من تصحيح المفاهيم: مفهوم التفضيل
قال الطبري: "بما فضّل الله بعضهم على بعض"، يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن."
قال الشيخ سليمان الخراشي في كتابه (معنى تفضيل جنس الرجال على جنس النساء) في الصفحة 68
معنى تفضيل الرجل على المرأة
بعض الناس يعتقد أن المقصود بقولنا إن الرجل أفضل من المرأة، هو أن الله يحب الرجال دون النساء؛ ولذا سيدخلهم الجنة دونهن ؟! أو أن كل رجل سيدخله الله الجنة نظرا لرجولته، مثلا. فلذا تجد هذا (البعض)
عندما يسمع منك تفضيل الرجل على المرأة يبادرك بقوله: معنى هذا أنك أفضل من مريم أو عائشة أو خديجة –رضي الله عنهن – أو يقول: معنى هذا أن الرجل الكافر أفضل من المرأة المؤمنة.
فيحصل من هذا خلط وبلبلة في هذه المسألة،
لأنه لم يفهم المراد بالتفضيل، ولو فهم المراد لهدأت نفسه، وسكنت ثائرته، ورضي بما قسم الله لكل من الجنسين.
وتوضيح هذا يكمن في أن يقال: هذا التفضيل للرجل على المرأة لا يتعدى هذه القسمة:
1) أن يكون تفضيلهم بأن يدخلهم الله الجنة دون النساء
وهذا باطل لأننا نرى أن النار يدخلها فئام من الرجال بل إن القرآن خص رجالا بدخول النار بأعيانهم كفرعون وأبي لهب وغيرهما.
2) أو أن يكون التفضيل بأن الله يحب الرجال دون النساء. وهذا لا دليل عليه؛ لأن النصوص الشرعية
تدل على أن الله يحب (المتقين) (المحسنين) (التوابين) (المتطهرين) (الصابرين) (المتوكلين) (المقسطين) وكل هذا يعم النساء كما يعم الرجال بلا فرق.
3) أن يراد بالتفضيل أن الله خص الرجال بصفات تختلف عن صفات النساء ـ لحكمة يريدها سيأتي بيانها ـ وهذه الصفات التي خصهم بها ترتب عليها تفضيلهم بأشياء أخرى أعطاهم إياها لم يعطها للنساء.
وهذه الصفات التي خص الرجال بها مثل: القوة البدنية، قوة التحمل،
عدم الجزع ـ مقارنة بالنساء ـ، الجلد على تدبير الأمور، تمام العقل وعدم ضعفه عند تزاحم الوارد عليه.
وقد ترتب على هذه الصفات أن خصهم الله بأشياء لم يعطها النساء مثل:
1ـ أن تكون النبوة فيهم
2ـ القوامة على النساء
3ـ التضعيف في الميراث
4ـ الجهاد والغزو
5ـ الإمامة العظمى ومنصب القضاء التي يستدعي تدبير الأمور والبروز للناس
6ـ أن يكون أمر الطلاق بيده لا بيد المرأة
7ـ أن تكون شهادته تعدل شهادة المرأتين.
(...) فهذا التفضيل من الله للرجال على النساء لا يستلزم دخولهم الجنة أو قربهم منه تعالى لأن أمور الآخرة لا دخل لها بهذه الخصائص التي خص بها الرجال لتستقيم حياة البشر في الدنيا وإنما أمر الآخرة
مرتبط بالإيمان والعمل الصالح فمن كان مؤمنا عاملا بالصالحات فهو الأقرب عند الله كما قال سبحانه (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لا رجالكم.
فأيما امرأة آمنت بربها وعملت من الصالحات فهي في منزلة من آمن وعمل الصالحات من الرجال ولا فضل له عليها في الآخرة لأجل رجولته لأن أمر الرجولة انتهى مع نهاية الدنيا.
قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
فالحياة الطيبة للمؤمنين من الجنسين
والفلاح في الآخرة للمؤمنين من الجنسين (1)
ولتوضيح هذا أيضا أقول:
إن تفضيل الرجال على النساء هو كغيره من الأفضال الأخرى من الله، مثال ذلك (المال) هو من فضل الله على الإنسان فمن أعطاه الله مالا فقد فضله على غيره بخصيصة لا توجد عند غيره كما قال تعالى {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ} ولكن هذا الفضل (وهو المال) لا يقرب الإنسان من الله زلفى إذا لم يؤمن ولم يعمل الصالحات بل قد يكون هذا الفضل من الله إذا لم يقارنه الإيمان والعمل الصالح سببا من أسباب عذاب هذا الإنسان في الدنيا والآخرة وقد قال تعالى {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} ومثل المال: الصحة، هي فضل من الله، وهكذا كل أمر مباح يحبه الناس ويتنافسون في تحصيله هو من فضل الله لكنه لا يقرب صاحبه إلى الله زلفى ما لم يقرن بإيمان وعمل صالح.
وهكذا أمر (الرجل) مع (المرأة) فالرجولة فضل من الله على الإنسان في الدنيا نظرا لما يترتب عليها من صفات ـ سبق بيانها ـ ولكن هذه (الرجولة) لا تكفي عند الله لنيل مرضاته ودخول جناته لأن أمر الآخرة مختلف عن الديا وما فيها من فضائل. (...) فليس معنى تفضيل الرجال على النساء أنهم أقرب عند الله أو أنهم يدخلون الجنة قبل النساء أو يختصون بمنازلها العالية دونهن كل هذا لا يقوله مسلم لأن التفضيل ليس في هذه الأمور التي قد تتفوق فيها كثير من النساء على الرجال وقد يخص تعالى بعضهن بالقرب والفضل العميم منه كزوجاته إنما التفضيل في الصفات الخاصة بطبيعة تكوين الرجل وصفاته التي تميزه عن المرأة ـ كما مضى ـ وهو تفضيل مُنْتَهٍ بنهاية الدنيا لا يمكن لأي إنسان تغييره مهما فعل لأنه تابع للخلق والفطرة وإرادة الله التي اقتضت وجود جنسين متمايزين في هذه الدنيا يسكن بعضهما إلى بعض ويؤدي كل منهما دوره المحدد له". انتهى كلامه
فزبدة المسألة أن:
الافضلية خصيصة كونية دنيوية تنتهي بنهاية الدنيا
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقد أبان سبحانه هذا المعنى فقال { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} ففرق المولى بين الفضل والكسب.