دراسة تحليلية بنيوية ( 2 )

الجزء الثاني من دراسة :
تقانات الزمان والمكان وبناء السرد في سيناريو جمال الدين الأفغاني
بناء السرد في سيناريو جمال الدين الأفغاني
الشخصيات :
نجد الشخصيات كما في باقي الأعمال مقسمة إلى شخصيات رئيسة وأخرى ثانوية ، لكن حضور الشخصيات الرئيسة أكبر هنا ، فقد بلغت اثنتا عشر شخصية ، كل منها تلعب دورا فاعلا ، لا يمكن إغفاله أو تجاوزه ، كما نلحظ تطورا في مواقفها وانفعالاتها .
أما الشخصيات الثانوية فحضورها قليل ، ولكن هناك شخصيتان لايمكن تجاوزهما لما يشكلانه من ضرورة في تواجدهما .
سنعرض لها في موضوعها.
ونؤكد هنا أن الكثير من الشخصيات حقيقية ، فالعمل يتناول حقبة تاريخية وعلما من أعلام النهضة الإسلامية في العصر الحديث ، إلا أن طبيعة البناء الدرامي تتطلب نسج شخصيات غير حقيقية.
الشخصيات الرئيسية :
1. جمال الدين الحسيني (الأفغاني) يقوم بدوره (محمود ياسين)

سنعرض لشخصيته كما هي في السيناريو دون العودة إلى الترجمة لها:
هو من العلماء الأشراف الذين يحظون بالمكانة الرفيعة لدى أقوامهم ، يعود نسبه إلى العترة الطاهرة ؛ فهو من نسل الحسين بن علي - رضي الله عنهما – كان أبوه واليا على (ننكرهار) ثم عزله (محمد خان ) ، خرج يطلب العلم في بلاد الهند ثم مصر ، عاد لكابول بعد رحلة طويلة أدى فيها فريضة الحج أكثر من مرة .
شغله الشاغل وهمه الدائب إعادة مجد الإسلام والقضاء على الإستعمار ، فأنشأ لتحقيق ذلك جماعة أم القرى ، يقربه (شير علي) منه ليكون عونا له في تدعيم الملك له بعد وفاة أبيه ، ثم يلتقي بـ (محمد أعظم )و (شاه جيهان ) اللذين يحرصان على تخليص البلاد من كيد الإنجليز ، وبذلك يكونون قد اجتمعوا تحت هدف واحد ، فيعملون سويا – يعاونهم (عارف) و(حسن شاه) و (علي رؤوف) – على إفشال مخطط الإنجليز الرامي إلى أن ينصبوا شير علي ملكا مقابل أن يسلمهم البلاد لقمة سائغة .
فيعين دوست محمد خان جمال الدين قائدا للجيش المتوجه للقضاء على تمرد (أحمد شاه) في (هراة).فيتحقق النصر ..
لتنتهي محطة جمال في كابول بالنفي إلى بلاد الهند.

2. شير علي يقوم بدوره (يوسف شعبان)

هو أحد أبناء دوست محمد خان وولي العهد ، لديه أطماع كبيرة في أن يصبح ملكا عظيما فتدين جميع القبائل بالولاء له ، يرى في شقيقه (محمد أفضل) منافسا قويا وعائقا كبيرا يحول دون تحقيق هدفه .
يعتمد في ذلك على (محمد رفيق) صديقه الأثير والركن الأساسي في الدولة ، فيمد الإنجليز يدهم إليه ليوقع معهم معاهدة صداقة ؛ يضمنون له بموجبها جلوسه على العرش بعيدة وفاة أبيه الذي يعاني مرضا لا يرجى شفاؤه مقابل أن يسلمهم بلاده على طبق من ذهب .

3. محمد رفيق يقوم بدوره (أشرف عبد الغفور)

هو كما يخبر عن نفسه : من عشيرة (البونار ) عشيرة كعشيرة دوست محمد خان (الديوراني) ، صنعت عشيرته الملك وجلست عشيرة دوست محمد على العرش، فهو بهذا - كما ينظر لنفسه- صاحب مقام رفيع ، ساعد شير علي الأيمن ، وموضع سره، ويده المطلقة ، حلقة الوصل بينه وبين الإنجليز ؛ يذلل لهم الصعاب ليحكموا سيطرتهم على البلاد ، فينشر الرعب بحملاته الاعتقالية ، والبطش والتنكيل بالناس .
يتخذ من جمال الدين عدواً له ،فيعمل على اعتقاله وإبعاده عن ساحة الصراع .
يسعى لتوطيد مكانته بالزواج من شاه جيهان ، فيتم له ذلك مكافئة من شير علي على ما قدمه من جهود ومساع تكللت بجلوس الأخير على العرش.

4.محمد أعظم يقوم بدوره (محمد حمزة)

هو ابن الأمير دوست محمد ، شقيق شير علي وشاه جيهان ومحمد أفضل ، يظهر في بداية العمل أنه بعيد عن السياسة منصرف للقراءة ، ثم يتضح أنه يعمل لمحاربة أطماع الاستعمار في بلاده . منشغل بالهم الاسلامي يسعى لإعادة مجده ؛ فينشئ فرعا لجماعة أم القرى في أفغانستان تلقتى أفكاره مع أفكار جمال الدين ؛ فيعملان معا على تخليص البلاد من خطر الإنجليز ، وإزاحة شير علي عن الحكم . لكن المؤامرة أكبر منهما ، فيضطر للهرب إلى إيران خوفا على حياته.

5. شاه جيهان تقوم بدورها (إيمان الطوخي)

هي ابنة الأمير دوست محمد ، تقيم في قصر شقيقها محمد أعظم ، الذي يمثل لها الأخ الصالح ، تتأثر بجمال الدين وأفكاره وفلسفته ؛ فتعمل ضمن فريقه .
تتسم شخصيتها بالبساطة وحب الخير لدينها ووطنها ، إلا أن غيرتها تدفعها إلى الانتقام من زهراء التي ترى أنها تشاركها حب جمال الدين ، ثم تغلبها خيريتها فتتصافيان ، وتحزن أشد الحزن لمقتلها .ينتهي مصيرها البائس بالزواج مكرهة من محمد رفيق.

6. عارف أبو تراب يقوم بدوره (محمود السيد)

هو كما يخبرنا عن نفسه : أحد قادة أهل الحرب في معارك الأفغان ضد الإنجليز في منتصف القرن التاسع عشر ، يفر هاربا بعد القضاء على أسرته في المجزرة التي اقترفها الإنجليز ليتخذ اسم عارف أبو تراب ، ينضم لجماعة أم القرى ويعمل مع جمال الدين تابعا مخلصا وخادما طائعا ، يخوض معه جميع المعتركات ؛ يسجن معه ويشاركه الحرب ثم يختار البقاء معه في منفاه.


7. زهراء تقوم بدورها (هناء ثروت)

تشترك مع والدتها في إدارة فندق السلطان محمود ، فرت مع أمها من إيران بعد مقتل أبيها ، صاحبة إحساس مرهف وروح معذبة ، ينتابها الخوف على مصير بلاد الإسلام ترى في جمال الدين نموذجا صادقا للعالم العامل والوطني الغيور ، فيتطور إعجابها به إلى حب ترى أنه لا أمل من ورائه ، ثم تدرك أن حبها لعارف حب حقيقي فتتزوجه ، تنجو من انتقام شاه جيهان ، لتلقى مصيرها برصاصة غادرة من محمد رفيق ؛ فتترك الحسرة في قلوب من أحبوها.

8. حسن شاه يقوم بدوره (محمود الحديني)

ضابط رفيع في الدولة يلي محمد رفيق رتبة ، يبدو مخلصا في إنجاز المهام الموكلة إليه من حملات اعتقال وترويع ، لكن يتضح أنه يعمل كنائب لمحمد أعظم في جماعة أم القرى ، يدين له بالولاء الكامل ، يعمل ضمن فريق جمال الدين ، فيتمكن بحكم قربه من محمد رفيق وشير أن يفشل الكثير من مخططاتهم . يخوض الحرب في هراة كأحد قادتها ، ثم يقاوم قوات شير علي لآخر نفس ، فيلقى القبض عليه ، بعد سيطرة شير علي ، ليعدم شنقا على أسوار قصر محمد أعظم بعد أن رفض الخضوع والذلة .

9. محمد رؤوف يقوم بدوره (المرسي أبو العباس)

ضابط يعمل تحت إمرة حسن شاه ، يتأثر بشخصية جمال الدين ، فيتوقف عن تعذيب المعتقلين وإذلالهم وينضم لفريق الخير ؛ فيخوض معهم حرب هراة ، ويظل معهم في الدفاع عن كابول .ولكن بعد سقوطها يستجيب لإغراء محمد رفيق فيعينه مديرا للشرطة ، فينجو بنفسه من الموت ، إلا أنه يبقى على عهده لجمال الدين .

10. مايكل ديوري يقوم بدوره (توفيق الدِقن)

ممثل بريطانيا العظمى لدى شير علي ، يتجلى دهاؤه المنقطع في جعل شير علي صنيعة للإنجليز ، فيوقع معه المعاهدةالمشؤومة التي تضمن لبلاده الاستيلاء على خيرات بلاد الأفغان ، مقدما له الدعم بالمال والسلاح وحبك المؤامرات ؛ إلى أن يتحقق الهدف المنشود بتنصيب شير علي ملكا صورياً .

11. لؤلؤ تقوم بدورها (فوزية أبو زيد)

وصيفة شاه جيهان التي هي موضع ثقتها ومأمن أسرارها ، تتزوج من حسن شاه الذي يلقى حتفه.

12. شيخ القبائل يقوم بدوره (عبد المنعم أبو الفتوح)

يعمل في البداية في خدمة محمد أعظم وجمال الدين ، فيؤمن جنود قبائله الطريق إلى هراة ، ثم نجده في حصار كابول يتواطأ مع الإنجليز الذين أغروه بكميات الذهب الضخمة ، فيكون سببا مباشرا في هزيمة محمد أعظم وجمال الدين ، وانتصار شير علي.

الشخصيات الثانوية :

1. محمد دوست خان :

أمير البلاد الذي يعاني مرضه الأخير ، نجد له حضورا بسيطا ، في بعض المشاهد القصيرة غير الحوارية .يتوفى بعد تحقيق النصر في معركة هراة.
ورغم هذا الحضور البسيط إلا أنه لا يمكن تجاوز شخصيته ، ولكن البناء الدرامي اقتضى أن تظل هذه الشخصية في الظل ، لأن التركيز قد انصب على شخصيات أبنائه الثلاثة.

2. محمد أفضل :

ابن الأمير محمد أفضل ، يتسم بشخصية متمردة كما يصفه شقيقه شير علي ، حضوره نادر لم يلاحظ إلا بمشهدين قصيرين غير حواريين ، وينطبق عليه ما ينطبق على شخصية دوست محمد خان.

3. أكبر :

خادم يعمل في مساعدة زهراء في تدبير شؤون الفندق يظهر في مشهدين غير حواريين.
بالإضافة إلى مجموعات الجنود والمعتقلين وجنود القبائل والمشاة في الطرقات ،وهؤلاء ما يطلق عليهم (الكومبارس).

عناصر البناء الدرامي

نستطلعها عبر موجز للفصول

الفصل الأول : (جمال الدين يعود إلى كابول )

بداية الصراع
كما يشير العنوان يبدأ هذا الفصل بعودة جمال الدين إلى كابول ، بعد رحلة طويلة في طلب العلم أدى خلاله فريضة الحج أكثر من مرة. ليضعنا أمام الصراع ؛ فبلاد الأفغان تشهد صراعا داميا حول الحكم ، فأميرها دوست محمد خان على فراش المرض ، فيقوم جنوده بحملات اعتقالات وترويع لمعارضيه ، يعمل على أن يضم شقيقيه محمد أعظم وشاه جيهان إلى صفة ، فيما يسعى لإقصاء شقيقه محمد أفضل الذي يرى فيه عقبة كأداء أمام تحقيق حلمه ، ويحاول أن يستميل جمال الدين- الوافد الجديد – صاحب النسب الرفيع والمكانة العالية.
ونجد الفصل الأول يسلم الخيوط للفصل الثاني ، فشير علي يرى في التعاون مع الإنجليز ضرورة لا خطر فيها.

الفصل الثاني : ( الإنجليز وصناعة الحكام )

احتدام الصراع
في الفصل الثاني يحتدم الصراع ، فشير علي يشتد إصراره على أن يؤول الحكم له بعد وفاة أبيه ، والإنجليز يقتربون من تحقيق هدفهم ؛ فيعقد مايكل ديوري لقاءات مطولة مع محمد رفيق وشير علي تمهيدا لتوقيع معاهدة الصداقة التي تكفل لهم بسط نفوذهم في بلاد الأفغان ، بصناعة الحاكم الموالي لهم .
وبالمقابل نجد جمال الدين يتمكن من ضم محمد أعظم وشاه جيهان لصفه لمنع شير علي من تسليم البلاد لقمة سائغة للإنجليز . يشاركه في ذلك عارف وحسن شاه ومحمد رؤوف.

الفصل الثالث : ( سراديب الشيطان )

تجلي الحبكة
الحبكة وهي التصور العام لرؤية المؤلف حول عمله قبل البدء والشروع فيه تظهر قدرته على الإمساك بعناصر السرد ، وقد لمسنا هذا في البداية للشروع بالعمل .
ففي الفصل الأول تطالعنا التجهيزات للحرب التي سيخوضونها ضد (أحمد شاه ) في هراة على قدم وساق ، وشير علي الذي مد يده للإنجليز فدخل سراديب الشيطان لا زال على إصراره بأن يكون هو الملك.
أما الطرف الأخر الساعي لحماية البلاد من خطر الاستعمار ، فلا زال يعمل جاهدا لدرء ذلك الخطر ، فيدرك محمد رفيق محاولاتهم ، فيعمل على إبعاد جمال الدين - الرأس المدبر – وذلك بأن يتم اعتقاله ثم القضاء عليه.

الفصل الرابع : (الأخسرون أعمالاً)

العقــدة
تظهر العقدة في هذا الفصل ، فالحرب تم التجهيز لها وما هي إلا أيام وتنشب ، فقد استطاع محمد أعظم وحسن شاه أن يجعلا جمال الدين قائدا للجيش بعد إفشال مخطط محمد رفيق ؛ فيدبرون خطة محكمة تجعل شير علي منشغلا بالحرب ، فيبتعد عن كابول ، ليتمكن محمد أعظم في حالة وفاة أبيه المتوقعة – الذي يصر على أن يكون على أن يكون على رأس الجيش المتمرد في هراة - ، من أن ينصب نفسه أميرا على البلاد.
تظهر في هذا الفصل عبقرية جمال الدين العسكرية ، فيضع الخطط الحربية الدقيقة التي تكفل تحقيق النصر في المعركة ، والتي تثير إعجاب شير علي وغيظ محمد رفيق.

الفصل الخامس : ( لعبة الحرب والسياسة )

تنامي العقدة

في هذا الفصل نصل إلى مستوى تتنامي العقدة فيه ، فالكل متهيب لا يكاد النوم يعرف طريقه إلى جفونهم ، يشعرون جميعا بالخطر المحدق.
محمد رفيق ينجو بأعجوبة من موت محقق ، على يد حسن ، الذي بدوره ينال ثقة شير علي المطلقة ؛ فهو قام بذلك حماية له من محمد رفيق الذي يأمره بقتل شقيقه محمد أعظم ثم قتله هو.
الإنجليز يسعون عبر ممثلهم مايكل ديوري لضم جمال الدين إلى معسكرهم ، فيأبى واضعا ما يعرضونه عليه من مال وجاه تحت قدميه.
كذلك يسعون لإيهام محمد رفيق أنه الرجل الأقوى ، وأنه الأجدر بأن يكون الملك ، ويقتربون منعقد معاهدة الصداقة مع شير علي مقابل جلوسه على العرش ، فهم يلعبون على جميع الحبال ،انطلاقا من مبدئهم ( فرق تسد ).
لتتضح دلالة عنوان الفصل - لعبة الحرب والسياسة – فما الحرب إلا مؤامرات تحاك في دهاليز السياسة .
ينتهي الفصل الخامس بانتصار جيش دوست محمد خان ووفاته .

الفصل السادس : (دولة تأتي وأخرى تموت)

لحظة التنوير
تسلمنا العقدة في هذا الفصل للحظة التنوير ، فنتيجة للنصر في المعركة ووفاة دوست محمد ؛ ينصب محمد أعظم أخاه محمد أفضل أميرا للبلاد - بإجراء تعديل بسيط على الخطة التي وضعها جمال الدين - ، ثم تحدث وفاة مفاجئة لمحمد أفضل فيعلن محمد أعظم عن نفسه أميرا.
وهنا تتقدم قوات شير علي نحو كابول لتفرض حصارا محكما حولها ، وتجري مفاوضات بين جمال الدين وشير علي يتواصلان من خلالها لعقد هدنة لمدة اسبوع ، بشرط وقف الإمدادات العسكرية لقوات جمال الدين ومحمد أعظم .
ويضمن الإنجليز بما قدموه من كميات ذهب ضخمة لشيوخ القبائل ؛ أن تتخلى جنود القبائل عن محمد أعظم وتشارك في الحصار المفروض عليه ، ليشتد الحصار ضراوة.
تقترب ساعة الحسم ؛ فيفر محمد أعظم هربا إلى إيران . ويرفض جمال الدين الهرب معه وكذلك شاه جيهان تصر على البقاء.
تدخل قوات شير علي كابول منتصرة ، قبل نهاية الاسبوع الذي مُنح كهدنة ، دون مقاومة تذكر . يتوج شير علي ملكاً ويحمل لقب شير علي خان ويوقع معاهدة الصداقة مع الإنجليز ؛ ليبسطاو نفوذهم ويحققوا أهدافهم.
يعلق حسن شاه مشنوقا عل أسوار قصر محمد أعظم ، وتقتل زهراء على يد محمد رفيق ، الذي يكافئه الملك الجديد بالزواج من شقيقته شاه جيهان.
يحاول شير علي أن يذل هامة جمال الدين بإبداء الندم والاعتذار العلنيين تارة ، وعرض المناصب لضمان ولائه تارة أخرى فيأبى جمال الدين ذلك كله.
فيقرر الإنجليز نفيه إلى بلاد الهند ، ليظل هناك تحت عيونهم ، يرافقه في منفاه عارف الذي يصر على البقاء مع جمال الدين أينما حل أو ارتحل.
وبهذا يسدل الستار على محطة جمال الدين في كابول ، ليوالي جهاده في محطات أخرى.

الحوار :
نجد أن الحوار في السيناريو يأخذ المساحة الأكبر في النص الدرامي فالمشاهد تعتمد بشكل أساسي عليه ، بينما يغيب السرد في النص الدرامي ، فنحن أمام عمل مرئي يخاطب المتلقي ، مقدما له مادة درامية تحمل فكرة وترمي لتحقيق أهداف . منطلقة من رؤية محددة ، بأسلوب مثير ومشوق ، وذلك عبر مشاهد حوارية.
وقد استطاع كاتب السيناريو أن يوظف الحوار توظيفا مناسبا تقتضيه طبيعة الأعمال الدرامية التاريخية.
وحوارات قصيرة تحتوي أحيانا على عبارة واحدة.
وقد راوح الكاتب بين الحوارات ، فالحوار الطويل يليه حوار متوسط أو قصير . فلم تكن الحوارات على وتيرة واحدة ؛ تشعر المتلقي بالملل والنفور .
والحوار الدرامي في السيناريو يعتمد تعبيرات وإيحاءات تبين الحالة التي تجسد العبارات ، فعبارة تحمل الارتباك والقلق ، تسبق بما يجسدها :
- زهراء تبدو مذعورة ا زهراء ا نعم يا سيدي الضابط ..الطابق الاعلى..

كذلك نجد الحوار في السيناريو الذي بين أيدينا يعتمد على عبارات قصيرة موجزة ، واضحة جلية تؤدي الغرض المطلوب منها . ة\ولكن إذا ما كانت هناك فكرة يريد المتحاور إيصالها نجد العبارات تطول ، أو إذا ما كان المتحاور في حالة يرغب في التعبير عما بداخله .

المشهد :
نجد المشهد في السيناريو ينقسم إلى مشهد حواري وأخر غير حواري .
المشهد الحواري:
يعتمد من مدلوله على الحوار وقد يكون مشهدا طويلا أو قصيرا أو متوسطا ؛ فالكاتب قد نوع في استخدام المساحات الحوارية للمشاهد فنجد مشهدا حواريا طويلا يليه مشهد متوسط أو قصير . وكما ذكرنا ، هذا التنويع جاء لكي لا يشعر بالملل والنفور. وبنظرة عامة للسيناريو ، نجد أن المشاهد متوسطة الطول .
أما المشهد غير الحواري : فهو مشهد في الغالب يكون قصيرا ،يعتمد على نقل الكاميرا لمضمونه .
والمشهد غير الحواري في سيناريو جمال الدين ليس مشهدا صامتا ،بل يكون فيه أصوات أو موسيقى ، فهناك مشاهد تتخللها موسيقى مناسبة ، أو أصوات لمركبات ،أو عربات ، أو أصوات حيوانات وطيور ، أو أصوات بشرية كالصرخات والآهات والضحكات ، وأصوات خطوات أو أصوات طرقات أو طلقات نارية أو أصوات رعد وتساقط أمطار، وغيرها من أصوات الطبيعة .
وللمشهد غير الحواري حضور في سيناريو جمال الدين ؛ فالفصل الأول احتوى على سبعة عشر مشهدا غير حواري.
وتتم عملية الانتقال من المشهد التالي إما بالقطع أو بالمزج ؛ وقد وضحنا في البحث النظري كيف يتم ذلك.
ويضاف إلى المسلسل التلفزيوني (الاختفاء) ؛ أي الفصل.
والمشاهد تقسم إلى مشاهد نهارية أو ليلية وتقسم كل منهما إلى داخلي وخارجي
وكما نلاحظ فإن المشاهد الداخلية ذات حضور أكبر فقد بلغت مئتين وثمانين (280) مشهدا من مجموع ثلاثمئة وثلاثة وثلاثين (333) مشهدا ، وذلك لأن السيناريو يعالج صراعا سياسيا ، توضح فيه الخطط وتدور فيه النقاشات وتحاك المؤامرات وتدبر المكائد والدسائس ، وهذا كله يدور في الأماكن الداخلية ، مما يطلق عليه (البلاتوه) - مكان التصوير الداخلي -.
ونلاحظ أيضا أن المشاهد النهارية (181) ، والمشاهد الليلية (145) ؛تكاد أن تكون متقاربة إلى حد ما، فهي تتوزع على مشاهد السيناريو. والنهار الداخلي متقارب تماما مع الليل الداخلي (142) إلى (138).
ونجد المشاهد النهارية متتالية بما يؤكد أنها تسجيل لوقائع أحداث النهار بأكمله ، ثم تليها المشاهد الليلية بصورة متتالية ، بما يؤكد أنها تسجيل لأحداث ليلية كاملة ؛ أي أن ايوم بكامله مسجل.
وهذا ما يؤكد أن أحداث المسلسل تدور في فترة زمنية محددة لا تزيد عن الشهرين ،استطاع الكاتب أن يغطي هذه الفترة الزمنية بأدق تفاصيلها.
كما نلاحظ أن القطع للمشاهد (318) هو الأكثر استخداما من المزج (15)،وذلك لأن القطع هو الأكثر تعبيرا على سرعة الحركة وتتابعها ، ويأتي المزج كوسيلة لإعطاء صورة إيضاحية لترابط مشهدين.
وكما أشرنا فإن العمل اعتمد على استخدام تقنيات المونتاج - لقطات فوتو مونتاج - في تغطية أحداث الحرب والحصار والسيطرة على كابول. وهي تقنية توفر الكثير من المشاهد ولا ترهق ميزانية العمل.

اللغة :
اعتمد السيناريو على استخدام اللغة الفصحى ؛ وهي لغة الأعمال التاريخية ، فهي واضحة معبرة عن الواقع الذي يريد الكاتب تصويره ، ترتقي بالعمل من خلال عمقها وقوتها.
وقد جاءت اللغة معبرة عن الشخصيات وسماتها ،متناسبة مع الموقف وطبيعة الحدث ، تبتعد عن التعقيد والغموض فكما ذكرنا في تناولنا للمشاهد ؛ استخدمت في الأغلب الجمل القصيرة.
كما اتسمت بالتعبير عن فلسفة الشخصيات ، فلغة جمال الدين ، حملت طابع الفلسفة الدينية الإيمانية عبرت عن أفكاره وآرائه في ضرورة إعادة مجد الإسلام ومقاومة المستعمر الغاصب ، ولغة مايكل ديوري تحمل فلسفة المستعمر الطامع في الاستيلاء على خيرات البلاد ؛ تقطر مكرا ودهاءً.

الفكرة الرئيسية :
حماية ديار الإسلام واذود عنها واجب شرعي.
فالسيناريو يريد إيصال هذه الفكرة ، عبر الدور الذي لعبه جمال الدين ، فقد قدم كل ما يملك لتحقيق هذه ، ورغم أن المؤامرات كانت أكبر منه إلا أنه كما قال البارودي:

علي طلاب العز من مستقره ولا ذنب لي إن عارضتني المقادير

فهو قد أدى دوره في الدفاع عن فكرته ، وظل مخلصا لمبدئه واختار النفي عن وطنه ؛ كي لا يذل هامته لمستعمر بغيض ، أو حاكم مستبد.

وبهذا تكون دراستنا قد تناولت التقانات الزمانية والمكانية والسردية ، وفق التحليل البنيوي الروائي تناولا أكاديميا نسأل الله أن يكون قد وفقنا به .

المرجع الرئيس :
موسوعة رابطة مقاتل الصحراء ـ السيناريو الفني ـ النص الكامل لسناريو المسلسل التلفزيوني جمال الدين الأفغاني المؤلف : أحمد رائف ، الناشر : الزهراء للإعلام العربي ، القاهرة الطبعة الأولى 1408 هـ ـ 1988 م .

نرجو من الإخوة المتخصصين والمهتمين إبداء الرأي في البحث ، وتقييمه