بسم الله الرحمن الرحيم
يوميات عاشق متجول
عبدالغني خلف الله
( 1 )
في ذلك السفح البعيد من سفوح ( كردفان ) إلتقيت ( روضه ) ..كانت قد أنهت للتو مشوارها اليومي لجلب الماء من محطة المياه القريبة .. تمتطي حمارها العجوز تستحثه الخطي ليواصل الصعود نحو بيوت القرية القابعة أعلي التلة ..روضه لم تلتحق بالمدرسة لأن عائلتها تحتاجها في العمل بزراعة الحقل مع شقيقها وصناعة الطعام لها ولأخوتها الصغار وبالطبع والدها ووالدتها ولأننا لا نعرف بعضنا البعض شعرت بالخوف عندما تفاجأت بتقاطع مساراتنا معاً ..وكنت وقتها أواصل ترحالي بناقتي (الريله )..كبائع متجول أحمل بداخل جرابي كلما تحتاجه الأسر التي تعيش في القري النائية من الأطعمة الجاهزة والحلوي .. أسدلت ثوبها فوق وجهها وغيرت مسارها عائدة نحو محطة المياه حتي تتفاداني استوقفتها وأنا أردد يا بنت الناس يا ..إسمي روضة ..ماذا تريد مني فأنا لا أعرفك ولم أرك من قبل ..قلت لها السلام عليكم ..وعليكم ..قالتها بشيء من الغلظة والتجهم ولوحت لي بكلتا يديها مودعة ..كانت سمراء بلون القمح وفارعة الطول وجميلة بشكل لا يوصف..ترجلت من ناقتي وركضت خلفها ولم يتمكن حمارها المجهد من الابتعاد كثيراً ..وكنا حينها قد توقفنا تحت شجيرة وارفة الظلال من أشجار ( التبلدي) العملاقة ..قلت لها هل تحتاجين بعض الأطعمة والحلوي ..قالت لا ..تأملتها بعمق وقد سنحت لي فرصة التحديق في وجهها ..وأردفت ذلك بمواصلة صعودها مرة أخري ..وكانت تلتفت نحوي من حين لآخر دون أن يبدو عليها أنها تهتم بذاك الغريب الذي هو أنا .. ..تحركت خلفها دون أن تشعر بي وقبل أن تتوقف تماماً حانت منها التفاتة لتجدني بالقرب منها ..خرج والدها وشقيقها لمعرفة القادم الجديد للقرية ..سلمت عليهما وشرحت لهما الغرض من زياتي ..روضه لم تكلف نفسها عناء الترحيب بي وضاعت في ثنايا البيوت المجاورة المشيدة من المواد المحلية ..وبعد أن أدخلاني وقدما لي شيئاً من الطعام ..قلت لهما بصراحة شديدة ابنتكم روضه هي سبب وجودي بينكم وأنا أخطبها منكم زوجة لي علي سنة الله ورسوله ..هنا دلف أحدهم إلي حيث نجلس وهتف بغضب شديد ..ماذا قلت يا رجل ؟!!! ..ويبدو أنه سمع بعضاً من تحاوري مع والدها ..في الواقع يا بُني روضه متزوجة ..وكان المتحدث هو والدها وعمر إبن أخي هذا زوجها ..لم أحتمل صعوبة الموقف فلملمت أشيائي ..إمتطيت ناقتي وغادرت وفي فمي بقايا من بوح قد أخرصته الحقيقة المرة ..وضاعت روضه من يدي حتي قبل أن اصافحها .