ما زال القمر هلالا !
مهداةٌ إلى بقيةِ القمرِ الضائعةِ في غَيابةِ العتمةِ السوداءِ حتى اللحظة، رغمَ أنّي ما زلتُ ككلِّ الفلسطينيينَ أَجدُّ باحثًا عمّا تبقَّى من قمرِنا الذي ما زال هلالاً على أملٍ من يومٍ يكتملُ فيه قمرُ الفرحةِ باكتمالِ الحرية.
أيكفي من الوقتِ ما مرَّ حتّى.
نُلاحظَ ما قدْ تغيَّرَ في الوجهِ ..
هذا الذي يَخجَلُ العمْرُ من وجنتيهِ ؟ ..
أيكفي من الوقتِ ما مرَّ ؟ ..
قُلْ يا زماني .. !
أيكفي من الحبِّ
ما قد تَكفَّنَ بالموتِ
لمّا مضى الوالدانِ .. !
لَدَيْنا من الحزنِ ما يُغرِقُ الأرضَ
سيلْاً من القهرِ
يَخترقُ العمْرَ
يجرِفُ كلَّ جبانِ
ويُوقظُ بالحبِّ بَحرَ الأغاني
سأرجعُ حرًا
فقل يا رفيقَ السجونِ ..
هلِ القيدُ أثخنَ بي ؟
لا وربّي !
أنا من جعلتُ القيودَ
مِن العنفوانِ الأبيّ
تعاني !!
أنا الصّبرُ بعد إصابةِ مصطلحِ القهرِ
باليأسِ من إمتحاني .. !
أنا المجدُ
أدهشتُ بالعزمِ كلَّ العصورِ
وأعجزتُ كلَّ الدهورِ
وعلّمتُها كيف ينتحرُ الموتُ
فابتدَعَتْ من صمودي زمانًا جديدًا
وعلّمتُها لحنَ حريّتي من بياني !
ولم أعرفِ المستحيلْ .. !
فقُلْ للذي ظلَّ في الأسرِ صبرٌ جميلْ
***
تمهّلْ ..
فإنّي بُعيْدَ قليلٍ سأبقى وحيدا ..
تمهّلْ .. لأنّ الأحبةَ قد بشّروك
بصبحٍ فريدٍ ..
لأنَّ الوجوهَ الحقيرةَ سوف
تفارقُها للأبدْ ..
لأنّك سوف تفارقُ طابورَ
صبحٍ كئيبًا يُسمّى "عدد"
تمهّل وخُذْ من شرايينِ قلبي
دواءً، دعاءً، ضياءً، تكونُ لك الزّادَ عندَ الرحيل
لقد حان وقتُ الرحيلْ
إذاً ..
قُل لِمَن ظلَّ في الأسرِ صبرٌ جميلْ
***
زمانُكَ هذا زمانٌ حزينٌ
يُلملمُ أوجاعَه من عذابِ السنينِ
ويَغسِلُها بدموعِ الطيورِ
التي لمْ تطِرْ في سماءِ الحنينِ
تَذكَّرْ دموعِي التي كنتَ تمسحُها
حين يبكي أخوك السجينُ
فما زالَ قربَ الجفونِ شعورٌ
براحتِك العاطفيةِ عندَ الأنين..
أناملُكَ العنبريةُ فيها
حنانُ الأمومةِ والعاشقين
يداكَ الدواءَ المناسبَ للهمِّ كانت
إذا باغَتَ القلبَ همٌّ ثقيلٌ
لقد حان وقتُ الرحيلِ
إذًا قل لمن ظلّ في الأسرِ صبرٌ جميل !
***
ألم ترَ كيف صبرْنا وثُرْنا
وكيف انتفضْنا .. ولم ننكسرْ
ألم ترَ كيفَ الرجالُ بإيمانِهِم
بالمسافةِ بينَ الحياةِ وبينَ المماتِ
بأحلامِهم تُولدُ الشمسُ كالمعجزاتِ
ألم ترَهُم بالشهامةِ ينتصرونَ
ونحن على طُولِ هذا الطريقِ
نواصلُ رحلةَ أعمارِنا بانتصارِ الطريقِ
وسجّانُنا يحتضر .. !
أخي ..
أيها النصفُ من مهجتي
الروحُ أنت !
فكيف يكونُ بغيرِك عيشي ؟ ..
أخي .. هذه أمنياتُ شبابٍ
يشيبُ انتظارًا لموتٍ ونعْشِ ..
أحقًا ستمشي ..
أحقًا ستمشي ..
وهل سأبِيتُ وحيدًا غدًا ليلتي المعتمة ؟ !!
تذكّر.. أخًا لكَ حين ترى النورَ
تأكلُهُ الغرفةُ المظلمة ..
تذكّرْ صديقًا رفيقًا بُعيْدَ عناقِ الأحبةِ
في الساعةِ القادمة !
تذكر شقيقًا يغيّبُهُ القيدُ عنك
وعن دفقةِ النورِ..
قيدٌ ذليلٌ
إذاً قل لمن ظلّ في الأسرِ صبرٌ جميل !
***
تذكّر .. وأنت تنامُ سعيدًا
على سرر الحلم بين الأحبة والهانِئينَ
تذكّر سريرًا حقيرًا أنامُ عليْهِ
وأُرخي لحلمي عَنانَ السماءِ
تذكّر أبي ... زُرْه ... قبّل يديْهِ
ولا تنسَ مسجدَ حارتِنا
قم إليهِ ... وصلّ به ركعتينِ
ولا تنسني من دعائِك ..
رتّل معَ الفجرِ
آياتِ ميلادِك المستجَدِّ
فنورُ صباحِكَ
سوف ترى الحبّ يلمعُ في وجنتيهِ
ترى الشمسَ تُولدُ من مقلتيهِ
ترى الأُنسَ يوُرِدُه جنّتيْهِ
يؤلّف تاريخَ مجدٍ أثيلٍ
لقد حان وقتُ الرحيلِ
إذًا قل لمن ظلّ في الأسرِ صبرٌ جميل !
***
تذكّر طريقًا مررتُ عليه
طريقا قديمًا مررتُ على جفنِه
فالرجاء الرجاء !
تفقّدْ حبيبي الطريقَ لأجلي .. !
لعلّي أُحسُّ بنفسي الأسيرةِ
فيهِ تسيرُ
أخي .. أيها الحرُّ حين تذوقُ الطعامَ النظيفَ
تذكّر صحابًا هنا قاسموكَ الطعام !
وغصةَ لقماتِه الموجِعات
أخي ..أيها الحرُّ حين احتضانِك
أهلَك لا تَنسَ من يحضنون الظلام ....
أخي ...أيها الحرُّ .. حين ارتياحِك ليلاً !
تذكّر أخًا في زنازينِ محتلِّنا ، لا ينام !
وإن نام يُدميهِ ليلٌ طويل
لقد حان وقتُ الرحيل ِ
إذًا قل لمن ظلّ في الأسرِ صبرٌ جميل !
***
أخي أيها الحرُ حين تداعبُ طفلَك
لا تنسَ طفلي الذي لم أرَهْ
وعانقْه عنّي وأخبرْه إنّي
رسمتُ على حائطِ السجنِ صورتَه الساحرةْ
وفي الليلِ حين ينامُ الجميعُ
تذكّر ليالي الأسى الغابرةْ
وقل إنّ لي في الزنازينِ خِلاًّ
برغمِ المسافاتِ لن أخسرَه
وإن كان لم يبقَ في العمرِ غيرُ القليلْ
لقد حان وقتُ الرحيلِ
وداعًا على أملٍ في التلاقي
قريبًا
نجرّبُ طولَ العناقِ
وإنّ صباحَ القناديلِ آتٍ
على طبقِ الحلمِ كالشمسِ
تشرقُ بعد العناءِ بليلٍ طويل
إذًا قل لمن ظلّ في الأسرِ صبرٌ جميل
------------------
أخوكم مصطفى / غزة / فلسطين.