أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: داء السلطة

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي داء السلطة


    حب السلطة داءٌ ما له دواء. لا يَسلم منه عظيم ولا حقير، ولا حاكم ولا محكوم. ولا ميْز سوى أن لكل إنسان سلطة على قدره، وهو في مملكته الآمر الناهي، أو هكذا يريد أن يوهِم نفسَه والآخرين. وكل صاحب مملكة يعمل على شاكلته.
    أذْكر حين توجهت ذات صباح إلى مكان عملي الجديد إصرارَ حارس الأمن الواقف عند بوابة المؤسسة على مرافقتي إلى مكتب المدير. ما كان فعله دليلَ حب ولا لأنه خدوم، وإنما ليُشعِر نفسه أنه مهمّ، ولم أشأ أن أنغّص عليه نشوته فتركته يعيش الوهم. قدّمني إلى المدير ثم انصرف. وذات يوم بئيس رافقت شخصا إلى المستعجلات وهو بين الحياة والموت، وكان حارس الأمن الكلّ في الكلّ، ومع تهرب العاملين من مسؤولياتهم وغش ظاهر وتقاعس بائن، تركوا للحارس الحبل على الغارب. حتى إني وجدت عنده أرقام هواتف الأطباء كلهم، وقال لي مبديا رغبته في المساعدة: "لو احتجت رقم هاتف أي طبيب في أي اختصاص فلا تتردّد في مخاطبتي!". ليس غريبا أن تتوجه إلى إدارة عمومية أو غير عمومية فيكون عليك أن تتفاهم أولا مع "الشاوش"، تفاهما ماديا أو معنويا. وفي القضاء مثلا ليس هناك غير التفاهمات المادية، و"الشواش" سُعاتُها المحنّكون.
    السلطة لا تستلزم مؤسسات وزرابي مبثوثة وأرائك مصفوفة، ومواكب وحُراسا وكرسيا فخما يدور ذات اليمين وذات الشمال. أعرف شخصا مدمنا على المقهى، حين يتراءى له ماسح الأحذية يسارع إلى مناداته، ثم تَراه منشرح الصدر والماسحُ عند قدَمه قد عكف على مسح الحذاء. هو الآن شخص مهم لأن إنسانا مثله، لا يقلّ عنه إنسانية، أجبرته صروف الدهر أن يجلس عند أقدام المرضى النفسيين و"المعقَّدين". وحين ينهي ارتشاف قهوته يَنقُد النادلَ قائلا: احتفظ بالباقي! تعظُّما لا سخاء.
    ولا يعجز من لا يجد سلطة بين يديه أن يختلقها اختلاقا، ثم يُرضيه بعد ذلك أن يستلذ شيئا من الوهم المعنوي. قد تصادف شخصا يُغالي في مدح من يحسبهم عظماء، وربما حرص أن يُظهر أنّ له بهم صلة. فلا يكون مدحهم إلا مدحا لنفسه، وليُقنعك أنّ من يعرف "العظماء" لا جرَم عظيم. هكذا تحلّ سلطة وهمية محلّ سلطة واقعية، وإن كان كلاهما وهْما.
    هي السلطة التي يعشقها الناس كبيرهم وصغيرهم، هي الروح التي تسري فلا تكاد ترى لها أثرا، والمرض الذي يقرف عيشتك في الجامعة والمسجد والشارع والحافلة والمقهى والمدرسة والشابكة والسوق والبيت ومكان العمل والوزارات والإدارات والأحزاب والنقابات...
    هي الوظائف والواجبات عند العقلاء، والمغانم والفرص عند الحمقى!

  2. #2
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    هي السلطة التي يعشقها الناس كبيرهم وصغيرهم، هي الروح التي تسري فلا تكاد ترى لها أثرا، والمرض الذي يقرف عيشتك في الجامعة والمسجد والشارع والحافلة والمقهى والمدرسة والشابكة والسوق والبيت ومكان العمل والوزارات والإدارات والأحزاب والنقابات...
    هي الوظائف والواجبات عند العقلاء، والمغانم والفرص عند الحمقى!


    السلام عليكم
    شكرا لك أخي عبد الرحيم,, فالنص جدا قيّم .
    كلما كانت النفس أحقر ,والعقل أصغر ,والمروءة أقل ,كلما يتيه صاحب السلطة بمركزه ,
    ولو كان لديه ذرة واحدة من شرف وشهامة, لاعتبرها عمله المقدس الذي يجب عليه أن يؤديه بأمانة, ليخدم به الآخرين والمجتمع والوطن والإنسانية .
    ولكن للأسف نرى العكس .
    فما أن يستوي المرؤ على كرسي أي سلطة, حتى تسول له نفسه بسحق الآخرين تحت نعال كبره,
    والمؤسف أننا نرى من يبجله ويقدسه ويهتف له, ولا يريد أن يسحب عنقه من تحت النعال ,
    لماذا ؟؟؟
    لا ندري !!
    نص رائع
    ماسة

  3. #3
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمه عبد القادر مشاهدة المشاركة

    السلام عليكم
    والمؤسف أننا نرى من يبجله ويقدسه ويهتف له, ولا يريد أن يسحب عنقه من تحت النعال ,
    [/I]
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أختي فاطمة
    كثيرا ما يصنع الناس طواغيتهم
    ولا يرتفع صوت الباطل إلا إذا غفل أهل الحق.
    شكر الله لك.

  4. #4
    الصورة الرمزية فاتن دراوشة مشرفة عامة
    شاعرة

    تاريخ التسجيل : Jul 2009
    الدولة : palestine
    المشاركات : 8,906
    المواضيع : 92
    الردود : 8906
    المعدل اليومي : 1.66

    افتراضي

    طرح رائع لوباء اجتماعيّ نعاني منه

    تلك الزّلفى والتقرّب واتّباع مبدأ " من جاور السّعيد يسعد"

    والمشكلة أنّ المجتمع يتيح لهذه الطّفيليّات أن تمارس هواياتها كما يحلو لها

    دام حرفك معين صدق أخي

    مودّتي

  5. #5
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صادقي مشاهدة المشاركة



    السلطة التي يعشقها الناس كبيرهم وصغيرهم، هي الروح التي تسري فلا تكاد ترى لها أثرا

    هي الوظائف والواجبات عند العقلاء، والمغانم والفرص عند الحمقى!


    وهي اليوم من تحرّك مصائر المستقبل في بلادنا المظلومة ...
    الإنسان : موقف

  6. #6
    الصورة الرمزية زهراء المقدسية أديبة
    تاريخ التسجيل : Jun 2009
    المشاركات : 4,596
    المواضيع : 216
    الردود : 4596
    المعدل اليومي : 0.85

    افتراضي

    داء السلطة رغبة إلى الخلود وكلّ من عليها فان
    ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
    ....لكن كان الإنسان نسيّا

    وكل داء له دواء
    ودواء أصحاب السلطة الثورة
    ولا شئ غير الثورة


    نص أكثر من رائع

    تقديري الكبير

    ـــــــــــــــــ
    اقرؤوني فكراً لا حرفاً...

  7. #7
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن دراوشة مشاهدة المشاركة
    تلك الزّلفى والتقرّب واتّباع مبدأ " من جاور السّعيد يسعد"
    لكنها سرعان ما تتحول إلى "من جاور الشقي يشقى"، فليست سعادتهم إلا شقاء على الحقيقة.
    تحياتي يا فاتن.

  8. #8
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل حلاوجي مشاهدة المشاركة
    وهي اليوم من تحرّك مصائر المستقبل في بلادنا المظلومة ...
    كان الله للمظلومين
    بوركت أخي خليل

  9. #9
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهراء المقدسية مشاهدة المشاركة
    وكل داء له دواء
    ودواء أصحاب السلطة الثورة
    ولا شئ غير الثورة
    هو ذاك أيتها الزهراء
    ليس غير الثورة
    في مقابل كل تسلط ثورة.
    كوني بخير.

  10. #10
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    أعرف شخصا مدمنا على المقهى، حين يتراءى له ماسح الأحذية يسارع إلى مناداته، ثم تَراه منشرح الصدر والماسحُ عند قدَمه قد عكف على مسح الحذاء. هو الآن شخص مهم لأن إنسانا مثله، لا يقلّ عنه إنسانية، أجبرته صروف الدهر أن يجلس عند أقدام المرضى النفسيين و"المعقَّدين". وحين ينهي ارتشاف قهوته يَنقُد النادلَ قائلا: احتفظ بالباقي! تعظُّما لا سخاء.
    رؤية فلسفية ناضجة في عنصر رئيس من عناصر الأنا يزداد بروزا باستفحال سيطرتها وتمكنها من المرء
    غير أن ساغرد خارج السرب في ما يتعلق بالجزء الذي اقتبست من نصك البديع، فما أدرانا بالباعث الحقيقي وارء فعلتي هذا المدمن على المقهى، وفيم ننفي دافع الخير عن سلوك لو حرضنا كل ممارس له على الامتناع بدعوى اتهامه بالتعظّم لآذينا اثنين من المحرومين في رزقهما ...

    في فكرك سمو وفي نثرك جمال وفي حرفك ألق
    لا حرمك البهاء أديبنا

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. العرب من داء الجرب ....إلى داء الكلب
    بواسطة محمدسليمان العلوني في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-12-2008, 02:34 PM
  2. الشيخ زايد يمنح شعبة السلطة
    بواسطة محمد عزوز في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-11-2005, 09:25 AM
  3. تجديد العقل العربي ... مسؤولية السلطة أم المثقفين ؟
    بواسطة إسلام شمس الدين في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-09-2005, 05:04 PM
  4. السلطة وأحصنة طروادة الفلسطينية..!!
    بواسطة عمر الشادي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-12-2002, 02:49 AM