محاولة لترجمة مفردات في ليلة راس السنة

بعد ساعات سيخلع العالم عن نفسه سترته القديمة ويرتدي زيا رسميا جديدا يسمى العام الجديد ....
في هذه الأثناء سيكون الجميع يحتفل, وكلن لديه طريقة للاحتفال برأس السنة الجديدة ... سنة أخرى تحمل لهم أمنيات في كيس بابا نويل, وتحمل لنا أحزان متجددة من تبعات العام السابق ... وهنالك من ينتظر بوش يحمل له أمنيات أو نفط جديد ليكون بابا نويل العصر الأمريكي, عصر الزنوج والأمريكان و العولمة ...
أنا كنت أحتفل أيضا بعيداً عن أجواء العولمة وحدي وعلى طريقتي الخاصة جداً ... كان نبيذي من نوع خاص جدا ... كان ازرق اللون, وكما تجري العادة أن يصاحب كأس النبيذ بعضا من المسليات اعتبرها أنا من الضروريات لإتمام عملية الثمل بنبيذ الكون ... كنت أيضا قد أحضرت الأوراق ...

كان نبيذي يختلف عن خمر الآخرين .... كان حبرا أحاول أن احتفل به على طريقتي الخاصة ... حبرا قادر أن يفعل ما لا يفعله النبيذ ... فمهما سكرت من النبيذ لن يوصلني ما يمكن أن يوصل إليه القلم الذي يعتبر من أهم مسببات أمراض القلب وانسداد الشرايين والجلطة وانفصام الشخصية والشيزوفرينيا وحبل المشنقة ... لكن العالم في الخارج كان يعاني من الشيزوفرينيا في احتفالاته رغم أن غالبيتهم لا يملك قلماً ولم يخطر بباله يوما أن يكتب ولو كلمة واحدة للوطن على ورقة بيضا لينقل للوطن مشاعره ...

في ليلة راس السنة كنت أشعل شمعة وحيدة مثلي في غربتي وغرفتي ... و أحاول أن أترجم مفردات لطالما أرقتني ...
( النهى) ,( العقل ) , ( اللب ) (النهاية ) ...
النهى وتحمل معنى العقلاء الذين ينتهي لهم الأمر ...
النهى تحمل دلالة العقل في مضمونها اللغوي, النهى حق مشروع لكونها سمة تميز الغبي عن العاقل ...

في هذه اللحظات كنت أحاول تخيل حجم ونوع الأمنيات التي يمكن أن يتمناها الناس في لحظة دخولهم للعام الجديد ... ومع أني لا أثق بالأمنيات العالية الأبراج, إلا إذا ارتبطت برغبة جادة في العمل من أجل تحقيقها ... وان الأمنيات ليست مائدة تهبط من السماء ... فعصر المعجزات قد مضى ... إلا أنني أحاول أن أشارك البسطاء الأمنيات ... وآنا من البسطاء فأحمل الأمنيات الممكنة, بحجم الأمنيات التي يحملها البسطاء مثلي, التي أحاول أتمناها بحدود قدرتي على العمل لتحقيقها ...

أول ما خطر ببالي أن الأمنيات يمكن أن تكون زوال الهم والحزن و الكأبه والظلم ... و الإنسان العربي يعاني قهرين ... قهر الطائرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية ... وقهر الأنظمة العربية ... وهي أمنية يشترك الجميع فيها ...
في هذه الليلة, الكثيرون إشتركوا بأمنية التحرير ... حتى مظفر النواب كان يتمنى أن يعود اللحن عراقياً وان كان حزين ... وان يعود من منفاه ... وان يسقط القمع بداء القلب ... بمعنى سقوط الأنظمة الديكتاتورية التي هي الشق الأخر من القهر الذي يعانيه الإنسان العربي ... بشرط أن لا يكون بديل سقوطه احتلال كما في العراق ...

بالنسبة لي كنت اشترك مع النواب ومعهم بحلم التحرير الذي كاد يكون أمنيتنا الوحيدة ... لكن أمنية أخرى كانت تصاحب أمنياتي الليلية ... لقائي المفترض معها كان حلما شخصياً ... وأمنية خاصة بي وحدي ... فإن كان على سلم الأولويات في الأمنيات هو التخلص من الأنظمة الديكتاتورية القابعة على صدورنا بفضل خنوع الأغبياء وتبريرهم لهذا الدكتاتور وذاك كما يفعل بعض المتباكين على سقوط هذا الديكتاتور أو ذاك ... كانت أمنيتي تختلف عنهم بالتأكيد ... فقد كان لدي هم آخر هو تفسير النهى في لحظة التمني ...

كانت هي تتسلم الزمام في أن تكون على سلم أولوياتي ... فاللقاء المحتمل سيغدو أمنية قابلة للتحقق إن كانت فعلا أمنية مشتركة بيننا ...

هنالك مقولة تستذكرني لنابليون بنا برت, قال فيها : الظلم لا يصنع ثورة , لكن الشعور بالظلم هو الذي يفجر الثورة ... هذه الشعوب تفتقد للإحساس لذلك لن تشعر يوما أنها راقدة تجتر ظلمها ... إنها شعوب لا تملك العقل الذي وجب الدفاع عنه ... لذلك دوما أكرر العبارة القائلة : دافعوا عن عقولكم كما تدافعون عن حصون مدينتكم ... فإن كانت المدينة قد سقطت خلال ساعتين ... فكم سيستمر دفاعهم عن عقولهم ؟؟

أما أنا فلا زلت مصرا بالدفاع عن النهى والعقل في هذه اللحظة لأكثر من ساعتين متبقيتان لدخول العام ... ولن تسقط مدينتي خلال هاتين الساعتين ... ساخط للنهى قصيدتي الأخيرة هذا العام قبل أن يدق الجرس معلنا دخول العام الجديد ... وأدع من يبكي مجده التليد يكمل بكائه ... فالنهى أولى بالدفاع عنها لكي أستطيع الدفاع عن حصون مدينتي ....