أحدث المشاركات

قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة-الخليل

  1. #1
    الصورة الرمزية د.عمر خَلّوف العروضي
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 566
    المواضيع : 79
    الردود : 566
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة-الخليل

    يستدعي المنطق السليم أن نضع أنفسنا مكان الخليل رحمه الله تعالى، لنتخيل كيف بدأ عمله العلمي المنظّم في اكتشاف تلك المنظومة الإيقاعية للشعر العربي، والتي سميت فيما بعد بالعروض..
    فلا يُعقل أبداً أن يكون هذا العلم قد هبط على الخليل وحْياً من الله تعالى، وإن لم ينقصه توفيقه.
    وليس مهمّاً عندنا مصدر الشرارة الأولى التي قدحت عنده فكرة البدء في استكشاف هذه المنظومة، أكانت من ضرب مطرقة على طست، أم من هدهدة شيخ لِفتاهُ تنغيماً أو تنعيماً، أم استجابة لدعوة تهدّجت بها حنجرة هذا العالم، طائفاً ببيت الله الحرام..
    لكننا لا نشك قطّ في أن هذا العالم الجليل قد أجال فكره الثاقب، في ذلك الكمّ الهائل من الشعر العربي، الذي انتهى إلى حافظته الواعية، فتأمّل فيه مليّاً، وراح يؤاخي فيه بين القصائد المتشابهة النغم، لتجتمع لديه مجموعات من تلك المتشابهات.
    ولا بدّ أن تكون أكبر هذه المجموعات قد اشتملت على أشهر إيقاعات الشعر العربي، (كقصائد ما سمّاه فيما بعد بالطويل، والبسيط، والكامل، والوافر...).
    ولقد راح الخليل يستشعر الفروق الإيقاعية بين مجموعة وأخرى، ويتساءل عن مكمن أسرارها.
    لم تكن أمام الرجل إلاّ كلمات اللغة التي كُتِبَ بها الشعر، فلا بدّ إذن أن يكون السرّ في هذه الأصوات التي تنبعث من حروفها.. فأرعى سمعه المرهف إليها، غاضاً الطرفَ عن معانيها، فوجد نبرةً صوتية متشابهة تبرز في الحروف المتحركة (سواء أكانت مفتوحة أم مضمومة أم مكسورة)، وتخمد في الحرف الساكن.
    ولذلك اتخذت النظرية الخليلية من المتحرّك والساكن أساساً لتحليل الإيقاع الشعري. فلقد استطاعت عبقرية الخليل الفذة أن تكتشف مكونات الإيقاع بِنَفاذِها إلى ما وراء الكلمات الشعرية، ونظْرَتِها إلى ذلك الإيقاع نظرةً تجريديةً مبسّطة، غاضّةً الطرْفَ عن معاني الكلمات أولاً، وصور الحروفِ ثانياً، ومُبْقِيةً على ما يدلُّ عليها من الحركات والسَّكَنات. بل لقد شمل التجريدُ صورَ الحركاتِ أيضاً، فرُمِزَ إليها جميعُها برمزٍ واحد ( / )، وللسكون برمز آخر ( ه ) ( ).
    وقد أظهرَ ذلك التجريدُ أنّ الإيقاعَ الشعريَّ ناشئٌ عن تتابعٍ معيّنٍ لهذه المتحركات والسواكن التي تحملها الكلمات المتنوعة للبيت الشعري، تتابعاً منسجماً، يختلفُ من إيقاعٍ إلى آخر.
    ولدراسة الإيقاع؛ عمل الخليلُ على إعادة تركيبه مرّةً ثانية، حيث لاحظ -بدايةً- اجتماع المتحركات مع السواكن في وحداتٍ صغيرةٍ سمّاها المقاطع، وذلك وفقاً لعدد المتحركات التي تسبق السكون.
    ونظراً إلى أنّ الكلامَ العربي يبتدئُ بالمتحرّك ويقف على الساكن، فلذلك لا نشكّ أن المقاطعَ عند الخليل في هذه المرحلة من التحليل أو التركيب لم تتجاوز في الشعر أربعةَ أشكالٍ هي:
    1. السبب الخفيف: ويتألف من متحرّكٍ فساكن .....ورمزه : ( /ه ).
    2. الوتد المجموع: ويتألف من متحركين فساكن .....ورمزه : ( //ه ).
    3. الفاصلة : وتتألف من ثلاثة متحركاتٍ فساكن ....ورمزُها : ( ///ه ).
    4. الفاضلة : وتتألف من أربعة متحركاتٍ فساكن ....ورمزها : ( ////ه ).


    إلاّ أنّ حاجَتَهُ فيما بعد إلى حَلِّ بعض المشاكل التي واجهته، أدّتْ إلى افتراضِهِ وجودَ مقاطع أخرى؛ كالسبب الثقيل ( // )، والوتد المفروق ( /ه/ ) كما سنرى.

  2. #2
    الصورة الرمزية د.عمر خَلّوف العروضي
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 566
    المواضيع : 79
    الردود : 566
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    ولنا أن نتخيّلَ هنا كيفَ انتقل الخليل من فكرة (المقاطع) الوزنية إلى فكرة (الوحدات) الوزنية الأكبر، وهي التفاعيل( ).
    فبعدَ تجريد الأنساقِ الوزنية المختلفة إلى مكوناتها الأولية من المقاطع، لاحظ الخليل تكراراً منتظماً لبعض المقاطعِ المتجاورة داخل النسق الواحد (كأن يتكرر وتدٌ وسبب، أو وتدٌ وسببان، أو وتدٌ وفاصلة) مكوِّنةً بذلك وحداتٍ وزنيةٍ متماثلة أو متساوقة. ولا نستبعدُ أبداً أن تكونَ البحورُ الشائعةُ (كالطويل والبسيط والرجَز والمتقارَب والكامل والوافر .. ) هي أول الأنساق التي قامَ الخليل بتحليلها. وفي جميع هذه البحور تكرّرتْ بعضُ الوحدات الوزنية تكراراً ساذجاً (متماثلاً) أو مركّباً بطريقةٍ تَجاوبيةٍ تقتربُ من السذاجة أو التماثل. وكانت جميع هذه الوحدات إما تبتدئُ بوتدٍ أو تنتهي به.
    • فقد تكررت الوحدة (//ه/ه) في المتقارب. وقد وضعَ لها مقابِلاً لفظياً هو (فعولن).
    • وتكررت الوحدة (//ه/ه/ه) في الهزج. وقد وضعَ لها مقابلاً لفظياً هو (مفاعيلن).
    • وتكررت الوحدة (/ه/ه//ه) في الرجز (والسريع). وقد وضعَ لها مقابلاً لفظياً هو (مستفعلن).
    • وتكررت الوحدة (///ه//ه) في الكامل. وقد وضعَ لها مقابلاً لفظياً هو (متَفاعلن).
    • وتكررت الوحدة (//ه///ه) في الوافر. وقد وضعَ لها مقابلاً لفظياً هو (مفاعلَتن).
    • بينما تكررت الوحدتان (//ه/ه .//ه/ه/ه) معاً في الطويل. وواضح أنهما (فعولن مفاعيلن).
    • وتكررت الوحدتان (/ه/ه//ه ./ه//ه) معاً في البسيط. وواضح أنهما (مستفعلن فاعلن).


    وكانَ لا بدّ من اعتماد هذه الوحدات/التفاعيل الستّ مكوناتٍ لعددٍ من البحور.

    وواضح هنا أن انقسامَ هذه الأنساقِ جميعها إلى وحدات/تفاعيل هو انقسامٌ مطّردٌ، يُؤخذ فيها الوتد وما يليه من أسباب أو فواصل، وذلك في البحور التي تبتدئُ بوتد (المتقارب، الوافر، الهزج، الطويل)، أو يؤخذ فيها الوتدُ وما يسبقُهُ من أسباب أو فواصل، وذلك في البحور التي تبتدئُ بسبب أو فاصلة (الكامل، الرجز، البسيط).

    ولعلّ الخليلَ في هذه المرحلة كان يعتبر السريعَ مؤلفاً من:
    مستفعلن مستفعلن فاعلن
    /ه /ه //ه.../ه /ه //ه.../ه //ه

    والرمَلَ مؤلّفاً من:
    فاعلن مستفعلن مستفعلن
    /ه //ه.../ه /ه //ه.../ه /ه //ه

    والمديدَ مؤلّفاً من:
    فاعلن مستفعلن فاعلن
    /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه

    لأن تفاعيل هذه البحور تنسجمُ -كما هو واضح- مع ما سبقَ ذكره من التفاعيل، ويمكن انقسامها بذات الطريقة السابقة.

    .. يتبع ...

  3. #3
    الصورة الرمزية د.عمر خَلّوف العروضي
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 566
    المواضيع : 79
    الردود : 566
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    وواضح حتى الآن أنّ نظرية الخليل لا تزال مطّرِدةً مع واقع الشعر إلى حدٍّ ما. إلاّ أنّ الملاحظةَ الدقيقةَ؛ أظهرتْ للخليل أنّ من الأنساق الشعرية ما لا تتكرر فيه المقاطع بصورة متماثلة أو شبه متماثلة؛ فلقد وقع الخليل على أنساق مثل:

    •.. /ه //ه ... /ه /ه /ه //ه ... /ه //ه (وهو ما سمّاه فيما بعد بالخفيف).
    /ه //ه ... /ه /ه /ه //ه ... /ه //ه (وهو ما سماه بالمنسرح).

    وهما من الأنساق الشائعة إلى حدّ ما في ذلك العصر. كما أنهما نسقان متشابهان تركيبياً؛ حيث يختلف أولهما عن الآخر بانتقال أحد الأسباب من أول النسق إلى آخره كما هو واضح.
    وبالنظر إلى كيفية انقسام الأوزان المتماثلة والمتجاوبة، كان من المفروض أن يقسم الخليل مثل هذه الأنساق بأن يأخذ الوتدَ وما يسبقه من أسباب. إلاّ أن مثلَ هذا التقسيم لا يظهر عليه الاتّساقُ الظاهري الذي ظهر على البحور المذكورة آنفاً، كما أنّ وحدةً مثل (/ه /ه /ه //ه) يصعب تمثيلها بكلمة واحدة طويلة لثقل النطق بها.
    وهكذا كان على الخليل -في مثل هذه الأنساق- أن يجدَ طريقةً مقْنِعةً لتقسيمها إلى وحدات، إن لم تكن متماثلة فلا أقلَّ من ظهورِ الاتّساق فيها. وهكذا توصّل إلى تقسيمها سُباعِيًّا هكذا:

    /ه //ه /ه ... /ه /ه //ه ... /ه //ه /ه (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن)
    /ه /ه //ه ... /ه /ه /ه / ... /ه /ه //ه (مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن)


    حيث يظهر في مثل هذا التقسيم اتساقٌ بين تفعيلتين متماثلتين بينهما تفعيلة ثالثة مختلفة. وبدتْ بذلك معظمُ الأنساق عنده ظاهرةَ الاتساق، مُقْنِعَةَ التقسيم إلى حدٍّ ما، على الرغم من ظهور وحدتين جديدتين لا تجريان على ذات النسق للتفاعيل الست الأخرى. فبينما تبتدئ التفاعيل الأخرى بوتدٍ أو تنتهي به، فإنّ (فاعلاتن /ه //ه /ه) تضمّ وتدًا بين سببين، و(مفْعولاتُ /ه /ه /ه /) تفعيلةٌ لا وتدَ فيها، بل إنها أدّت إلى شطْرِ وتدٍ مجموعٍ إلى جزأين، يَنضَمُّ ثانيه إلى تفعيلةٍ أخرى عادةً.
    إلاّ أن الخليلَ توصّلَ بهذه العمليةِ التركيبية إلى تمثيل الإيقاع الشعري بكلماتٍ مجرّدةٍ ليست بذات معنى، ولكنها قادرةٌ على حَمْلِهِ وإيصالِه. وربما كانت هذه غايةُ الخليل في البداية.
    ومما يدلّ على هذه الغاية عند الخليل؛ قِسْمَتُهُ البحرَ الخفيفَ إلى (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) على الرغم من وقوعه في دائرةٍ واحدةٍ مع السريع والمنسرح والمقتضَب كما يلي:

    السريع = مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ
    المنسرح = مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن
    المقتضب = مفعولاتُ مستفعلن مستفعلن
    الخفيف = فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن


    فلَوْ لم تكن غاية الخليل هنا هي تمثيل الإيقاع بكلماتٍ مجرّدةٍ تحملُه، لكانَ من المفترض أن يضمَّ الخفيفُ التفعيلة (مفعولاتُ) كغيره من بحور دائرته هكذا: (فاعلن مفعولاتُ مستفعلاتن).
    وقلْ مثلَ ذلك في قسمته لبحر الرمل.

    يتبع...

  4. #4
    الصورة الرمزية د.عمر خَلّوف العروضي
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 566
    المواضيع : 79
    الردود : 566
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    ولقد كان من الممكن للخليل أن يقفَ عندَ هذا الحدِّ من العملية التركيبية، إلاّ أنه لاحظَ تناظُرًا بين بعض هذه الوحدات أو التفاعيل، حيث (فاعلن /ه //ه) هي عكسُ (فعولن //ه /ه) في ترتيبِ مقطعيهما. وكذلك فإن (مستفعلن /ه /ه //ه) هي عكس (مفاعيلن //ه /ه /ه)، كما أن (متَفاعلن ///ه //ه) هي عكس (مُفاعَلَتن //ه ///ه). وبالتالي فقد لاحظ تناظُرًا بين البحور المركّبة من هذه التفاعيل؛ فالتناظرُ واضحٌ بين (الكامل والوافر)، وبين (الرجَز والهزج)، وبين (الطويل والبسيط). كما أن هنالك تشابُهًا صارخًا بين نسَقَيْ (الخفيف والمنسرح) ..
    وهكذا نشأت عنده فكرةُ ضَمِّ البحور المتناظرة إلى بعضها بعضاً، وتركيبها في دوائرَ تجمعُها على أساسٍ من مكوِّناتها، فضمَّ (الطويلَ والبسيطَ) في دائرة، وضمَّ (الكاملَ والوافرَ) في دائرةٍ ثانية، وضمَّ (الرجزَ والهزج) في دائرةٍ ثالثة، وضمّ (المنسرحَ والخفيفَ) في دائرةٍ رابعة، وبقيَ المتقارَبُ وحدَهُ في دائرةٍ خامسة.
    وخلافاً لما عليه الأمر بالنسبة لجذور اللغة العربية، وما فعله الخليلُ -أو سواه- في معجم العين، فيستحيل عقلاً أن تكون الدوائرُ العروضية سابقةً لوصفِ الخليل للبحور. فحروف اللغة وأصول الكلِم العربي كانت جاهزة واضحة أمام عين الخليل، ولم يكن أمامه لحصر جذورها إلا عملية التقليب الإحصائية المعروفة.
    في حين لم يكن أمام الخليل من مكونات الإيقاع الشعري إلا (الشعر ذاته)، وكان عليه أن يبدأ رحلة البحث عن جذور الإيقاع ومكوناته الأولية، حيث عمل أولاً على تجريد الحروف والكلمات إلى مكوناتها الأولية من المتحركات والسواكن، ومن ثمّ إعادة تركيبها موسيقياً إلى مكوناتها المقطعية، فاكتشاف التفاعيل التي تتألف منها الأنساق..
    وكانت الدوائر هي المرحلة النهائية التي توج بها نظريته المعروفة.
    ونحنُ لا نرى لدوائرِ الخليلِ من ميزةٍ سوى تبْيانِها لأوجُهِ التشابه التركيبي والتناظر بين بحور الدائرة الواحدة، وذلكَ على الرغم من أنها تجمَعُ بين الوزن ومعكوسه كما هو واضح هنا:
    /ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه /ه //ه
    الرجز  ........  الهزج
    [مكان المربع الأول سهم من اليمين لليسار
    ومكان المربع الثاني سهم من اليسار إلى اليمين]
    ولكنّ فكرة الدوائر هذه قدّمت إغراءً للخليل، إذ أمكن فيها أن يفكّ البحر (المديدَ) من دائرةِ (الطويل والبسيط)، (والرمَلَ) من دائرة (الهَزَج والرجز)، (والمضارعَ والمقتضَبَ والمجتثّ بل والسريعَ أيضاً) من دائرة (الخفيف والمنسرح)، وذلك نظرًا لتطابق التسلسل الإيقاعي التركيبي لهذه البحور مع جزءٍ من التسلسل الإيقاعي التركيبي للبحور المكوّنة للدوائر المقابلة، وبالتالي مكّنَتْه من جَمْعِ البحورِ كلّها في خمسة دوائر. بل إنها قدّمت له معالِمَ نظريّةٍ عروضيّةٍ شبه متكاملة: "فالشعر كلّه مركّبٌ من سبب ووتدٍ وفاصلة" ومنها تتركّبُ الوحدات الوزنية الثمانية (التفاعيل) التي يُقطّعُ بها الشعر، ومن التفاعيل تتركّبُ الأنساقُ الخمس عشرة للشعر (البحور)، تجمعُها كلّها خمس دوائر( ).

  5. #5
    الصورة الرمزية د.عمر خَلّوف العروضي
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 566
    المواضيع : 79
    الردود : 566
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    إلاّ أنّ إغراءَ فكرةِ الدوائرِ كانَ كبيرًا، جعلَ الخليلَ -والعروضيين من بعده- يغضّونَ الطَرْفَ عن واقعِ الشعر، ويُخْضِعون الواقعَ للنظرية وليس العكس. فنظرًا إلى أن تشابه البحور وتناظرَها ليس تامًّا دائمًا، فقد اضطرّ الخليلُ إلى القول بوجودِ أصولٍ نظريةٍ لبعضِ البحور تُخالفُ الواقعَ تماماً، أظهَرَها وجود هذه البحور مع سواها في دائرةٍ واحدة؛ كوجود (المديد) في دائرةِ (الطويل)، (والمضارع والمقتضب والمجتث والسريع) في دائرة (المنسرح). وهكذا اضطرّ الخليلُ -حفاظًا على تَمامِ الدائرة- إلى اعتبار (المديد والمضارع والمقتضب والمجتث) بحوراً مجزوءةً وجوبًا، بحذْفِ تفعيلةٍ وهميّةٍ من أواخرها:
    فالمديد = فاعلاتن فاعلن فاعلاتن (فاعلن)
    والمضارع = مفاعيلن فاعلاتن (مفاعيلن)
    والمقتضب = مفعولاتُ مستفعلن (مستفعلن)
    والمجتث = مستفعلن فاعلاتن (فاعلاتن)


    وكان أسوأَ ما في هذه الافتراضات؛ افتراضُ أصْلِ البحر (السريع) كما يلي:
    مستفعلن مستفعلن (مفعولاتُ)
    بينما هو في واقعه الشعري يُساوي :
    مستفعلن مستفعلن (فاعلن)
    وقد أدّى به هذا الافتراضُ إلى اتّباع طريق (أذن جحا)، للإنتقالِ بمفعولاتُ إلى فاعلن. بوجوب وقوع العلل على (مفعولاتُ) لكي تتحول إلى (فاعلن).
    كما أدى إلى اعتبار ما هو (رجزٌ) أصلاً (سريعاً). وذلك عندما جعل الضربَين:
    مستفعلن مستفعلن (مفعولانْ)
    مستفعلن مستفعلن (مفعولن)
    من البحر السريع، وهما رجز صراح لاغير.

    والحقيقة؛ لم يجد الخليل للبحر السريع -في شكله الشعري- مَفَكّاً في دوائره، فأسعفتْهُ عبقريته فاعتبر أصله مساويًا: (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ)، ومن ثمّ تمحّلَ له العللَ الغريبةَ لكي تتحوّل (مفعولاتُ) إلى (فاعلن)!
    ومع أن (الرمل) يجري على: (فاعلن مستفعلن مستفعلن)، إلاّ أنّ وقوعَه في دائرة (الرجز)، وإمكانية انقسامه إلى ثلاث وحداتٍ متشابهة هي (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن) أدّى إلى اعتباره نسقاً ساذجًا (متماثل التفاعيل).
    كما أن وقوعَ (المديد) الذي يجري على (فاعلن مستفعلن فاعلن) في دائرة (الطويل) وضمنَ نسقِهِ، أدى إلى اعتباره نسَقًا تجاوبيًا مؤلّفًا من (فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن) مع القول بوجوب استخدامه مجزوءًا لا تامًا.

    وهكذا؛ وبعد بدايةٍ منطقيةٍ سليمة في تقطيع البحور، تقطيعاً معتمدًا على الواقع الفعلي للشعر إلى حدٍّ ما، دخلت النظرية الخليلية مرحلة الافتراضات، التي كان أبرزها تقسيمه بعض البحور تقسيمًا نظريّاً بحتاً ابتعدَ بها عن التسلسل الحركيّ الحقيقي لمقاطعها الوزنية (كما في المنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب..)، ومن ثم اعتماده بعض التفاعيل الوهمية التي لا تُمثّل هذا التسلسل (مفعولاتُ، فاعلاتن). وافتراضُه أصولاً وهميةً لبعض البحور الأخرى ليس لها واقعٌ في عالم الشعر (كما في المديد والمجتث والمقتضب والمضارع..).

  6. #6
    الصورة الرمزية د.عمر خَلّوف العروضي
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 566
    المواضيع : 79
    الردود : 566
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    وإذْ لاحظ الخليل وقوعَ الزحاف (أو التغير الطارئ الذي يقع على التفاعيل) على ثواني الأسباب الخفيفة (غالباً) وسلامة الأوتاد منه، نصّت أولى قواعده على أن الزحافَ يُلازمُ الأسباب أينما وقعت من الأوزان!. فلَمّا وقع الزحافُ على ثاني الفاصلة (///ه) في (الكامل والوافر)، افترض أن الفاصلةَ مؤلّفةٌ من سببين؛ ثقيلٌ (//) وخفيف (/ه) لينسجم ذلك مع قاعدته.
    ولَمّا لاحظَ ثباتَ بعض الأسباب، وعدمَ قبولها للزحاف في بعض الأوزان (كالمنسرح والخفيف والمقتضب والمضارع) وهي أوزانٌ متشابهة في أنساقها، وأماكن الزحاف فيها، نشأت عند الخليل فكرة الوتد المفروق، فاعتبر السببَ الثابت جزءًا من وتد، لكنه مفروق هذه المرّة (/ه/)، لكي ينسجم ذلك مع قاعدته أيضًا.
    ونظرًا لتشابه نسقي (الخفيف والمضارع) مع نسقَيْ (المنسرح والمقتضب) في احتواء كل منها على ثلاثة أسباب متوالية، وبالتالي تشابه أماكن الزحاف فيها، فلقد كان لا بد للخليل من افتراض الوتد المفروق فيهما، ولكنه يوجد هذه المرّة في تفعيلتين أخريين غير (مفعولاتُ) هما: (مستفعلن) في (الخفيف)، و(فاعلاتن) في (المضارع).
    المقتضب = /ه /ه /ه / /ه /ه //ه مفعولاتُ مستفعلن
    المنسرح = /ه /ه //ه /ه /ه /ه / /ه /ه //ه مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن
    الخفيف = /ه //ه /ه /ه /ه / /ه /ه //ه /ه فاعلاتن مستفعِ لن فاعلاتن
    المضارع = //ه /ه /ه /ه / /ه /ه مفاعيلن فاعِ لاتن

    وهكذا أحدث الخليل تفعيلتين وهميتين أخريين، وقرّر أنه إذا توالى سببان كان ثالثهما وتدًا حتمًا، إنْ لم يكن مجموعًا فهو مفروق، نافِيًا احتمال وقوع الوتد المجموعِ بعد ثلاثة أسباب متتالية، مع أنّ الواقعَ يؤيد ذلك( ) .
    وعلى الرغم من مخالفة (المجتث) لأفراد دائرته في عدم احتواء نسَقِهِ على ثلاثة أسباب متتالية إلاّ أنّ اعتبارَه مجتثًّا (أي مقتطعًا) من (الخفيف)، ووقوعَه في دائرته، جعله يرثُ وتدَهُ المفروق، فأصبح (المجتث) مساويًا (مستفعِ لن فاعلاتن)، بوتدٍ مفروقٍ في (مستفعِ لن) كما في الخفيف. وأجاز بالتالي سقوطَ نونها (مستفعِ لُ)، لأنها عنده جزءٌ من سبب خفيف، ولم يُجِزْ سقوطَ الفاء (مستَعِ لن)، لأنها عنده جزءٌ من وتدٍ مفروق!.
    والحقيقة التي لا ريب فيها أنّ (مستَعِلن) في (المجتث) كثيرة الاستخدام والورود، بينما ليس لـِ(مستفعِلُ) ولا (مُتَفْعِلُ) استخدامٌ فيه كما تُظهر شواهد (المجتث) الكثيرة جداً. ولو أنه اعتبره مقتطَعاً من (البسيط) -مثلاً- لَما ورِثَ هذا الوتد الموهوم.

    الخفيف = /ه //ه /ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه
    المجتثّ = ............./ه /ه //ه /ه //ه /ه
    البسيط = .............. /ه /ه //ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه


    وليس لمُنصفٍ أبدًا أن يصفَ عملَ الخليل هذا "بالعبث المطلق" كما فعل د.كمال أبو ديب( )، فإيجاد الوتد المفروق كان حلاًّ ذكيّاً وجادًّا (لا عابثاً) لمشكلة قامت لديه، وذلك على الرغم مما أدّى إليه هذا العمل. ولعلّ إحساسَه القويَّ بضرورة الوتد لكل تفعيلة، مع قبوله (مفعولاتُ) تفعيلةً حقيقيةً قائمةً بذاتها في بحري (المنسرح والمقتضب)، قَوَّيا عنده قبولَ الوتد المفروق فيها.
    والمشكلة الحقيقية لقبول الوتد المفروق (/ه/) والسبب الثقيل (//) هي في شطْرِ الوتد المجموع (//ه) والفاصلة (///ه) إلى نصفين، وأنّ النصفَ الثاني منهما يُشكّلُ سببًا خفيفًا (/ه) لابدَّ له -لكي ينسجمَ مع نظرية الزحاف الخليلية- أن يقبلَ هو ذلك الزحاف، على الرغم من قبْحِ ذلك -إنْ وقع- في عالم الشعر. وبالتالي اضطر الخليل إلى قبول سقوط نون مستفعلن في (الخفيف والمجتث)، ونون (مُفاعلْتن) في (الوافر)، وألف (متْفاعلن) في (الكامل).
    ولَمّا لم تكن هنالك شواهدُ شعرية حقيقية لمثل هذه الزحافات المفترضة، فقد اضطر الخليل إلى وضعِ شواهدَ مصنوعة( )، تبدو عليها الصنعةُ والتكلّف، ويتحطّم بها الإيقاع الشعري للبحر موضع الشاهد، كما في شاهد البحر الخفيف( ):
    يا عُمَيْرُ ما تُظْهرُ منْ هواكَ ** أو تُجِنُّ يُسْتكْثَرُ حينَ يبدو
    فاعِلاتُ مستفعِلُ فاعِلاتُ ** فاعِلاتُ مستفعِلُ فاعِلاتُن
    وشاهد المجتث( ) :
    ما كانَ عَطاؤهُنَّ** إلاّ عِدَةً ضمارا
    مستفعِلُ فاعلاتُ** مستفعِلُ فاعلاتُن
    وشاهدُ الوافر( ) :
    لسَلاّمَةَ دارٌ بِحَفيرٍ ** كباقي الخَلَقِ السَّحْقِ قِفارُ
    مفاعيلُ مفاعيلُ فعولن ** مفاعيلُ مفاعيلُ فعولن
    وشاهد الكامل( ) :
    مَنْزِلَةٌ صَمَّ صَداها وعَفَتْ ** أرسُمُها إنْ سُئِلتْ لم تُجِبِ
    مستَعِلن مستَعِلن مستَعِلن ** مستَعِلن مستَعِلن مستَعِلن

    ومع ذلك كلِّه، فقد استطاعت النظرية الخليلية -الأساسية- التي تتّخذُ من المتحرِّك والساكن أساسًا لتحليل الإيقاع الشعري، أن تضبطَ إيقاعَ الشعر العربي، وتفي بمتطلّبات هذا الضبْط، حتى يوم الناس هذا، فطغت على جميع الدراسات العروضية التالية. ولا زالت تُشكِّل الركيزةَ الأولى في علم العروض العربي.
    إلاّ أنّ نظرية الخليل لم تسْلمْ قطّ من انتقادات بعض العروضيين، ومحاولة آخرين التعديلَ فيها أو رفضها و إلغائها. وهي إن لم تستطع تقديمَ البديل فإن لها فضْلُ الرِّيادة وخلخلة الراكد.
    ولعلّ من أهم هذه المحاولات:
    • محاولةُ الجوهري (-398هـ) اختصارَ عدد البحور بدمج بحر في آخر.
    • وخروج ابن القطاع (-515 هـ) على طريقة الخليل في فكِّ البحور من دوائرها.
    • ومخالفة الشنتريني (-549هـ) والمحلّي (-673هـ) الخليلَ في ترتيب الدوائر فالبحور.
    • ومحاولة السكاكي (-626هـ) إيجادَ طريقة مختلفةٍ في استنباط البحور من أصل واحد.
    • وخروجَ ابن الفرخان (بعد-560هـ) فالقرطاجني (-684هـ) من بعده، على منهج الخليل في دراسة التفاعيل فالبحور.

    وسيكون لنا -إن شاء الله- مع كلّ واحدة من هذه الدراسات الرائدة، وقفات نستعرض فيها ما لها وما عليها، عرضاً موجزاً لها، ونقداً لنتائجها.

المواضيع المتشابهه

  1. دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة
    بواسطة د.عمر خَلّوف في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-09-2013, 01:57 AM
  2. دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة- ابن القطاع
    بواسطة د.عمر خَلّوف في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-09-2013, 07:40 PM
  3. دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة- السكاكي
    بواسطة د.عمر خَلّوف في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-09-2013, 12:09 AM
  4. دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة- الزمخشري
    بواسطة د.عمر خَلّوف في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-09-2013, 11:43 PM
  5. دِرَاسَاتٌ عَروضِيَّةٌ رَائِدَة-الجوهري
    بواسطة د.عمر خَلّوف في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-09-2013, 08:06 AM