عودا إلى ما ابتدأت الحديث عنه : التأمل في آيات الله الكونية والشرعية هو سبيل المؤمنين العاملين العالمين
قال تعالى :{ إنما يخشى الله من عباده العلماء}
وقد علم من قواعد اللغة أن إنما تفيد الحصر , وهذا الحكم الإلهي في قضية حصر الخشية إنما يتجه إلى الخشية التامة الموجبة للفوز والنجاة في الداريين
فالعلم بالله تعالى وبكل ما يحقق ذلك العلم من التأمل في ملكوت الله وما خلق الله في السموات والأرض وما بث فيهما من دابة , يزيد في أسباب العلم بما يجب لله تعالى من تعظيم وإجلال وبما هو أهل له من صفات الكمال والعظمة والكبرياء .
فالله تعالى عليم سميع خبير قوي عزيز , نرى وندرك آثار صفاته هذه في تأمل خلقه السموات بغير عمد , ودون خلل , {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور . الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}
ولو تأملنا آيات الله الشرعية : الكتاب العزيز لو جدناه يبدي ويعيد في هذه الحقيقة العظيمة فكم من الآيات تلك التي تأمر وتلفت وترشد إلى التدبر في عظيم ما خلق الله , {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}
فالتدبر والتأمل وسيلة وليس بغاية إياكم أن يحملكم الانبهار بعظيم صنعتها إلى الانشغال بها فما هي إلا مجبولة مربوبة , وليكن هذا التأمل سبيلا إلى شكر المنعم الخالق العظيم والذي يتجلى في أعظم صور العبودية : السجود لله تعالى .