إبتكار مدرسة الفنون الحلزونيّة

بقلم وتصميم: حسين أحمد سليم

حياتي التي قضيتها منذ طفولتي في رحاب الحركة التّربويّة الخلويّة الكشفيّة, والتي صنعت مدرسة محاكاتي المباشرة مع لوحات ومشهديّات الطّبيعة, وصرفتها في كثافة إحتكاكاتي الدّائمة مع مكوّناتها المتنوّعة وعناصرها المختلفة, وكان جُلّ تركيزي في مراقبتي الدّقيقة لمختلف أجزائها المتناغمة والمتجانسة والمتكاملة مع بعضها البعض, أو المتناقضة والمتنافرة والمتضادّة فيما بينها...
تلك السّمات التي أكرمني بها الخالق, أحيت في كينونتي البشريّة الإنسانيّة, شراهة الفضول المعرفي التّجريبي الإيجابي, لسبر أغوار وأسرار وكنه هذه التّكوينات الحيّة منها والجامدة, وفعّلت في هدأة سكينتي النّفسيّة المطمئنّة بالإيمان للخالق, شِدّة الملاحظة البصريّة, وطرفي رافل بالدّمع الذي يُهرق, وفكري خاشع من خشية الله, والتّفكّر البصيريّ يحملني للإبحار في غيبوبة مطوّلة, أبحر خلالها في لوحات بدائع عظمة المخلوقات الحيّة والجامدة والأشياء من حولي, والتي إن دلّت على شيء, فإنّها تدلّ على عظمة الخالق التي تتجلّى في عظمة مخلوقاته, بحيث تتراءى لي في وجداني, وتتجسّد أمام ناظري, أينما كنت وتوجّهت وحللت, تتماهى في أحضان هذه الطّبيعة الواسعة والممتدّة, التي تعكس للعاقل المتفكّر عظمة الخالق في بدائع ومعجزات صنعه...
لفتتني في البراري المعشوشبة قرب المجاري المائيّة, وفي السّهول المزروعة والمرويّة, وفي ظلال الأشجار الوارفة, وعند الضّفاف النّهريّة, وقرب الشّواطيء البحريّة, وحول البرك المائيّة الطّبيعيّة الواسعة, وتحت الحجارة وبين الصّخور وعند جزوع الأشجار, وخاصّة في رحاب فصول الخريف والشّتاء والرّبيع... لفتتني تلك الجماليّة التّشكيليّة في تلك التّكوينة الحلزونيّة المعجزة في شكل وبنية وهرميّة القوقعة الصّدفيّة الصّلبة, التي تعيش بداخلها بعض المحارات والأحياء البحريّة, كما ذلك الحيوان البحري الشّرس المُسمّى: أبو جلمبو النّاسك, وتحملها هذه القوقعة الصّدفيّة كذلك البزّاقة فوق ظهرها وهي تزحف فوق الأرض الرّطبة, باحثة عمّا تقتات به من غذاء, تلك القوقعة الحلزونيّة البديعة الصّنع في التّكوين الهندسي, والتي تختفي في داخلها البزّاقة, إذا ما خافت من حادث طاريء, أو تعرّضت لما يُسبّب لها الأذيّة أو الخطورة على حياتها...
تلك الصّدفة التي لفتتني كثيرا, وحرّضتني طويلا وكثيرا, وحفّزتني مرارا وتكرارا, ودفعتني فضولا إيجابيّا, للإهتمام بسبر أسرارها التّكوينيّة, وهي تتماهى بالجماليّة التّشكيليّة في تلك التّكوينة الحلزونيّة المعجزة في شكل وبنية وهرميّة القوقعة الصّدفيّة الصّلبة... من شكلها الهندسي الحلزوني, أوحى لي الخالق حكمة ورحمة وبركة, بعد تفكّر طويل وعميق وتجارب كثيفة, بتكوين وخلق وإبتكار وتصميم مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الهندسي الحلزوني... المدرسة التي تعتمد في رسوماتها وتشكيلاتها على أسس وقواعد هندسيّة دقيقة, تُساهم في عمليّات توقيع وبنية الأشكال الحلزونيّة المختلفة والمتنوّعة, والتي تُعتبر البنية الأساسيّة في تكوين عناصر اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الحلزونيّة...
ويستطيع الفنّان التّشكيلي المبدع, والرّسّام الفنّي الخلاّق المبتكر, من رسم أشكاله الحلزونيّة لتكوين وتشكيل لوحته الفنّيّة التّشكيليّة الحلزونيّة, بالإنطلاق من نقطة معيّنة بمسافة معيّنة للبدء برسم شكله الحلزوني وفق قاعدة هندسيّة تصاعديّة تعتمد على شعاع معيّن... ويستطيع كذلك البدء بالإنطلاق في رسم تشكيلاته الحلزونيّة من نقطتين, أو من ثلاث نقاط, كرؤوس مثلّث منتظم متساوي الأضلاع ومتطابق الزّوايا, أو من رؤوس مربّع منتظم, أو من رؤوس زوايا مضلّع خماسي منتظم, أو من رؤوس زوايا مضلّع سدلاسي منتظم, وهكذا...
وفي الجانب العملي التّطبيقي المبسّط, لتكوينات العناصر الفنّيّة التّشكيليّة, يستطيع الرّسّام أن يحصل على لفافة شريطيّة من ورق ما ملوّن أو أبيض, وبعرض قليل نسبيّا... ويكون ذلك بلفّ أو برم هذا الشّريط الورقي على قلم رصاص أو أي عود دائريّ رفيع آخر, ثمّ تحرير هذا الشّريط وتركه سائبا على سطح مستو, فسترى أنّ هذا الشّريط عندما يستقرّ, سيتحوّل إلى عنصر زخرفي جميل جدّا, وبعمليّات فعل التّكرار والتّجريب لمثل هذه الحالات, يتمّ الحصول على نماذج مماثلة وكثيرة, ممّا يتكوّن لدى الرّسّام المحترف, تعبيرات وزخارف جميلة لافتة, وبنفس هذه الطّريقة يمكن إبتكار الكثير من أشكال وأنواع مختلفة من الأزهار والطّيور والأسماك والعصافير والحيوانات وغيرها, إنّما بأنماط وطرز ترميزيّة وتعبيريّة مجرّدة أو فلسفيّة سورياليّة...
ومن الأشكال الهندسيّة الحلزونيّة, التي سبق وقام بصنعها عمليّا الرّسّام الفنّان التّشكيلي, يستطيع هذا الفنّان التّشكيلي, إثراء لوحته بالكثير من العناصر التّكوينيّة للرّسومات ذات الأشكال الحلزونيّة, كالأشكال الزخرفيّة, وأشكال الورود والطّيور والأشجار, وأشكال الأسماك والعصافير, وأشكال الأشخاص, والرّموز التّعبيريّة, إنّما بأسلوب تجريديّ وسورياليّ وترميزيّ تعبيري...