كنتُ أتابع فعاليات برنامج " أمير الشعراء " ذى الابهار والكلفة المُغوية ، مع شعور بالفخر واحساس فطرى بالاطمئنان وأنا أرى أداء الدكتور صلاح فضل فى تحليله ونقده المتعمق للقصائد ، وتلك نزعة انسانية لا عنصرية فيها ؛ فالمصرى يسعد بتألق المصرى فى أى محفل حتى لو كان مختلفاً معه فى الفكر ، وطالما تمنيتُ تحرر الفن والابداع المصرى من قيوده لينافس عالمياً ويرتقى المكانة التى يستحق .
جاءتنا مكالمة الشاعر " المصرى " ياسر أنور ونحن فى فندق بمحافظة أسيوط نجهز – أنا وصديقى الأستاذ سمير العركى - للكلمات التى سنلقيها فى احتفالية ينظمها حزب البناء والتنمية " ذى المرجعية الاسلامية " لتكريم كبار نقاد ومبدعى أسيوط من كافة الانتماءات والتيارات .
أعطانى أخى العركى التليفون فجاءنى من الطرف الآخر صوت الشاعر ياسر أنور مجروحاً مُحملاً بالعتب والغضب مما فعله الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل عندما تعمد استبعاده والشاعر أحمد حسن من مسابقة " أمير الشعراء " بسبب تسريبات عن انتمائهما الاسلامى !! وكنت أتمنى سماع وجهة نظر الدكتور فضل فى القضية وروايته للقصة الا أن هذا لم يحدث ولم أقف الى الآن على تصريح له بهذا الشأن .
وتكاد تكون المفارقة مَحْبوكة جداً هنا ، فقد كنت لتوى ألمْلِم عناصرَ محاضرة تجمع ولا تفرق وتجعلنا نقف جميعاً على أرضية مشتركة نسعى لهدف مشترك ؛ فلا فرق بين من ينتمى الى التيار الاسلامى أو الى حزب سياسى بعينه وبين آخر ما دمنا جميعاً نناضل فى مواجهة الاستكبار فى الأرض ونتحدث باسم المستضعفين والمقهورين ونلتصق بقضايا البسطاء والمحرومين ونعبر عنها .
وقلت فى الاحتفالية التى كرمنا فيها مبدعين وأدباء من تيارات وانتماءات شتى ؛ أن المبدع الملتزم ليس بالضرورة منتمياً للحركة الاسلامية ؛ لقناعتى بأن هناك ملتزمون بقضايانا الكبرى من خارج الأطر التنظيمية ، وطالما قلتُ ان أمل دنقل " اليسارى " هو شاعرى فى " لا تصالح " ، ونزار- بنزقه الأنثوى - هو شاعرى فى " يا تلاميذ غزة علمونا " ومحمود درويش هو شاعرى فى " أيها العابرون فى الكلمات العابرة " .. الخ ، وليقينى بأن هذا السلوك مستمد من المنهج الاسلامى الأصيل ؛ فالرسول استزاد من شعر أمية بن الصلت لأنه يًُعبر عن قيم ومثل عليا اسلامية بالرغم من أنه كافر ، واحتفى المسلمون بشعر الصعاليك – وخاصة شعر عروة بن الورد – ليس فقط لعذوبته انما لخلوه من الفحش والتبذل ودفاعه عن حقوق الفقراء ، بالرغم من أن الصعاليك هم حركة تحررية ظهرت فى الجاهلية قبل الاسلام .
فرحنا بأداء الدكتور فضل خارج مصر ، فقط لأنه مصرى مبدع ، وكذلك بتفوق هشام الجخ فى المسابقة وقبله الشاعر تميم البرغوثى ، وفرحنا بكل مبدع عربى أو غير عربى ويتحدث بلسان عربى مبين عن قضايانا وهمومنا المشتركة .
مكالمة شاعرنا ياسر أنور أصابتنى بالغم والحزن وأعادت لمخيلتى ذكريات سوداء عشناها فى زمن الكبت والاستبداد من تهميش واقصاء ، والذى يبدو أن البعض يجد صعوبة فى تجاوزه والخروج من شرنقته الى آفاق الحرية الرحبة وقيم تقبل الآخر ، فضلاً عن التعاون معه ومكاتفته فى مواجهة المظالم والمواجع والقبح والأحقاد .
مفارقة مدهشة بالفعل ، فنحن نمد أيدينا للمصافحة والسلام بالرغم من الأذى الذى لحقنا طوال العقود الماضية ، وندعوا للمشاركة والتواصل ، ونتحدث فى احتفالياتنا عن الأرضية المشتركة والهدف المشترك ، بل ونكرم المبدعين والنقاد من خارج الانتماء للحركة الاسلامية ، وعلى الجانب الآخر تصدمنا هذه المفاجآت الجارحة ، التى تزيدُ من قلقنا فى اتجاهين :
فماذا عن جدية المبدعين والنقاد والمثقفين فى الوقوف معنا فى وجه مخلفات الاستبداد والحكم الشمولى ؟
وماذا عن مدى اخلاصهم وتبنيهم لقيم الثورة وأهدافها ؟ ولازالت رغم كل شئ أنتظر ردود الناقد الكبير صلاح فضل وحقيقة ما حدث مع الشاعرين .