أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: الجائــــزة الكبـــرى

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2014
    المشاركات : 89
    المواضيع : 21
    الردود : 89
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي الجائــــزة الكبـــرى

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي" border="0" align="right">


    صحا من نومه مبكرا وقد وطد العزم على السفر إلى المدينة لسحب الجائزة الكبرى التي كانت من نصيبه.. الصبيحة بالنسبة إليه لم تكن كغيرها مما مضى من الصباحات.بين الفينة والاخرى،وبحركة لا شعورية،كان يلقي بنظرة فاحصة على ورقة اليناصيب المدرجة بين أوراق محفظة جيبه التي كان قد نسيها ولم يعرها أدنى اهتمام منذ ان اجبر على اقتنائها من احد مكاتب الجماعة القروية عندما كان بصدد إعداد وثائق خاصة..
    يقلبها بين أنامله المرتعشة ظهرا عن بطن: مرة.. مرتين.. ثلاثا.. لا يدري هو بذاته كم مرة عمد إلى ذلك.واضح جدا انه كان يروم من خلال ذلك إلى التأكد من أنها لا تزال ملك يديه.. حتى الساعة لم يصدق ما حدث..يبدو أن الشكوك لا تزال تساوره فيما إذا كان قد فاز ام لا..."علال".. الفلاح البسيط المتعقل..فيما مضى كان يرى أن الحظ والنصيب ليس سوى محض صدفة لا غير..كان لا يفتأ يردد بملء فيه في مجالس شباب أهل البلد بأن لا خير فيمن لا يأكل مما كسبت يداه ومن عرق جبينه..على محياه كانت ترتسم ابتسامة هازئة ويلوح من عينيه بريق نظرة حانقة استصغارا لحال وشأن أولئك السذج "المساكين" الذين يعبثون بمالهم ويبددون بعض او كل ما يكسبون منه لقوت يومهم في تلك المغامرات الصبيانية واللعب القذرة التي لا يجنون من ورائها إلا الخسارة وشماتة الناس...
    اليوم،وبالرغم من إرادته،اصبح شخصا آخر غير الذي كانه بالامس..وربما كان حتما عليه أن يكون كذلك..ولذا،فقد أحال كل ما كان راسخا ببؤرة اعتقاده من هذا القبيل على سراديب التجاهل والنسيان..
    امتلأ وجهه حبورا وانضخت دماء جديدة في عروقه منذ اللحظة الاولى التي زف فيها إليه الخبر.لا يزال يذكر وقع المفاجأة عليه وعلى عياله..كاد على إثر ذلك أن يغمى عليه ابتهاجا بالبشرى السعيدة لولا أن تمالك نفسه وسيطر على ذاته بكل ما اوتي من تماسك وصمود...
    أما زوجته "رحمة"،فقد غمر البشر كيانها لتنطلق من فيها مقدمة زغردة رقيقة ومدوية،سارع على التو إلى إبطال مفعولها بكفه ناهرا إياها:"اتقي الله يا امراة ! ماذا حدث ؟..."
    تحلق حوله المهنئون بالحظ السعيد..حتى بعض اولئك الذين قاطعوه من صلب رحمه زمنا جاؤوا مباركين..استغرب من موقفهم هذا إلى درجة تبادر إلى يقينه أنهم إنما عمدوا إلى ذلك لحاجة طي أنفسهم...
    استحثه الاقرباء على الإسراع إلى سحب جائزته المالية قبل أن تضيع منه الفرصة..الفرصة التي لا تعوض.. فرصة العمر التي قلما يجود بها الزمان مرة أخرى على أحد..وقد لا يجود...
    قبل السفر،كان لابد من ان يلقي بتحية الصباح على والده الشيخ الممدد في ركن من أركان البيت يغالبه الانين تحت وطأة المرض الذي ينخر عظامه..على مقربة منه،أدخل كفه بين يديه ممسدا إياها ثم قال مطمئنا إياه :
    - لا تقلق يا أبي ! قريبا إن شاء الله ستجرى لك العملية في أكبر مصحة بالمدينة..
    هز الشيخ الفاني رأسه بصعوبة بالغة ثم رد بنبرة فيها وجع وانكسار:
    - غفر الله لك يا بني;الشفاء من الله وحده..لا تحزن يا ولدي على ما فات ولا تفرح بما هوآت..كل الأشياء والذوات إلى زوال...
    استساغ النصيحة ولاحت على وجهه ابتسامة الرضى..انحنى كالطفل على الجسد المحموم وطبع قبلة وديعة على الجبين الملتهب...
    استقل سيارة "البيكوب"..تعلقت بتلابيبه"زهرة"،ابنته الصغرى..انتابه إحساس غريب وهي تنظر إليه وتتأمله طويلا كما لوانها تقابله بعد طول غياب..ابتسمت له ابتسامة عريضة لم يعهدها من قبل،إلا أنه لم يكثرت لكل ذلك وعدّ الامر طبيعيا في مثل هذه المواقف..جذبها إليه وضمها إلى صدره بقوة ثم قبلها واعدا إياها بأن يعود إليها محملا بالهدايا...من النافذة الزجاجية،أطلت عليه زوجته رحمة بعيون تحمل معنى فك شفرته على الفور: " اطمئني عزيزتي،وعودي لك لن تذهب هباء..!!"..ردت عليه بابتسامة غير معهودة..
    الجو بارد رطب وقمم الجبال ملبدة بكتل الضباب الذي بدا يزحف شيئا فشيئا في اتجاه السفوح والأودية..الطريق جبلية تنحدر في مسارات والتواءات حلزونية...
    انطلق في طريقه وعيناه تحدقان في الاتجاه الامامي بحذر،غيرأنه كان شارد الذهن،غارقا في متاهات افكاره،تتنازعه نوازع النفس اللوامة وتجتاح مخيلته بعض أحلامها المجنحة...
    احتشدت التساؤلات في غور دخيلته : فيما ياترى سيصرف هذا الرصيد؟ أيسعى إلى استثماره في الارض التي ورثها عن أسلافه؟هل يستزيد من قطعان البهائم والماشية وينمي من موارده الفلاحية اكثر من ذي قبل؟..لكن كيف ذلك وهذه الارض لم تعد معطاء بعد أن تعاقبت عليها سنوات عجاف وأصبحت الرياح تعبث بالفراغ في كل شبر من أرجائها؟ أليس من السهل عليه أن يضرب صفحا عنها في اتجاه المدينة بحثا عن أعمال تجارية حرة تدر عليه مزيدا من المال؟...
    في حيرة غير معهودة،تضاربت الآراء في تجاويف جمجمته،غير انه خلص في النهاية إلى ان الاجدر به اولا تسديد ما عليه من ديون ومعالجة والده المريض والاحتفاظ بالباقي في احد المصارف ريثما يتدبر أمره ويرى لذلك مخرجا...
    في لحظة من اللحظات،كان من الصعب عليه أن يدرك لم تراءى له طيف والدته العابر..لا يدري كيف حصل ذلك على حين غرة..انسابت دمعة حارقة على وجنتيه تحسرا..تمنى لوتعود إلى الحياة لتشاركه فرحته وليحقق لها ولو بعض ما كان يراودها من أحلام قديمة...
    معالم المدينة بدأت تلوح..استفاق من شروده وتنبه فجأة إلى انه كان قد أطلق العنان لسيارته التي كانت تسير بسرعة غير عادية في مسار منحدر.حاول ضبط الموقف بالتخفيف من اندفاعها المارق عند منعطف خطير،لكنه،وفي غمرة ارتباكه،انفلت منه زمام القيادة ليضغط بقوة على دواسة الفرامل..انزاحت السيارة عن الوضع الصائب..وفي ثوان معدودات،تهاوت متدحرجة كجلمود صخر أسفل الجبل الشامخ...
    ارتطمت بالأرض واندلعت فيها النيران وحاصرها اللهب الأحمر من كل جانب..على إثر ذلك دوى انفجار هائل مرعب وتردد صداه في قعر الوادي...
    كان الضباب الكثيف قد غشّى الوادي وعم كل انحائه..امتزج بياضه الناصع بالسواد القاتم للدخان المتصاعد في الفراغ كما لو ان القدر قد اسدل على المكان ستارا سميكا ليحجب عن الانظار فظاعة الموت الرهيب.....

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,106
    المواضيع : 317
    الردود : 21106
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    آلمتني يارجل بهذا الحادث الأليم..
    وقد انغمست في القراءة متوحدة مع رابح الجائزة ، أتأمل تفكيره وأتسائل:
    ترى هل ستغيره النقودفينسى والده وزوجه وابنته؟؟ هل ستكون عونا للشيطان عليه؟؟
    تضاربت الأراء عندي ، كما تضاربت في تجاويف جمجمته فشرد..
    وكان في شروده نهاية لأحلام الجائزة الكبرى ـ ونهاية لحياته.
    السرد شائق، والأداء ملفت، والحبكة محكمة أمسكت بتركيزي حتى النهاية
    طرح طيب ويراع متمكن وفكرعميق فشكرا لك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2014
    المشاركات : 89
    المواضيع : 21
    الردود : 89
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    آلمتني يارجل بهذا الحادث الأليم..
    وقد انغمست في القراءة متوحدة مع رابح الجائزة ، أتأمل تفكيره وأتسائل:
    ترى هل ستغيره النقودفينسى والده وزوجه وابنته؟؟ هل ستكون عونا للشيطان عليه؟؟
    تضاربت الأراء عندي ، كما تضاربت في تجاويف جمجمته فشرد..
    وكان في شروده نهاية لأحلام الجائزة الكبرى ـ ونهاية لحياته.
    السرد شائق، والأداء ملفت، والحبكة محكمة أمسكت بتركيزي حتى النهاية
    طرح طيب ويراع متمكن وفكرعميق فشكرا لك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    *********************

    الاخت ناديه محمد الجابي
    ومما يزيد ألما وحسرة أن الحادث واقعي لم تكن تنقصه الاهذه الخيالات الجامحة الضرورية لبناء قصصي درامي من هذا النوع..

    جزيل الشكر على طيب ردك...

  4. #4
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    يا لحظّه !
    سرد جاذب ومؤثّر حتّى النّهاية الصّادمة التي أحزنتني
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2014
    المشاركات : 89
    المواضيع : 21
    الردود : 89
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    يا لحظّه !
    سرد جاذب ومؤثّر حتّى النّهاية الصّادمة التي أحزنتني
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    ********************

    االاخت كاملة بدارنه

    تقديرنا لك بالمثل على ارتساماتك حول النص..

  6. #6
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.00

    افتراضي

    حلق باجنحة الحلم ونسي ارتداء مظلة تقيه قوة الارتطام بارض الحقيقة
    سلاسة في السرد وتشويق في الوصف بنهاية مؤلمة
    بوركت وتقديري

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2014
    المشاركات : 89
    المواضيع : 21
    الردود : 89
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلود محمد جمعة مشاهدة المشاركة
    حلق باجنحة الحلم ونسي ارتداء مظلة تقيه قوة الارتطام بارض الحقيقة
    سلاسة في السرد وتشويق في الوصف بنهاية مؤلمة
    بوركت وتقديري
    ************************
    تحية صادقة لخلود محمد جمعة..
    رؤية نقذية صائية وتحليل عميق مركز في عبارات موجزة..
    طاب مساؤك...


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    الأستاذ الأديب صالح اهضير

    ربما يشعر الإنسان أنه يكون في نعمة بعد ان يواجه ما لا تُحمد عقباه .
    نصّ جميل ووصف شامل لجوانب الحدث .
    دمت بخير أديبنا .
    تحياتي .
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  9. #9
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2014
    المشاركات : 89
    المواضيع : 21
    الردود : 89
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي شعور بالثقة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    الأستاذ الأديب صالح اهضير

    ربما يشعر الإنسان أنه يكون في نعمة بعد ان يواجه ما لا تُحمد عقباه .
    نصّ جميل ووصف شامل لجوانب الحدث .
    دمت بخير أديبنا .
    تحياتي .
    ************************

    تحية صادقة للأخ عبد السلام

    ارتساماتكم حول النص القصصي زادتنا ثقة بما جادت به قريحتنا قي هذا الروض البهيج ...


  10. #10
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    مات سعيدا بحلمه محلقا في فضاءاته، وخلّف وراءه من خسروا كل شئ حتى هو!!

    قص جاد الفكرة بسرد شائق ونهاية صاعقة
    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة