وعن المجهولين الذين بنوا الأمجاد وغيروا مسارَ البشرية تحدث العلامة أبو الحسن الندوى فى أحد كتبه ؛ فأكد أنه تقصى أسماء صانعى أكبر معجزة حدثت فى البشرية عندما حولوا ثلاث أمم من منهج الى منهج ومن دين الى دين وهم العرب والأفغان والتتار فلم يعثر على اسم واحد من هؤلاء الكبار الذين كانوا سبباً فى أحداث بهذه الضخامة ، وذكر نموذج جندى عثر فى احدى المعارك على تاج مُرصع بالجواهر الثمينة فأتى به قائده وأعطاه اياه ، فسأله : ما اسمك ؟ قال لا حاجة لك به ، اسمى يعرفه ربى ، ربهم يعرفهم وهو يعطيهم وعنده لهم الذكر الحسن وجزيل العطاء .
وفى خيبر لن تعثروا على اسم صاحب قصة شهيرة مع النبى طلب منه شرطاً لاسلامه أن يتبعه فى غزواته ، فلما غنمَ النبى فى خيبر دفعَ الى الرجل جزءاً منه ، فأتى النبى وقال : ما على هذا اتبعتك انما على أن أُرمى بسهم هاهنا وأشار الى حلقه فأدخل الجنة .
ونوابغ ورموز ومخترعون وتقاة وعباد – بدون لحى وثياب قصيرة – وموهوبون فى الصلة والتكافل والبذل والتضحية والبر والطب والهندسة والطاقة النووية والتاريخ والأدب وكافة الفنون ، لكن مجهولون لا يعلمهم أحد ، ولا تنظم لهم مسابقة باذخة واعلانات سخية وبرامج يشاهدها الملايين ليصبح الواحد منهم " آراب آيدول " أو رمز العرب ونموذجهم .
النساء مُقدمات هنا وهن الأوائل بصدور عارية وأصوات مُغوية وأجساد تجيد التعرى والتثنى والرقص ، وكان أول مؤمن امرأة وأول شهيد امرأة ، وأول مهاجر الى الحبشة امرأة والى المدينة المنورة ، وأول من روى نزول سورة الأنعام جملة فى مكة امرأة وأول من هاجر الهجرتين وصلى القبلتين امرأة ، وأول من بنى جامعة فى الاسلام وفى العالم امرأة ، ومن بيروت الى العرب تُصدر وتشتهر الأولى فى الرقص والقدرة على الحشد خلف صوتها الأنثوى الآسر .
رمز العرب " آراب آيدول " والغناء وتكرار لعبودية الراحلين واستنساخ مغنين من مغنين ومغنيات من مغنيات ، ورِى بماء وافر من ثروات العرب لأرض النفاق ، وتكريس لثقافة المديح واعلاء الهوامش وتصديرهم المشهد الى حد الجنون ؛ فشغل أبى مازن الشاغل ليس تحرير القدس انما دعم " عساف " ومتابعته ؛ وربما نسى قضية الأسرى واسم سامر عيساوى ورفاقه المضربين عن الطعام فى سجون المحتل ، وربما علق المصريون على أحمد جمال آمالَهم وحل أزماتهم الطاحنة بسواح وسلامتها أم حسن .
آراب آيدول وتكريس لثقافة النجم ؛ فالنخبة المُقدمة المُوقرة التى تُفرش لها السجاجيد نخبة الغناء والرقص ، واذا شاخ النجمُ أو شاختْ النجمة فلا مجال لجرح غرورها أو غروره بالتقاعد ، وليجلس على كراسى المُحكمين فى ارتقاء لدرجة أعلى ومنزلة تتيح له حيازة مزيد من المزايا وجرعات اضافية من الغرور .
وملخص القصة أنه اجتمع من أهل مدينة لشبونة ثمانية رجال أبناءُ عمومة من درب واحد ، سُمى " درب المغرورين " ، اتفقوا على خوض بحر الظلمات " المحيط الأطلسى " ليعرفوا ما فيه ، فأعدوا مركباً ملؤوه بالزاد والماء يكفيهم لأشهر ، وساروا لأول الريح الشرقية ولمدة أحد عشر يوماً فواجهوا موجاً وقلة ضوء أيقنوا بالتلف ، فنزلوا وشربوا من عين جارية وأكلوا من فواكه التين .
ولما ذبحوا من أغنامها وجدوها مُرة فأبحروا نحو الجنوب اثنى عشر يوماً حتى وصلوا جزيرة عامرة فأحاط بهم أهلها وأخذوهم فرأوا رجالها طوالاً شقراً شعورهم سبطة ولنسائهم جمال عجيب فتم اعتقالهم أياماً ، ثم رحلوهم وأوصلوهم الى بر بعد نحو ثلاثة أيام عند مَرْسى فى أقصى المغرب .
وكانت تلك قصة اكتشاف بحر الظلمات فى أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الهجرى - القرن التاسع عشر الميلادى ، تدل على أن المسلمين أصحاب سبق فى الكشف عن الكنوز وارتياد المجاهيل براً وبحراً وجواً ، وذكرها الشريف الادريسى فى كتاب " نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق " .. هكذا سُمى دربهم " درب المغرورين " .
لا بل درب المُكتشفين العظام ، أما اذا أردت حقاً سلوك درب المغرورين ، فتابع العرب وخيبتهم على " آراب آيدول " .