إبتكار مدرسة فنون الرّسم البصماتي
بقلم: حسين أحمد سليم
البصمة هي خطوط حلميّة دقيقة مرتفعة, تحاذيها خطوط منخفضة, تكسو باطن رؤوس الأصابع, أيّ البنان منها, وتكسو أيضاً راحة الكفّ لليد, وباطن القدم عند كلّ إنسان, ولها تكوينات وأشكال وصور مختلفة ومتنوّعة، وتتكوّن في بنية الإنسان, منذ الشّهر السّادس من حياة الجنين, وتبقى هذه الخطوط على حالها, ترافق صاحبها, حتى بعد وفاته...
والبنان هو نهاية الإصبع عند الإنسان, ولكلّ بنان بصمته الفريدة الخاصّة والمميّزة, وبصمة كلّ بنان متفرّدة في صور عناصر وجزيئات تكوينها, ولا يشابهها بصمة بنان أخرى, في أيّ إنسان, تلك آية من آيات عظمة الله, التي تتجلّى في عظمة بدائع صنعه, وتتراءى قدرته في بديع صنع خلقه, ومنها المعجزة الكبرى في تكوين بصمة البنان, المعجزة التي تتراءى لكلّ عاقل مؤمن وعالم متفكّر, فيخشى الله سرّا وعلانية, ويخرّ راكعا ساجدا مُكبّرا مُهلّلا لعظمة الله وقوّته, التي تدلّ على وحدانيّته وحكمته وعدالته, وتتجسّد في بدائع صنع خلقه...
" أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ " كما جاء في سورة القيامة, الآيتان الثّالثة والرّابعة من كتاب الله المطهّر, الذي لا يأتيه الباطل أبدا...
فقد توصَّل العلم الحديث إلى سرّ نسيج البصمة في البنان عند الإنسان, وذلك في القرن التّاسع عشر المنصرم، وبيّن العلماء أنّ البصمة تتكوّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات، وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقيّة، بحيث تتمادى هذه الخطوط وتتلوَّى بإنسياب, وتتفرَّع عنها فروع لتأخذ في النّهاية, وفي كلّ شخص, شكلاً مميّزًا جميلا وفريداً...
وقد ثبت من خلال أخذ العيّنات وإجراءات التّجارب الكثيفة, من محاولات التّطابق أو التّماثل أو المقارنة والمقاربة... أنّه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم, وحتّى في التّوائم المتماثلة, والتي أصلها من بويضة واحدة...
هذا، ويتمّ تكوين البنان في الجنين في الشّهر الرّابع، وتظلّ البصمة ثابتة ومميّزة له طيلة حياته، ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشّكل تقاربًا ملحوظًا، ولكنّهما لا تتطابقان أبدًا... ولذلك فإنّ البصمة تُعدّ دليلاً قاطعًا ومميّزًا لشخصيّة الإنسان, ومعمولاً بها في كل بلدان العالم، ويعتمد عليها القائمون على تحقيق القضايا الجنائيّة لكشف المجرمين واللصوص. وقد يكون هذا هو السّرّ التّكويني الذي خصّص الله, تبارك وتعالى, من أجله البنان...
وفي ذلك يقول العلماء: "لقد ذكر الله البنان ليلفتنا إلى عظيم قدرته حيث أودع سرًّا عجيبًا في أطراف الأصابع، وهو ما نسمّيه بالبصمة..."...
والبصمات أنواع ومنها: البصمة القوسيّة, والبصمة الكوكبيّة, والبصمة اللولبيّة اليمنى, والبصمة اللولبيّة اليسرى, والبصمة الهجينة...
إنطلاقا من كنه هذه المعجزة الإلهيّة التّكوينيّة, لبصمة باطن البنان في رؤوس الأصابع بيد وقدم الإنسان, وفي بصمات إنبساط راحة وباطن كفّ اليد البشريّة, وبصمات باطن القدم عند الإنسان المعجزة, وبصمة الشّفاه العجائبيّة الجمال التّكويني, إضافة لبصمة الأذن التّكوينيّة, وذلك الإعجاز الأعظم في بصمة العين التّكوينيّة... حيث تتجلّى عظمة الخالق في ذلك التكوين في بديع صنعه, ما يدلّ على ما يتراء لكلّ مخلوق إنسانيّ مُتفكّر, قدرة الله وقوّته ووحدانيّته وعظمته... فمن رحم هذا الآية الإبداعيّة التّكوينيّة, أوحى لي تفكّري المُتجلّي في رحاب الله, وحملني وجداني الذي لا ينفكّ عن ذكر الله, محاكاة مع إبحاري في عالم فنون التّشكيل والرّسم الفنّي الهندسي, وتعظيما وتوحيدا للخالق سبحانه, من أن أعمل جاهداً بقوّة وإطمئنان, على إبتكار وخلق وإبداع مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل البصماتي البناني, والتي تُعنى وتهتمّ فنّيّا وتشكيليّا وهندسيّا, برسم وتشكيل وتصوير التّكوينات الإبداعيّة في باطن رؤوس أصابع وراحة أكفّ وأقدام الإنسان, ذلك المخلوق المعجزة, التي تدلّ عظمة تكوينه الإبداعيّة في كينونته الكونيّة على عظمة ووحدانيّة الله تعالى... فسبحان الله على ما خلق وأبدع وصنع, حكمة ورحمة وعدالة...
وإستكمالا لما هدانا الله تعالى إليه, لا بُدّ لنا من إلقاء الأضواء على بعض مسارات الإكتشافات العلميّة التّجريبيّة, من قبل بعض العلماء والباحثين, والتي تُؤكّد حقيقة المعالم الإعجازيّة الإلهيّة في بدائع صنع تكوينات عناصر وجزسئات البصمات, وذلك في باطن رؤوس أصابع وراحة أكفّ وأقدام الإنسان...
ففي العام 1823 للميلاد, إكتشف عالم التّشريح التّشيكي "بركنجي" حقيقة البصمات ووجد أنّ الخطوط الدّقيقة الموجودة في رؤوس الأصابع, أيّ البنان, تختلف من شخص لآخر، ووجد ثلاثة أنواع من هذه الخطوط: أقواس أو دوائر أو عقد أو على شكل رابع يدعى بالمركّبات، لتركيبها من أشكال متعدّدة...
وفي العام 1858 للميلاد, أيّ بعد 35 عاماً، أشار العالم الإنكليزي "وليم هرشل" إلى إختلاف البصمات بإختلاف أصحابها، ممّا جعلها دليلاً مميّزاً لكلّ شخص...
وفي العام 1877 للميلاد, إخترع الدّكتور "هنري فولدز" طريقة وضع البصمة على الورق بإستخدام حبر المطابع...
وفي العام 1892 للميلاد, أثبت الدّكتور "فرانسيس غالتون" أنّ صورة البصمة لأيّ إصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته, فلا تتغيّر رغم كلّ الطّوارىء التي قد تصيبه، وقد وجد العلماء أنّ إحدى المومياءات المصريّة المحنّطة إحتفظت ببصماتها واضحة جليّة...
وأثبت "جالتون" أنّه لا يوجد شخصان في العالم كلّه, لهما نفس التّعرّجات الدّقيقة وقد أكّد أنّ هذه التّعرّجات, تظهر على أصابع الجنين, وهو في بطن أمّه عندما يكون عمره بين الماية والماية وعشرين يوماً...
وفي العام 1893 للميلاد, أسّس مفوّض إسكتلند يارد، "إدوارد هنري" نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات، لقد إعتبر أنّ بصمة أيّ إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسيّة، وإعتبر أنّ أصابع اليدين العشرة, هي وحدة كاملة في تصنيف هويّة الشّخص. وأدخلت في نفس العام البصمات كدليل قويّ في دوائر الشّرطة في إسكتلند يارد...
ثمّ أخذ العلماء منذ إكتشاف البصمات بإجراء دراسات على أعداد كبيرة من النّاس من مختلف الأجناس, فلم يعثر على مجموعتين متطابقتين أبداً...