وكعادته عند كل مغيب ، كان يستند الى المنارة ، يرنو الى الشمس بشوق ،وهي تمشي الهوينى كعذراء يغسل الحياء وجنتيها ، يستفتيها في أمر الخلاص ،فترخي رداءها ثم تختفي عن الأنظار.
يستلقي في حضن المنارة ، يصخي لها السمع وهي تروي له حكايات عن عالم الأحلام يصعد نظره الى عينيها فتتسلل اليه مشاعر الخوف والتردد والرغبة ، لتسكن جسده النحيل ، كانت ترافقه أشجار الصنوبر وتشكو اليه الرتابة و الملل كلما أقفل راجعا للبيت .
لم ينم هذه الليلة ، باتها في حربٍ سجال بين العزم والتردد،وفي النهاية قرر ان يولد من جديد، أن يقطع حبله السري وينفطم عن عالم لم يرضعه الا الفشل .
ومع بزوغ يوم جديد رسم خريطة العبور لمعانقة أحلامه الوردية.
شبت نار الفراق في رُوعه ، وكادت تحرق ما فيه من جلد ، لكنه تحدى الألم ،صعد القارب ولم يستسلم
كان وجه الليل كالحا،و الوقت يموت ببطء .الزحام ورائحة العرق زادت من وحشة المكان،استشعر الغربة تتسلل بدهاء لتذكي لوعة الفراق،استجمع ما تبقى من قواه وأخد يسامر أحلامه .
هاهي أضواء الفردوس بألوانها الزاهية تغازل عينيه كغجرية ترقص على أنغام القيثار ، أحس بنشوة النصر , لكن وفي لحظة خارج الزمن ،يتدخل القدر ليحطم القارب ويحطم معه كل شيء ،
حاول أن يعتصم بصخرة من الماء لكن الموج حال بينه وبين فردوسه وكان من المغرقين .بقيت عيناه تراقب الأحلام وهي تحلق عاليا كما الفراشات،عائدة الى البلدة تتسكع بين الأزقة تنصب شراكها لضحية جديدة .
بعد أيام،وقف سكان البلدة قرب المنارة ينتظرون رجوعه ،ليدفن في أرض الواقع.