أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق

    إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق

    مع مثال تطبيقي رائع من سيرة عمرو بن العاص -رضي الله عنه-

    كتبه/ عبد المنعم الشحات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    تمهيد:

    ما زلنا بصدد مقاومة طوفان التغريب في قضية المرأة خاصة، ونتعرض في هذا المقال لمعنى العدل وما يضاده من الظلم، وبيان أن الإسلام أنصف المرأة بينما وقع الظلم من المسلمين تجاه المرأة في بعض الأزمنة، وبيان أنه كلما ازداد التزام المسلمين بدينهم بصفة عامة كلما ازداد تطبيقهم للعدل بين الرجل والمرأة، ومِن ثَمَّ كانت أفضل أزمنة المسلمين في هذا الجانب هي أفضل أزمنتهم في الالتزام بالدين عمومًا -زمن القرون الثلاثة الفاضلة-، ونختم بنموذج تطبيقي من سيرة عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.

    العدل على المستوى النظري والعملي:

    العدل في أي مجتمع يتم على مستويين:

    الأول: الإطار النظري ممثلاً في القيم والمُثُل ويتفرع عليها القوانين المطبقة في هذا المجتمع.

    الثاني: وهو فرع على الأول يتمثل في تطبيق هذه المُثل وتلك القوانين.

    وينشأ الظلم في أي مجتمع على هذين المستويين أيضًا؛ فإذا كان الظلم على المستوى النظري كان أعمق وأشمل، وتبعه في الأعم الأغلب ظلم شامل على المستوى التطبيقي، ومثاله: "ثقافة التفرقة العنصرية على أساس اللون!"، والتي كانت سائدة كثقافة عامة في المجتمعات الغربية حتى وقت قريب، ومنها فيما يتعلق بالمرأة: ما كان يسود عندهم أن المرأة جسد بلا روح أو أن روحها روح شريرة!

    وترتب على هذه الأفكار قوانين تترجم هذه الأفكار، كما كنتَ تجد في "أمريكا" حظر دخول السود في أماكن معينة، وحظر ركوبهم وسائل المواصلات التي يركبها البيض أو السماح لهم بركوبها على أن يلتزم الأسود بترك مقعده للأبيض إذا طلب ذلك، إلى آخر هذه الصور من الظلم المطبِق... !

    ومنه في شأن المرأة: إعطاء الزوج حق بيع زوجته والتنازل عنها، واعتبار القوانين لها من جملة المتاع الذي يورَّث! وما شابه ذلك من التشريعات الجائرة.

    وأما إذا كانت القوانين "المثل والقوانين" عادلة؛ فإن هذا وحده لا يكفي لتحقيق العدل؛ لأن كثيرًا من الأفراد قد يخالفون المُثُل والقوانين لأسباب، منها:


    1- ميل مَن يملك القوة إلى استعمالها فيما يحقق أهدافه كما قال -تعالى-: (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:6-7).

    2- عدم كفاية الخطاب التربوي لحمل الناس على الالتزام بهذه المثل.

    3- عدم الحزم في تطبيق القوانين فيما يتعلق بالقانون.

    ويمكنك أن تلحظ هذا جيدًا فيما عرضناه من أمثلة فيما يتعلق بقضية التفرقة بين الناس على أساس اللون، وكيف أن بقايا العنصرية ما زالت موجودة كواقع في المجتمع الأمريكي رغم أنهم تبرأوا من ذلك تمامًا على المستوى النظري.

    وفي قضية المرأة رغم أنهم تطرفوا فيها إلى الناحية الأخرى إلا أن الإحصائيات ما زالت تشير إلى ارتفاع معدلات ضرب الزوجات والرفيقات؛ بالإضافة إلى الابتزاز الجنسي للمرؤوسات، وجرائم التحرش الجنسي والاغتصاب، وكل ذلك نابع من رغبات عارمة بالسيطرة أكثر من أي عامل آخر حيث تتصف هذه المجتمعات بالانحلال الجنسي.

    المرأة بين الإسلام والمسلمين:

    قد يَطرح البعض سؤالاً مفاده: هل ظلم الإسلام المرأة؟

    وهو السؤال الذي لا نظن أن مسلمًا يطيق أن يسمعه فضلاً عن أن يجيب عليه بنعم!

    ومِن ثَمَّ... فعادة ما يُطرح السؤال بالصيغة الأخرى: هل ظلم المسلمون المرأة؟

    ورغم أن معظم مَن يطرح هذا السؤال يريدون أن يصلوا من خلاله إلى اتهام الإسلام ذاته أو -على الأقل- وصف شرائعه بأن فيها ظلمًا للمرأة؛ إلا أن هذا لا يمنعنا أن نجيب على السؤال إجابة منصفة وفي ضوء ما قدمناه من أن العدل في المجتمعات يتم على مستوى الطرح النظري ثم على مستوى التطبيق العملي.

    فنقول: نعم وجد ظلم للمرأة في كثير من العصور، وهذا الظلم حينما يقع في المجتمعات الإسلامية يكون نابعًا من ضعف التربية وغياب الوازع الإيماني؛ حينئذٍ تدفع الرجال قوتهم إلى الطغيان، ومع ضعف واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينحرف بعض الرجال ويسكت الآخرون؛ مما يدفع المزيد من الرجال إلى التشبه بهم! ويكون ذلك بصور كثيرة، منها: العضل، ومنها: الإيذاء وسوء العشرة، ومنها: منعها حقها في الميراث، ومنها: إجبارها على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه إلى آخر هذه الصور.

    إذن فيجب علينا أن نعترف أن بعض المجتمعات الإسلامية تظلم المرأة، ولكن العلاج يكمن في عودة هذه المجتمعات الإسلامية إلى الإسلام لا في أن نستورد مُثلاً وقيمًا غريبة على الإسلام تخل بدين أصحابها، وتؤدي إلى انهيار الأسرة المسلمة.

    إن المسلم والمسلمة لديهما يقين كامل جازم في هذه القضية -وفي غيرها من القضايا- أن شرع الله كامل شامل، وأنه هو العدل المطلق (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، ومِن ثَمَّ فإذا تعرضوا لأي قضية من هذه القضايا فإن بحثهم يقتصر دائمًا على معالجة الانحراف الحاصل من حيث التطبيق العملي.

    بين العدل والمساواة:

    ورغم وضوح المعنى الذي قررناه من أن المسلمين لا يعيدون النظر في الإسلام قط، وإنما يطالبون في سبيل حل مشكلاتهم بأن يلتزم المسلمون بشرائع الإسلام إلا إن الغرب استطاع أن يعبث بهذه الثوابت فيما يتعلق بقضية المرأة على الأقل.

    وهذا على مستويين:

    الأول: الوصول ببعض المنتسبين إلى الإسلام بقناعة أن الإسلام ظلمَ المرأة! كهؤلاء الذين يتبجحون بأن الحكم الشرعي الفلاني فيه ظلم للمرأة، وهؤلاء إذا بلغ بهم الحال إلى الطعن في حكم شرعي ثابت كآيات الميراث -مثلاً- خرجوا من الملة -والعياذ بالله-.

    الثاني: تشكيك بعض المسلمين في كثير من الأحكام الشرعية الثابتة والطعن عليها باعتبارها جور لا تأتي الشريعة بمثله؛ رغم ثبوت هذه الأحكام بأدلة صحيحة.

    ولعل "الثغرة الجوهرية" التي يَنفذ منها هؤلاء هي: "ظنهم أن العدل هو المساواة التامة بين الرجل والمرأة"، وانطلاقًا من هذه القاعدة يعتبرون كل تفرقة بين الجنسين هي خرق لهذه المساواة، رغم أنه وفق معيارهم فإن بعض هذه الأحكام كانت في صالح المرأة لا الرجل الذي ألزمته الشريعة بالمهر عند عقد الزواج، وبالإنفاق في الحياة الزوجية، وبالنفقة عند الطلاق، وهي أحكام تمثِّل واجبات على الرجل وحقوقًا للمرأة.

    ومَن تأمل الشريعة وجد أنها تأمر بالعدل كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء:58)، والعدل يكون في تقابل الحقوق والواجبات وليس في تطابقهما؛ وهذا يتجلى واضحًا في حال علاقة الرجال بالنساء فمع قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، قال -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة:228)، وهذا يقرر مبدأ التقابل والتكامل بين الحقوق والواجبات، بل القوامة ذاتها التي ميز الله الرجال بها ليست حقًا محضًا، بل هي واجب أكثر منها حق حيث تستلزم النفقة والرعاية والدفاع والحماية.

    ورغم سعي الغرب سعيًا حثيثًا لتحقيق المساواة التامة بين الجنسين فما زال يتخبط خبط عشواء في تحقيق تلك المساواة؛ حتى قرروا أن الدور الاجتماعي الذي يلعبه الإنسان يمكن أن يكون بمعزل عن الجنس البيولوجي الذي خُلق عليه، بل فتحوا باب التلاعب في الجنس البيولوجي بعمليات تحويل الجنس وعمليات تمكين الرجال من الحمل، وغيرها من صور التلاعب بالفطرة وتغيير خلق الله!

    العدل بين الرجل والمرأة = المساواة في الإنسانية والتنوع المتكامل المتكافئ في الأدوار الاجتماعية:

    إذا اتضح لك الفارق بين العدل والمساواة وتبيَّن لكَ أن المساواة لا تكون عدلاً إلا بيْن المتماثلين، ثم تأملتَ شرع الله -عز وجل- وما جاء في شأن الرجل والمرأة؛ سوف تجد أن الأمور التي تتعلق بالإنسان من حيث كونه إنسانًا تكون فيها المساواة التامة بين الرجل والمرأة، وأما الأمور التي قدَّر الله أن يكون دور الرجل فيها غير دور المرأة تجد التنوع والتكامل المتكافئ "وهذا هو العدل بعينه"، وما سواه فظلم وجور؛ وإن فرح به أصحابه وظنوه عدلاً!

    فمن حيث المساواة في الإنسانية قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)، ومنه قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1)، وقوله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).

    وأما الثاني: فيندرج تحته جميع الأحكام المختلفة، والتي ظنها البعض على خلاف العدل متناسيًا أنها مع اختلافها؛ فإن القاعدة الكلية التي تحكمها هي قوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة228).

    ويجمع بيْن الأمرين قوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم:21)، وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا... ) (الأعراف:189).

    نموذج عزيز في الإنصاف من سيرة عمرو بن العاص -رضي الله عنه-:

    إنه مما يندى له الجبين أن تكون الصورة الذهنية عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- التي استطاع الشيعة أن يقنعوا بها عددًا من الرموز الأدبية في الأمة -ومِن ثَمَّ قاموا بدورهم ببثها بين أبناء الأمة- هي صورة المخادع الذي يوظـِّف ذكاءه في التغرير بخصمه، ولم يشفع له عندنا نحن "أهل مصر" أن بلادنا قد نوَّرها الله بالإسلام على يديه، بينما منا من يمتن لأعداء الأمة لحفنة من المساعدات!

    وفي الواقع: فإن تلك القصة التي نوردها هنا نذكرها لكي نبين كيف يمكن أن يهذب الإسلام النفوس، فتصل إلى حالات نادرة من العدل ولو على النفس أو الأقربين؛ ولندرك أن المجتمع الذي يطبق الإسلام تطبيقًا شاملاً في غنى عن استيراد حلول من عند غيره بعضها من باب الاستجارة من النار بالرمضاء، والبعض الآخر هو من قبيل الاستجارة من الرمضاء بالنار!

    عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (القَنِي بِهِ)، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَصُومُ؟) قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: (وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟)، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: (صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ)، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ)، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا) قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً) (رواه البخاري). وعند أحمد بسند صحيح فَقَالَ عمرو -رضي الله عنه-: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي-، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: (أَتَصُومُ النَّهَارَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).

    فهذه القصة فيها نموذج رائع للعدل والإنصاف مع المرأة؛ ليس فقط كأم وزوجة وبنت، بل كزوجة ابن حيث يميل البشر بطبيعتهم في مثل هذه الأحوال إلى محاباة ابنهم على زوجته وابنتهم على زوجها.

    ولكن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ضرب لنا في هذه القصة ذلك المثل الرائع المليء بالفوائد، والتي منها:

    1- قيامه بحق ابنه عليه والزيادة على القدر الواجب من الإنفاق عليه حتى يستغني إلى مساندته في الزواج، وهذه الصورة من الرعاية الشاملة للأبناء لا تكاد توجد إلا في المجتمعات الإسلامية.

    2- عندما توقع انشغال ابنه عن حق زوجته لم يتركها تواجه المشكلة وحدها ولم ينتظر حتى تشتكي، بل بادر بتلمس الأمر واستنطاقها بشكواها.

    3- وجدت المرأة المسلمة من حسن الكنايات ما تعبِّر به عن شكواها دون أن تخسر حياءها؛ خلافًا لمن يريدون قتل حياء المرأة بصفة عامة، ثم لا يكادون يتذكرون هذا الحياء إلا في معرض الطعن على مبدأ أن المرأة المتضررة من تقصير زوجها في حقها يمكنها أن تشتكي إلى القاضي فيزعمون أن الحياء يمنعها، والبديل "عندهم" منح حق الطلاق للمرأة كالرجل!

    4- لم يحاول عمرو -رضي الله عنه- أن يدافع عن ابنه ولو بتخفيف حدة الخطأ، بل أقرها على شكواها.

    5- حاول عمرو -رضي الله عنه- أن يصلح الأمر بنصح ولده.

    6- النقطة الأكثر إبهارًا في هذا الموقف أن عمرو -رضي الله عنه- بعد ما يأس من حمل ولده على رفع الظلم عن زوجته كان هو الوكيل عنها في شكوى ولده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!

    خلاصة الأمر: أن الشريعة كاملة شاملة جاءت بالعدل بين البشر، وأن انحراف البعض عنها "الذي ربما يحدث بدوافع طيبة" -كما في هذه القصة- يُعالج عن طريق:

    1- التعليم بأن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته.

    2- الموعظة لحمل المقصر على استشعار أنه ظالم أو مقصر في حقوق من يعاملهم، وانظر إلى تسمية عمرو -رضي الله عنه- لفعل ابنه "عضلاً"؛ تنفيرًا له عنه، ثم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في بعض الروايات: (يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) (متفق عليه).

    3- شيوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصورة التي تجعل كل مطلع على خطأ يسعى لنصيحة المخطئ، وفي هذه القصة قام عمرو -رضي الله عنه- بتصويب موقف ابنه، وورد مثلها بين أبي الدرداء وسلمان -رضي الله عنهما-.

    4- الشكوى إلى القاضي، وهذه يمكن أن تقوم بها المرأة بنفسها أو بواسطة بعض أقاربها، بل إذا كان المجتمع كمجتمع الصحابة -رضي الله عنهم- ربما قام بها بعض أقارب زوجها.

    وفي النهاية: نطالب الغرب والمتغربين أن يرفعوا أيديهم عن المرأة المسلمة، ونطالب الدعاة والمصلحين أن يناصروا قضايا المرأة المسلمة، وأن يُنكروا ما يمكن أن تتعرض له من ظلم.

  2. #2
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.51

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي عبد الرحيم
    أود طرح نقطتين للنقاش هنا :
    1 - ركز الكاتب على أن السبب الرئيس في ظلم المرأة في المجتمعات الإسلامية هو الابتعاد عن الدين ، وهذا حق لكنه ليس كاملا ، وهو يتجاهل - غالبا عن غير قصد أو لظنه بشمول المعنى - مشكلة الفهم الخاطئ لمفاهيم الدين ذات العلاقة مثل مفهوم الطاعة وحدود الواجبات والحقوق لكلا الزوجين والمبالغة في تطبيقها ، ومن ثم فإن بعض الظلم الذي يقع على المرأة يأتي من أناس ملتزمين بالدين ظنا منهم أن ما يفعلونه هو من الدين ، وكذلك من المبالغة في التطبيق خاصة ما يتعالق بحقوق الرجل وواجبات المرأة وحق الطاعة "المقدس" ، متناسين ومتهاونين في جوانب الرفق واللين والرحمة ، وما أوصاهم به نبيهم في النساء .

    2 - كلما أراد كاتب إسلامي أن يدلل على إنصاف الإسلام للمرأة جاءنا بمثال من السنة في حق المعاشرة الزوجية وضرورة تخفيف الرجل من العبادة لأداء حق زوجه في الليل ، وكأن السنة لا تحوي إلا هذا ، أو كأن ليس للزوجة أهم من هذا الحق على زوجها ، حتى بات هذا الاستدلال نفسه محل اتهام وتندر من قبل البعض ، خاصة وأنه يصب في النهاية في شهوة الرجل وحاجته هو أيضا !!
    أين حقوق الاحترام والراحة وحقوق المال والملك والتقدير الاجتماعي وحقوق التعبير والرأي وحقوق الخروج والسفر وغيرها من الحقوق ؟ لماذا تطوى كل هذه وتعلق بشرط الطاعة التي يتعسف الرجال بها أبعد ما يكون وهم مرتاحة ضمائرهم ومطمئنة قلوبهم إلى أن ما يفعلونه هو من الشرع والدين .
    إنني أرى قبل دعوة الناس البعيدين عن الدين إلى التزام الدين - فيما يتعلق بهذه القضية على الأقل - للوصول إلى العدالة وإنصاف النساء ، أن يدعى المتدينون إلى العودة إلى سنة الإسلام الصحيحة في معاملة المرأة وتقديرها واحترام حقوقها والقوامة عليها بما يرضي الله تعالى ، ومن ثم تقديم نموذج عملي عياني واضح وناجح إلى غيرهم في تقدير الإسلام للمرأة وإنصافها .

    تقديري وتحيتي
    يا شام إني والأقدار مبرمة /// ما لي سواك قبيل الموت منقلب

  3. #3
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك أخي عبد الرحيم
    أود طرح نقطتين للنقاش هنا :
    1 - ركز الكاتب على أن السبب الرئيس في ظلم المرأة في المجتمعات الإسلامية هو الابتعاد عن الدين ، وهذا حق لكنه ليس كاملا ، وهو يتجاهل - غالبا عن غير قصد أو لظنه بشمول المعنى - مشكلة الفهم الخاطئ لمفاهيم الدين ذات العلاقة مثل مفهوم الطاعة وحدود الواجبات والحقوق لكلا الزوجين والمبالغة في تطبيقها ، ومن ثم فإن بعض الظلم الذي يقع على المرأة يأتي من أناس ملتزمين بالدين ظنا منهم أن ما يفعلونه هو من الدين ، وكذلك من المبالغة في التطبيق خاصة ما يتعالق بحقوق الرجل وواجبات المرأة وحق الطاعة "المقدس" ، متناسين ومتهاونين في جوانب الرفق واللين والرحمة ، وما أوصاهم به نبيهم في النساء .
    وفيك بارك ربي اخي مازن
    نقطتك اخي داخلة في المقال، تعميما بقوله:
    "كلما ازداد التزام المسلمين بدينهم بصفة عامة كلما ازداد تطبيقهم للعدل بين الرجل والمرأة"
    وتخصيصا بجعله تطبيق العدل يتم بمستويين: النظري والتطبيقي ولا شك ان الفهم الخاطئ للدين مترتب على انعدام المستوى الاول فهو خلل نظري معرفي ترتب عليه عمل خاطئ
    لكن اظنه لم يركز الا على الغالب وعلى ما يناسب سياق كلامه من حيث دفع تهمة ترتبط بالاسلام ككل على مر العصور

    بوركت

  4. #4
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    2 - كلما أراد كاتب إسلامي أن يدلل على إنصاف الإسلام للمرأة جاءنا بمثال من السنة في حق المعاشرة الزوجية وضرورة تخفيف الرجل من العبادة لأداء حق زوجه في الليل ، وكأن السنة لا تحوي إلا هذا ، أو كأن ليس للزوجة أهم من هذا الحق على زوجها ، حتى بات هذا الاستدلال نفسه محل اتهام وتندر من قبل البعض ، خاصة وأنه يصب في النهاية في شهوة الرجل وحاجته هو أيضا !!
    أين حقوق الاحترام والراحة وحقوق المال والملك والتقدير الاجتماعي وحقوق التعبير والرأي وحقوق الخروج والسفر وغيرها من الحقوق ؟ لماذا تطوى كل هذه وتعلق بشرط الطاعة التي يتعسف الرجال بها أبعد ما يكون وهم مرتاحة ضمائرهم ومطمئنة قلوبهم إلى أن ما يفعلونه هو من الشرع والدين .
    إنني أرى قبل دعوة الناس البعيدين عن الدين إلى التزام الدين - فيما يتعلق بهذه القضية على الأقل - للوصول إلى العدالة وإنصاف النساء ، أن يدعى المتدينون إلى العودة إلى سنة الإسلام الصحيحة في معاملة المرأة وتقديرها واحترام حقوقها والقوامة عليها بما يرضي الله تعالى ، ومن ثم تقديم نموذج عملي عياني واضح وناجح إلى غيرهم في تقدير الإسلام للمرأة وإنصافها .
    لم يقع في ظني هذا المنحى يوما على كثرة ما قرات وسمعت في هذا المجال من شيوخ وكتاب عدة
    مع ان النص اتى به لعدة فوائد، فلم التركيز على امر واحد
    زد على ذلك ايها الكريم ان القصة تحمل معنى اخر قال البدر العيني في عمدة القاري: "قال الكرماني والكنف الساتر والوعاء أو بمعنى الكنيف فإن قلت ما المقصود من الجملتين قلت تعني لم يضاجعنا حتى يطأ فراشا ولم يطعم عندنا حتى يحتاج أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة انتهى ... قلت حاصل الكلام هنا أن هذه المرأة شكرت عبد الله أولا بأنه قوام بالليل صوام بالنهار ثم شكت من حيث إنه لم يضاجعها ولم يطعم شيئا عندها فحط عليه أبوه عمر ويؤيد ذلك ما جاء في رواية هشيم فأقبل علي يلومني فقال أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت".
    فلم يكن اللوم على ناحية واحدة مع اهميتها فانه حديث بعرس فلا ارى اي مشكلة في الامر
    فأظن التحامل على الملتزمين امر مبالغ فيه بالنظر لنسبتهم مقابل الظلم العارم من غيرهم ممن لا يراعون في المراة دينا ولا خلقا او المتساهلون من الرجال في تحمل مسؤوليتهم بطرفيها
    لان الالتزام بالدين مطلوب من الجميع والناس في التشبت به بين غلو وجفاء وهو داء قديم يلازم السالكين
    والمقالة اخي موجهة للمسلمين عامة وليس بمستثنى منها (الملتزمين بالدين) حتى تختم بما قلته في فقرتك الاخيرة

    باركك المولى وسددك

  5. #5
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.51

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صابر مشاهدة المشاركة
    وفيك بارك ربي اخي مازن
    نقطتك اخي داخلة في المقال، تعميما بقوله:
    "كلما ازداد التزام المسلمين بدينهم بصفة عامة كلما ازداد تطبيقهم للعدل بين الرجل والمرأة"
    وتخصيصا بجعله تطبيق العدل يتم بمستويين: النظري والتطبيقي ولا شك ان الفهم الخاطئ للدين مترتب على انعدام المستوى الاول فهو خلل نظري معرفي ترتب عليه عمل خاطئ
    لكن اظنه لم يركز الا على الغالب وعلى ما يناسب سياق كلامه من حيث دفع تهمة ترتبط بالاسلام ككل على مر العصور

    بوركت
    نعم أخي عبد الرحيم داخلة في العموم ، لكنه لا يكفي ، كما أنها تغض النظر عن مخالفات "الغير بعيدين" والملتزمين بالدين والعالمين بأحكامه ، وهذا ليس بسبب الجهل بالجانب النظري وإنما بسبب التنطع والمبالغة والتشدد فيما هو مباح أو مستحب أو فيما هو محل اختلاف ، ولو نظروا بعقولهم وقلوبهم إلى سيرة نبيهم وعصره لوجدوا النساء يناقشن في الأحكام ويعترضن على الإمام ويشكين الأزواج ويمشين في طرقات المدينة ويدعين بأسمائهن ولهن تجارتهن وأملاكهن ولدى الموسرات منهن الخدم ومنهن العالمات اللاتي يستفتين ويروين الحديث ويخرجن للمعارك والغزوات مع الرجال ويستشرن حتى في السياسة ويرجع لمشورتهن ، فأين نحن اليوم - بما فينا الملتزمون - من كل هذا وغيره .

  6. #6
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.51

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صابر مشاهدة المشاركة
    لم يقع في ظني هذا المنحى يوما على كثرة ما قرات وسمعت في هذا المجال من شيوخ وكتاب عدة
    مع ان النص اتى به لعدة فوائد، فلم التركيز على امر واحد
    زد على ذلك ايها الكريم ان القصة تحمل معنى اخر قال البدر العيني في عمدة القاري: "قال الكرماني والكنف الساتر والوعاء أو بمعنى الكنيف فإن قلت ما المقصود من الجملتين قلت تعني لم يضاجعنا حتى يطأ فراشا ولم يطعم عندنا حتى يحتاج أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة انتهى ... قلت حاصل الكلام هنا أن هذه المرأة شكرت عبد الله أولا بأنه قوام بالليل صوام بالنهار ثم شكت من حيث إنه لم يضاجعها ولم يطعم شيئا عندها فحط عليه أبوه عمر ويؤيد ذلك ما جاء في رواية هشيم فأقبل علي يلومني فقال أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت".
    فلم يكن اللوم على ناحية واحدة مع اهميتها فانه حديث بعرس فلا ارى اي مشكلة في الامر
    فأظن التحامل على الملتزمين امر مبالغ فيه بالنظر لنسبتهم مقابل الظلم العارم من غيرهم ممن لا يراعون في المراة دينا ولا خلقا او المتساهلون من الرجال في تحمل مسؤوليتهم بطرفيها
    لان الالتزام بالدين مطلوب من الجميع والناس في التشبت به بين غلو وجفاء وهو داء قديم يلازم السالكين
    والمقالة اخي موجهة للمسلمين عامة وليس بمستثنى منها (الملتزمين بالدين) حتى تختم بما قلته في فقرتك الاخيرة

    باركك المولى وسددك
    في ردك هذا أخي الحبيب ظلمتني ولعلك أسأت فهمي كذلك ، فأنا لم أتحامل على أحد من العلماء ، جزاهم الله كل خير ، بقدر ما انتقدت جمود أسلوبهم وضيق أفق استدلالهم ونقاشهم . ثم إنك كررت لي شرح الحديث وأنا لم وليس لي ولا لغيري أن يعترض عليه أو على معناه . كما لا يفهم من كلامي أني ضد الالتزام أو أنني من غير الملتزمين بالدين ، وهل إذا كنت كذلك علي أن أقبل بكل أخطاء الملتزمين كي أكون منهم ؟
    الذي قلته أن هناك الكثير من الحقوق التي تتمتع بها النساء في ديننا غير حق الفراش والمبيت ، وأن الاستدلال في أكثر الأوقات بهذا الحق يوحي - خطأ - لمن لا يعرف أن هذا هو حق المرأة من زوجها ، بينما يرى أمامه الكثير من الظلم الذي يوقعه عليها الرجل في المجتمع الإسلامي .
    ربما أقبل بهذا الطرح الجزئي في إشارة عابرة في أحد الكتب أو المحاضرات أو المواضيع الأخرى ، لكن في موضوع عنوانه "إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق" فهذا يعتبر نقصا مخلا ، أضف إلى ذلك كثرة طرح مثل هذا المثال من قبل الكتاب والمحاضرين . وربما لا ينتبه أهل العلم واسعوا الاطلاع مثلك أخي لهذا ويستغربون له ، لكنه واقع يلمسه كثير من الرجال فضلا عن النساء بين المثقفين عامة .
    إن ما أطلبه باختصار أخي الكريم عبد الرحيم ، هو تطوير الخطاب الديني ومناسبته لمتغيرات المجتمع المعاصرة خاصة منها الشبهات المطروحة ، وهذه الفكرة بحد ذاتها تجعل مثالا كقصة عبدالله بن عمروة أبعد ما تكون في زمننا في الاستدلال على إنصاف الدين للمرأة ، فمن الآن يقوم كل ليلة ومن يختم في يوم ؟ ومن من الرجال يحرم نفسه قبل زوجه من المعاشرة - اللهم إلا أن يكون لعلة أخرى وظلم آخر ؟ . لقد شكت زوجته تقصيره فقابلها من أبيه ومن النبي صلى الله عليه وسلم الإنصاف ، ولو شكت غير ذلك لأنصفها . إذن فلنبحث في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيرته وسيرة أصحابه من الأدلة ما يناسب مشكلات المرأة - والرجل - المعاصرة وندلل بها على نظرية الإنصاف .
    وفقني الله وإياك لما فيه رضاه ، والحمد الله رب العالمين

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 623
    المواضيع : 248
    الردود : 623
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    ****************************
    أخى عبد الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله
    موضوع هام ولازم فى هذا العصر والزمان .. وما أود إضافته إلى ما تفضلتم به هو أن :
    منهج الله وشرعه لايحتاج إلى إثبات أو برهان لصحته .. بل يحتاج إلى بيان ليس إلا
    ولقد كانت الدعوة للإسلام عند بزوغه بالحجة والبرهان .. ولكن بعد أن استقر الدين وحصل العز والتمكين
    وبعدما أظهر الله منته على الخلق وجاء الإسلام بالحق كان لابد للحق أن تحميه قوة ففرض الله
    القتال حتى ينزل العباد على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ولذا :
    فإن كل من يدين بغير الإسلام .. وكل من هم من الأفاقين والمنافقين ( جاهلين أو عامدين )
    يصدون عن شرع الله ومنهجه

    *********************
    المرأة والرجل لكل منهما حقوق وعليهما واجبات ..
    وسألقى الضوء فى مشاركتكم على بعض ما للزوج والزوجة : فاسمح لى أن ألقى ضوءاً بسيطاً :
    قوامة الزوج على الزوجة تستلزم وتقتضى :
    أن يكون حسناً فى معاملته لزوجته . وأن يحسن عشرتها ومعاشرتها فعلاً وقولاً .
    لا يهضم حقها ولا يؤذها فى نفسها ولا فى مالها .
    وأن يحسن صحبتها . رفيقاً بها . طلْقاً بشوشاً لها . يخاطبها باللين والرقة
    وبالفضل والشفقة لا بالغلظة أوالفظاظة أو بما يجرحها ويحط من قدرها . يقول سبحانه وتعالى :
    ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )
    ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم
    أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) رواه مسلم . ( العوان هو الضعف )
    .......

    يؤدبها إن امتنعت عن أداء الفروض والتكاليف الشرعية ( كما لو تركت الصلاة أو كان لها
    مال فلم تؤد عنه الزكاة ......إلخ ) يقول عز وجل :
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )
    ...

    لا يمنعها من أن تصل رحمها . فإن منعها لا طاعة له فى ذلك . لأنه لاطاعة لمخلوق فى معصية
    الخالق وقد قال جل شأنه : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ
    الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) .
    وأولو الأرحام هم : محارم المرأة وهم : الوالدين ( الأب والأم ) وكل من خرجوا من رحم الأم :
    إخوة كانوا أو أخوات أو أبناء إخوة أو أبناء أخوات وما نزل منهم أو منهن .
    فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من وصْل أبويها أو وصل إخوتها لأن فى ذلك قطيعة لهم
    وجحود وإساءة وعدم إيمان وقلة وفاء وعدم مروءة . يقول عليه الصلاة والسلام :
    ( خيركم خيركم لأهله ) أخرجه الترمذى
    ...

    وعلى الزوجة أن تتحلى بكل ما هو حميد ومحمود من الخِصال وأن تكون صادقة
    وعفيفة تفرغ زوجها وتعينه على الآخرة .
    لا تقبل على الدنيا ومباهجها ولا تغتر برونقها أو تتكالب على مفاخرها فالدنيا دار بوار وليست دار قرار .
    عليها أن تقيم بالمنزل المعد لها لا تخرج منه إلا إذا أذِن لها أو كان من شأن خروجها
    طاعة الله أوطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    لا تكون متبرجة فى وجهها أومبتذلة فى لباسها .
    وعليها أن لاتساير من مزقن من على وجوههن حجب الرشاد أومن ابتذلن بإسدال شعورهن
    وتبذلن فى ردائهن ومن تفنن فى إبداء زينتهن وأظهرن مفاتهن وأبدين أجسادهن دون عفة أو عفاف .
    ...

    والزوجة هى موضع الحرث لزوجها يضع فى رحمها نطفته فالزوجة لِباسٌ لزوجها وزوجها لباسٌ لها
    يستمتع بها وتستمتع به عليها أن لا تغلق حجرتها أو مخدعها ولا تمنع زوجها من مباشرتها .
    والمباشرة هى الوسيلة إلى غض البصر وسكون النفس والعفاف وهو :
    إتيان الزوجة والإتيان هو حالة الجماع يقول سبحانه وتعالى :
    ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ )
    وعلى الزوج قبل إتيان زوجته أن لاينكبّ عليها دون مداعبة أو ملاطفة حتى تنهض
    شهوتها وتنال من لذتها ما ناله فلا يواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاه .
    وإذا قضى حاجته منها فلا يعجّل النزع منها حتى تقضى حاجتها .
    والمباشرة هى الإتصال المشروع بين الزوج وزوجته والذى يأتى منه نسب الولد بالميثاق الغليظ
    الذى ربطهما والفراش الصحيح الذى جمعهما .
    أما الزنا فهو اتصال غير مشروع بين الرجل والمرأة حتى ولو جاء منه الولد .
    ( ويسمى الزنا سِفاحاً لأن الزانيان يتسافحان للماء فيسفح كل منهما ماءه لصاحبه .
    يقول النبى صلى الله عليه وسلم :
    ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه زرع غيره ) رواه الإمام أحمد والترمذى وأبو داود )
    وعلى الزوج أن لايأتى زوجته إلا فى الموضع الذى أباحه الله وهو قُبلها دون دبرها .
    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ملعون من أتى امرأة فى دبرها ) رواه أبو داود وأحمد فى المسند .
    وعلى الزوج أن يمتنع من أن يأتى أهله خلال نهار شهر رمضان . ولا فى أيام حيضها أو نفاسها .

    *******

    نشوز الزوج ونشوز الزوجة :
    النشوز هو الصد والإعراض والارتفاع والعلو والتعالى . وقد يكون من الزوجة وقد يكون من الزوج .
    نشوز الرجل : هو إعراضه عن زوجته وعن مضاجعتها أومباشرتها أو بغضه لها أو لأى
    سبب من الأسباب . يقول تبارك وتعالى :
    ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً )
    قد يكون نتيجة مرض ألمّّ بها فطال أمده أو لطموحه فى الزواج بغيرها أو لسبب حال دون
    استمتاعه وقضاء شهوته ولذته منها وما إلى ذلك
    وعلى الزوجة حينئذ : أن تقوم بمصالحته ومصارحته وتستميله وتسترضيه طلباً للصلح
    والبقاء ورغبة فى العشرة والوفاق دون تعالى أو مكابرة .
    وعلى الزوج أن لا يستنكف ويبدى رضاً وقبولاً وتسامح .
    ...

    نشوز الزوجة : لو لم تطع ما أمرها به زوجها كما لو لم تمكنه من نفسها أو كانت عاقة له
    أو تمردت وتعالت عليه . يقول تبارك وتعالى : ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ )
    ومتى ظهرت أمارات النشوز من المرأة . فلى الزوج وعظها بما يراه ملائما لها فيبرها ويستميل قلبها ويسترضيها
    فإن أبت إلا النشوز والعصيان فعلى الزوج : هجرها .
    والهجر هو أن يعتزل فراشها وعدم مضاجعتها و مباشرتها .
    ( الهجر المأمور به لا يكون إلا فى المضجع فقط . فلا يجوز للزوج أن يهجر زوجته فى
    الحديث أو الكلام أو فى إلقاء أو رد السلام ) . يقول جل شأنه : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ )
    وعلى الزوج أن لايطيل مدة هجره بقصد الإضرار بها . ومتى آبت وعادت وأطاعت لم تصبح عاصية ولا ناشزة .
    فإن لم ترتدع بالوعظ . والهجر . وأصرت على ماهى فيه من النشوز والإعراض والعصيان : ضربها .
    ( والضرب المأمور به إنما هو للتأديب والتهذيب والتعزير . شرعه الله للإصلاح لا للإتلاف .
    يقول تبارك وتعالى : ( وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً )
    ولا يكون معه شتم ولا بذاءة لسان . ولا على الوجه ولا مبرحاً ولا مُهلِكاً يدمى لها جسماً
    أو يهشم أو يكسرلها عظماً . فإن طال أمد النشوز والإعراض بعد
    الوعظ . والهجر . والضرب . وجب اللجوء إلى : حكمين .

    ****************************

    ولكم تحياتى وخالص دعواتى

  8. #8

المواضيع المتشابهه

  1. النظرية النسبية والقرآن الكريم
    بواسطة محمد مجد الصاري في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 01-04-2013, 03:46 PM
  2. النظرية الأفلاطونية في الشعراء
    بواسطة باسم سعيد خورما في المنتدى التَّفكِيرُ والفَلسَفةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-02-2013, 01:11 AM
  3. بين النظرية و التطبيق..
    بواسطة ندى يزوغ في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-11-2008, 07:02 PM
  4. صنـاع الحياة "دعوةٌ للحوار والتطبيق العملي "
    بواسطة أنس إبراهيم في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 10-10-2008, 02:01 PM
  5. حقيقة المسئولية الفردية .. بين الفتاوى النظرية والإرادة الجماعية .!
    بواسطة أبوبكر سليمان الزوي في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 03-04-2008, 04:38 PM