العربخانة
من حكايات شهرزاد في الليلة الثالثة بعد الألف :
بلغني أيها السلطان السعيد ، ذا الحكم المديد ، أمر خطير ، إذ حكت لي جدتي العجوز ، بأن الظلم لا يجوز ، وأن المظلوم لابد له من أن يثور ويثير ، حتى ولو كان من البغال والحمير. وإليك يا سلطان السلاطين ،ما حدث من ثورة البهائم الغضبانة، في حكاية وقعت في العربخانة :
العربخانة
مولاي ... مولاي .. أدركنا يا مولاي !!!
هرول كبير البصاصين نحو الإيوان السلطاني ,,هو يصرخ مستنجدا . وعندما هم بالاقتراب من العرش ،زجره الأخير بنبرة غاضبة وتكالب عليه الحراس ليمنعوه من الاقتراب !
•قف بعيدا أيها المتعفن ، وقل ما عندك.
•العربخانة يا مولاي ... العربخانة!
•ماذا بها ... انطق وإلا قصفت رأسك من رقبتك.
•يا ملك البغال وسلطان الحمير ، تمردت البهائم في العربخانة.
•كيف تمردوا ... انطق يا وجه الشؤم .
•يمتنعون عن الخروج إلى العمل، كما امتنعوا عن تناول العلف السلطاني الذي يقدم لهم .
•خونة أوغاد . كيف لهم أن يعصوا أوامري السلطانية ويرفضوا العمل ولا يأكلوا العلف الذي استوردته خصيصا لهم .
•أعتقد يا سيدي أنها مسئولية خازن الأعلاف والتموين في السلطنة . نعم إنها مسئوليته.
•أيها المخبول الأمني ،،،، اكتب أسبابك الأمنية في تقرير، يكون عندي بعد نصف ساعة من الآن . وسنرى ماذا نقرر في مصيرك الأسود.
•أمرك سيدي ... أمرك سيدي.
هرول كبير البصاصين إلى مكتبه ، وساقاه لا تكادان تحملانه .
•استدعوا لي خازن التموين بسرعة.
ما هي إلا بضع دقائق، حتى مثل خازن تموين السلطنة خائفا مرتعشا ، في حضرة السلطان الغاضب.
بادره السلطان :
•كيف أحوال التموين والعلف والجراية المقدمة للحمير والبغال.
•بخير يا مولاي ، بخير ،،، وفقا لتعليمات جنابكم، ومواصفاتكم في العلف السلطاني.
•إذن لما ترفض البهائم الطعام وتضرب عن العمل ؟
•العيب ليس في العلف يا سيدي؛ربما يا سيدي يكلفونهم بأعمال لا يطيقونها ، ويحملونهم ما لا يحتملون ،يا مولاي تلك مسئولية راعي العمل السلطاني ورئيس نقابة العمال الحميري.
•أريد منك تقريرا مفصلا عن الأعلاف وأنواعها، وكشوف الصرف والتوزيع وعدد الوجبات، ورأيك شخصيا ، ويكون عندي بعد نصف ساعة من الآن ، وإلا سأسلخ جلدك.
هرول خازن بيت الأعلاف ، خارجا وهو يلملم أطراف ثوبه المبلل!
زعق السلطان بغضب :
•هاتوا لي راعي نقابة العمل الحميري .
ما هي إلا دقائق ، حتى مثل المسئول عن العمل الحميري، خائفا مرتعشا في حضرة السلطان.
•هل عندك علم بإضراب الحمير والبغال يا مسئول العمل الحميري في سلطنتنا العادلة؟
•ارتعد المسئول وبال على نفسه .... ورد مرتبكا ... نعم .. نعم . .. علمت ..علمت يا سيدي.
•وماذا فعلت سيادتكم ، بعدما علمت ... يا فرحتي يا خويا إنك علمت .. زغردوا يا كل نساء السلطنة ... وارقصن فرحا بخيبة مسئول نقابة العمل الحميري في سلطنتنا العامرة بالخير.
•يا مولاي لا إضراب ولا يحزنون، إنها وسائل الإعلام المعادية ، وصحف معارضة مغرضة ، وبعض من أنصار السلطان المخلوع لا أرجع الله أيامه .
•اكتب تقريرك أيها الأحمق ، ويكون عندي خلال نصف ساعة . أغرب عن وجهي أيها الكسول, وسوف ننظر في قطع رقبتك فيما بعد.
جاء مسئول الدعاية في السلطانية المجيدة ، متأنقا معطرا وانحنى أمام السلطان محييا ، فأفرد له السلطان كرسيا بجانبه ، وتباسط مع في الحديث مبتسما ،
•ما الذي جرى يا حاجب النشر والإعلام والفضائح السلطانية ؟
•لا شيء يا سيدي ،، انها أقلام موتورة ممولة من الأعداء، القصة ببساطة أن بعض الحمير ، تعاركوا مع بعض من البغال، في مشاجرة عادية تحدث يوميا في أي عر بخانة على مستوى العالم .
•إذن ما هذا الذي يقوله كبير البصاصين بأنهم قاموا بإضراب عن الطعام والعمل.
•لا .. لا .. إضراب إيه يا سيدي السلطان ، لو أضربوا ساعة عن الطعام ، سيموتون جوعا يا سيدي. لا عليك يا سيدي. الأمر تحت السيطرة . والعربخانة مستقرة, والحمير تنعم بالنوم الهادئ الآن ، ليقوموا صباح الغد في نشاط لممارسة مهامهم اليومية .
وأفرد للسلطان شاشة كبيرة تعرض أفلاما من داخل العربخانة مباشرة ، تبين أن الأمر هادئ ولا شيء يعكر الأمن أو يسيء إلى السلطنة أمام العالم.
كما أذيعت لقاءات مع بعض حمير العربخانة وبغالها، وهم يأكلون العلف السلطاني بسرور بالغ؛ كما قاموا بالهتاف لجلالة السلطان المفدى ، وهتفوا ضد الإمبريالية والدول اللي مش هي.( لوحظ أن بعض المتحدثين من الحمير والبغال متورم العينين والشفتين بصورة ملحوظة).
هدأ السلطان قليلا بعد مشاهدته ذلك التقرير المصور الوافي، وجلس يحتسي قهوته الباريسية ، منتظرا تقارير المسئولين في سلطنته.
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
قام المسئولون بجهد وطني مشهود، لحل الأزمة والقضاء على أسبابها .فتم تسوية كشوف المخازن والتسليم والتسلم، والتخلص من الأعلاف الفاسدة التي استوردها المسئول السابق، كما تم مداراة الكميات المنهوبة ، كما تم تعديل نوبات الحراسة ، وفصل ثلاثة من الخفراء من الخدمة ، بعدما تأكد تغيبهم عن العمل في إجازة مرضية ، مع أنهم قد توفوا جميعا بسبب وباء منتشر قبيل التمرد بأسبوعين. وتم التخلص من الكشوف البالية للتوقيع والانصراف، واستبدالها بساعة توقيع رقمية . أما المسئول المالي ، فقد زور كمبيالات وفواتير محسوبة على تجار غير معروفين ، وتم ملئ الملفات بأوراق تثبت أن كل شيء تمام.
عاشت البلاد في حالة احتقان وتوتر وترقب. وفرض حظر التجوال.
وصدر مساءا البيان السلطاني التالي :
" يا أبناء السلطنة ... في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ السلطنة العظيمة ، وفي تلك الساعات المصيرية التي تعيشها في عنق زجاجة مقدسة مفروضة عليها منذ عقود ، حاول بعض المغرضين والمندسين، إثارة الشائعات بين الحمير والبغال في عربخانتنا الآمنة المستقرة.
هذا وتمت السيطرة على الأوضاع، كما تم القبض على عصابة المندسين ولصوص العلف، ومثيري الشغب والبلبلة ، وسيقدمون إلى محكمة ثورية عادلة، ليتم إعدامهم جميعا، بإلقائهم في جب القلعة للأسود الجائعة .كما تم إقالة جميع المسئولين ، وحل جمعية الكلام التشريعية السلطانية، ومجلس الحجاب ،وتشكيل لجنة حميرية عليا ، لكتابة دستور جديد للسلطنة.
حمى الله السلطان وحميره وبغاله من كل سوء .
(نهيق وطني مستمر)
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
أشيع في قريتنا ، أن حمار ( أبو العريف ، الشاعر الشعبي أبو ربابة) ، قد تسلل إلى العربخانة ، بمساعدة حمارة أحبها وأحبته ،فأرادت له أن ينعم بشيء من العلف السلطاني الفاخر. لكن القعدة (احلوت) مع أبناء عمومته ، وأخذ يسرد عليهم أحوال السلطنة، وما يعانيه أهلها من ظلم وجور ،وجوع ،وسخرة، وعري ،ومرض ،وتسول . فثارت الحمية الحميرية الوطنية لدى الجالسين ، فانهمكوا في نهيق ثوري ، ورفس راديكالي. وأصروا أن يحطموا الأبواب ، وأقسموا أنهم لن يتناولوا علفا حكوميا ، قبل أن يأكل باقي أفراد السلطنة ، وألا يذهبوا إلى عمل ، قبل أن تتحسن أحوال العمال ،والفلاحين، وعبيد السخرة واليومية ، وسائقي التوتوك.
لكن التمرد تم قمعه ، وتم إعدام حمار الشاعر الشعبي ، وعشيقته الخائنة ، وثلاثة من الحمير وثلاثة من البغال ، والعفو عن كبير حراس العربخانة لثبوت براءته، وفصل ثلاثة منهم من الخدمة.
صدر الدستور الجديد للسلطنة ، وتم إقٌراره بعد استفتاء شعبي جارف، لم يحضره أحد ، وتم تشكيل مجلس الحجاب ،بنفس المسئولين السابقين الذين تم إعادة تعيينهم ؛ وذلك لثقة السلطان الغالية بهم، لوطنيتهم ،وبراعة أدائهم أثناء الأزمة الأخيرة.
وما زال الشاعر الشعبي هاربا.وتم التحفظ على أداة الجريمة؛ وهي الربابة.
* العربخانة : إصطبل الحمير والبغال الذين يجرون العربات
رد مع اقتباس
