~ لا أذكرُ في حياتي, أنّني قد ضحكتُ كثيراً جداً ولحدّ الهستيريا, كما ضحكتُ تلك المرَّة ,عندما أخبرَنا أستاذُنا في الصَّف, _ وكان قد تطرَّق لذكرِ النَّعامة_ .
~ كنتُ يومها في الصّفوف الابتدائيَّة الأولى ,الثّاني أو الثّالث ,,لم أعدْ أذكر, يعني ,,طفلةً في السابعة او الثامنة .
~ أخبرنا,, أنّ النَّعامة, هذة الطَّير الجميل الكبير , تدفنُ رأسها في الرّمل كلَّما أحسَّتْ بالخطرِ الأكيد ,عندما يهاجمُها مفترسٌ ما,,,
~ وهي تفعلُ ذلك, وتظنُّ أنَّها اختبأت .
~ أتذكَّرُ,, أنَّني كنتُ أرى المشهدَ بوضوحٍ تام في عينِ خيالي, وهو حقاً شيءٌ مضحك,,!
~ فانفجرتُ بالضّحكِ بطريقةٍ جنونية, ولم يعدْ باستطاعتي التوقّف, وكان الأستاذُ يلوِّحُ لي بعصاه الرَّفيعة الصَّغيرة التي لم تكنْ تفارقُ يدَه مهدداً,
~ ولكن حقاً لم يكنْ بيدي,, وظللتُ أضحكُ وأضحك, حتى انفجرَ الصَّفُّ كلّه بالضّحك ,وحتى بدأ الأستاذُ نفسه يضحك ,
~ بعدها,, اقتربَ منِّي ,وحدَّقَ في وجهي مهدّداً ,فأجهشتُ في نوبةِ بكاءٍ كادت تطول .
~ ما الذي حدثَ في مشاعرِ تلكَ الصَّغيرة التي كانت أنا يا ترى ؟؟
~ غصتُ بعدها كثيراً بالتَّفكير في ذلك الحيوانِ الرَّائع ,,وحدَّقتُ كثيراً في كلِّ صورةٍ تقعُ بيدي له, وقرأت عنه الكثير.
~ //
~ ومرَّت السُّنون,,, والنعامةُ تحتلُّ حيّزاً كبيراً في تفكيري, ولم أجدْ جواباً لسؤالي الذي كان يبدو كبيراً بالنسبةِ لي .
~ إلى أن شهِدتُّ قصفَ الطّيرانِ الإسرائيلي لأوَّل مرَّة, وكنتُ قد أضحيتُ أماً لأطفالٍ أخافُ عليهم من نسمةِ هواءٍ عابرة .
~ فكلّ ما كانت الطائرةُ تمرُّ فوقَ رؤوسِنا بسرعتِها الفائقة , وبهديرِها الجنوني الذي لا يستوعبه إحساس, كنتُ أضمُّ أطفالي بيد,
~ وأضعُ اليدَ الأخرى فوقَ رأسي ,,,أنحني, وأُطلقُ صرخةَ الموتِ الرَّهيبة التي لم أكنْ أسمعها قط !!.
~ هل كنت أظنٌّ أنّني خبَّأتُ نفسي وأطفالي من غضبِ الطائرات والصواريخ التي تنزلُ كالبرق, وتنفجرُ كالجنون ؟؟
~ طبعا لا ,,,
~ ما هي إلا حركةٌ غريزيَّة للتَّمسُك الأخير بنسمةِ الحياةِ الأخيرة التي تبدو ساعتها أغلى من أيّ وقتٍ مضى,,.
~ ما هي إلا استسلامٌ راعب للموتِ القادمِ كالصَّاعقة,
~ إذن,, فالنَّعامة المسكينة, لا تعتقدُ انَّها تختبىء عندما تغرسُ رأسَها في الرّمل ,وما هي إلا حركةٌ غريزيّة لا إراديّة للاستسلام الأخير .
~ ظلمتُ النَّعامة ّ!.
~ //
~ وكرَّت الأيّامُ والشّهورُ والسنون ,
~ وبالكادِ نعلمُ كيفَ تغيبُ الشمسُ, وكيفَ تشرقُ, ولماذا!!
~ وبالكادِ نفكِّرُ لماذا نعيش ,وما هدفنا ,,وما وجهتنا ,,وكيفَ نرمي كلّ يومٍ يوماُ كاملاُ من حياتِنا, ولا نعلمُ كيفَ وإلى أينَ نحنُ ذاهبون .
~ //
~ وجئنا لهذة البلاد الأوروبيّة التي لم تكنْ بالبالِ ,ولا بالخيال .
~ ودُعينا لرحلةٍ في الطبيعة مع أطفالنا في الروضة ,
~~ الدعوة اختياريّة ,
~~ ممكن السَّماح لكلّ أفراد العائلة بالمرافقة ,
~~ أتعابُ الحافلات مدفوعة ,
~~ نعزمُ على الشّواء مجاناً ,
~~ نعزمُ على القهوةِ مجاناً ,
~~ سيتسنَّى لكم ولأطفالكم رؤية قطيعٍ من النَّعام !!
~ النَّعام ؟؟
~ توقفتُ عندَ هذا ,
~ النَّعام !!هذه فرصتي الأولى لأرى النَّعامَ بعيني المجردة ,وربّما تمكنتُ من لمسِ ريشِه الفائق النّعومة .
~ سأذهبُ إنشاء الله ,,ربَّما كانت هذه فرصتي الأخيرة ,,من يعلم !!؟
~ بدأتُ أتّصلُ بالأمّهاتِ العربيّات ,,لا أُحبّ أن أكونَ وحدي في مجموعةٍ كبيرةٍ من السويديين .
~ ووافقن,,, شرطَ أن أصنعَ لهنَّ أكلة التّبولة اللبنانيّة الشّهيّة ,التي عادةً ما تُؤكل في النزهات ,
~ وقوامُها البقدونس المفروم ناعماً,, وزيتُ الزّيتون ,,وعصيرُ الليمونِ الحامض,, وأشياء أخرى تُضافُ إليها .
~ كمْ علَّمتُهنَّ صُنعَها بعد أن تذوّقنَها عندي ونالت إعجابَهنَّ الشّديد ,,لكنَّهُنَّ فشِلْنَ في صُنعها,, واعترَفْنَ لي .
~ لا أدري لماذا,,! فالمسألة بسيطة, وليست اختراعاً خارقاً للعادة,
~ ربَّما الوقت والتَّعب الذي تحتاجهُ هذة الأكلة ,,هو السبب, وربَّما أسبابٌ أُخرى .
~~ اكتشفتُ فيما بعد أن السّببَ الوحيد, والذي يُدمِّر طعمَها الشهيّ ,هو إضافة الليمون أو البندورة على البقدونس مباشرةً قبلَ خلطه بالزَّيت جيداً, لذلك, يحدثُ تفاعلاً كيميائياً بين الخُضار ~والحامض, ينتجُ عنه الطعمُ المرِّ أو المِز.~
~ وافقتُ على ذلك ,
~ وقلت ,,,سوف أصنعُ لهنَّ هذا الطعام ,ولكن على حسابِهُن ,فكلّ واحدة عليها أن تدفعَ عن نفسِها وأولادها ,وكلِّ فردٍ سيأكلُ معها .
~ كمْ كنتُ أستغربُ كيفَ يدفعُ الأوروبيون كلٍّ عن نفسِه ,!
~ وكنتُ أظنُّ بهم بخلاً او أنانيَّةً, أو شيئاً لا أعلمه ,,حتى لمستُ هذا الموضوع بنفسي ,
~ فأنا حقاً لا أقدرُ أن أعزمَ كلَّ هذه المجموعة على حسابي الخاص ,
~ كنتُ مثلهنَّ وافدةً جديدة ,وما زلتُ أعيشُ على المساعدات الإجتماعية ,وهذة المساعدات محسوبةً بدقَّة ,وحسبً السُّعرات الحراريَّة التي يحتاجُها كلُّ فرد,وحسبَ الحدِّ الأدنى من ~المكالمات الهاتفية ,
~ ثم أنَّ البقدونس,, وجميعَ الخضار, باهظةَ الثّمن في هذا البلد , والكميَّة التي أحتاجُها ستكونُ كبيرة ,,وأيُّ خللٍ في الميزانيَّة ستعرِّضُنا لكارثة أو فضيحة!! ,فكيفَ أعزمُ الجميعَ هكذا بدونِ ~تفكير؟؟, ومن أجلِ أن أكون كريمة ,حقاً لا يمكنني ,,!
~ إذن ,,فليدفع كلُّ شخصٍ عن نفسِه ,,وهذا قرارٌ نهائي .
~ لم ينتقدْني أحدٌ, وكان الأمرُ طبيعيّاً ولا خلافَ عليه,
~ الحمدُ لله,, يظهرُ أنَّنا بدأنا نتفهَّمَ هذه الأمور,, ونعلِّم أنفسَنا أنَّ ظروفَنا الآن مختلفة ,
~ //
~ مسحةُ كآبةٍ كانت تطفو على وجوهِنا ,ونحنُ نعتلي الحافلةَ مع أولادنا,
~ حزنٌ يلوبُ بدواخلِنا وينعكسُ تلقائيَّاً على مرآة أحداقنا المغرورقة بدموعٍ أبيَّة ,
~ ليس هذا ما نبتغيه,, نحنُ نريدُ لقاءَ أهلِنا وأحبابِنا اللذينَ تركناهم هناكَ وجئنا,,
~ ماذا لو كانوا معنا الآن؟؟؟ سؤالٌ مُلِّحٌ سيظلُّ يطرحُ نفسَه إلى ما لا نهاية !,
~ ليتنا الآن نختبئُ في إحدى المغارات ,أو أحدِ الملاجئ من شظايا صواريخِ الطائرات,أو الرَّصاصِ الذي لا نعلمُ من أينَ يأتي, وإلى أينَ يذهب ,
~ ليتنا ,,,لكن مع تلكَ الوجوهِ المألوفة, والقلوبِ الدافئة, وتلكَ الأحاديث المُشبَعةِ بالحميميَّةِ والألفة .
~ حتى في الملاجئ والمغارات ,كنَّا نشعرُ بنوعٍ معينٍ من السَّعادة الغريبة ,كلَّما تقاسمنا كسرات الخبز وكؤوس الشَّاي في تلك الليالي الطويلة,
~ التي لم نكن نعلم إذا ما كنّا سنشهدُ صبحَها .
~ أما هذه الوجوه الجميلة الورديّة ,,فلا أراها سوى قِطَعٍ من الحجارةِ المصقولةِ الملساء ,
~ وهذة العيون الملوّنة الزرقاء, تبدو مثلَ بحارٍ نائيةٍ مجهولة ,
~ نحن لسنا سعداء!!,
~ نحن نستجدي لحظةَ فرحةٍ ولا نجدُها ,
~ وكلَّما جمعتنا الظروفُ بهؤلاء الغرباء ,,نحسُّ بالفراغ أكثر,, وبالغربة أكثر,, حتى بالخجل أيضاً,
~ ماذا نفعلُ في بلادِ هؤلاء الآن؟؟,, لماذا نحن لسنا في بلادِنا الطويلة العريضة؟؟ ماذا نُريد يا ترى ؟؟
~ هم ليسوا شعباً سيئاً,, لا
~ ولا قاسياً ,,ولا همجياً ,,ولكنَّ المشكلة في قلوبِنا ومشاعرِنا وأحاسيسِنا !!
~ هلْ نحبّهم لأنّنا نحسُّ بكلِّ احترامٍ ومحبةٍ ورعايةٍ شاملةٍ كاملةٍ في بلادِهم وكأنَّنا أصحاب الديار ,وهذا الإحساس ما عرفناه قطٌ في بلادنا من سلطاتِنا ؟؟
~ أم نكرههم ,,؟ لأنَّهم يذهبون لبلادِنا مغتصبين طامعين ؟؟
~ ليتهم عندما يتحكمونَ برقابِنا في بلادِنا يحكمونَنا بهذا العدل الذي يحكمونَ فيه شعوبَهم ,لكنَّهم يولّون علينا من أنفسِنا من يخافُنا ولا يخافُ الله فينا .
~ //
~ هبطنا وصعدنا الحافلات في عدَّة أماكن ,وكانت كلّها رائعة ,فالطبيعةُ هنا ساحرةٌ في الصيف ,وشاعريةُ المزاج إلى أبعد مدى .
~ //
~ شيئاً فشيئاً خَفَتَ الصوتُ الذي يرعدُ في صدورِنا صارخاً سائلاً عن الأهلِ والوطن ,وشيئاً فشيئاً بدا الشعورُ بالذّنب يتلاشى ,,.
~ شعورُنا أنَّنا نعيشُ ونتنزَّه ونأكل ,بينما أهلنا لا يعيشون ولا يتنزَّهون ولا يتنفسون إلا الدُخان !.
~ هذة هي النَّفسُ البشريّة في كلِّ حين,,تحبُّ دائماً أن تطفو فوق الأحزان, وتحتالُ على نفسها وتكذبُ على مشاعرِها كي تستمر .
~ //
~ المحطّة الأخيرة,, قالت سائقةُ الحافلة .
~ نزلنا ومعنا كلّ امتعتِنا ,,,,.
~ من هذه البوّابةِ العريضة سيخرجُ قطيعُ النَّعام,, قال آخر .
~ شريطٌ ورقيّ أو بلاستيكيّ خفيف يحيطُ بالبوابة ببعدِ أربعين متراً تقريباً من كلّ ناحية,
~ هذا الشّريط غيرُ مسموحٍ أن يتعدّاه أحد, وخاصةً الأطفال .قرأنا ذلك على لافتاتٍ حمراء,
~ نعم ,,لن يتعدّاه أحد ,حتى لو كان خطّ طبشورٍ مرسومٍ على الأرض ,كلُّ شيءٍ إلا النظام ,
~ الكلُّ يحترمُه ويقدِّسُه بدونِ أدنى اعتراض, الصغيرُ قبلَ الكبير, حتّى الكلاب,,! وهذا أجملُ ما رأيت .
~ خلفَ البوَّابةِ العريضة, تقفُ جدرانٌ لم أفهمْ ملامحَها,, فقد عبرتُها على عجلٍ فيما بعد ,عندما لم اكنْ أعلم أين أمشي .
~ //
~ أُشعلت النّار للشواء على بعدٍ غير بعيدٍ من المكان ,,وانشغل الموجودون بشواء اكلتَهم السريعة المفضّلة ((korv)) ,,
~ والتي لم أتذوّقها قط حتى اليوم ,رغم أنّ منها ما هو مصنوعٌ من الدَّجاج .
~ وانشغلتُ أنا بصنعِ التّبّولةٍ العزيزة ,والتي لفتتْ نظرَ الكثيرين من أصدقائنِا السويدين, ومنهم من جاءَ ليشهد الخبر, خاصّةً عندما أنزلتُ كميّة البقدونس الكبيرة المفرومة في وعاءٍ كبيرٍ ~للتتبيل,( وهو حوضُ حمّامٍ بلاستيكيّ للأطفال ابتعتُه خصّيصاً لمثلِ هذه المناسبات المُتعبَة ).
~ حتى أن واحدةً منهنَّ علَّقت وسألتني إذا ما كنتُ أعدُّ طعاماً للنعامات !!فأجبتها مازحة أنّها ستكون أوّل نعامةٍ تأكلُ منه وتحبّه,, وهذا ما حصل .
~ //
~ حانَ الآن موعدُ لقاءِ النّعامات ,وعلينا أن نتجمّعَ حولَ ذلكَ الشَّريطِ الأصفرِ الخفيف لننتظر .
~ تحضَّرَ الجميعُ مع آلات التّصوير, وهدأ الضجيجُ بل تلاشى تماماً, وسادَ سكونٌ كالخشوع .
~ كنتُ واقفةً مع الواقفين, منتظرةً مع المنتظرين .
~ سعادةٌ غامضةٌ غمرَتْ روحي ,اكتشفتُ أنّني كنتُ طولَ عمري أنتظرُ هذه اللحظة واشتاقُ لها, دونَ علمي بأنّي أنتظرها, وأنّي أشتاق لها!
~ حقاً,, هناك أمورٌ تظلُّ العمرَ قابعةً في عقولنِا الباطنيَّة كالشَّرانق المثلَّجة, لا تحيا ولا تموت, وفي لحظةٍ قدريَّة, ودونَ علمنا,, تنطلقُ منها الفراشات الساحرَة التي تخطفُ العقولَ والأبصارَ ~معاً .
~ أُحسُّ الآنَ بغيمةٍ تحملُني في خلاياها الدافئة وتَعلُو مسافرةً نحو عوالمٍ سرّيَّة غامضة ,,كم أعشقُ هذا الشُّعور ,,كم أُحسُّ بالانقياد مع نسماتِه ونغماتِه ودهشتِه ,, هذا التأمُّل العميق,, ~والخشوع أمامَ عظمةِ الخالق وإبداعه اللا محدود ,يفصلُني عن واقعي وعن نفسي .
~ لكنَّ صغيرتي الشقيَّة تبدِّدُ تركيزي, وتوقظُني من حلمي اللذيذ بقسوةٍ وحسم.
~ أينَ هي ؟؟
~ لقد هربَت كالعادة ,كم تهوى الهربَ هذه الصَّغيرة ,
~ أنا حقاً لا أراها ,,
~ عندما لا تقدرُ عيناي رؤيتها,, أضربُ الدُّنيا بكلِّ ما فيها وما لها بصفرٍ واحد !
~ بدأتُ برحلةِ البحثِ المريرَة المتكرِّرة عن صغيرتي المجنونة ,وفي الحقيقة ليست هي المجنونة بلْ أنا!! ,حرصي الشديد عليها جعلني لعبةً بيديها ,
~ فهي لا تلعبُ معي كما تعتقد ,,بل تلعبُ بي وبأعصابي .الطفلُ يجرِّبُ الكبارَ دائماً ويتصرَّفُ حسبَ شخصيَّة من معه .
~ انطلقتُ أُحركُ الناسَ بطريقي كما أُحركُ الدُّمى الخشبيَّة بحثاً عنها ,دون اهتمامي بما سوف يُقال ودون اهتمامي بمدى انزعاجهم ,
~خاصةً أنَّ هذا الشَّعب الورديّ النَّاعم ينزعجُ بسرعة, ومن أي شيءٍ مخالفٍ لقانونِ اللحظة ,ولكنّني لا أراهم ,ولا أحسُّ بهم في هذه اللحظة ,
~ كيف أرى ؟,كيف أُحسُّ؟ وصغيرتي ضائعة ,,وعلي أن أجدَها فوراً .
~ ثم انطلقتُ عدواً خارجَ التَّجمُّع وإلى المكان الذي أظنّ أنَّها ربَّما تكون قد ذهبت إليه, أو طارت إليه, ,انطلقتُ أنظرُ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال
~ باللّوعةِ نفسِها التي تتكرَّر كلَّ يومٍ تقريباً .
~ وجدتُها !
~ كانت واقفةً في مكانِها تبكي بصوتٍ مرتفع ,ربَّما تأخَّرتُ عليها أكثر من اللازمِ هذه المرَّة .
~ عندما رأتني أكملت هروبَها راكضةً وعلى غير هدى كالعادة, وبعد المطاردةِ المعهودة, التقطها والتقطتُ أنفاسي .
~ نظرتُ حولي لأعرفَ أينَ أنا, فوجدتُ نفسي وسطَ جدرانٍ متعرِّجة ليس لها ملامح .
~ أمسكتُ صغيرتي بيدِها وأكملتُ طريقي الذي لا أعرفُ إلى أين ,,لكنّه مجرَّدُ بحثٍ عن طريقي لا غير .
~ بضعةُ خطواتٍ للأمام وإذ بي أخرجُ من بوابةٍ عريضة, وإذ بي وجهاً لوجهٍ أمام الجمهور المتأهب مع آلات التصوير, المصطفّ حولَ الشريط .
~ وإذ بهذا الجمهور الحجريّ يتململُ ويصفّق ويضحك,, وكنتُ أسمعُ بعضَ الصَّفيرِ أيضاً .
~ يا إلهي,,, لقد خرجتُ من المكان المخصَّص لخروجِ النعامات !!.
~ يا إلهي,, أحسسْتُ بغرابِ العار والخزي قد حطَّ على رأسي بأجنحته السوداء العريضة,
~ تمنيتُ لو انشقَّت الأرض وابتلعتني ساعتها !.
~ لكنّ الله هداني ,دائماً يهدينا الله ,وكثيراً ننسى أن نشكره .
~ فردْت ذراعَيّ وانحنيت قليلاً عدةَ مرَّاتٍ وكأنني أُحيي الجمهور العريض, ورأيتُ نفسي أُوزِّع القبلات عليهم في الهواء ,وأُلوِّح بيديَّ,,
~ حتى صغيرتي كانت تنظر إليَّ مستغربة !.
~ الحمد لله,, أنقذتُ نفسي من تلكَ السقطةِ المخزية, وأعدتُ الماءَ الذي جفَّ بلحظةٍ واحدةٍ لوجهي .
~ يا الله,, كيفَ وضعتني الأقدارُ دون علمٍ منِّي مكانَ النعامةِ للحظاتٍ محرجةٍ للغاية !.
~ تذكرتُ كم ضحكتُ عليها يوماً وأضحكتُ كلَّ تلامذةِ الصّف والأستاذَ معي,, واليوم, أضْحَكَتْ عليَّ مئات المتفرِّجين !. .
~ //
~ عدت لمكاني أضحكُ مع النَّاس ,, لكن مخنوقة !
~ وعندما أطلَّت تتهادى عبرَ البَّوابة العريضة بأعناقها الطويلة الرّفيعة ولفتاتِها البلهاء ,
~ أجهشتُ بالبكاء, وزففتُها بالنشيج !
~ ماسة