إبتكار مدرسة فنون الرّسم الطّاووسي

بقلم: حسين أحمد سليم

بَجَّلَ فلاسفة الشرق الطّاوس لجماله، وإعتبروه مقدّسًا على علاقة بالآلهة البدائيَّة، بينما في الغرب إقتَرَن الطّاووس دومًا بفِكرة الغرور والتّغطرس، وقُورِنَ بالشّيطان بسبب صوته، بل إنَّه في القرن التّاسع عشر أصبح ريش الطّاووس سيِّئ الصّيت، وإعتبرت عُيَينة ذيله جالبة للحظ السّيِّئ، وشبّهت بـالعين التي تُصيبُ بالسّوء...
وأقدم الخرافات والأساطير حول الطّاووس تعودُ إلى الدِّيانة الهندوسيَّة في الهند, حيث كان الطّاووس يُمثِّل المركبة النّموذجيَّة للآلهة في تنقُّلاتهم, وحيث كان يركبه معبود الحرب، ومعبودة الحب ومعبودة الشّعر والحكمة, كما كان له إرتباطٌ بأسطورة وحدة الكون وإنبعاثه من جديد، وفي الهند الجنوبيَّة يقومُ المؤدُّون بأداء رقصة الطّاووس مُرتَدِين تيجانًا مُكوَّنة من ريش الطّاووس، إلى جانب أنَّ أغلب المعابد الهندوسيَّة كانت تضمُّ مراوح ومكانس مُكوَّنة من ريش الطّاووس لإزالة الغبار عن الصّور والأدوات المقدَّسة وكنس أرضيَّات المعابد، أمَّا في الهند الوسطى فقد عُبِدَ الطّاووس كطوطم، وفي حفل الزّفاف تقومُ الجماعة بالتعبُّد لتمثالٍ صغير للطّاووس، وعندما ترى النّساء طاووسًا فإنهنَّ يحجبنَ وجههنّ وينظُرن بعيدًا...
وفي نيبال هناك معبودًا يُدعى: جانغولي, يعتقدُ النّاس أنَّه يحمي النّاس من لدغة الأفعى، ولدور الطّاووس في أكل الأفاعي فقد كان جانغولي يُصوّر دائمًا ممتطيًا طاووسًا، وفي بعض لوحات بوذا نجدُه مصوّرًا وهو يمتطي ظهر طاووس...
أمَّا في حكايات أيسوب، وهي حكاياتٌ جعلها أيسوب, وهو عبدٌ يوناني محرَّر عاش في القرن السّادس قبل الميلاد في جزيرة ساموس, على ألسنة الحيوانات، جاء ذِكر الطّاووس في حكايتَيْن من حِكاياته, حيث تصفُ حكاية أيسوب المسمّاة بـالطّاووس والكركي كيف أنَّ طاووسًا سخر من كركي حول ريشِه باهت اللون قائلاً: أنظُرْ إلى ألواني المتألِّقة، وتفحَّص كيف أنها أجمل بكثيرٍ من ريشك المثير للشَّفقة، فأجابه الكركي: لا أُنكر أنَّ ريشك أرقى من ريشي بكثيرٍ، لكن حين يتعلَّق الأمر بالطّيران، فبإستطاعتي أنْ أحلّق إلى قلب الغيوم، بينما ستكون مقيّدًا إلى الأرض مثل أيِّ ديك على كومةٍ من الرّوث...
أمَّا الحكاية الثّانية التي بعنوان: حكاية الغراب الأسود, فتحكي عن نيَّة جوبتير كبير الآلهة تعيين ملكٍ على الطّيور وحدّد يومًا للإستعراض لكلِّ الطّيور، التي تهيَّأت وقامت بالإستحمام على ضفَّة النّهر وترتيب ريشها، أمَّا الغراب فلعِلمه بقبحه وسُوء منظره فقد إنتظر حتّى إنتهت الحيوانات من تنظيف ريشها وقام بإلتِقاط الرّيشات التي سقَطَتْ من الطّيور، وعلى رأسها ريش الطّاووس الأكثر بهرجةً وجمالاً، وعند الإستعراض كاد جوبتير أنْ يُنّصبه ملكًا للطّيور غير أنَّ الطّيور وعلى رأسها الطّاووس الغاضب ضجّوا بالشّكوى وجرَّدته من ريشه المستعار، وكشفت حقيقة كونه غُرابًا أسود قبيح المنظر، ومغزى القصّة أنَّ كلَّ ما هو مزيَّف لا قيمةَ له حتّى ولو كان في جمال ريش طاووس...
أمَّا في النّصرانيَّة فقد كان الطّاووس يُصوَّر مع صور المسيح طفلاً من جانب الفنَّانين, تعبيرًا عن نَقاء المسيح وخُلوده، وجاء ذلك الإرتباط من أجل لحمِه الذي لا يفسد، كما جاء ذكرُ ذلك في إحدى ملحوظات القدّيس أوغستين، كما كان يتمُّ رسمُ صور الطّواويس في سَراديب الموتى ومَقابر جنوب روما التي يعودُ عهدُها إلى القرن الثّاني والثّالث قبلَ الميلاد، أمَّا في عصر النّهضة فقد كان الطّاووس موضوعًا مُفضلاً لرسم الفنَّانين, حيث كان يعتبر معنًى رمزيًّا لخطيئة الغُرور ضِمن الخطايا السّبع المميتة...
أمَّا في الطّبّ فنجدُ في دستور الأدوية في السّنغال إعتقاد أنَّ ريش الطّاووس نافعٌ لعلاج الرّوماتيزم وإلتواء المفاصل وخلعها، وتعتبر العيّينات ترياقًا ممتازًا لمقاومة عضَّة الجرذ، ويتمُّ العلاج بلفِّ الرّيشة في ورقة نبات جافَّة، ثم تُضرَم النّار بها ويقوم المصاب بإستنشاق الدّخان المتصاعد ثلاث مرَّات...
أمَّا الخرافات الشّائعة في الغرب عن الطّاووس فترتبط جميعها بنذير السّوء, حيث إنَّ هناك خُرافة شائعة في بريطانيا تقول: إنَّه من الشُّؤم الإحتفاظ بالرّيش المزيّن بالعُيَينات داخل المنزل، وأنَّ وجود ريشِه في المنزل يتسبَّب بالموت أو عنوسة فتيات الأسرة أو الحسَد من قِبَلِ الآخَرين، وشاعَ هذا الإعتقاد بين الممثِّلين حتّى إنَّ الممثِّل بيتر بال يقول: إنَّ أيَّ شيءٍ له علاقة بالطّاووس هو مشؤوم... فقد قمت بإنتاج مسرحيَّة تُدعى احبس لي طاووسًا في قفص كلفتني كل فلس أملك...
أمَّا في كتابات المؤرِّخين الإسلاميِّين فهناك بعضُ الخرافات الإيجابيَّة المتعلِّقة بالطّاووس, حيث يقول: حمد الله المستوفي القزويني عنه: إنَّ أكلَ لحم الطّاووس محرَّم، وهو يعيشُ خمسة وعشرين عامًا، وله صوتٌ يدفَعُ الكائنات الزّاحفة على الهرب، يُؤكَل مُخُّه مع نبتة السّذاب الطّبيَّة والعسل لعلاج المغص وألم المعدة، إذا أعطيت المادَّة الصّفراء، ربع درهم مع أوكسيميل في ماء فاتر، لمريض الإمساك، فإنَّه يُشفَى، وهو جديرٌ بإطلاق اللسان الأبكم، ويزيد لحم الطّاووس القوَّة الجنسيَّة، ويُخفِّف ألم الرّئتين، وإذا وُضِعَ دهنه على الطّرف المصاب بقرصة الصّقيع، فسوف يعيدُ الدّهن ترميمها، وإذا ربط مخلب الطّاووس على إمرأةٍ تُعانِي آلام الولادة، فستهدأ الآلام على الفور...
وعندما نبحث في مسألة تصنيف الطّيور من منظور رؤى فلسفة الجمال الطّبيعي, ذلك الجمال التّكويني في عظمة وفرادة خلق الأشكال والبنى, ذلك الجمال التّشكيلي الحقيقي, الذي أسبغه الخالق على خلقه بشكل عامّ, وخاصّة أنواع وأشكال وبنى الطّيور منها, يرتسم أمام نظرتنا التّقييميّة الجماليّة الفنّيّة التّشكيليّة والزّخرفيّة, ذلك الطّير الفريد في نسيج جمال ريشه القزحيّ الألوان, والذي تتراءى عظمة الله تعالى في عظمة بديع صنعه لهذا الطّير المميّز, وأقصد به دجاج الطّاووس الذي وُسِمَ ونُعِتَ بأوصاف وألقاب, بما لمْ ولنْ ولا يُنعت غيره بما نُعِتَ به من إنتقادات شتّى... ومهما قيل ويُقال من أوصاف وسمات وألقاب ونعوت, في أخلاقيّات وتصرّفات ومسلكيّات الطّاووس الظّاهريّة, من الذّكوريّة والغرور والغطرسة والعدوانيّة والإستعراض والتّماهي والبخترة والتّعالي... يبقى الطّاووس ذلك المخلوق العجيب الغريب, الذي أبدع الخالق في جمال صنعه, شكلا وبنية ولوحة فنّيّة تشكيليّة قزحيّة الألوان, إن دلّت على شيء, فإنّما تدلّ على عظمة ووحدانيّة الخالق, فسبحانه تجلّت عظمته وقدرته فيما شاء وخلق...
فالطّاووس هو طيرٌ من الطّيور الجميلة الفاتنة, التي تستَحوِذُ على إعجاب كلِّ مَن يُشاهدها ويراها, بحيث ترفلُ العيون دامعة من خشية الله, وذلك لِمَ حباه الخالق به من حزمة من ريشٍ رائع جميل, مُموَّه بكثيرٍ من حُزم الألوان المتناغمة والمتناسقة والمنسجمة في تكوينها وخطوطها وأشكالها وزخرفتها وألوانها... وأشبه ما تكون ألوان ذيل طائر الطّاووس, بألوان قوس السّماء القزحيّ, أو ما يُسمّى بقوس الله في السّماء, ذلك القوس اللونيّ الجميل, الذي يرتسم أثيريّا في سماء يوم ماطر مشمس معاً, حيث تتخلّل وتخترق حزماً من سيّالات وأشعّة الشّمس قطرات المطر المنهمرة رحمة من الخالق إلى الأرض, وهو التّشبيه الأقرب, للون ذلك الذّيل الفائق الجمال والمتفرِّد لطائر الطّاووس، ولتلك الطّريقة المُوحاة من الخالق لطائر الطّاووس, بأدائه الإستثنائي في حركات وأفعال رفْع ذيلِه الطّويل بطريقةٍ مميّزة ومدهشة، وإبراز جماليّات ذيله في لوحة فنّيّة تشكيليّة باهرة, تتجلّى في مشهديّة ريشِه المُلوَّن، وهو يتماهى عنفوانا في مشيته الإستعراضيّة التي يتبختر بها...
وفيما مضى من خوالي حقب الأزمان ومدارات الأيّام, إعتُبِرت طيور الطّواويس جزءًا لا يتجزَّأ من حركات الفنون السّالفة, التي كانت تخدمُ مختلف الثّقافات والمعتَقَدات الدّينيَّة القديمة للشُّعوب الآسيويَّة، أمَّا في البلاد الأوروبّيّة فقد غابتْ هذه الطّيور عن معالم الفنون الأوروبّيّة، بإستثناء فترة وجيزة إندمجت داخل الصّور الزّيتيَّة للحدائق التّابعة للمُمتلكات الرّيفيَّة الألمانيَّة والفلمنكيَّة والإنجليزيَّة, حيث إعتبرت نماذج زخرفيَّة يحرص عليها أثرياء القوم في تزيين قُصورهم وبيوتهم الفارهة، إلى جانب أنَّ السَّيدات كُنَّ يحرصن في تلك الفترة على التّزيُّن بريش الطّاووس كدلالةٍ على المكانة الإجتماعيَّة السّامية التي وصلوا إليها ويعيشونها...
غير أنَّ الحرَكات الجماليَّة الأوروبيَّة الحديثة, والخاصَّة بالفنون عملت على الإهتمام بالنّماذج الفطريّة التّقليديّة وتناغم وتماذج الألوان الطّبيعيّة في النّماذج الشّعبيَّة القديمة، ومن أهمّها زخرفات طائر الطّاووس، ومن أهمِّ روَّاد تلك الحركات, جون راسكين و ويليام موريس اللذان إهتمَّا بالأعمال اليدويَّة القديمة وأعمال التّطريز وإعادة إحيائها، أمَّا و يليام دي مورجن فقد إهتمَّ بأعمال الخزف الملوَّنة وكيمياء طلاء التّلميع وصناعة طبقات طلاء لامعة محاكية لريش طائر الطّاووس القزحي، أمَّا و التر كرين فقد إهتمَّ برسم كتب الأطفال الملوّنة, حيث أدخل كثير من الخرافات حول الطّاووس في رسومه وحكاياته، ومنها الأسطورة الشّهيرة: الطاوس يشكو لجينو, وغيرها...
ومِن أهمِّ أعمال الفنّ الحديث هو ما أتَمَّه الفنّان الأمريكي جيمس مكنيل ويستلر (1834-1903) حيث صمَّم حجرةً كاملة مكرّسة للطّواويس، ومستوحاة من لون ريشها الأزرق المخضرّ في منزل في لندن عام 1876-1877، وأصبحت هذه الحجرة معروفةً بإسم حجرة الطّاووس، وتنقلّت الحجرة بين العديد من الملاّك، والآن مَعروضة في معرض فرير جاليري في واشنطن عندما أوصى فرير بنقل مجموعته الفنّيَّة للدّولة الأمريكيَّة...
وفي سنة 1870 إستمرَّ إهتمام الفنون الحديثة بالعناصر القديمة الخزفيَّة ومنها الطّواويس, حيث برزت شركة روكود للخزف في أمريكا من بين أفضل الشّركات المنتِجة لتلك العناصر الخزفيَّة المزخرفة، حيث كانت المحاولة لتقليد قزحيَّة ألوان ريش الطّاووس وصورته وشكله على المزهريّات والأطباق، وشاعت وقتَها أواني تيفاني الخزفيَّة باهظة الثّمن، بل ظهرت تصميمات حديثة لتصاميم الطّواويس وريشها على كثيرٍ من أغلفة البضائع والأطعمة ومستحضرات التّجميل وغيرها...
وتَمَّ توظيفُ ريشة الطّاووس كرسمٍ مُتكرِّر بدءًا من الزّهريّات الأنيقة لـ أوغستي ديلاهيرتشي و روكود إلى الطّوابع والبطاقات البريديَّة التي إنتشرت وقتذاك، كما زيّن ريش الطّاووس أيضًا السّطوح الزّجاجيَّة والخزفيَّة لكثيرٍ من التّحَف والحلي الفنّيَّة، وصارت ريشة الطّاووس رمزًا زخرفيًّا مُحَبَّبًا لذوق كثيرٍ من محبِّي الفنون...
وبمرور الوقت لم تعدْ نقوش الطّاووس على الخزف والمنتجات الفنّيَّة حِكرًا فقط على عليّة القوم, حيث أصبحت تلك الزّخارف شائعة في البيوت الصّغيرة والمتوسّطة أيضًا، بل دخل الطّاووس عالم الأدب الحديث, حيث أشار الأديب الأمريكي فلانري أوكونور للطّاووس في كثيرٍ من كتاباته، وكان يكنُّ إعجابًا بالغًا للطّاووس، وكذلك أشار إليه الكاتب الشّهير د.هـ.لورانس، إلى جانب دخول رمز الطّاووس في كثيرٍ من شعارات الشّركات الإعلاميَّة كعنصرٍ تراثي قديم له مكانته الجماليَّة...
ولقد إرتَبَط طائر الطّاوس في الكثير من الأذهان, بأنَّه طائر عنفواني ذكوري، ومتغطرِس، ومستعرِض، وعُدواني في نفس الوقت، حتّى أنَّ النّاس تُشيرُ إليه بهويّة الغرور عندما يستعرضُ نفسه، فيما أصبح النُّزوع الإستعراضي الطّبيعي لطائر الطّاووس يُضرَبُ مثلاً سائرا بين النّاس, في وصف تصرُّفات بعض اليافعين والشّباب وبعض النّاس من البشر...
وفي العمليّة التّكوينيّة التّصنيفيّة لعالم طيور الطّواويس, هناك ثلاثةَ أنواعٍ معروفة من هذه الطّواويس, نذكر منها: الطّاووس الأزرق أو الهندي، وموطنه الأصلي في بلاد الهند وبلاد سيريلانكا, وإنتشر تدريجيًّا في الجزء الغربي من العالم، والطّاووس الأخضر، وهناك طاووس إفريقي أكثر قصرًا وبدانةً وأصغر حجمًا، ولكنَّه لا يملك نفس الذّيل المتعدِّد الألوان، ويُعرف بطاووس الكونغو أو أفروبافو، والميزة التي تتمتَّع بها الطواويس الزّرقاء والخضراء اللون, هي قُدرتها اللافتة على نشر حزمة ريش ذيولها, لتُشكِّل مشهديّة في لوحة فنّيّة تشكيليّة فائقة الجمال اللوني, من خلال تشكيل ذلك القوس الضّخم من حزم الألوان البديعة، يصل إلى عرض المترين تقريباً... هذا, وقد إحتلَّ الطّاووس مكانًا بارزًا في القصص والأساطير والمعتَقَدات البدائيَّة للشُّعوب المختلفة، فبشَكلِه المثير للإعجاب، واللافت للإنتِباه، كثُر تناوُله في موضوعات الفنون التّشكيليّة والحرف الصّناعيّة وفنون الآداب وفنون الأنسجة والطّباعة وفي الأمثال الشّعبيّة السّائرة، وكثيرا ما إستخدم كمنحوتات رخاميّة وُضعت عند مداخل البيوت الفخمة والقصور, وغيرها... حيث غدا طائر الطّاووس من غرائب وعجائب الخلق, يُحاكي طائر الفينيق الأسطوريّ... وكثيرًا ما كان طائر الطّاووس يُوصَف وصفا فلسفيّا إجتهاديّا سورياليّا وتجريديّا, بأنَّ له, ريش ملاك، وصوت شيطان، وأقدام لص...
ويتكوَّن ريش طيور الطّواويس من خَلايا مادَّة الكراتين، وهي المادَّة التي يتركَّب منها الشَّعر والأظافر والقرون والحوافر، وهو المسؤول عن تقزح الريش، وهو التغيُّر اللوني الذي يحدُث عند النّظر للرّيش الملوَّن من زوايا مختلفة، ويكونُ العنق والصّدر مزيَّنين بلون أزرق أو أخضر فضّي، أمَّا الظَّهر والأرداف فباللون الذّهبي، وكذلك الكواسي العُليا للذّيل فتظهرُ بألوان مُتعدِّدة متناسقة، وتتكوَّن هذه الكواسي من قصبات متحلّلة معدنيَّة عبارة عن أكثر من مئة ريشة تحملُ بقعًا لونيَّةً تشبه الأعين ذات لون بنّي أو ذهبي نحاسي وأخضر داكن، وهناك حوالي الأرعين من الرّيش الأطول ذات لون أخضر ذهبي، وينتهي بمروحةٍ عريضة على شكل الرّقم سبعة أو الحرف الأجنبي في...
وهذا الرّيش يكون مفيدًا لطائر الطّاووس حال هُروبِه من أعدائه, حيث يُساعده على سُرعة الرّكض إلى جانب أنَّ له دورًا كبيرًا في الإصطفاء الجنسي في موسم التَّزاوُج بين الطّواويس, وحيث إنَّ جمال الرّيش وحجمه يُعطِي الذُّكور أفضليَّة عند إختيار الإناث لأزواجهنَّ، وتفضّل الإناث الذُّكور ذات البقع العينيَّة الأكبر حجمًا والألوان الأكثر إشراقًا، إلى جانب أنَّ فراخ الذّكور الأكثر زركشةً هي التي تنمو بشكلٍ أسرع، وتتمتّع بمعدَّل بقاء أفضل أيضًا...
ومشية طائر الطّاووس المتبختِرة مع حَركة أرجُله الصّلبة تعودُ في الأساس إلى جهدٍ ميكانيكي لحِفظ توازُن الطّائر أثناء الحركة، وقد وصَف شكسبير مشية الطّاووس في إحدى مسرحيَّاته بأنّها, خطوة ووقفة... أمَّا صوت طائر الطّاووس فهو مُنفِّر، فصيحته خشنةٌ حادَّة كريهة أشبه بالزّعيق، ويُقال بأنّها تُشبه كلمة: باافو, أو فياو، فياو"، وتطلق طيور الطّواويس تلك الصّيحات عندما يُزعِجها أحد حيوانات الغابة الأكبر حجمًا كالفيل أو الآيلة...
أمّ في فنون إنشاءات وتطبيقات وتشكيلات ومباديء الرّسم الطّووسي, للمدرسة التي أوحى لي الخالق بها, محاكاة مع بديع صنعه وتجليّات عظمته في معجزات خلقه, ومنها الطّاووس بذيله الفائق الجمال... فإنّني أضع بتصرّف الفنّان الرّسّام المحترف والخلاّق والمبتكر, بعض الأسس والمباديء الهندسيّة في عمليّات تطبيقات وتجارب تشكيلات لوحات ومشهديّات في ظلال فنون مدرسة الرّسم الطّاووسي...
فنرسم خطّان مستقيمان, أفقي ورأسي, متقاطعان ومتعامدان في في نقطة وسطيهما, وبطول 10 وحدات لكلّ منهما, بحيث يكون طول كل جزء من تقسيمات الخطّين يُساوي 5 وحدات قياسيّة...
من نقطة تقاطع الخطّين المستقيمين, نرسم دائرة بشعاع طوله 5 وحدات ليتكوّن معنا قطر بنفس طول كلّ من الخطّين المتقاطعينّ.
نرسم خطّا أفقيّا يقطع شعاع الدّائرة الرّأسي السّفلي في وسطه ويتقاطع مع محيط نصف الدّائرة السّفلي في نقطتين ما... من نقطة محور الدّائرة, نرسم شعاعين بزاوية ما, يُنصّفها شعاع الدّائرة السّفلي, بحيث يلتقي طرف كلّ شعاع مع تقاطعيّ الخطّ الأفقي منصّف الشّعاع الرّأسي السّفلي للدّائرة...
نرسم خطوطا أفقيّة متوازية, تُقسّم النّصف العلوي للشّعاع الرّأسي السّفلي إلى أربعة أجزاء... بحيث يُستخدم القسم الأوّل لتاج الرّأس, الذي يتمّ تشكيله على صورة مثلّث ممتدّ ومتساوي السّاقين, بإرتفاع ربع نصف الشّعاع, إبتداءً من نقطة محور الشّعاع الأساسي للدّائرة القياسيّة ونزولا, ويُستخدم القسم الثّاني للوجه الكامل على شكل بيضاوي رأسي, بإرتفاع ربع نصف الشّعاع, وبداخله فتحتي العينين والأنف والمنقار, ويستخدم القسم الثّالث, بإرتفاع ربع نصف الشّعاع, لإلتقاء أقدام الطّاووس المثلّثيّة مع بطنه الظّاهر على شكل ربع دائري من محور الدّائرة الكبرى, فيما يبقى ربع نصف الشّعاع للأقدام...
نرسم ريش الطّاووس القياسيّة مع زخارفها ونقوشها وأوشامها الملوّنة, بطول شعاع الدّائرة القياسيّة للأولى, وبطول ثلاث أرباع شعاع الدّائرة للرّيشة الثّانية, وبطول نصف شعاع الدّائرة للرّيشة الثّالثة, وبطول ربع شعاع الدّائرة للرّيشة الرّابعة... على أن تكون جميع رؤوس الرّيش بسماكة صفر في محور الدّائرة, وسماكة ربع نصف الشّعاع عند محيط الدّائرة الكبرى القياسيّة, تقلّ نسبيّا كلّما إقترب طرفها المحرّر من نقطة محور الدّائرة القياسيّة, ليتمّ تكرارها متماسّة عند المحيط, وبشكل دائري قطبي بالعدد المطلوب, وذلك بتقسيم نقطة محور الدّائرة إلى عدد من المسافات يفي بتغطية كاملة وجميلة بما لا يقلّ عن الأربعة والسّتّين قسما بالتّساوي والشّعاعي القطبي للرّيشة الأولى, وإثنين وثلاثين قسما للرّيشة الثّانية, وأربعة وعشرين قسما للرّيشة الثّالثة, وستّة عشرة قسماً للرّيشة الرّابعة والأخيرة, لكي تُغطّي كامل محيط الدّائرة التي تحصر بين شعاعيها زاوية منفرجة لجسم الطّاووس... وبما يُشكّل لوحة جماليّة قزحيّة الألوان ترفل لها عين المستقبل وتلتفت لها عين المشاهد...