبصريّة والمفاهميّة وغيرها من الفنون التّجهيزيّة والإنشائيّة التّشكيليّة... كما تعدّدت أساليب التّقنيّات, ما بين إستخدامات الأقلام التّحبيريّة التي تستخدم الحبر الصّيني, وأقلام الرّصاص, والأقلام الخشبيّة الملوّنة, والأقلام المائيّة التّلوينيّة, إلى إستخدامات أصناف الألوان التّرابيّة فالألوان المائيّة والزّيتيّة والطّباشيريّة والصّناعيّة, وصولا لتقنيات الفنون اللونيّة والإبرو والحاسوبيّة, والجمع واللصق والتّشكيل الورقي, والموادّ المختلفة وفنون النّحت والحفر, والرسم على الزّجاج والخزف بكافّة أشكاله وأنواعه وتقنيّاته الحديثة, وصولا لتقنيّات فنون الرّسم الرّقميّة التي تُستخدم من خلال الحواسيب الشّخصيّة والبرمجيات العشريّة الرّقميّة التّابعة لها...
    إلى هذا فإنّ التّعبير الحزين والمأساوي عن الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة, يختلف من مكان إلى آخر, ومن زمن إلى زمن آخر, ومن مجتمع إلى بيئة أخرى, وتحت ظلّ دولة ما إلى ظلّ دولة أخرى, وما بين ظروف ما وظروف أخرى, وبين حالة وحالة, وبين رسّام ورسّام آخر وفنّان تشكيلي وآخر, وبين مرسم ومرسم آخر وبين معرض ومعرض آخر... إلاّ أنّ جميع النّتاجات التي تنضوي تحت مدرسة فنون التّشكيل العاشورائي, تلتقي وتتوافق على جوهر الموضوع, وتوجّهه وقيمته الهدفيّة, وإستلهام الأبعاد الرّوحيّة للثّورة الحسينيّة... بحيث غدت مدرسة الفنون الكربلائيّة العاشورائيّة غنيّة وثريّة بالرّموز والعناصر التّشكيليّة, التي تغدو متناغمة متماذجة متجانسة ومنسجمة مع الوحدات الفنّيّة الأخرى...
    وقد برز الكثير من الفنّانين المشتغلين في إبداعات الفنون التّشكيليّة العاشورائيّة في غالبيّة الدّول العربيّة والإسلاميّة والعالميّة, وخاصّة في لبنان وسوريا والعراق وإيران والسّعوديّة وغيرها... هذا وقد سادت في بعض الأقطار والمجتمعات المراسم الفنّيّة العاشورائيّة العامّة والخاصّة, فيما إنتشرت هذه المراسم والمختبرات في عدّة مدن وبلدات وقرى لبنانيّة, والتي غدت مختبرات تجريبيّة للتّعبير عن ملحمة كربلاء الطّفّ وعاشوراء الحسين, بما يختلج في النّفس الإنسانيّة من مشاعر وأحاسيس وشؤون وشجون, كلّ على مزاجيّته الفنّيّة وطريقته التّشكيليّة ورؤاه الإخراجيّة, لإنتاج أوسع تشكيلة من اللوحات والمشهديّات التي تُعنى بتجسيد وتوكيد معالم الملحمة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, للتّوعية الهادفة من قبل الدّعاة الفنّيين التّشكيليين العاشورائيين, تلك اللوحات والمشهديّات التي الهيئات والمؤسّسات والجمعيّات التي تُعنى بإحياء المراسم والشّعائر الحسينيّة, وتُعرض هذه اللوحات في المواسم العاشورائيّة في معارض متنوّعة في بعض الدّول والأقطار, وخاصّة لبنان, ويأتيها النّاس والمريدون من كلّ حدب وصوب ليشاركون بها...
    حسين أحمد سليم
    hasaleem

  2. #2
    الصورة الرمزية حسين أحمد سليم قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    العمر : 71
    المشاركات : 163
    المواضيع : 130
    الردود : 163
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي

    بقلم: حسين أحمد سليم
    آل الحاج يونس

    المُصمّم المُبتكر والمخترع اللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس القدير والرّسّام الهندسي الفنّي الخبير





    السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, الحوراء عقيلة بني هاشم, تلك المرأة القديرة المميّزة والشّجاعة, التي شهدت وفاة جدّها الرّسول الأكرم عليه الصّلاة والسّلام, وشهدت وفاة والدها الإمام عليّ بن أبي طالب, بعد غدره بباب المسجد عند صلاة الفجر, وشهدت كذلك وفاة والدتها السّيّدة الجليلة فاطمة الزّهراء كريمة النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام, وحملتها الأقدار أن ترافق أخيها الإمام الحسين إلى أرض الطّفّ كربلاء, لتشهد فاجعة قتله وإستشهاده وقطع رأسه زوراً وظلماً وبهتاناً وإعتداءً, وقتل الكثير من أصحابه وأهل بيته, بعد الجعجعة بهم ومنع الماء عنهم... ومن ثمّ السّير بها سبيّة مع سبايا ما تبقّى من أهل بيت الحسين وصحبه على قيد الحياة, لتعيش القهر والمعاناة والعذاب في درب السّبي الطّويل وصولاً إلى بلاد الشّام ودخول مجلس الحاكم الطّاغية مكبّلأة بالسّلاسل والأصفاد والحديد...
    العقيلة الهاشميّة السّيّدة زينب, التي مارست أدوار عديدة بصفة تكليفيّة وليست تشريفيّة, كانت الزّوجة الوفيّة المخلصة, وكانت الأمّ الرّؤوم التي جعل الله الجنّة تحت أقدامها, وكانت البنت الكريمة المخلصة لأبيها, وكانت الأخت العطوفة لأخيها, وكانت المربّية الواعية لمسؤوليّاتها, وكانت الإداريّة الحاذقة في ترتيب الشّؤون, وكانت المُداوية المتخصّصة للجراحات, وكانت الرّائدة الإجتماعيّة في العلاقات, وكانت السّياسيّة النّاضجة في الإهتمام بالغير, وكانت الشّجاعة الجلود في صلب المواقف الحرجة, وكانت الخطابيّة الجريئة في مجالس الطّغاة والظّلمة, وكانت الأنثى المغايرة التي تتمتّع برباطة الجأش وضبط الأعصاب في خضمّ المحن والمصائب...
    حريّ بالعقيلة الهاشميّة السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, أن تُكرّم على أكثر من صعيد إجتماعي وإنساني وتربوي وتمريضي وديني وسياسي وأدبي وفنّي... وحريّ بها أن يُخلّد إسمها مدى الحياة, وأن يُنظر لها من زاوية روحيّة إنسانيّة واسعة منفرجة, وأن تُدرس شخصيّتها بعمق ودقّة وشموليّة, وأن تُعطى حقّها الكامل الذي في الذّمم... وحريّ بها أن يُشرّف إسمها الزّينبيّ المبارك, أيّ عمل كبير وعظيم, له شأنه في مسارتنا الحياتيّة, وهو ما حمل تفكّري الفنّي التّشكيلي, على أن يُبتكر بإسمها مدرسة فنّيّة تشكيليّة خاصّة ومميّزة, تحت إسم مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, تكريماً لها وتخليداً لدورها البطوليّ النّسائيّ الفريد, الذي لعبته بعظمة وقوّة وجدارة في موقعة كربلاء, ومدى إستيعابها الإنساني, للفاجعة النّكراء التي حلّت بها ظلماً وعدواناً, من جرّاء مقتل أخيها الحسين وصحبه وأهل بيته بغير وجه حقّ, ورفع رأسه على أسنّة الرّماح بعد إقتطاعه الوحشيّ عن جسده, والسّير به وسبي العقيلة زينب ومن تبقّى على قيد الحياة, وحملهم إلى بلاد الشّام, حيث مقرّ الحكم والحاكم الظّالمين في مدينة دمشق...
    حملتني رؤاي الفنّيّة التّشكيليّة إلى خلق وإبتكار مدرسة لفنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, وكان ذلك بعد تفكّر عميق, وأنا أبحر في تفاصيل حقب تاريخ السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, الحوراء وأمّ المصائب عقيلة بني هاشم... سيّما أبّان الواقعة الكربلائيّة المفجعة بنتائجها المؤلمة, التي دوّت لها السّماء وعصفت وبكت لها الأرض وإنتحبت, ولما حدث بعدها من عذابات وقهر وظلم في رحلة ومسارات السّبي الطّويلة المسافات... فكان لا بُدّ أن يتناهى لوجداني الإنساني, كفنّان تشكيلي متمرّس وقدير ورسّام فنّي هندسي خبير, فكرة توالدت من رحم الفنون التّشكيليّة التي أمارسها منذ زمن بعيد, قضت الفكرة المتوالدة في ثنايا وجداني, العمل الجادّ على إبتكار تصميم لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, تيمّماً وتنسيباً للحوراء زينب بنت عليّ بن أبي طالب, وتوالداً من رحم فواجع أرض الطّفّ في كربلاء العراق, ومقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وإبن السّيّدة الجليلة فاطمة الزّهراء وحفيد النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام, وإستشهاده في يوم عاشوراء في العام واحد وستّين للهجرة, على يد زبانية الكفر والإلحاد في ذلك الزّمن العتهر القاهر...
    إنطلقت في تصميم ووضع مقوّمات إبتكار فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي من حركة فعل الإستقراءات التّاريخيّة, التي عاشت في خضمّها السّيّدة زينب, وإعتمدت ما توصّل إليه وجداني وتفكّري من تحليلات وإستنتاجات, بعد سبر أبعاد وخفايا واقعة كربلاء المفجعة, التي سبق وأرسيت لها ومن رحمها, إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي... ومن نسيجها إستطعت وضع أسس وقواعد ومفردات إبتكاري الجديد, لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي... بحيث إخترت اللون الأسود المفردة الأساسيّة لتكوين اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة, وهذا اللون الأسود, هو لون داكن دامس متحندس كما هو معروف ومرئيّ وملموس, ويدلّ على الظّلام الليلي الشّديد, مقابل الضّوء الأبيض السّاطع النّاصع لتمييز النّهار... وإستخدامات هذا اللون عبر التّاريخ, يعكس مستوى الظّلم اللاحق بالمظلوم, ويُجسّد حالة الجهل والغباء بخفايا حقائق الأمور والأشياء, وهذا اللون هو أفضل الألوان للدّلالة على الحزن العميق الذي يُصيب الإنسان من جرّاء فقدان الأهل والأخوة والأحباب والأعزّاء... وهذا اللون الأسود يتماشى مع العباءة السّوداء اللون أيضاً, والتي تُغطّي كامل الجسد الأنثوي, ويتوافق مع الخمار الأسود, الذي يحجب جماليّات الوجه عن الآخرين, منعاً لتحريض الأحاسيس الشّيطانيّة... وهذا اللون هو اللون الرّسمي الذي يلتزم به النّاس في حالات الحزن, ونفسه هو اللون الذي يعكس الظّلم والقهر والحرمان...
    هذا, وإخترت اللون الأحمر القاني من بين منظومة أطياف الألوان المعروفة, المفردة الأساسيّة الثّانية والهامّة في تشكيل بنية اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة... حيث يتوافق هذا اللون الأحمر مع لون الدّماء النّازفة, ويعكس معالم الثّورة المتفجّرة في وجه الظّلم والظّالمين, واللون الأحمر هو لون الرّفض القاطع لكلّ أشكال الحكم الغاصب القاهر المتسلّط, ومن أين جاء أو أتى لا فرق, وهو كذلك اللون الرّافض بقوّة متعاظمة لكلّ الطّغاة والطّواغيت, كائنين من كانوا...
    وهكذا, إنطلاقاً من حركة فعل الإستقراءات في كنه ومطاوي وأبعاد اللون الأسود وإستنتاجات دلالاته التّ‘بيريّة والتّرميزيّة, وكذلك من عمق الإشباع الطّيفي في أثيريّات اللون الأحمر, وإنعكاساته التّعبيريّة والتّرميزيّة... فإنّ المفرة الأساسيّة في قواعد وأسس تصميم وتكوين اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة, هو اللون الأسود القاتم الدّاكن, ويليه اللون الأحمر المشبّع الدّافق والمتفجّر...
    ولا بُدّ لإستكمال أساسيّات البنى التّكوينيّة في تشكيل اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة, من فعل التّركيز على أيقونة الوجه الأنثوي التّعبيري والتّرميزي, المجلّل باللون الأسود حجاباً, والمشرق بالضّوء السّاطع في سيّالاته المنبعثة من قلب الوجه التّعبيري التّجريدي, كمفردة أساسيّة ثابتة في مكوّنات اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة, إنّما بمشهديّات متنوّعة ومختلفة العرض ولقطات الزّوايا...
    من جهة أخرى إستكماليّة أيضاً لمجمل المفردات الأساسيّة من المستوى الثّاني والتي لا تقلّ أهمّيّة في صناعة وتكوين اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة, مثل العباءة السّوداء المرسلة حتّى ملامسة التّراب, والتي تخفي كامل المكوّنات الجسديّة الأنثويّة بشكل فضفاض وواسع... والقيود والأصفاد والسّلاسل الحيديّة حول المعاصم, يجب عدم إغفالها أو تركها بدون تجسيدها بشكل أو بآخر في بنيّة اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة... والدّموع الحارّة الرّقراقة, المنسكبة حزينة على الخدود المجرّدة, والسّير على الأشواك والمسامير في الدّروب والطّرق الوعرة... وهناك أيضاً المفردات الهامّة واللازمة, والتي لا بُدّ من وجودها ضمن بنية اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة, كالسّيف الذي يقطر دماً, في دلالة لدماء الإمام الحسين, والرّماح المنتصبة وعليها الرّأس أو الرّؤوس المخضّبة بالدّماء, في دلالة لرأس الإمام الحسين ورؤوس أصحابه وأهل بيته الشّهداء القتلى... وكذلك ركب الجمال المحمولة بالأشكال البشريّة النّسائيّة المجلببة بالسّواد, في إشارات ودلالات للسّبايا على صهواتها وظهورها... والصّورة التّجريديّة التّعبيريّة للحصان الحزين المطأطيء الرّأس, الذي يُشير إلى فقدان فارسه أيّ الإمام الحسين...
    ومن مفردات اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة أيضاً, إظهار الموقف الشّجاع الجريء للسّيّدة زينب في إلقاء خطابها التّعريفيّ بالحقائق على إمتداد طريق السّبي الطويل وفي مجلس الحاكم الطّاغية الظّالم في دمشق في ذلك الزّمن الرّديء... ولا يجب أن ينسى الفنّان التّشكيلي والرّسّام الفنّي من أن يُبرز تجريديّاً صوراً تحقيريّة لؤلئك الظّلمة والمعتدين ومرتكبي الجريمة النّكراء بحق الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه...
    وبناءً لما أكرمني به الخالق سبحانه من رحمة ومودّة وعدالة, بالوحي التّفكيري لوجداني وعقلي وتفكّري ووعيي وعرفاني, من إبتكار تصميم مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, فإنّني من منطلق تكليفي الإيمانيّ الملتزم مذهب أهل البيت عليهم السّلام, أتوجّه بالنّداء الإيماني التّكليفي إلى كلّ فنّان تشكيليّ ونحّات ورسّام من محبّي الإمام الحسين وأهل بيته, ومن محبّي عقيلة بني هاشم السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, كارزاً لهم بالحقّ, شادّاً على أناملهم المبدعة, من العمل الجادّ والكثيف على تفعيل وإذكاء حركات الفعل الإبتكاري والإبداعي لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, والنّفخ الفنّي التّشكيلي لإذكاء نيران هذه الثّورة لتبقى متّقدة مدى الزّمان, وإثراء هذه المدرسة المباركة بما لا نهاية له من الرّسومات والصّور والتّشكيلات, بأساليب فنّيّة مختلفة ومتنوّعة من تعبيريّة وترميزيّة وتجريديّة وسورياليّة وتصويريّة وتكعيبيّة ومفاهيميّة وتلصيقيّة... لتبقى مدرسة السّيّدة زينب خالدة, تتنامى بإستدامة وتتوالد مع كلّ نتاج فنّيّ تشكيليّ جديد, يُساهم به كلّ فنّان تشكيلي ونحّات ورسّام من المؤمنين بالله تعالى وتوحيده, ومن المحبّين لله تعالى ورسوله وأهل بيته, سيّما عقيلة بني هاشم السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, وكريمة السّيّدة فاطمة الزّهراء, شقيقة الإمام الحسين المظلوم, وحفيدة النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام...

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسين أحمد سليم مشاهدة المشاركة


    إستطعت وضع أسس وقواعد ومفردات إبتكاري الجديد



    ومن مفردات اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة أيضاً, إظهار الموقف الشّجاع الجريء للسّيّدة زينب في إلقاء خطابها التّعريفيّ بالحقائق على إمتداد طريق السّبي الطويل وفي مجلس الحاكم الطّاغية الظّالم في دمشق في ذلك الزّمن الرّديء... ولا يجب أن ينسى الفنّان التّشكيلي والرّسّام الفنّي من أن يُبرز تجريديّاً صوراً تحقيريّة لؤلئك الظّلمة والمعتدين ومرتكبي الجريمة النّكراء بحق الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه...


    ...

    مبارك لكم هذا المنجز ...

    وتبقى مسألة التظالم متجددة .. ولعل الفن يوضح للمتلقي أهمية كشف الزيف ومنه الزيف التاريخي .. فالتجرد يجعلنا نرى المشهد بعمق وصوابية ... فشعب يهتف ( بالروح بالدم نفديك يا أبو الجماجم ) هو شعب مسؤول عن أزمته بشكل أو بآخر !!

    /

    مودتي.
    الإنسان : موقف

المواضيع المتشابهه

  1. ما هو الفن التشكيلي
    بواسطة الفنان نياز المشني في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 10-06-2013, 09:01 PM
  2. الحداثة في الفنّ التّشكيلي اللبناني
    بواسطة حسين أحمد سليم في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-02-2013, 11:23 PM
  3. الفنّ التّشكيلي
    بواسطة حسين أحمد سليم في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-01-2011, 07:19 AM
  4. معرض الفن التشكيلي لأحمد الجنايني
    بواسطة محمود سلامة الهايشة في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-04-2010, 01:27 PM
  5. العلاقة بين الفن التشكيلي والمسرح
    بواسطة فيصل الخديدي في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 29-12-2007, 09:02 PM