إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الوضحوي

بقلم المُصمّم والمُبتكر اللبناني, الفنّان التّشكيلي والرّسّام الهندسي الفنّي
حسين أحمد سليم

دائما تُراودني الأفكار البعيدة في يقظتي ونباهتي, وفي رؤيتي قبل الغفوة القدريّة, وحتّى في رحاب متاهات أحلامي, التي تُثيرني كثيرا على محاكاة الآمال العِذاب, والتي أسعى جاهدا, لتوكيدها وتجسيدها إفتراضيّاً, مهما جابهني من صعاب وعراقيل, أبذل قصارى جهدي العقلانيّ الذّاتيّ, وقدراتي التّفكّريّة الخاصّة, وأجنح بهذه الصّعاب والعراقيل لوضع الحلول الكفيلة بخفض تأثيراتها السّلبيّة...
تلك الأفكار المختلفة الصّور والمتنوّعة التّكوينات التّشكيليّة, التي تنتاب وجداني وتتفاعل به, وتفرض وجوديّتها في بواطنه وأعماقه, ولا تترك له مجالا للرّاحة أو الهدأة والسّكينة, تلك الأفكار السّابحة في أبعاد محيطات هيامها التّكوينيّ القدريّ, والمنسابة في جزلها الأثيريّ, تترنّح في الإمتدادات اللامتناهية للخيال, ذلك الخيال الذي تعفق به بنانات أنامل التّفكّر في حناياي, لإستنباط عناصر وجزيئات الموسقات والدّندنات والتّرانيم والألحان الحالمة بغد مشرق بالآمال المرتجاة...
إلى تلك الإمتدادات اللامتناهية في رحاب رحمة الخالق, والذي غالبا ما يحملني وجداني المحدود التّكوينيّ على صهواته الخياليّة, التي تمتدّ لأكثر ممّا يُراود محدوديّة قناعاتي الإنسانيّة المادّيّة, إنعتاقاً وتحرّراً من كلّ الرّبقات النّفسيّة والقيود التي تُصفّد جسدي الضّعيف, وبعد عقلنة قلبي وقلبنة عقلي, من جهة, وتحفيز وعيي الباطني على النّشاط والفعاليّة, وتحريض عرفاني الذّاتيّ على الحركة الدّائبة, من جهة أخرى, ويرود بي خفايا البعد الآخر, خلقاً وإبداعاً وإبتكاراً في أبهى حركات فعل الصّنع بإستدامة فاعلة دائمة...
وُلِدت مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الوضحوي, ولادة طبيعيّة بعد حمل طبيعيّ, ومن رحم المناهج التّربويّة المدرسيّة المعمول بها في أروقة مدارسنا الرّسميّة والخاصّة, المنتشرة على إمتداد أراضي الوطن... بحيث ساعدتني خبرتي التّربويّة التّقليديّة, التي مارستها في شؤون التّدريس الفنّي العادي, للأطفال والأولاد في مراحل الرّوضات والتّمهيديّات وصفوف المرحلتين الإبتدائيّة والمتوسّطة... والتي مازجت بين منهاهجها المعتمدة في أواخر القرن التّاسع عشر, وبين خبرتي التّربويّة في الحركة الكشفيّة, التي مارستها طويلا تدريسا وتدريبا, والتي تعتمد المناهج التّربويّة الرّياضيّة الخلويّة في عمليّات المحاكة والتّلقين, وبالتّكامل مع خبرتي الأكّاديميّة في فنون الرّسم والتّشكيل, وإمتدادات التّطبيق العملي والفعلي من خلال مهنتي في مجالات فنون الرّسم والتّشكيل الفنّي والهندسي...
جميع المعطيات والخبرات والتّجارب والتّقنيّات والمهارات المتنوّعة والمتعدّدة, التي شاء لها الخالق سبحانه وتعالى, أن تجتمع رحمة ومودّة في كينونتي وشخصيّتي, لحكمة ربانيّة إيمانيّة حباني بها الخالق جلّ وعلا... جميعها, شكّلت منظومة علميّة تربويّة فنّيّة تطبيقيّة مُتّسعة إلى حدّ ما, متناغمة ومنسجمة وشبه متكاملة الموسقات في تمازجها, بحيث ساهمت في إجراء الكثير من التّجارب الفنّيّة, والإختبارات التّربويّة مع عدد واسع من الأطفال والأولاد من مختلف الأعمار, ممّا أوصلني لقناعة لا مردّ لها, قضت بإبتكار مدرسة فنّيّة تشكيليّة تربويّة لتعليم مادّة الرّسم للأطفال والأولاد, بأسلوب فنّيّ تربويّ مُبتكر وحديث, في محاكاة عصريّة معرفيّة إعلاميّة, تماشياً مع القفزات النّوعيّة الحضاريّة, السّائدة في ظلّ العولمة الرّقميّة المعرفيّة التّوعويّة, التي إجتاحت أقاصي الكرة الأرضيّة, من خلال الشّبكة العالميّة العنكبوتيّة للمعلومات الأنترنت, وخلقت حالات ثقافيّة معرفيّة هجينيّة جديدة, وذلك من خلال تمازج وتزاوج وإقتران, ثقافات من في الشّرق بثقافات من في الغرب, بحيث خلقت التّقارب وإختصرت المسافات بين الجميع, وغدت ثقافات جميع شعوب الأرض بمتناول جميع شعوب الأرض...
وهكذا شملتني العناية الإلهيّة بعين رحمتها مُجدّدا, وأوحت لي تفكّراً في عظمة الخالق, وكان لي ما تراءى لي في إمتدادات الخيال, وما تجلّى لوجداني في البعد الآخر, وما تفكّرت به في عقلي المُعقلن, وما إستشعرته في قلبي المُعقلن, وما إرتعش في وعيي الباطني, وما إنتعش في كينونة عرفاني الذّاتي, ومارسته تطبيقاً وفعلاً وعملاً ومحاكاة وخلقاً وإبداعاً وإبتكاراً... فتمخّضت خبراتي الفنّيّة في مجالاتها المكنونة في دواخلي, وحملتني طوعاً قدريّا, بعد الإنتهاء من التّصميم والدّراسة والتّجربة, ودفعتني مُطمئنّاً لوضع إبتكاري الفنّيّ الجديد, الذي وسمته: بمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الوضحوي... وكلمة الوضحوي مُشتقّة من الوضوح في الرّؤيا والرّؤية, وهي إستنباط آخر كذلك من إسم قرينتي "وضحى" التي خاضت غمار التّدريس التّربوي مدرسيّا وكشفيّا مع الأطفال والأولاد والبنات, وهي كاتبة وفنّانة تصويريّة تشكيليّة, ومُرافقتي في غمار هذه الحياة الدّنيويّة, للإستمرار في الحياة والمساهمة في إعمار هذا الوجود, فكان لنا معاً من نِعم الله وبركاته صبيّا وبنتان جميعهم يمتطون صهوات الفنون التّشكيليّة وفنون الرّسم الهندسي إضافة لممارسة التّأليف والكتابة في رحاب الفنون الأدبيّة, وبرضى ورحمة ومودّة وعبادة الخالق, وفق ما شاء وقدّر...
بالإنتقال للجانب التّوصيفي, وإعطاء الشّروحات التّفصيليّة اللازمة لخطواته التّطبيقيّة, لإبتكاري الفنّيّ التّربويّ الجديد, والمسمّى بمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الوضحوي... فإنّني منذ البدء وضعت لهذه المدرسة عنواناً عريضاً, تحت إسم, "حِسّ, ذوق وفنّ", ليشمل منظومة متكاملة بلغ تعدادها بعدد الصّفوف والمراحل الموجّهة لها... بحيث وضعت ثلاث كُرّاسات لمرحلة الرّوضات, وخمس كرّاسات لمرحلة الإبتدائي, وأربع كرّسات لمرحلة المتوسّط, وقد إحتوت كلّ كرّاسة من جميع منظومات السّلاسل الثّلاثة على إثنين وثلاثين صفحة واسعة وقياسيّة, وفي كلّ صفحة عرضت عملا فنّيّا, موزّعاً وفق المراحل الرّباعيّة لإجراءات تنفيذه وتطبيقه...
وكذلك قمت بتقسيم التّتابع المنهجي المرحلي لمراحل أربعة هي المراحل التّطبيقيّة, التي أشرت لها سابقاً, بحيث كان لكلّ مرحلة تسميتها...
فالمرحلة الأولى وسمتها بكلمة "أنظر" تتواكب مع شكل كاريكاتوريّ ضاحك وترميزيّ لنسر يدلّ بإصبعه لشكل فنّيّ ما...
والمرحلة الثّانية وسمتها بكلمة "فكّر" تتواكب مع شكل كاريكاتوريّ ضاحك وترميزيّ لأرنب, يُشير بإصبعه لرأسه علامة التّفكير بشكل فنّيّ ما...
والمرحلة الثّالثة وسمتها بكلمة "تميّز" تتواكب مع شكل كاريكاتوريّ ضاحك وترميزيّ, لأرنب يُفتح ذراعيه مُسبشرا ومبتسماً لشكلٍ فنّيّ ما, علامة الإطمئنان والقبول لشكل فنّيّ ما...
والمرحلة الرّابعة وسمتها بكلمة "طبّق" تتواكب مع شكل كاريكاتوريّ ضاحك وترميزيّ, لأرنب ينكبُّ على ورقة بيضاء, وبيده قلماً أو فرشاة ألوان, وهو يُمارس حركة فعل النّقل بمراقبة والمحاكاة, ورسم الشّكل الذي أشار له النّسر بداية, وهو يقوم بتطبيق اللون الذي ميّزه الأرنب ما قبل وتفكّر به, وعكف على توقيع شكل فنّيّ ما...
هذا وقد حرصت أشدّ الحرص على أن يتمتّع إبتكاري, لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الوضحوي, بالكثير من التّسهيلات والتّبسيط, والمرونة التي تقضي بتقريب العمل الفنّي وتحبيبه لجميع الأعمار والفئات, بحيث تدرّجت بصوره وتشكيلاته وأعماله وتجاربه, من السّهولة إلى الأقلّ سهولة, فمتوسّط الصّعوبة فالصّعوبة, ممّا يُساعد الجميع على بلوغ مستويات التّقنيّة المطلوبة والحرفة المقبولة...