أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: خريف المثقف العراقي

  1. #1
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي خريف المثقف العراقي

    خريف المثقف العراقي
    للكاتب والناقد العراقي محمد غازي الاخرس الذي يقول في مدخل الكتاب
    عندما انتهيت من فصول هذا الكتاب شعرت براحة كبيرة، راحة تشبه تلك التي يستشعرها واحد خرج لتوه من نقاش دام قرنا من الزمن مع اناس سفسطائيين تعطلت آذانهم وتوقفت عن السمع في حين لم تتوقف السنتهم عن الصراخ باصوات عالية طوال فصول الجدل التي دونتها.
    هل سينفع هذا النقاش أحدا سواي ..؟ هل ستنفع الرحلة معنيا بالامر غيري..!!
    تساؤل يستطيع الاخرون الاجابة عنه حتى لو همسوا بالاجابة لانفسهم. لكن الشكوك ستبقى تراودني في ان أحدا من "أبطالي" السابقين يمكن ان يتفهم ما اردت فعله، اولئك الذين أظن أنهم لن يسمعوا حرفا واحدا مما سأقول فهم ـ وهذه هي الخلاصة برأيي ـ والسبب أنهم مهجوسون دائما بالصراخ، لا الانصات وهم ـ على يقين لا يتزعزع ـ من انهم ملاك الحقيقة الوحيدون. لذلك لا اتوقع ان يؤثر الكتاب فيهم ايما تأثير, هذا اذا لم يستسخفوه جملة وتفصيلا.
    ولكي لا تتيهوا في عبارات أشبه بالاحاجي ـ كونكم لم تقرءوا الكتاب بعد ـ بودي أن أختصر الفصول الخمسة بأقل ما يمكن من العبارات : يسرد الكتاب حكاية المثقفين العراقيين من حدث احتلال الكويت الى ما بعد سقوط نظام البعث في خمسة فصول. الأول يتتبع ما جرى داخل العراق بعد احتلال الكويت والانتفاضة مركزا على تأثيرات الأنكسارة الكبرى بدءا من ظهور المد الديني مرورا بخيبة المثقفين ووصولهم الى عتبة العدمية وانتهاء بوقوعهم ضحايا التطرف الثقافي في الأفكار والممارسة.
    ثم يمضي الفصل الثاني ليتتبع ظاهرة هرب المثقفين العراقيين من البلاد بعد الانتفاضة واساليب ذلك الهرب مركزا ، هذه المرة ، على دخولهم فعليا في مرحلة عدمية لا مثيل لها .أما الفصل الثالث فيقف مطولا عند لحظة مواجهة زاخرة بالدلالات بين نمطين من الثقافة وقد بدأ الصراع المقصود ابتداء من منتصف التسعينيات . احد هذين النمطين كانت هاجرت رموزه من العراق في السبعينيات وصاغت لها خطابا خاصا في حين خرج ممثلو النمط الآخر من البلاد زرافات ووحدانا بعد حرب الكويت. الحق ان لقاء الثقافتين لم يكن وديا بالمرة وقد بدا في بعض ملامحه وكأنه امتداد لصراع قديم ابطاله الشيوعيون والبعثيون.
    الفصل الرابع مختلف بعض الشئ فهو يترسم صورة المثقف العراقي كما ألتقطت قبل الغزو الأميركي للعراق وأثناءه ويتم التركيز على استكناه طريقة فهم المثقف لهويته الوطنية وكيفية قراءته للحرب وتعاطيه معها. وفي هذا المفصل يشخص الصراع في بضعة رموز اشهرها المفكر كنعان مكية الذي تغنى بالحرب وطرح ـ على ما أزعم ـ فهما جديدا للهوية.
    وكما هو متوقع في كتاب كهذا ينتهي الأمر بفصل خامس يتتبع مجريات الأحداث المتعلقة بالمثقفين بعد سقوط نظام البعث وطرائق تجدد الصراعات القديمة بينهم حيث تصل الأمور الى حد القتل الجسدي وحيث يبدو المثقفون وكأنهم يتصارعون في مركب سكران يمكن ان يهوي بهم بين لحظة وأخرى.
    هذا ملخص كتاب "خريف المثقف في العراق" ولكي لا أكون متشائما اكثر من اللازم سأذكر القراء بتلك الفكرة التي طرحتها في البدء : ان مثقفا يعيش في شروط منظومة معينة كونته ، ان مثقفا كهذا يستحيل ان يتفهم طرحا يجهد لتفكيك تلك المنظومة. المثقف المذكور سيظل رهين تلك المنظومة، ومن ثم، سجين شروطها. وهو لن يفهم شيئا طالما بقي داخل محبسه.
    هذه الملاحظة التي تتعلق بتوقعاتي المتشائمة ليست سوى واحدة من مزيد وهي ذات بعد شخصي .لذا ليس من الضروري ان تكون صائبة انها مجرد انطباع لا اكثر.
    بالمقابل، ثمة ما هو غير انطباعي في الملاحظات الاخرى واغلبها يدور حول فحوى الكتاب ونتيجته شبه النهائية.
    علي ان اقول، بهذا الصدد، وارجو الا أكون متسرعا، أن فصول الكتاب لم تنته بعد ولا يمكن ان تنتهي. واذ أقول ذلك فليس لانني امهد لكتاب آخر بل لان منطق الثقافة العراقية بعد سقوط دولة البعث ظل كما كان عليه قبل الحدث المزلزل. وعلي ان أشير، هنا، الى ان الابطال السابقين لم يختفوا من مسرح الاحداث. واذا كان ذلك قد جرى، بطريقة او باخرى في بعض الاحيان، فلأنه ارتبط بتغير بعض البنى الكلاسكيكة التي ميزت الثقافة العراقية طوال المرحلة المدروسة.
    بامكاني ان المح،مثلا،الى التبدلات التي طرأت على مواقع المثقفين البعثيين والشيوعيين والاسلامويين في الخارطة الغرائبية التي ترسمت بعض ملامحها بحيث عاد البعض ليتسعيد لحظة اعتقد الجميع انها انتهت الى الابد.
    ان تفاصيل ما جرى في السنوات الخمس التي تلت سقوط نظام صدام حسين تفيد، وهذا ليس خافيا، ان بعض المقولات انبعث فجأة، بعض التحالفات القديمة استعيد، فضلا عن ان الكثير من الصراعات والصرعات تجدد بالطريقة القديمة ذاتها حتى وان بدا المتصارعون مختلفين عما كانوا عليه.
    ولكي تطمئنوا الى جدية هذه الملاحظة سأذكركم بانبعاث مفاهيم مثل"الشعوبية "و"الرجعية" وباستعادة البعثيين والشيوعيين والليبراليين التحالف القديم ضد"الرجعيين" من اتباع الثقافة الدينية.
    علي ان اذكركم، ايضا، بتجدد صراع "العراقويين"و"العروبيين"ع لى خلقية الصراع السني ـ الشيعي اعوام 2005 ـ 2008 . ذلك الصراع الذي عرفه العراق منذ الثلاثينات وكانت ذروته في انقلاب بكر صدقي عام 1936 ، ومن ثم في انقلاب 14 تموز عام 1958.
    الحال ان اللحظة السابقة استعيدت وسار اللاحقون على خطى السابقين حذو النعل بالنعل لدرجة ان شاعرا"عراقويا" صعد الى منبر اتحاد الادباء، ذات مرة, واستعاد ابياتا شهيرة كان وجهها محمد مهدي الجواهري لحكمت سليمان محرضا اياه على استئصال "العروبيين"
    لا تبق دابر اقوام وترتهم
    فهم اذا وجدوها فرصة ثأروا
    تهامس النفر الباكون عهدهم
    ان سوف يرجع ماضيهم فيزدهر
    فحاسب القوم عن كل الذي اجترحوا
    عما اراقوا و ما اغتالوا وما احتكروا
    فضيق الحبل واشدد من خناقهم
    فربما كان في إرخائه ضرر
    و لا تقل ترة تبقي حزازتها
    فهم على كل حال كنت قد وتروا
    الملاحظة الاخرى تتعلق، وهذا يحتاج الى وقفة طويلة، بخصائص المثقف العراقي الذي انتج لنا هذا التاريخ الذي قلبنا بعض تفاصيله. ولي ان اطرح تساؤلا ربما يكون مدخلا لفصل لم يكتب بعد:هل للمثقف العراقي خصائص ثابتة وجوهرية تتمظهر بوصفها خصائص لا تاريخية معزولة عن السياق الذي يحيطها؟
    هل الانتهازية والتقلب ونقل البندقية من كتف الى اخرى خصيصة "عراقية" اصيلة ..ام هي مجرد ردة فعل تقوم به اي ذات تجد نفسها في خضم زلزال تضطرب معه البنى القارة والعلاقات المستقرة ..؟انه لأمر محير بالفعل وهو يحتاج الى وقفة متأنية، وقفة ذات طابع نظري لا تمثل التفاصيل فيه سوى هامش يتسع باتساع الشروح.
    لكن عموما، فأن واحدة من الخلاصات التي اجتهد الكتاب في الخروج بها هي ان هذه الخصيصة تبدو كأحد محركات التاريخ الثقافي في العراق. وهي، في بعض المفاصل، تظهر بوصفها المحرك المركزي كما هو الأمر في مفصل علاقة المثقف بالسلطة وطريقة تعاطيه معها .
    لا اتحدث، هنا، عن علاقة المثقف الايديولوجي او العقائدي بالسلطة التي ربما شارك في بناء منظومتها بل اعني ذلك النموذج التابع الذي يستمد شرعيته من السلطة سواء كان معها او ضدها. والمفارقة ان هذا النموذج ممثل دائما، وفي كل وقت، بشريحة تغلب على الشرائح الآخرى بما في ذلك العقائديون التقليديون.
    لعل واحدة من نتائج الكتاب تتعلق بتفكيك هذا النموذج ومطارته في جميع اشكاله وتبدلاته التي أمكن ملاحظتها. وهي رغم كونها نتيجة مؤسفة الا أنها ضرورية لفهم شكل يبدو غالبا على الجزء الأعظم من فعاليات الثقافة العراقية غير المؤثرة ولكن السائدة .
    ان هذه النتيجة، رغم انها غير مؤكدة، تبدو مسؤولة عن الكثير من الظواهر الماثلة امامنا ومنها، مثلا، الغياب شبه الدائم والممنهج لنموذج المثقف المستقل الذي ندر وجوده منذ 14 تموز 1958.
    الملاحظة التي اود التوقف عندها بعجالة تتعلق بظاهرة العنف المطردة الظهور في تاريخ المثقف العراقي . وقدر تعلق الامر بهذا الاخير، يبدو العنف المقصود رمزيا غالبا، رغم وجود اشارات لا بأس بها بوجود عنف فعلي مستوحى من صراع الايديولوجيات في العراق.
    المهم، بالنسبة لي، كما تبدى في فصول الكتاب هو البحث عن ضحية هذا العنف غير المفكر بها مطلقا .فخلافا لما يتبادر الى الذهن, لم يكن المثقف المقصود هو الضحية الابرز لهذا العنف، بل ان الضحية الأبرز هي الفكرة وليس الشخص، فكرة المثقف المستقل التي تلاشت تماما بسبب طبيعتها المخالفة. فهذه الفكرة التي تؤمن بالحوار المسالم وبامكانية تعايش المختلفين كانت قمعت بقسوة لا مثيل لها وبات من غير الممكن ان تنبس ببنت شفة وسط صخب المثقفين "المسلحين" بايديولوجياتهم العنفية.
    النتيجة، باختصار، هو تحول المشهد الى ساحة "قتل رمزي" بكل معنى الكلمة حيث بتبادل الابطال مشاعر الاحتقار والكراهية ويأبى بعضهم الأعتراف بـ"الآخر".
    كيف يمكن ان تجد فكرة استقلالية المثقف موطئ قدم لها في ميدان كهذا ..!!
    الخلاصة ربما اتضحت بشكل مثالي في الفصل الخامس من الكتاب حين تحول العراق الى شئ شبيه بمركب سكران، مركب يقتتل ركابه بالمجاذيف امام انظار العالم ويكاد جميعهم يغرقون في اية لحظة. هذه الصورة ليست خيالية ابدا .وقد حاول الكتاب ترجمتها بطريقة تنهل من طرائق كتابة التاريخ بقدر ما تبتعد عنها .
    الملاحظة ماقبل الأخيرة التي أريد اثارتها هي النزاع حول "الهوية الوطنية" ودور المثقف في تشكيل رأسمالها الرمزي. ورغم ان الكتاب لا يختص بهذا المحور الجوهري الا انه جهد في ترسم صراع اساسي ربما شكل كل ملامح تاريخ العراق في حقبته الحديثة. نعني تحديدا الصراع المستمر بين النزعة"العراقوية"ـالمحليةـ والنزعة "العروبية" المضادة لها. لدى المرء اكثر من دليل على ان هذا الصراع تواصل، بحدة وشراسة اكبر، حتى في سنوات ما بعد صدام. وذلك حين تصدرت الشرائح والقوميات والاثنيات والاقليات المشهد معيدة، الى الأذهان، ذلك السؤال المختلف عليه منذ العشرينات: هل العراق كيان مكتف بذاته ام انه جزء من كيان اكبر ينبغي الالتحاق به؟
    هذا السؤال الذي قمع بحزم وقوة طوال مرحلة الدولة القومية ـ الطائفية المرسومة باصابع ومخيلات العسكر بدا وكأنه فرس رهان في سلة ملأى بأسئلة مشابهة: ما علاقتنا بالعرب ـ مثلا ـ؟ هل يتوجب الارتهان بهم الى ابد الابدين ..؟ هل من الضروري، لكي نبدأ حقبة جديدة، العودة الى ذاتنا المنسية او لنقل المهمشة، المقصية والمقموعة بالحديد والنار..؟ وفق اي استراتيجية ينبغي ان نحاول ذلك ..؟
    مثل هذه الاسئلة ربما شكلت، منذ لحظة سقوط نظام صدام، مادة اساس لحشد مميز من الافكار والافتراضات والرؤى. والملاحظ ان أبطال هذه النقاشات بدوا مختلفين تماما هذه المرة فاغلبهم ظلوا مقصيين ومهمشين لعقود وكان لا يسمح لهم بابداء افكارهم حول القضايا التي يعتقدون انهم يمتلكون رؤى واضحة فيها.
    الاختلاف، اختلاف ابطال السردية الجديدة عن اقرانهم المنسحبين من ساحة التاريخ، ليس ذا منشأ فكري او ثقافي فقط بل المهم انه ذو منشأ اجتماعي ايضا. فالاغلبية المطلقة من اصحاب الأفكار الجديدة والاجوبة غير المطروقة تحيل الى شرائح مهمشة اقتصاديا و"منفية" عن صلب المشهد السائد. والكلمة الأخيرة "منفية" تبدو مجازية وحقيقية في الآن ذاته ذلك ان عددا كبيرا من هؤلاء الابطال كانوا منفيين بالفعل. بعضهم عاد الى البلاد بشكل نهائي او جزئي والبعض الآخر وجد متنفسا لاثارة ما يظنه مركزيا من تلك الاسئلة بطريقة جديدة: بدلا من التفكير"هناك"، خارج التاريخ ربما، سيكون عليه التفكير "هنا"، في صلب التاريخ الجديد.
    من هذه الملاحظة استطيع الانتهاء بثقة من جميع ملاحظاتي المبثوثة ، في هذه الخاتمة غير التقليدية، وقبلها في الفصول الخمسة المكونة للكتاب .
    الختام لن يكون مسكا بالتأكيد والسبب هو أعتراف شخصي جدا لن يرضي مدعي "الحياد العلمي". اقصد الاعتراف الذي غالبا ما ينكره المؤلفون على انفسهم ويحاولون مخادعة قراءهم بتوريته ما امكن لهم ذلك.
    الاحرى انني لم أكن حياديا كما يتمنى المؤرخ "التقليدي" ان يكون . كنت ميالا إلى جهة ما او رؤية معينة بل أظنني في بعض الفقرات لم أتورع عن التصريح بميلي والدفاع عن "رؤيتي" التي قد لا ترضي الكثيرين .
    هذه هي ملاحظتي الأخيرة .
    الإنسان : موقف

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    تساؤلات في خريف المثقف العراقي السعادة الحقيقية هي ان نذهب الى الصيد...لا ان نقتل الطائر

    خالد ايما

    19/10/2012

    يمكن لنا ان نقرأ (خريف المثقف في العراق) ونشم رائحة البارود وهي تتصاعد من بين السطور الخريفية التي سخنت وعينا بحرب باردة اعتمدت الوثائق الحية ،والميته ،والمذكرات بشكل أساس؟ وكيف يمكن لنا ان ننصت لصراخ القتلى المجهولين وهم يتساقطون قريباً من المكان المفعم برائحة الخريف ؟ وكيف يمكن لنا ان نتحسس الروح البوليسية في تحليل الظواهر وتتبع جذورها ؟ وكيف يمكن لنا ان نقرأ هذا الخريف ؟ هل نقرأه بوصفة سردية أخرى تحايث السرديات وتحاول تفكيكها ، ام نقرأه بوصفه تطفلاً على تلك السرديات وتعكزاً عليها؟ هذا ما يقوله "الأخرس"ويدلنا علية في مقدمته الخريفية الضاجة بالتأريخ والإحزان والوثائق والمدونات والمراثي والأوهام الكبرى التي تشخص أوهام المثقف العراقي ....الكائن الزئبقي الذي لا ينضبط لأي تصنيف ويصار دائماً الى إشكالية في التسمية والمفهوم والمصطلح في محاولة تحتمل الكثير من الجدل والأسئلة القلقة التي تبحث عن إجابة حقيقية لن تكون ممكنة ابداً طالما نحن بمواجهة تأريخ ثقافي مثل التأريخ الذي أنتج مثقفنا العراقي ...المثقف الذي يزعم انه اضطهد من قبل الأخر ، وان مفهومة عن "الهوية" هو الأقرب الى حقيقتها ، وانه الأكثر تمثيلاً لروح المثقف من سواه ، وبالتالي هو يعرف " من أين تؤكل الكتف" وكل هذا يحتاج الى وقفة طويلة ، بخصائص المثقف العراقي الذي أنتج لنا تأريخاً متصدعاً وفق تساؤلات (الأخرس) تجعل من خريفنا المثقف أنموذجا لهذه التساؤلات التي تطرح بمكننه عالية الدقة ، وبجرأة لا تتهيأ لكل مثقف عراقي حالها حال الذي ينبش في الماضي ويحفر في التأريخ .

    إذن قبل ان نضع جسد الثقافة العراقية على دكة التشريح ، ونتصفح الأوراق الخريفية التي أمتعتنا جدلاً وإثارة نرى ان نتساءل : أية ثقافة نريد ؟ الثقافة التي تنشد المتعة والجمال وتدفعنا للتمرد والثورة ضد كل ما يحط من قيمة الإنسان ويقيد حريته ورفاهيته ، أم ثقافة الوشاية؟ ومن هو المثقف الحقيقي؟ وأين نجده ؟ هل هو من يهبط بالثقافة من النخبوية إلى العامية ؟ أم هو من يعيش هموم المجتمع ويحملها معه في رحلة بحثه عن الحقيقة ام هو الذي يسعى لمعرفة الحقيقة كاملة كما يقول نيتشه ( خير لك إلا تعرف شيئاً ، من ان تعرف نصف الحقيقة ) أم هو كلمة هلامية فضفاضة يختبئ خلفها حتى المجرم ، أم هو الشخص الذي يهتم بأمور لا تعنيه إطلاقا حاله حال مثقف (سارتر) او حاله حال مثقف (فوكو) الذي يدعوه بعدم إصدار الأحكام والتحفظ عليها وعدم الإدعاء كما لو كان (ضمير الأمة) او (لسان الجماهير) أو( المنقذ من الضلال) حاله حال مثقف (غرامشي) المثقف الذي يعمل في حقل إنتاج المعرفة .

    فالأمريكي (مايكل والزر) ينعته ب(اليساري الطفو لي) و(هابرماز) يعتبره مضاداً للحداثة وللعقلانية الحديثة ، وأية حكمة هذه التي تقول(المثقفون اقدر الناس على الخيانة ، لأنهم أقدر الناس على تبريرها)

    أذن من هو خريف المثقف إزاء كل هذه المسميات ؟وهل نحن بحاجة الى هذا الخريف المعتق برح المخاطرة ؟ ولماذا الخريف الذي يوحي من العنوان بمرحلة ابتداء لشتاء مقبل ....شتاء طويل لربيع قادم ؟ هل نحن بحاجة إلى اندلاع مثل هذه العواصف المتوقعة والمفاجئة ؟ لماذا نفتح جرح الثقافة العراقية بهذه الطريقة ؟ ولماذا نعترض ونقف بالضد من هذا الخريف كما هو متوقع للأخرس إ ذ يقول في بداية خريفه " أظن ان هذا الكتاب لن يرضي الكثيرين ، وأكاد اجزم إن أول من سيعترض علية هو المثقف العراقي الذي نشا في ظل الأيديولوجيات المتصارعة " أليس الخريف خريفنا، الم يكن أجمل فصول السنة عندنا في العراق.

    ان هذا الكتاب لن يرضي الآخرين حسب ما يدعيه الأخرس ...بالفعل هو لم ولن يرضي سعدي يوسف ، وحميد سعيد ،ورعد بندر ....الخ لكنه يرضي "احمد سعداوي" بالدرجة الأولى ،و "محمد مظلوم"، وعلي السومري .... وغيرهم لما يثيره الكتاب من أسئلة تركها الباحث باتجاه فتح أفق جديد للكشف عن يوميات الثقافة العراقية الضاجة بالتاريخ والأحزان والمراثي والسر ديات والأوهام الكبرى لما يتمتع به من جرأة وإمكانية لا تتهيأ لكل مثقف.

    إذن نحن بحاجة الى كتاب من هذا النوع ليدلنا على الحقيقة ولكن "السعادة الحقيقية هي ان نذهب إلى الصيد ... لا ان نقتل الطائر" كما يقول "ايكو"

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    قراءة في كتاب : خريف المثقف العراقي
    الأستاذ ناهض الرمضاني.

    مثير هو العنوان الذي اختاره الاستاذ “محمد عبد الهادي الاخرس “…لكتابه الذي يحاول ان يدرس فيه حركة الانتلجنسيا العراقية خلال العقدين الاخيرين الزاخرين بمتغيرات متلاحقة قل ان يمر بها بلد من البلدان …قرأت الكتاب بشغف .. تذكرت بعض الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ….تخيلت آخرين …وطلبت الرحمة لآخرين ..وقد استوقفتني بعض الفقرات الواردة في الكتاب …منها ما يفترض أن تكون حقائق اوردها المؤلف واظنها بعيدة عن الدقة …ومنها آراء او تحليلات أظنها كانت بحاجة الى المزيد من التأني قبل تدوينها …عموما هي ملاحظات لم اكن لأدونها لولا إحساسي بأهمية الكتاب …وتقديري لكاتبه . وهو جهد لايمكن لفرد واحد تحمل اعبائه ..واتمنى ان تلتفت الجامعات لهذا الجانب المهم من واقعنا وتسلط عليه مشارطها الاكاديمية لتنير لنا زوايا مظلمة او مظلومة … اشكر المؤلف ثانية لأنه لم يكتف بلعن الظلام …
    الملاحظات :
    1- في سياق حديثه عن انسحاب الجيش العراقي من الكويت عام 91 يشير الكاتب الى ان القوات الأمريكية قصفت ارتال الجيش المنسحبة ودمرت 1500 سيارة وشاحنة عسكرية إلا ان عدد الجنود القتلى لم يزد عن 200 قتيل لان معظمهم كانوا قد لاذوا بالفرار ….هذه الجملة تبدو كحقيقة تاريخية أوردها المؤلف وقد استقاها من مصدر ما .وانا لا اعرف عدد من قتل على “طريق الموت ” لكنه كان اكثر بكثير من 200 شخص بالتأكيد …فاذا تذكرنا ان الكاتب نفسه قد اشار الى ان معدل الغارات الجوية كان اكثر من 2500 غارة يوميا..واذا افترضنا ان شخصا واحدا فقط سيموت في كل غارة فيكون الرقم الذي أورده الكاتب غير معقول على الاطلاق …ما تواتر ايام الحرب عن عدد الجنود الذين قتلوا اثناء الانسحاب كان 200 الف جندي …وربما كان هذا الرقم مبالغا به ايضا لكن العدد كان يزيد على عشرات الالوف بالتأكيد …وافلام انسحاب الجيش العراقي موجودة لحد الان على اليوتيوب …وهي تعكس دمارا هائلا لا يمكن أبدا ان تتشابه الخسائر فيه مع خسائر ناد ليلي تم تفجيره في” بالي ” عام 2002على سبيل المثال …هل نسي الكاتب او الطباع بعض الاصفار !! لا ادري .

    2- يستخدم الكاتب مفهوم ” الضد النوعي ” وتطبيقاته في العراق لكن احد الأمثلة استوقفني طويلا اذ يذكر الكاتب ان مفهوم الضد النوعي كان قائما في ذهن المرحوم ” جعفر العسكري ” حينما أطلق اسم الإمام “موسى الكاظم ” على أول فوج في الجيش العراقي .وهو قد استخدم هذا الاسم بالتحديد “لاختلاق ضد نوعي شيعي لقمع الشيعة ” ورغم ان العبارة اقتباس من كتاب آخر إلا أن إيرادها من قبل المؤلف دون اي تعليق يعني انه يتبنى هذه الفكرة …والحقيقة هي ان التسمية أطلقت على الفوج لانه تأسس في خان الكابولي في الكاظمية وكانت ابرز معالم المكان هي روضة ” الامام موسى الكاظم” فأطلقت التسمية على الفوج . ولو كان المقر قرب الامام الاعظم لكان اسم الفوج “فوج ابو حنيفة ” وعندها ستكثر التأويلات ايضا .. ببساطة ..لو كان جعفر العسكري يهدف لتشكيل قوة لمقارعة الشيعة لما أفنى سنوات عمره وهو يحارب الجيش العثماني ” السني ” في الصحراء العربية ..ارجو ان نحاول عدم إسقاط كل ما يحدث “الآن وهنا” على التاريخ . فهذا يمنعنا من الرؤية بوضوح …

    3- في تعامل المؤلف مع الأرقام استوقفني رقم آخر في الصفحة 34 من الكتاب يقول المؤلف وهو يصف حملة حزب البعث ضد المتدينين ” ان منظمة العفو الدولية خاطبت السلطة السياسية في العراق اكثر من مرة لايقاف عمليات الاعدام وكانت قد بلغت حسب احد تقاريرها 552 سجينا للفترة من 1977 ولغاية 1983″..والرقم الوارد هنا لمنظمة العفو الدولية وهو رقم لا يثق به الكاتب بل يورد رقما اخر هو “سبعون الف سجين سياسي ومئة الف شخص تم اغتيالهم “….الارقام الاخيرة مستقاة من جريدة ” البعث” السورية نقلا عن معتصم عراقي شارك في احتلال منظمة العفو الدولية في باريس احتلالا سلميا عام 1981..ترى هل صحيفة “البعث ” السورية اكثر مصداقية من تقرير منظمة العفو ؟؟ وهل يمكن اغتيال 100 الف شخص في دولة كان سكانها اقل من 13 مليون نسمة دون ان تقوم الدنيا وتقعد ؟ و لا يعقل ايضا ان يزيد عدد من تم اغتيالهم عن عدد السجناء. الارقام تستحق المراجعة كما اظن.

    4- في حديثه عن طيور و” غربان ” الثقافة العراقية التي حلقت بعيدا عن العراق اثناء الحصار اثناء التسعينيات يقول المؤلف “كانوا قد قرروا خوض التجربة القاسية .وكانت الوسيلة الوحيدة الممكنة لتحقيقها بنجاح هي بعث جملة خصائص انفردت بها الشخصية العراقية : العدمية ،السفسطة ،الانتهازية ،التطرف وغيرها ” انتهى الاقتباس ” هل انفردت الشخصية العراقية حقا بهذه الخصائص البشعة و” غيرها ايضا ” ؟؟ فكرت طويلا في سبب إدماننا على جلد الذات لكنني تذكرت تاريخ تأليف الكتاب ..والظروف البشعة التي كنا نمر بها وهذا يمنح مؤلفنا بعض العذر …اقول بعض العذر لأنه في تقديري قد ارتكب خطأ طالما تكرر في الكتابات العراقية والعربية ألا وهو النظر الى الأشياء بعين واحدة وإغفال مقارنتها بما يناظرها لدى الشعوب الأخرى التي مرت بمواقف مشابهة ..او ظروف اقل قسوة ربما ..هل لدينا فكرة عما فعلته طبقة الانتلجنسيا الالمانية في ذروة صعود النازية او مع اشتداد اوار الحرب العالمية الثانية ..لقد كشفت الوثائق ان فيلسوفا بقامة “مارتن هايدجر “ صاحب ” الوجود والعدم ” وفيلسوف الغابة السوداء …هايدجر كان وقتها رئيس احد الجامعات وتعاون مع الحزب النازي وكتب تقاريرا سرية عن الاساتذة العاملين معه ..تقارير اوصلت بعضهم الى الإعدام واخرين الى المنافي …وحينما تم منح بيكاسو وساما بعد تحرير باريس قال احدهم ” لقد استحق وسامه ليس لقيامه بشيء ما ..بل لمجرد انه كان اقل سوءا من الاخرين ” والامثلة بالآلاف لمن شاء ان يطلع وكلهم من غير العراقيين ولهذا فنحن لاننفرد “للاسف ” بهذه الخصائص ولا بغيرها .فكلنا بشر وحسب .
    5- لم افهم بالضبط اهمية الاستعراض التاريخي للمجتمع العربي قبل ومع ظهور وانتشار الاسلام والحديث الطويل عن ” الارستقراطية القريشية ” . ورغم اني لست من ” قريش” إلا أنني أتحفظ تماما على استخدام مصطلحات حديثة وضعت لتصف طبقات مصنفة في مجتمعات بعينها ..مما يولد لبسا وخلطا حينما نستخدمها بشكل جزافي لنصف مجتمعات مغايرة لا يمكن ان توجد فيها نفس الطبقات إطلاقا فإذا كان هناك طبقة ارستقراطية فاين هي الطبقة البرجوازية وممثليها .. واين هي طبقة العمال ؟ وهل ان العبيد او الموالي نظراء للبروليتاريا ؟! خارج سياق تاريخي محدد لمجتمع وصل مرحلة معينة من التطور سيفقد هذا التصنيف علميته تماما .. وأنا اعلم ان المؤلف ليس أول من استخدم هذه المصطلحات ليصف المجتمعات العربية القديمة ” وهو يشير لمصادره ” الا انه خطأ علمي كنت أتمنى الا يقع فيه …ثم ما علاقة ذلك كله بخريف المثقف العراقي ؟ التاريخ والتاريخ ثم التاريخ .. هل كتب علينا أن نستمر في تعبئة الخمر القديم في دنان جديدة ؟؟ أم أننا أدمنا ذلك !
    6- في استعراضه لنشوء “حلم” الدولة القومية العربية الحديثة يعود بنا الكاتب ثانية للتاريخ العربي الموغل في القدم ليحلل ويوضح ويؤصل بحثا عن تفسير لظهور العراق كدولة عربية ..او لفكرة القومية العربية ذاتها .مشيرا الى احد اوائل منظريها ” ساطع الحصري ” وقد أثار هذا التأصيل استغرابي ثانية …اذا انه افترض وجود العراق خارج التاريخ والجغرافيا العالميين ..فلا توجد أية إشارة الى ظهور عصر الدول القومية التي افتتحتها فرنسا بثورتها الشهيرة وحذت حذوها الدول الاوربية وامريكا واصبح كل دولة حديثة هي دولة قومية بشكل ما ..وان ساطع الحصري كان متأثرا بالدولة التركية العلمانية الحديثة التي نشأت على غرار الدول الأوربية بعد ان اسقطت الخلافة الــــ”سنية ” في اسطنبول وحاربت كل مظاهر التدين ..وهذا الانقلاب الذي قادته مجموعة الاتحاد والترقي العلمانية كان متأثرا تماما بتجارب الدول الغربية القومية التي كانت تركيا على احتكاك كبير بها . وانتقلت العدوى الى الدول العربية التي كانت تابعة للخلافة العثمانية فوجدت نفسها خاضعة لاحتلال القوميين الاتراك ..فتأثر المهزوم بمن انتصر عليه جريا على سنن الشعوب كما قال ابن خلدون قبل قرون . وانتقلت عدوى القومية بشكل مباشر من الاتراك الى العرب الذين كانوا على احتكاك غير مباشر ايضا مع الفرنسيين والانكليز قبل الحرب العالمية الاولى .. وكانت مصر الخديوي محمد علي اول تجربة لدولة عربية قومية رغم ان محمد علي لم يكن عربيا ولا قوميا .. لا يمكن اطلاقا تفسير سبب نشوء الدول العربية على اساس قومي بمعزل عن تاثرها بسياق المتغيرات الفكرية التي عصفت بالعالم بعد الثورة الصناعية …والحديث في هذا الموضوع طويل ومليء بالتفاصيل ولا يمكن باي حال اختزاله بالصراع السني الشيعي او العربي الفارسي او العرب والشعوبيين او باي صراع اخر دار في التاريخ الغابر .ويكفينا ان نذكر بأن معظم دعاة القومية العربية كانوا من المسيحيين او العلمانيين .

    7- وفي الفصل الذي ناقش فيه الكاتب افكار “كنعان مكية ” الذي كتب لحظات قصف بغداد ” ان اصوات القذائف المتساقطة على بغداد أجمل من اي موسيقى سمعتها اذناي،بل هي كقرع اجراس الحرية.. تؤذن لفجر جديد للعراق” عبارات في منتهى الشاعرية تصدر من مفكر لاشاعر والمناسبة السعيدة هي بدء حملة تدمير العراق ..هل يستحق مكية ان يفرد له المؤلف كل هذا الحيز من الكتاب ؟؟ ولماذا رد ادوارد سعيد عليه متجاهلا العشرات من الكتاب الذين بشروا بالغزو ؟ سيعود بنا المؤلف ثانية الى بطون التاريخ ليقول “هل كان مكية شعوبيا ؟ يبدو ان سؤالا كهذا قد خامر ذهن ادوارد سعيد وهو يلاحظ هجوم غريمه العاصف على الثقافة العربية ” والمؤلف هنا يفترض ان ادوارد سعيد قد استخدم المفهوم ” مفهوم الشعوبية ” او هاجم مكية لانه صنفه تحت خانة الشعوبيين بكل الجذور التاريخية التي تحملها هذه الكلمة . لكن ادوار سعيد ينتمي لفضاء معرفي مغاير تماما ولا اظن ان الفكرة قد خامرت ذهنه من قريب او من بعيد …لم هاجم ادوارد سعيد مكية اذن ؟ لم يكن هناك من داع للعودة الى صفحات التاريخ ومحاولة تاصيل هذه الفكرة لان الامر ابسط من ذلك بكثير …فلو استخدمنا مفهوم ” الضد النوعي ” وهو مفهوم -لجأ اليه الكاتب لتحليل ظاهرة مكية في البداية ثم اغفله – لوجدنا ان ” مكية ” هو جزء من مثقفي الضد النوعي تم استخدامهم من قبل الإدارة الامريكية الغازية لوضع لمسات مكياج على محاولتها لابادة العراق بدعوى تحريره ..لقد قامت ماكينة اعلام هائلة بالترويج للحرب ولتبرير كل الدمار الهائل الذي الحق بالعراق وكان مكية جزءا من هذه الماكينة لااكثر ولا اقل -لم يكن الوحيد ولن يكون الاخير – ولا يمكن تقييم فكر مكية خارج السياق التاريخي الذي جرت فيه الأحداث ..فلو كان قد طرح نفس ارائه تماما وهو مقيم في العراق او في دولة عربية خلال السبعينات او الثمانينيات لكان لها قيمة اخرى تماما …تماما كما لو ان ادوارد سعيد كان قد نشر كتابه ” الاستشراق ” وهو يعمل في جامعة الازهر مثلا ..هل كان ليكون له عشر معشار الأثر الذي سببه وهو ينشر كتابه في جامعة كولومبيا !! بدون معرفة سياق الأحداث تفقد الأفكار والمواقف الكثير من قيمتها .فهي تماما مثل المفردات التي قد يتغير معناها بتغير سياق الجملة .. هناك من يطرح افكارا هو مستعد لدفع ثمنها …واخرين يطرحونها وهم يطمحون لاخذ ثمنها …ترى هل تبرع مكية بموقفه للإدارة الأمريكية في لحظة تدمير العراق ؟؟ أم انه قبض الاتعاب !!
    واخيرا …هل ان المثقف العراقي في خريفه حقا ؟؟ اول عبارة في الكتاب تدحض هذه المقولة تماما ” شرعت في كتابة هذا الكتاب على وقع خطى القتلة ولعلعة رصاصهم .ليست العبارة مجازية .انها حقيقية حد انني اكاد أشم الآن رائحة البارود تتصاعد من بين السطور. بل أكاد أنصت لصراخ قتلى مجهولين يسقطون قريبا من المكان الذي اكتب فيه !!” اين نجد كاتبا كهذا الا في العراق ! اين نجد من بقي يؤمن بان للكلمة دورا ما وسط زوابع المفخخات والكواتم وأنقاض المباني الا في العراق ؟ هل جاءنا الربيع والصيف لنمر بالخريف …هل ترعرنا وبلغنا كي نشيخ ونذوي ؟
    لا ارى مشهد الثقافة العراقية كخريف تتساقط اوراقه مثقلة بجلال الشيخوخة …بل اراه كحقل خصب يتعرض للدهس والتكسير والتخريب مرة بعد مرة ..وتعود اشجاره لتورق من جديد رغم كل شيء … هذا الكتاب شجرة جديدة تشق طريقها نحو الضوء ..وكاتبه _علم او لم يعلم _ مستمر في محاولة خلق ربيع جديد للثقافة العراقية .

المواضيع المتشابهه

  1. المثقف - النزيه- وجناية القطيع
    بواسطة محمد الحسين الزمزمي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-05-2006, 07:23 PM
  2. غربة المثقف ..ربما يكون الآتي أجمل..!!
    بواسطة د. سلطان الحريري في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 36
    آخر مشاركة: 02-10-2005, 12:58 AM
  3. غربة المثقف ..ربما يكون الآتي أجمل..!!
    بواسطة د. سلطان الحريري في المنتدى مهْرَجَانُ الوَاحَةِ السَّنَوِي
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 11-03-2005, 11:24 PM
  4. المثقف الفاسد والنخبة المنحرفة
    بواسطة قلم رصاص في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-12-2004, 10:32 PM
  5. الدكتور المثقف الخائن
    بواسطة قلم رصاص في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 27-11-2004, 02:02 PM