"قام مبكرا كعادته. أيقظ أهله .جهزوه لرحلته التي طال عناءها .دمتم مبدعين
هواؤه العليل وزقزقة العصافير أنيسه في سيره وصفارة لا تنقطع منه كأنه لحن للزقزقة والعصافير كي يستمروا في غنائهم .
صياد ماهر -ولكن البحر من ستة أشهر يعانده لم تخرج معه ولا سمكة صغيرة او كبيرة -
وصل بحره جلس على صخرته المفضلة تفصله أمتار عن الشاطئ وتضعه قرب هدف طال انتظاره.
نام وهو جالس .إستيقظ .
حديث دار كثيرا بينه وبين نفسه
هل أترك مهنة الصيد هذه ؟
ولكن من أين سيأكل أولادي وزوجتي وأحيا؟
طال الأنتظار عليك هل ستظل تلهو هنا وأولادك يتضورون جوعا؟
ماذا أفعل هل أجلس وأولول عليهم مثل زوجتي التي امتهنت الولولة والصراخ؟!
وهي مهنتي وليس لي غيرها
لو أن البحر يمنحني سمكة ولو واحدة واحدة فقط...........سمكة واحدة ما يضير
لمح في استغراقه زعنفة سمكة كبيرة عملاقة كأنها شراع جميل.
تهلل.يا ليت هذه تكون لي وتغازل شباكي.
لو أعرف لماذا منذ زمن وهي تعاندني وتروح وتجيئ أمامي
هل تغيظني؟أتريد أن أنفجر غيظا؟
لو أنها تتكلم!
لو كانت لها قدرة على النطق البشري
ردي علي لو كنت تستطيعين!
لماذا تغيظنني؟
ردي علي لا تنظري إلي وتعبثي معي هكذا
فردت عليه: أحمل لك رسالة .لن يعطيك البحر شيئا.
ولم لا؟!
لأنك قطعت أرحامك وخنت صديقك واعتديت على جارك
وأكلت السحت وشربت الحرام ونسيت الحلال وحللت الربا ووصلت من وصله محرم
وقطعت من قطعه محرم.
صهٍ صهٍ صهٍ
أكل ما فعلته تعلمينه؟كيف تعرفينه؟
يتجاهل ثم يستمر.
إذا متى سيعطيني البحر رزقا؟
قالت :حين يعتدل المائل وتصحح أخطاءك
قال إذا فلأغادر
قالت أنت وما تريد قد مضى زمانك
لمح خيالا من بعيد تحت اشعة الشمس المائلة.
خيالا كم عذبه وسجنه واتهمه بكل نقيصة ارتكبها هو
رغم يقينه ببراءته .
ولكنه يخفي إعجابه من صموده وإصراره وتحديه المحن وثباته على مبادئه.
سحب نفسه وفي نيته اللاعودة. واستطال خياله وانسحب شيئا فشيئا مع المغيب والايغال في السعي
واستطال خيالٌ آخر آت من رحم الغيب يحمل حقا
واقترب ثم اقترب أكثر ثم أكثر وأكثر
حتى احتضنته الأمواج وخرجت احياء البحر جميعا حتى السمكة ترحب به وتهتف له
مسرورة كأنها في يوم عيد وامتلآ سطح البحر ببهرجة الأشرعة"