كانت المنظومة الثقافية جزءاً من واقع الاستبداد والعنصرية الذى عاشته مصر رَدْحاً من الزمن ؛ فكما تم حظر الممارسة السياسية والوصول الى مراكز السلطة الا على ذوى الحظوة ممن رضى عنهم النظام ، وكذلك احتكار المناصب القضائية وكراسى النيابة العامة لأبناء القضاة وعلية القوم مع حرمان أبناء البسطاء منها ، أيضاً تم اغلاق أبواب ونوافذ الساحة الثقافية المصرية فلا يدخلنها أحد من أصحاب الفكر والمرجعية الاسلامية ؛ فهى ملك لمُحتكرى الثقافة من معتنقى الفكر اليسارى والماركسى .
هذه التجربة المريرة التى مَر بها المصريون حَفلت بموجات من الفساد العام الذى طغى على كل أوجه الحياة وتغلغلَ فى غالبية مؤسسات الدولة ؛ وكما قام النظام السياسى على تزوير الارادة الشعبية بشراء الذمم والبلطجة ، عِوَضاً عن المنافسة الشريفة بين البرامج والسياسات واعلاء رأى المواطن واحترام قناعاته ، كذلك كان الواقع الثقافى قائماً على تزوير الارادة الشعبية وتصدير خطاب ثقافى غير مُعبر عن روح الشعب وأفكاره وأخلاقياته ونظرته للكون ورؤيته للواقع ، فكان الخطاب الثقافى – مَقروءاً ومُشاهَداً – مُعبراً عن رؤى وأفكار لا تنتمى لهذه التربة ولا تخص هذا الشعب وتاريخه وتراثه .
لذلك عَزفَ غالبية الشعب عن الذهاب الى لجان الانتخابات لأنهم كانوا على يقين بأن نتائج الانتخابات يتم التلاعب بها لصالح الحزب الحاكم ، فاعتزلوا المشاركة فى الحياة السياسية وهذا الواقع القميئ المليئ بالفساد والمُلوث بالخطايا .
وعزفوا كذلك عن المشاركة فى الفعاليات الثقافية التى تعبر عن وجهة نظر واحدة وترضى ذوقاً واحداً وتروج لقناعات فصيل بعينه ، وقد مضى على احتكارهم للساحة الثفافية سنين طويلة فتضخمتْ ذواتهم وثرواتهم وزادت عزلتهم عن الشعب وعزلة الشعب عنهم – تماماً كعزلة الشعب عن الحاكم الطاغية - ؛ وكما انفردَ الحاكمُ بكل شئ فلا يحضر مؤتمراته وانتخاباته وخطاباته الا نخبته ، كذلك هجرَ المصريون قصورَ الثقافة ودورَ العرض السينمائى والأوبرا والمسارح التى دأبت على عرض أعمال غريبة عن الواقع المصرى ولا تعبر بصدق عن تقاليده وقيمه وتراثه وانتمائه العروبى الاسلامى ؛ فصارَ لا يقرأ الدوريات والمجلات الصادرة عن وزارة الثقافة الا قلة ضئيلة ، وحبست العائلات المحترمة نفسها داخل المنازل ، واذا خرجت فالى المتنزهات والحدائق ، أما المسرح والسينما فأصبحَ من غير اللائق فى عهد الاحتكار الثقافى أن تحضر عائلة مصرية عروضهما المنافية للذوق العام ، بما يؤكد الانسجام والتناغم مع عدم احترام ارادة الناخبين سياسياً ، واحتقار أذواقهم وازدراء رؤاهم وتوجهاتهم الفكرية ثقافياً .
النظام القديم يأبى الرضوخ للارادة الشعبية ، مستخدماً بلطجيته وشبكات علاقاته داخل الدولة العميقة ؛ كذلك تدور الأحداث داخل الساحة الثقافية منذ بدأت الثورة الحقيقية داخلَ الوزارة على الفساد والاحتكار والعنصرية مع تولية الوزير الجديد.
المواجهة ضرورية وقد سَالتْ فيها دماء بعدَ أن قادَ خالد يوسف مجموعة البلطجية ووضعَ لهم سيناريو الاعتداء فى فيلم من اخراجه لا ينتمى الا لسياسة وثقافة نظام مبارك .
فى مداخلة تلفزيونية قال الدكتور أحمد مجاهد ان المعتصمين داخل مكتب الوزير هم من كبار القامة والسن ومن أعلام مصر فى الأدب والفن .
لم يكن مبارك كذلك حيث كان يكره القراءة فكان تعامله مع الثورة على الوجه الذى رأينا ونرى ؛ أما الأعْلام والقامات الفكرية فمن السهل اقناعها أن للعنصرية نهاية ، وأن الظلم لا يدوم الى الأبد الا مع الأذليْن العاجزيْن عن التغيير ، وهما فقط حمار الحى والوتد المربوط به ، كما قال الشاعر :
ولا يُقيم على ضيم يُراد به الا الأذلان عِيرُ الحى والوتدُ
هذا على الخسْف مَرْبوط برُمته وذاك يُشق فلا يَرْثى له أحدُ
عندى تفسير أعمق للبيتين يَطالُ كبار القامة والسن من المثقفين المعتصمين ، فى حالة اذا أصروا على أن يربطوا مصيرَهم بمصير طاغية عتيد .