أحدث المشاركات
صفحة 8 من 11 الأولىالأولى 1234567891011 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 104

الموضوع: قصّةُ إنسان ! تابعونا مع المفكر خليل حلاوجي

  1. #71
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة مشاهدة المشاركة


    يقول بروتون : يتصف الإنسان الجديد بالفراغ والعراء من كل شيء ، فقد الإديولوجيا والهوية ،الدين واللغة ، وكل ما يمت بصلة إلى الذات أصبح عار .. وشبيه بالبصل كونه لا يتوفر على لب ..


    ــــ ما تعليقك على هذه القولة ..؟
    الفرحان بوعزة .. وصوتٌ قادم من مدن الضياء والثراء ... كم أنا ممتن لقلبك لمثل هذا التساؤل الجوهري ..

    اعترف لك أني لم أقرأ ( بروتون ) ولربما هو ينتمي للمدرسة العدمية التي راجت في ثمانيات القرن السابق .. أقول : ربما .. وعلى أية حال ففلسفة مابعد الحداثة تناولت هذا الخواء وعالجت العدمية عن طريق تنبيه الإنسان إلى ( الغائية ) والمصير ...
    العدم وضع أمام الإنسان الغربي بضع أسئلة تخص غايته : أليست الأزمة الكبرى لأزماننا هي أزمة تناقض عميق للإنسان الذي دخل الحروب العالمية - الأولى والثانية - أليس درب الحياة الغربية مقفلًا و ليس أمام الأمس إلا الحروب والدم والعدم .. إنها أسئلة مرتبكة .. صار الإنسان حفارًا لقبره ، وجميع الملاحظات حول نقاء الدين وبهاء الشعر وروعة التصوير وروحانية الموسيقى هي ملاحظات غير مثمرة ، وهي ليست خطأً وما هي إلا لغطا عند أي إنسان يجهل مصيره الآخروي ... إنها الضريبة التي يدفعا الفكر الغربي جراء هوسُ إخضاع كل شيء للعقل .


    أقول :


    وحده الإيمان هو المخلص ... لا العقل وحده

    بل الإيمان العقلاني .. هو الخلاص .. لا إيمان الإساطير والخرافة ..

    ولو قرأ ( بروتون ) آية من كلام الله تعالى في قرآنه المجيد كما قرأها ( جفري لانع ) الذي قال بهد القراءة التي حررته من العدمية ...


    هذا القرآن : حررني وأوجدني وأدهشني وخلصني واختصرني وارشدني ...



    رباه غوثك ...
    الإنسان : موقف

  2. #72
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة مشاهدة المشاركة



    التقنية تهدد الإنسان في وجوده ، فالتكنولوجيا الرقمية عمقت التبعية للغرب ، فتواجدنا بين استبداد علمي واستبداد سياسي ..وإذا ما تعلقنا بالموروث سنسقط في غياهب التخلف والانحدار الحضاري .. سؤالي هو قديم وجديد في نفس الوقت ..
    ـــــ هل هناك مرتكزات نستطيع أن نمر بها إلى العالم الجديد مع الحفاظ على هويتنا الحضارية ..؟

    اٌقسم بالله العظيم أني كنت أتحدث مع أحد الباحثين الشباب من أصدقائي .. وهو طالب - دكتوراه - في علوم الحاسوب ..

    هذا الرجل يبحث آلية متجددة حول نظام ( الحوسبة السحابية ) ( CLOUD COMPUTING ) وهو تخصص دقيق ونادر ... هذا الشاب هو في الأصل حاصل على إجازة في القراءات القرآنية العشر بل وهو يؤجز الطلاب في المساجد ..

    الشاهد من القصة : هذا التدافع الحضاري ولنقل - التوافق - مابين التغالب التكنلوجي و الرؤية العقائدية .. نعم التكنولوجيا الرقمية عمقت التبعية للغرب ، ولكن التقنية لم ولن تهدد الإنسان في وجوده ... لأن التبعية للغرب ليست مرتهنة بالتقنية ..
    الاستبداد العولمي .. سياسي النزعة وبنفس الوقت سيكون تعلقنا بالموروث - بعد تنقيته - هو الملاذ والمواجهة لذلك الاستبداد ..


    المرتكزات التي تسألني عنها تبدأ من اعترافنا بموقعنا - حق الاعتراف - دون خجل ودون مبالغة .. وملاحظة ماهو متوفر وماهو يمنع لغاية التحرر من صور الإستعمار المتجددة ..


    أمامنا الكثير من المهام .. والكثير من الجهد .. والكثير من التضحيات ..


    وللحديث شجون .. ودموع .

  3. #73
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى حمزة مشاهدة المشاركة
    أخي الأكرم الأستاذ خليل
    حياك الله ولا فُضّ فوك ، وزادك الله ونفع بك
    أنا من أثلج قلبه وفكره بردّك الناظر من علِ على واقع أمتنا الفكري والاجتماعيّ .. الواقع المؤلم .. ولله الأمر
    المقولة التي شكّلت سؤالي لك هي فعلاً لصاحب الظلال - رحمه الله - لكنها لم تكن من كتاب ( في ظلال القرآن ) بل هي نصٌ مقتطف من إحدى خواطره
    الموسومة بـ ( أفراح الروح ) . وللأمانة التي أنت من حامليها وجب التنويه
    دمتَ بألف خير
    أسعد الله عمرك برضاه ... وغمرك بسكينته ..


    وفقك ربي ..

  4. #74
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن دراوشة مشاهدة المشاركة
    يقول الفيلسوف الفرنسيّ المسلم روجيه(رجاء) جارودي
    "المستقبل ليس ما سيكون لكن ما سنصنعه، التاريخ لم يكن أبدًا محتومًا؛ لأنّ الإنسان ليس جمادًا ولا حيوانًا، إنه ليس أسير إحدى الغرائز ولا عبدًا للقدر، ولا الطّفل المدلّل للعناية الإلهيّة، ولا دمية متحرّكة لأيّ حتميّة.يصنع الإنسان تاريخه الخاصّ، ما يفرّق الإنسان عن كلّ الكائنات الأخرى في الطّبيعة هو أنّه يبتكر المشروعات ويصنع المستقبل."
    _ما هو رأيك بهذه المقولة والرؤية؟

    قال تعالى { والله خلقكم وما تصنعون } ..
    مع هذه الآية وقع الفكر المنحرف في مطب تناقض (الجبرية / القدرية) بين رافض ومستسلم لأثر الحرية الإنسانية في صنع القرار ..

    السؤال القلق : إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يقرر مصيره ؟

    أقول سؤالًا قلقًا .. لأن حدود الحرية لم تزل مسألة غامضة في الفكر الإنساني فضلًا عن الإسلامي ..


    بالغ تقديري..

  5. #75
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن دراوشة مشاهدة المشاركة

    _هل تعتبر ربيع ثورات شعبنا العربيّ خطوة في بناء مصير الأمّة والإنسان العربيّ؟ وهل حقّا استطاعت هذه الثّورات أن تحقّق ما انطلقت لأجله؟
    الربيع الفكري / 1

    خليل حلاوجي


    من تونس استيقظ الوعي عند رجل مثقف ، رجل يبيع البطاطا .. يفجر – بأدوات بسيطة – ثورة ..رجل إنتظر مئات السنين لكي تفعل الثقافة فعلها السحري في أعماقه وأعماقنا ، عندما كنا نقرأ لغرامشي عن (الهيمنة الثقافية)لم نكن نعلم أن هذا التونسي المثقف صرخ..واستمع التاريخ صوت ثقافته المكبوتة. بائع الخضار هذا غلب كل خطباء الجامعات والمساجد واخرج الثقافة من سجنها وأنتفضت على الطاغوتية وعلى السلطان الذي ظل يتحكم في مصائرنا حين استعان بشياطين الرعب ورهبان الخوف .
    هل تصدقون أن مابين التمرد والسخرية والثورة خيط رفيع يفصل بين ثلاث عوالم. عندما تصاب الثقافة بالعمى ويصاب المثقفون بغبش الرؤية وخداع البصر ، عندما يستيقظ أهل الرأي في البلاد تبدأ الثورة ويصبح الأمر لمن يرى لا لمن يملك .. ويكون للكلام معنى واقعي لا معنى رمزي .. فمنذ مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه ونحن لم نعرف ولا نعرف كيف نحاكم حاكمنا(*) ، الحاكم الذي خدمناه في حين أن شريعتنا تأمره بأن يخدمنا .. فمن قلب المحاور ؟ وكسر البوصلة وأسكت أهل الرأي مئات السنين ؟ إن الوعي بــــ (الذات الواعية ) هي : القضية الأهم في الإسلام والتي من أجلها أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الكتاب والميزان. وستظل مسألة تحقيق الوعي عند الإنسان مسألة شائكة ، فلو عرضنا بعوضة على أربع أشخاص أحدهما مزارع والثاني طبيب والثالث حارس والرابع مفسر للقرآن : سنجد أن المزارع سيراها حشرة لاتهمه بقدر مايهمه الجراد ، أما الطبيب فسيشرع ناصحاً لنا مهدداً عن مخاطر لسعاتها وما يلبث أن يضعنا في محور تشريحي مفصل لنفهم مايقول.أما الحارس فالبعوض طالما سببت له الأرق والانفعال النفسي والهياج المزاجي . أما مفسر القرآن فيرى أن المعجزة تكمن في تأمل البعوض ومافوقها .. رابطاً بين النص والواقع ذاهباً بنا تارة إلى الكلمات وتارة إلى المستنقعات .. لاحظ أن المرئي وهي (البعوض) واحد وتعدد المتلقين للرؤية قد اختلفوا كل بحسب وعيه العقلي وتكوينه الفكري ، وهكذا في كل مسألة لايهمنا الموضوع - موضع البحث - بل يهمنا تعدد واختلاف وجهات النظر في أي موضوع .. فالوعي يأتي في المقام الأول على الدوام .. ومشكلات الأمة لا يراها الجاهل كما يراها العالم ، ولا يراها الظالم كما يراها المظلوم ، ولايراها النافع كما يراها المضر .. وعليه فتناول (مسألة الوعي) وأثره في تصحيح مساراتنا هو الشغل الشاغل للربيع الفكري ، فمن هو المثقف الواعي بواقعنا وبكل تحدياته لنعول عليه معالجاً لوعي لحظتنا الراهنة وبالتالي معالجاً لمعضلاتنا ..وأين هو المثقف الذي نريد ؟ في قاموس لسان العرب لإبن منظور : ثَقِفَ الرجل: صار حاذقا فطنا(1) ومعلوم إن كل ما يحققه الإنسان ماهو إلأ صورة لكل مايفكر به ، فالثقافة هي التي تعطي للتدين قيمته وأيضاً للسياسة أو التعليم أوالإقتصاد القيمة .. فالثقافة:مجموع أعراف الناس والطرق والنظم والتقاليد التي تميز جماعة أو أمة .أما المثقف فهو الشخص الذي حاز على درجة من الوعي بذاته أولاً وبما حوله ثانياً ، ومن خلال التأمل العقلي لهذين الشرطين سنجد أن المثقف الذي يعيش معنا اليوم يكابد أزمة في منهج التثقيف ، سنجده يقف حائراً ما بين تأويل النص ليوافق مفهوم العقل أو يفعل العكس ليرضخ عقله لتلقي النص . وهي معضلة لم تحسم بعد في ثقافتنا- المزوة- على حد تعبير الصادق النيهوم. فالكثير من الظواهر في الكون لم يدركها العقل بعد كما أن الكثير من آيات القرآن لم يتوصل إلى تأويلها بعد [ مثال ذلك أننا لم ندرك العقل نفسه وحدود الإرادة فيه ] .فالعقل البشري قادر على أن يدرك (النص والواقع ) فهو الوسيلة لذلك ، ولن نقدر على أن ننفيه ولا نطرده ولا نهمله فالعقل وحده يوصلنا إلى تلقي مراد الوحي وفهم آيات القرآن ، فالفهم والإدراك لما من شأنه أن يدرك مع التسليم بما هو خارج عن مجاله[ فللعقل حدود لا يتخطاها ]. ولكننا نتوقف عندما نفشل في جعله هو " الحكم" الأخير. وما دام النص مُحكماً، فالمدلول الصريح للنص من غير تأويل هو الحكم. وعلى العقل أن يتلقى مقرراته هو من مدلول هذا النص الصريح. ويقيم منهجه على أساسه . وهنا تتضح أهمية المثقف القرآني : وهو يواجه بيئة فكرية مشوشة تجمع بين النقيضين فهي من جهة في غيبوبة الفهم المسبق - السابق للعقل- ومن جهة ثانية بيئة ترسخ "السلبية" التي لا عمل معها للإنسان ولا أثر له في هذه الأرض ، وإحالة إرادة الإنسان إلى الإرادة الإلهية ... الغيبوبة هي أن يظل صوت الحق وناطقيه نيام في الكهف ، وهو ما لاترضاه الشريعة .الغيبوبة سببها أن لغة الواقع هي ليست لغة النص [ فالسياسي في النص خادم للناس بينما نراه جعلهم خدماً له في الواقع ، والجيش في النص هو جيش العقيدة بينما نراه جيشاً للقائد ، وزكاة المال موظفة لخدمة الفقراء بينما نرى الفقير نفسه من يدفع الزكاة لا من يأخذها ، وجاء الإسلام لينشئ أمة، يسلمها قيادة البشرية بينما نرى الأمة مقادة لتشريعات مجلس الأمن الظالم وصندوق النقد المتجبر ] أما السلبية فسببها غياب التفكير الحسي حينما اختصر "التفكير الإسلامي" واقع الناس بالحياة الآخرة مهتماً بالجنة متغافلاً عن الجحيم الذي يعيشه الإنسان كل يوم ، فالسلبية تجاه تحديات حياة المسلمين سببه إغفال واقعية مايحصل لنا كوننا كل يوم ندخل الجحيم [ حجيم الطغاة والبغاة والقساة من مستعمري أرضنا وقلوبنا وغدنا وأحلامنا ] ثم الإصرار على إغفال أن الحكم الشرعي لم يريده الله لنا ثابتاً بل هو متغير تبعاً للمواقف بتغير ( الزمان والمكان والأحوال والأشخاص ...) حسب ما أقره علماء أصول الفقه، وبالتالي فهي شريعة تعتمد المذهب التجريبي قبل المذهب الوضعي! وهكذا اضطر الفكر إلى إبراز الذاتية الإنسانية، واضطر معه إلى تأويل بعض النصوص القرآنية تأويلاً تأباه طبيعة النص وانحصر مراد الشارع - وهو هنا الله تعالى - بمراد الفقيه الذي لم ينشغل بمتابعة غيبوبة الناس وسلبياتهم ، فالفقيه وهو يقود الحياة ربط التصور الإسلامي وجعله يرتكز على لحظة الموت والحساب الآخروي فحسب. رغم أن الثابت في الموت أنه ليس نهاية للتجربة الإنسانية . ولا حتى القيامة. فالتجربة والنمو في الذات الإنسانية مستمران أيضاً بعد الجنة والنار ( وهذا هو معنى الخلود). فالدنيا دار ابتلاء أي عمل وسعي وتجديد واستثمار، والآخرة دار حساب و عدل وجزاء الظالمين وجزاء للمظلومين . ففرصة العمل متوقفة في الآخرة كما أن الجزاء لايستكمل في الدنيا ..
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
    الربيع الفكري /2

    خليل حلاوجي

    استوقفتني لمحة من التاريخ الإنجليزي وأنا أقرأ عن الملك (جيمس الأول) حين أصدر مرسوما يقول بأنه (الملك) يستطيع أن يحكم البلاد مطلق العنان ، كما أن من حقه إصدار أحكام دون أن تخضع للمرافعة أو الاستئناف في المحاكم. وكان رئيس القضاة حينذاك هو القاضي الشهير (اللورد كوك)Coke وكان شديد التمسك بالدين حتى اعتاد أن يقضي ربع يومه في الكنيسة فذهب اللورد كوك ليقول للملك (ليس من حقك أن تحكم في أي شئ ولابد لجميع القضايا أن تذهب إلي المحكمة للنظر فيها.)فقال له الملك: (إنني أرى أن القوانين قد وضعت علي أساس العقل ، فهل أنا أقل من قضاتك عقلا؟ .فأجابه رئيس القضاة: (أنه ما لا شك فيه أنكم تتمتعون بعلم وكفاءة مثاليين ، ولكن القانون يتطلب تجربة طويلة ودراسة عميقة. وفوق ذلك هو الميزان الذهبي الذي يزن حقوق الرعية ؛ وهو الذي يصون شخصيتهم.)فغضب الملك بشدة وقال : (هل أنا أيضا أخضع للقانون ؟ إن هذا المقال بمثابة تمرد وخيانة!)
    فما كان جواب (اللورد كوك)(1) أن ذكر الملك برأي (براكتون)Bracton الذي قال : (إن الملك لا يخضع لأحد من الناس ؛ ولكنه خاضع لله وللقانون ) وهنا-لو جردنا القانون من (الله) فلن نجد أساسا معقولا للقول بأن : ( الملك خاضع للقانون)- لأن الذين صاغوا القانون ، وأصدروه بإرادتهم يستطيعون-في الوقت نفسه- تعديله وتغييره إذا ما أرادوا ذلك ، فكيف إذن سيخضعون لذلك القانون ؟ ) . .إن الإنسان إذا كان هو المشرع ، فهل يحل محل القانون والإله معا ، وحينئذ يستحيل احتواؤه داخل دائرة القانون ، بأي صورة من الصور.لقد أدي هذا العيب في القوانين الحديثة إلى الانتباه لخطورة هذا المنزلق مابين الشرائع السماوية المقدسة ومابين من يحتكرون ذلك من رجال الحكم والسياسة على مر أحقاب التاريخ . حتى تنبه لذلك مؤسسي الجمهوريات التي تقر مبدأ المساواة المدنية وأن هذه المساواة لا تنفذ فعلا في أية دولة .فلو أنك كنت تريد أن تحاكم رئيس جمهورية أي بلد عربي اليوم ، أو أحد حكام الولايات الأميركية ، فهل تستطيع ذلك ؟ كما تستطيع أن تحاكم أي مواطن عادي ، وللجواب نقول : لابد لك من الحصول علي موافقة الدولة. قبل الذهاب إلي المحكمة العربية ، فقد أضفي الدستور العربي في مواده على أن رئيس الجمهورية ونائبه لهم حصانة وهالة وامتيازا ، بحيث لا تمكن محاكمتهم إلا بعد موافقة البرلمان المركزي. وكذلك لابد من الحصول علي موافقة الحكومة لمحاكمة الوزراء!والأمر لا يقف بنا عند هذا الحد ، وحتى لو أن دستور دولنا العربية ساوى مافي دستور الولايات الأميركية ... فالأمر على أرض الواقع لن يتساوى إطلاقاً !!!
    وبكلمة أخرى : لو أراد مفجر الثورة التونسية أن يحاكم رئيسه زين العابدين أو أي سياسي كبير بدل أن يحرق نفسه ، لكان عليه أن يسأل هؤلاء بأنفسهم : (هل تبيحون لنا محاكمتكم؟؟؟ ) !فهل مايجري عندنا منشؤه هو : عيب الدستور في بلداننا ، أم هو عيب القانون البشري بعامة ، وهو عيب موجود كما يروج البعض عند كل الدساتير الوضعية.؟ إن نظرة واحدة لكتب الشريعة الإسلامية سترينا أن ليس من الممكن أن يتحقق العدل الكامل إلا في ظل القانون الإلهي ، حيث يكون كل إنسان مساويا للآخرين أمام الدستور, وحيث تمكن مقاضاة أية سلطة سياسية وتنفيذية ، كما يحاكم ابن الشعب ، لأن الحاكم في هذا القانون هو (الله) سبحانه وحده ، والمحكومون هم سائر أفراد المجتمع دون أدني تمييز. فأين الخلل إذن ؟ هل هو في اغفال الناس لما هو مسطور في كتبنا الشرعية أم في كسل الناس عن تطبيق مافي شريعتنا أم في الخوف من طرح هذه الأفكار القرآنية المجيدة التي تحد من صلاحيات الحاكم الظالم؟؟ وأين هو المثقف الذي لم ينبه جمهوره عن فضائل الشريعة في هذه الصلاحيات الجوهرية؟
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    للمزيد : أنظر كتاب : الإسلام يتحدى / وحيد الدين خان



    الربيع الفكري / 3

    خليل حلاوجي

    الشعب كله يعمل من أجل بناء المستقبل . والحاكم أوجدته الحياة ليدير شؤون الناس بالعدل والميزان .وعندما شاهد بائع البطاطا التونسي أن هذه المعادلة معكوسة في بلادنا العربية أحرق جسده . فأدهش العالم كله .. فكيف فكر في ذلك ؟
    ثمة رغبة إنسانية متعطشة في إثبات الوجود وفهم الذات بالعمل وإعمار الكون عبر التجربة بشقيها : الروحي والمادي ، وتبقى التجربة الروحية هي الأهم لأنها تعطي للذات تذوق حقيقة وجودنا بالتالي تحفز الحركة الحية والنمو الفكري والفهم المتوثب والمتجدد والمتحرك في إطار تلك التجربة الروحية ضمن مقاصد الشريعة وتنظيمها لحياتنا. إنها تملك لغة خاصة بها هي ( لغة الإيمان) التي تقف بين لغتين هما ( لغة العلم ولغة الخرافة )لغة الإيمان تؤمن بالغيبيات المتعلقة بتصور الله ومفاهيم النبوة والمعاد في حين تعجز لغة العلم عن ذلك . ولغة الإيمان توضح كيف يتسنى لنا أن تؤمن بالسحر أو الروح ثم تفضح ادعاء لغة الخرافة لهما.. فهل سحرنا الحاكم لنخدمه جميعنا ونحن ساكتون ؟ إن الاندفاع والحماس لمقاومة انحراف معين يبدأ من معرفة آلية عمل هذا الانحراف وكيف يفعل هذا الانحراف فعله في واقعنا وكيف تسنى له البقاء والديمومة ، وكيف ينشئ الانحراف انحرافاً آخر. وهنا تبرز أهمية ( الوعي بالذات ) فمعه تعرض حقائق الواقع وحقائق التصور الإسلامي في بنية تكاملية شاملة ، وتناسق منهجي..حين نمارس التفكير فإننا في الحقيقة نستخدم عدداً من العناصر البالغة التعقيد, مثل مبادئنا العقلية وثقافتنا العامة,والعادات النفسية والفكرية وما يتاح لنا من معلومات متعلقة بموضوع التفكير, ولا نستطيع أن نستخدم كل ذلك في فراغ , فهناك ضغوط الواقع التي تحدد تفكيرنا,وتؤثر فيه بنسب متفاوتة . جميعنا يقول أن الدين به الثابت والمتغير، وأنه لابد من التفرقة بين القطعيات والظنيات، والأصول والفروع، والأهداف والوسائل.. ولكن أغلبنا غير متفق على تحديد ( الإسم للمسمى ) فالقطعيات والأصول أهداف ثابتة ولا مجال للتجديد فيها أما الظنيات والفروع والوسائل فهذه تحظى بمساحة كبيرة من المرونة وقابلية الاجتهاد البشري، فهل نعد مفهوم العفاف ونحن نناقش مسألة الحجاب مثلاً أو الولاء للحاكم ونحن ندرك أنه الظالم حين لا يتسنى لنا البراءة منه نعدهما كقضيتين من الأصول أم من الفروع ؟؟؟
    إن الذي أكسب ديننا واقعيته وصلاحيته لكل زمان ومكان، ذلك أن النصوص متناهية، والأحداث والوقائع والقضايا غير متناهية، ولكن الاجتهاد والتجديد الذي يستدعي الحلول الشرعية المناسبة لأحداث عصرنا يعترضه التفريق بين ماهو قطعي(الدلالة أو الثبوت) عن الظني فيهما ..إن محاكاة حوادث الماضي المطلقة هي غير محاكاة النص فلا تقديس للتراث بكل أشكاله ولا أعني بالتراث القرآن والسنة فهما التراث المقدس ، بل أعني إعمال العقل في كل تفسير يفصل الواقع عن النص ويعطل البحث والتمحيص.. وكل تفسير يتيح لنا الانتفاع والاستئناس بالنص لخدمة الواقعة . فكيف نجعل ( الوعي بالذات ) يستعيد قيمته فوق أرضنا الحزينة ؟هذا ما سنعرضه في الحلقة التالية.

    الربيع الفكري /4

    خليل حلاوجي

    جميعنا يدرك إن (الوعي بالذات) يعاني أضطراباً وتشوهاً - على المستوى الفردي – ونتلمس كل يوم جوانب من صور التشوهات ، ثم ما نلبث أن نتلذذ الغيبوبة والعودة إلى تفسير الواقع بلغة الحذر من الفتن مع أن القرآن يحذرنا من كيد الإنسان ووقوعه تحت سلطة الهوى والقرآن يستعرض الأمراض الإنسانية خذ مثلاً :
    1- الكذب على الذات : حين نقرأ في الوصف القرآني شديد الوضوح ، قال تعالى {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ}الأنعام24،فثمة فصام في بعض أطر الشخصية الإسلامية اليوم ونحن نعيش ونعاني منه مجتمعاتنا حيث تتفكك الروابط في الواقع ويستعاض عنها بالروابط اللفظية والشعارات الموهمة[مثال ذلك : طرح شعار وحدة الأمة ونحن نشهد التفكك على مستوى الأسرة الواحدة ، وطرح شعار السلام هو الحل في حين أن المسلمين في حالة حرب مع أنفسهم].إن غياب المعيار العلمي في تصنيف المواقف الحياتية جعل التخمين ورسم الحلم في الفراغ بديلاً عن استقصاء الواقع ومصارحة الذات بحقيقة الموقف الذي نحن فيه ،[ مثال ذلك : بدل أن نتابع الموقف الثقافي والاقتصادي للمرأة وهو واقع متأزم اليوم إنشغلت الأمة بترويج متون ثقافية تحكي صورة المرأة في التاريخ الإسلامي ، وهكذا فقد واقع المرأة البصمة التصحيحية للشريعة المحررة للمرأة من ظلم الوأد والتجاهل والتهميش وفي الوقت عينه فقد القصص التراثي دوره التوعوي أمام ضغط مشكلات انفجارية من نوع العنوسة وحرمان الأرث والزواج المتعدد وزواج المسيار والطلاق القسري]. فكيف نستفيق من ظاهرة الكذب على الذات ؟ هل نلجأ إلى تفسير النص لينطبق على الواقع ؟ أم نلجأ إلى تفسير الواقع ليفسر النص ؟ هل نعزو السهر والحمى(2) التي أصابت وتصيب بلادنا وإنساننا إلى انقطاع التواد والتراحم، أم نقلب المحاور ونكسر البوصلة كما نفعل كل يوم؟ أجاب عن كل ذلك بائع البطاطا التونسي.

    2- تهميش الجوهر على حساب المظهر : زيارة واحدة للمساجد تجعلنا على يقين أن التكاليف الشرعية لم تعد فردية وأن ظاهرة التدين تتنامى مبشرة بالخير والاطمئنان ، ولكن زيارة واحدة إلى المحاكم سترينا التحول القيمي لطبيعة مشكلاتنا الحياتية ، فالناس تجتمع في الجمع والجماعات والحج ومن المفترض أن تعطي هذه المظاهر تحفيزاً لتبني القيم الأخلاقية الشرعية ومجابهة الشذوذ فيها ، ولكن الواقع يقول أن معيار [التنافس] طغى على معيار [التعاون]شاهد معي مظاهر التدين المنحصرة بالمبالغة ؛ فاللحية والحجاب والترداد على المساجد حالات لاتعكس حالات القطيعة في الرحم ولا حالات تنامي الرشوة وفقدان معيار الجودة في إنجاز العمل والميل إلى الطبيعة الاستهلاكية ، لقد أصبح شعار المسلم الواقعي : (أنا ومن بعدي الطوفان) وإن ظمئت فلا نزل القطر .. سواء فقه آثار رفع هذا الشعار أم تغافل عن كونه يحمله وكما قال الشاعر :
    الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إِذا جُبروا والشَّرُّ في الناسِ لا يفنى وإِن قُبِروا
    وأكثرُ الناسِ آلاتٌ تحرِّكها ... أصابعُ الدهر يوماً ثم تنكسرُ
    وآلات اليوم هي المنافع التي يحج إليها إنساننا المقهور الساعي لإرضاء مطالب الحياة وتفاصيل المعيشة التي غدت صعبة جعلت استاذنا الدكتور عبد الكريم بكار يعنون كتابه بـ ( زماننا والعيش الصعب فيه ).

    3- الفردية : المجتمع المسلم اليوم يفتقر إلى الفكر الموحد وبالتالي تخلو الثقافة من رؤى العمل المشترك والعمل المترابط ، وهي ثقافة تدرك الواقع دون أي تفاعل حقيقي معه ، فثقافة النخبة لا تحسن الاتفاق على القيم المادية وعلاقتها بالقيم المعنوية في الخطاب الشرعي[ انظر إلى اضطراب الفتاوى في مشكلات الربا مثلاً وكيف يستفتي الناس عن شراء السيارات اليوم هل هي ربوية محرمة أم أنها مشروعة]. والثقافة الشرعية كما يفهمها بسطاء الناس وهم جمهور المتلقين تلجأ للتعبيرات اللفظية كبديل للتغييرات المعاشية[انظر تعلق الغالبية ببرامج تلفازية عن تفسير الأحلام كونها محرك حياتي يعول عليه وبالمقابل انظر تعلق الغالبية بنظرية المؤامرة كونها دعوة للرضوخ بفواجع الواقع وآلامه] وهكذا أصبحت الفردية ملائمة تماماً للهوية الثقافية التي يتبناها المسلم اليوم وفي الفردية دعوة مبطنة للهرب إلى الفرص الضائعة والتشدق بالأمجاد ، إنها ثقافة تتبرأ من حامليها وكما قال الشاعر :
    ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
    ومن أجل كل ماسبق ولان اليد الفارغة تسارع إلى الشر والقلب الفارغ يسارع إلى الإثم. ولأن مشكلتنا في حقيقتها :[ ثقافية] فإن الحل لابد أن ينطلق من الثقافة ذاتها .. فما هي الثقافة المجدية ؟
    هذا ما سنعرضه في الحلقة التالية.
    الربيع الفكري / 5

    خليل حلاوجي

    ما هي الثقافة ؟ أقول : بصرف النظر عن مستويات الدراسة التي ينجزها المسلم. وبرغم أن هناك مائة وخمسين تعريفا للثقافة ، يؤكد على أنها: مجموع العادات والسلوك الديني والسياسي والفنون والعلوم إذا تميز بها مجتمع عن مجتمع آخر. ويميز بعض الباحثين بين ثقافة مادية تشمل الأدوات والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا من (سيارات ، جسور ، مستشفيات..) وثقافة غير مادية تشمل القيم والتقاليد والتنظيم الاجتماعي ( التدين، التسامح ، قبول الآخر ، الثارات ..) وتنطوي الثقافة على اكتساب وسائل اتصال ( اللغة، المطالعات ، الكتابات ، الفضائيات ) وأدوات عمل معينة ، تؤائم الأفكار والأعمال مثل (المدارس والمكتبات والمساجد ..) وهكذا تشمل الثقافة على زاد ضخم من المعرفة والاعتقاد، وعلى منظومة من القيم ، وعلى توجه ميول خاص ملازم ( حب الله ، التوافق الاجتماعي ..)ومن خصوصيات الثقافة الإسلامية أنها تستمد وجودها من الخالق جل وعلا من خلال تشريع سماوي لم يقتصر على العبادات وإنما تكفل بتوجيه السلوك الإنساني في المعاملات والعادات ونمط الحياة على مستوى الفرد والمجتمع وهنا يجب أن نفرق بين المسلم المثقف وثقافته الإسلامية فقد نجد طبيباً يمارس الشعائر الإسلامية من صلاة وصوم وحج لكنه في الوقت ذاته لا يعرف شيئاً عن مفاهيم قرآنية أساسية مثل التوحيد بمعناه الاجتماعي أو أنه لا يعرف شيئاً عن نظرية المقاصد الشرعية . وبالمقابل قد نجد مسلماً أمياً لا يقرأ ولا يكتب لكنه يدرك الكثير من المفاهيم والمقاصد القرآنية ويدرك روح الدين الإسلامي ويدرك مراد الله ورسوله فأي الفريقين نستطيع أن نطلق عليه أنه مثل هذا هو المثقف المجدي ؟.وهنا سنتوقف عند مفهوم (الفاعلية الثقافية) لنسلط الضوء من خلاله على معضلات الخطاب الثقيفي من داخل المنظومة الاسلامية.ونتابع قدرة الثقافة على توفير حياة كريمة للمجتمع المثقف ، ولتكون فاعلة في حياتنا لابد أن من تكوين شريحة في المجتمع قادرة على التخلّي عن بعض ما تملك، وتبذل شيئاً من جهدها ووقتها في سبيل تحقيق الخير لباقي الناس . وهذه الشريحة عليها أن تتحمل أعباء التزام العدل وأقصد بالعدل محورين إثنين 1- أن نعطي الآخرين حقوقهم كاملة . 2- أن نطالب الآخرين بحقوقنا كاملة. وهما هدفان متلازمان يصعب التنازل عن أحدهما للحصول على الآخر فعدالة بلاقوة وقوة بلا عدالة مصيبتان موجعتان . فما فائدة توفير نظام قضائي عادل يتولى إصدار الأحكام بنزاهة وشرف. ولا يتم تنفيذ إرادة هذا القضاء ، وما فائدة تنفيذ إرادة القضاء إذا كان الحكم فاسداً غير منصف . فلابد إذن من تفعيل تلك الثنائية ، ومثل هذا التوجه سيجعل الثقافة تحمل طابع الجدّية وتجعلنا نتخلص من الكثير من المشكلات بطريقة عملية ، وتجعلنا نعمل كثيراً ونتكلم قليلاً والجميع يشعر أننا نسير إلى الجنة ونحن فوق الأرض جنة العدل الشرعي وجنة دولة القسط وجنة موازنة الحقوق والواجبات .
    والسؤال الآن : لماذا لم نشعر بالفاعلية الثقافية في مجتمعاتنا ؟ وللإجابة نستعين برأي د.علي الوردي وهو يقول: (إن الإنسان يخضع في حياته الاجتماعية لتنويم يشبه من بعض الوجوه التنويم المغناطيسي وهو ما يمكن أن نسميه بـ(التنويم الاجتماعي ). فالمجتمع يسلط على الإنسان منذ طفولته الباكرة إيحاءاً مكررا في مختلف شؤون العقائد والقيم والاعتبارات الاجتماعية. وهو بذلك يضع تفكير الإنسان في قوالب معينة يصعب الخروج منها. هذا هو الذي يجعل الإنسان الذي نشأ في بيئة معينة ينطبع تفكيره غالباً بما في تلك البيئة من عقائد دينية وميول سياسية واتجاهات عاطفية وما أشبه. فهو يظن أنَّهُ اتخذ تلك العقائد والميول بإرادته واختياره ولا يدري أنَّهُ في الحقيقة صنيعة بيئته الاجتماعية. ولو أنَّهُ نشأ في بيئة أخرى لكان تفكيره على نمط آخر)(3) إن مظاهر تخلف بعض مظاهر الثقافة الإسلامية ( جامعاتنا اليوم في الربع الأخير ضمن جامعات العالم ) هو تخلف نتج عن تخلف المثقف المسلم ، ورغم أن الإسلام لا يعرف الشيخوخة أبداً فهو رسالة السماء لأهل الأرض حيثما كانوا ومهما دانوا ، والإسلام المتجدد سيبقى كالشمس تعطي للحياة نورها. وسيظل الرسول في الأرض سراجاً منيراً،قال تعالى{وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } الأحزاب46 ولكن المسلمين هم الذين شاخوا وضعفوا فلم نعد نرى سعة في العلم ولا ابتكاراً في التفكير ولا تنمية في الإنتاج ولا توثب في الدعوة ولا مصداقية للشباب المثقف ولا استراتيجية للتأثير على عقليته ورسم غده المرتجى..وقالها : الشاعر محمد الفراتي :
    إِن النجومَ الزهرَ في غسقِ الدجا ... يا غِرُّ لاتغني عن المصباحِ
    وعليه فإن [ الجهل بالواقع ] يكون مركباً إذا غفل العقلاء عن الاعتراف به وبأخطاره ، و عندما تخلى المثقف عن فهم واقعه كمثقف فقدت الثقافة الإسلامية فاعليتها ، لقد ارتضى هذا المثقف بالهرولة خلف جمهوره بدل أن يقود هذا المثقف جماهيره نحو تغيير الواقع بكل تحدياته، ومارس خطابه الانشغال بانجازات السلف وتغافل عن تحصيل المكاسب التي سيوفرها التثقيف الشرعي [ واقتصار الثقافة على ترويج فضائل الشعائر وألحق المعاملات كتبع لها ] وهذا الأسلوب مارسه المثقف كنوع من الهروب عن وظيفته في إصلاح حياة معقدة للغاية. وهذا ماعاتب به القرآن رسول الله محمد {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ..}المائدة67 يقول الجصاص [فيه أمر للنبي ص - بتبليغ الناس جميعا وما أرسله به إليهم من كتابه وأحكامه وأن لا يكتم منه شيئا خوفا من أحد ولا مداراة له وأخبر أنه إن ترك تبليغ شيء منه فهو كمن لم يبلغ شيئا بقوله تعالى وإن لم تفعل فما بلغت رسالته فلا يستحق منزلة الأنبياء القائمين بأداء الرسالة وتبليغ الأحكام ](4)وبالقياس نرى أن المثقف الذي استمرأ النوم الفكري لم يبلغ رسالته ولن يعصمه التاريخ ، فماهي أمراض التثقيف وما أنماط المثقفين ؟ هذا ماسنراه في حلقة تالية.
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
    (2) :في الحديث الشريف عن النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر ) قال الألباني حديث ( صحيح )
    (3): لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، الدكتور علي الوردي، مطبعة الإرشاد - بغداد- 1969
    (4)أحكام القرآن : أحمد بن علي الرازي الجصاص أبو بكر : دار إحياء التراث العربي - بيروت ،تحقيق : محمد الصادق قمحاوي ج 4 : ص 116

  6. #76
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن دراوشة مشاهدة المشاركة


    ما هي الخطوات التي علينا كأمّهات وآباء اتّخاذها في تغيير نهج التّربية والتّنشأة لأجيالنا القادمة لكي ينشأ الجيل الذي سيحدث الفارق ويحرز التّغيير في مصير الأمّة؟


    لن يظهر جيل النهضة إلا من أصلابنا نحن .. جيل تخلص من رواسب الزمان والمكان وتأثيراتها على الممارسة اليومية لتفاصيل حياتنا .. وهو أمر مرهون بتغيير طرق التربية والتعليم في مجتمعنا ، فنجعل ( فهم الذات ) بدل ( إخضاع الذات ) وهدف التربية تطوير قدرة الطفل على التفكير الحر والتفكير الإبداعي وتوافقه مع القيم السائدة والمألوفة إلى الدرجة التي يصل بها حدًا ينقد حالة الفصام بين تلك القيم وبين واقعه اليومي ... نعلمه الإعتراض المنضبط ونعلمه كيف يطالب بحقوقه من أي مسؤول عنه سواء أكان أبًا أو معلمًا أو صديقًا وما سواهم.
    جيل يختلف عن سابقيه ، جيل قادر على التكيف مع محيطه المتجدد رغم كل ما يعتريه من تحديات ومتغيرات سريعة ، وذلك بتنمية [ روح المبادرة ]
    وهذه بعض النقاط كخارطة عمل ..
    1- الاهتمام بتربية الطفل من سن يومه الأول إلى السنة الثالثة .. والبدء بتأسيس مؤسسات ترعاها الدولة في هذا الخصوص وهو أمر تفتقر إليه بلداننا ..
    2- تدريس الذين يتزوجون متون برامج توعوية بطرق التربية كون ذلك هو ( علم ٌ له اصوله وضوابطه )
    3- الاهتمام بمشاكل الشباب بشكل واقعي وحيوي
    4- التنسيق مع وسائل الإعلام
    5- التأكيد لتأشير أي ممارسة سلبية بصورة علنية بغرض علاج هذا الخلل ..
    /
    /
    أول مهمة للآباء ... توفير ( التقدير الذاتي ) للأبناء .. فحين يشعر الإبن أنه متخم بالرعاية التطبيقية كونه عضو فاعل في المجتمع وليس عالةً على ألاخرين .

    /

    بالغ تقديري ... لحضوركم الثري ... وممتن لهذا الرقي أستاذة فاتن .

  7. #77
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    أغرف من هذا الثراء .............. خليل
    لي عودة للنبع الثري
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  8. #78
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساعد بولعواد مشاهدة المشاركة
    -1- لم ينظر إلى الأدب الإسلامي نظرة احتقار ولا مبالاة ،أو انصراف عنه لدى كثير من الأدباء.......؟
    أخي المبدع ...

    لم أجد هذه النظرة - الاحتقار واللامبالة - عند أحد ... ولا علم لي بهكذا تصور !!

    أما مسألة الانصراف : فلأن الأدب اليوم يميل إلى إمتاع ومؤانسة المتلقي ، وبعض فنون الأدب الإسلامي لا تتوافق وهذه الغاية ...

    والله تعالى أعلم وأحكم ...


    تقبل بالغ تقديري ..

  9. #79
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    كانت الأسئلة ثرية حد الدهشة واطمح أن نتواصل في مديات أوسع وفتح باب التساؤل في قضايانا المصيرية التي وجدتث هنا بعضًا منها في أسئلتكم النبيلة ... وإنه لمن دواعي افتخاري وسروري أن نكمل ما بدأناه ... حول الفكر والسياسة والأدب والنهضة ..

    أشكر كل الذين دخلوا هنا ... مرحبين بهذا اللقاء

    أشكر كل الذين دخلوا هنا ... منصتين لتفاصيل الكلمات التي ترسم غدنا .. وتحررنا .

    أشكر كل الذين دخلوا هنا ... مرتقبين ومراقبين ... ممن يحملون همّ هذه الأمة الإسلامية والإنسانية ..

    أشكرهم بشكل شخصي ولا يسعني أن أردد اسمائهم .. فالأسماء وأصحابها : في القلب ..

    أشكر كل الذين آمنوا برسالة الواحة ... وانتظر المزيد ... ولن اتخلى عن ( إعادة صياغة الثقافة ) معكم احبتي وأساتذتي الكرام ..

    ومعًا .. سنكدح إلى الله كدحًا ... ومعًا : سنلاقيه برضاه وطاعته ..

    لن أشبع من اسئلتكم ... حتى تقوم قيامة عمري الفاني .. بينكم ...

    أنا مرآتكم .. وأنا كثير بكم ..

    والله شهيد ..

  10. #80
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    بل نحنُ من يجب أن نشكرك على عطاءك وبذل وقتك وجهدك وصدرك الرحب لتحمل أسئلة الجميع والإجابة الشافية التي تروي عطش المتلقي
    حقيقة كان لدي أسئلة وترددتُ في طرحها خشية الإثقال عليك
    من اسئلتي ..
    1- لماذا يردد العلمانيون الدين لله والوطن للجميع ؟
    2- الدولة الأموية ماسبب تزعزعها وشتاتها هل هي حقًّا تنادي بالعروبة وتنبذ المسلمين من الفرس ولاتوليهم مناصب لأنهم لايرجعون من اصل العرب ؟
    3- مالسبب الحقيقي في قيام ثورة العباسيين للتخلص من بني أمية ؟
    4- أبرز مافي الدعوة الإسلامية بناء الرجال وتعويدهم على الصبر والصمود والجلد وعزلهم عن مجتمع الجاهلية وصياغتهم صياغة جديدة فكرًا وقلبًا وقالبًا وروحًا وجسدًا فهل تذكر لي شخصيات تغيرت كليا بعد الإسلام واثرت قصة حياتها فيك ؟
    5- الرسول محمد صى الله عليه وسلم هو الرجل الوحيد الذي سجله التاريخ بأنه صاحب رسالة وباني أمة ومؤسس دولة , والرسل قبله ألم يكونوا كذلك ؟؟
    6- ككاتبة كيف أجعل من قلمي مساهما في نهضة المجتمع وإنارة الفكر وإقناع العقول ؟؟

صفحة 8 من 11 الأولىالأولى 1234567891011 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قصة خليل حلاوجي "حلم "
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-03-2016, 01:04 PM
  2. قراءة في قصة خليل حلاوجي "حلم "
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-06-2015, 06:30 PM
  3. تشرنقٌ ـ ولحظة مخاض برسم القدر ! ( لعودتك خليل حلاوجي )
    بواسطة شموخ الحرف في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 21-05-2015, 10:31 AM
  4. وحدة المسلمين السياسية(اهداء للاخ خليل حلاوجي)
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-07-2008, 09:38 AM
  5. إذاعة رمضانية شبه يومية .. تابعونا
    بواسطة الضبابية في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 49
    آخر مشاركة: 23-11-2003, 10:01 PM