كتب سعيد لوتاه كتابا بعنوان < النظام التربوي التعليمي البديل > واقتبس منه :

الفصل الأول: فلسفة النظام التربوي التعليمي:
الإعداد لسن التكليف
إن أزمة أنظمة التعليم الحالية لا تخفى على أحد، فمن أهم سمات هذه الأزمة هو طول مدة سنوات الدراسة وضعف تكوين المهارات الحياتية لدى المتعلم وإهدار الوقت وعدم استثماره في النافع المفيد، وقد ترتب على طول وقت التعليم في النظم التعليمية الحالية كثير من المشكلات الاجتماعية الناتجة من الفراغ الواسع في مستهل شبابهم، ومن اتكالهم على آبائهم في الإنفاق:
إن الشبـاب والفراغ والجـِدة مفسـدة للمرء أيّ مفسـدة!
كذلك فإن السلبيات التربوية للأنظمة التعليمية الحالية كثيرة لأنها لا تناسب حاجة المجتمع، وكذلك عدم ملاءمة المقررات الدراسية للتطبيق في واقع حياتنا مما يؤدي إلى مشكلة أخرى وهي التسرب من التعليم، إضافة إلى أنها لا تعطي للفتاة الأهمية التي تليق بها مع عظيم دورها ومكانتها في بناء المجتمع، أما إهدار طاقات الشباب فحدث ولا حرج، بل إنها لم تستثمر جهودهم وطاقاتهم وهم في عنفوان قوتهم ونشاطهم. كما تشير النتائج إلى الضعف الواضح في إتقان اللغة العربية لغة القرآن الكريم.
أما السلبيات الاقتصادية للأنظمة التعليمية الحالية فتأتي نتيجة طول فترة الدراسة مما يترتب عليه زيادة في الإنفاق من جانب وتعطيل هذه الطاقات من جانب آخر.
لذلك فقد تأكدت قناعاتنا إلى إنشاء نظام تعليمي يحقق الأهداف المذكورة سابقاً، تقوم فكرته على أساس إسلامي، يقضي بأن الإنسان إذا ما وصل إلى مرحلة البلوغ، فإنه بذلك يصبح مكلفا ومسؤولا، لأن الله عز وجل حينما يكلف إنسانا فلابد أن تكون إمكاناته وقدراته قد اكتملت، وعليه لابد أن يكون إعداده التعليمي بكل أبعاده العقلية والوجدانية والجسمية والاجتماعية قد اكتمل أيضا، ويصبح بذلك إنسانا منتجا متكامل الشخصية.



ونظرا لأن الفترة ما بين سن الخامسة ونهاية السنة الخامسة عشرة تتميز بكثرة نشاطه وقوة قدراته، لذا ينبغي أن يتوافق النظام التعليمي مع هذه الفترة السنية في عمر الإنسان، ليحصل الطالب - خلال هذه الفترة - من العلوم والمعارف والمهارات ما يجعله بعدها قادرا على العمل والإنتاج.
هذا هو النظام الصحيح للتربية والتعليم المبني على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.


الأساس الشرعي
يعتمد هذا النظام التربوي مبدأ إعداد الإنسان لتحمل مسؤولياته عند بلوغ سن التكليف الشرعي كأساس فكري مستمد من الشريعة، فمن خلال استقرائنا للنصوص الشرعية في هذا الشأن اتضح أن الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أصبح إنساناً مهيئاً لتحمل المسؤولية، كما أرشدنا الخالق سبحانه وتعالى، وحينما يكلف الخالق إنساناً فلابد أن يكون تكوينه وقدراته من النواحي العقلية والجسمية مناسباً لما تم تكليفه به، ونستدل على ذلك بقوله سبحانه وتعالى:{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا}[سورة النساء الآية:6].
وحينما نتأمل معاني الآيات الكريمة وهي تتحدث عن اليتامى نجد أن بداية هذا الاختبار مع سن البلوغ {إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} أي صاروا أهلاً له، ويقول تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} أي إن أبصرتم و رأيتم منهم صلاحاً في دينهم وقدرة على التصرف وتحمل المسؤولية{فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أي أعطوهم أموالهم، لأن كلاً منهم يصبح بالرشد وبعد هذه السن قادراً على التصرف في هذه الأموال والمحافظة عليها وحفظها، أي إنهم يستطيعون الكسب والعمل واستثمار الأموال وإدارتها، ويعني ذلك أن الولد في هذه السن يكون قادراً على الزواج والإنجاب وتحمل مسؤوليات الحياة وتكوين أسرة تضاف إلى بنية المجتمع، وكان عليه لذلك أن يعمل ليكسب عيشه، وينفق على أسرته، ويؤيد النبي  أن: (لا يتم بعد احتلام) [سنن أبي داود] أي أن المحتلم قد وصل إلى سن التكليف من غير حاجة إلى وصاية عليه لاكتمال قدرته على الاستقلال بشخصه في الحياة وعدم الحاجة إلى رعاية الآخرين.


ومن الأدلة على ذلك حديث النبي : (رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق) [ سنن النسائي]، أي إن الثلاثة في الحديث الشريف الصبي والنائم والمجنون يحتاجون إلى الرعاية والعناية الخاصة، أما إذا تغيرت ظروفهم كاستيقاظ النائم، أو عودة المجنون إلى عقله، أو وصول الصبي سن البلوغ والاحتلام، في هذه الأثناء يجري عليهم القلم وتسجل عليهم أعمالهم ويحاسبون على تصرفاتهم{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[سورة البقرة الآية:286]. إن المتأمل في هذه الآية سيعلم أن الإنسان قبل سن البلوغ ليس عليه شيء مما اكتسبه، أي لا مسؤولية عليه، وإنما هي بعد هذه السن.
ولنا أيضا حديث النبي  الذي يقول فيه: (يا معشر الشباب من استطاع منكم ‏الباءة ‏فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له ‏ ‏وجاء) [ رواه الستة]، والباءة هنا كما يقول الإمام النووي: الجماع , فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه فليتزوج.
وأتساءل معكم أليس الزواج مسؤولية؟! لا يشك عاقل في ذلك، بل هو مسؤولية يجب أن نعد أبناءنا لها مسبقا مما يؤكد صحة رؤيتنا. ولا يصح بعد ذلك كله أن نشكك في تأويل هذه النصوص الصريحة الصحيحة التي تؤكد وجوب إعداد أبنائنا لسن البلوغ. لأن هذا التشكيك سيؤدي بدوره إلى تعطيل العمل بآيات من كتاب الله وأحاديث نبوية شريفة نخشى معه أن يطالنا قول الله عز وجل:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}.

الأساس العلمي والعملي:
إن الخصائص الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية إنما تنمو وتتجلى في الإنسان بصورة تدريجية حتى تكتمل أهم أبعادها في سن البلوغ الذي وإن اختلف من الرجل إلى المرأة ومن منطقة إلى أخرى إلا أنه علمياً لا يتجاوز الخامسة عشر إلا فيما ندر.
أما الدراسات الطبية المتعلقة بنمو الإنسان فقد أثبتت ما يلي:
1) النمو الجسمي في سن البلوغ:
يكتمل النضج الجنسي لجسم الإنسان في مرحلة البلوغ ويواكبه نمو متسارع في باقي أجزاء الجسم ويتمثل ذلك فيما يلي:
• تسارع نمو الهيكل العظمي حيث يزداد الطول والوزن.
• نمو العضلات إلى حدها الأعلى وبالتالي القدرة على تحمل الأعباء الجسمية للعمل.
• تطور الجهاز العصبي ووصول سرعة رد الفعل إلى أقصاها وتمكن الإنسان من الوصول إلى أقصى درجات التحكم مما يعين على إتقان العمل اليدوي والحرفي.
2) النمو العقلي في سن البلوغ:
تنمو القدرات العقلية وتتضح كما يأتي:
• نمو الذكاء العام (القدرة العقلية العامة) وبلوغها أقصاها في سن البلوغ.
• وضوح الاستعدادات والقدرات الخاصة (وما يتعلق بها من ميول ومواهب).
• ازدياد القدرة على القيام بكثير من العمليات العقلية العليا كالتفكير والتذكر والتخيل وإدراك العلاقات وحل المشكلات.
• تبلور النشاط العقلي نحو نوع معين من التخصص الدراسي أو العملي.
• نمو القدرة على الانتباه والتركيز نحو موضوع معين لمدة طويلة.
• نمو القدرة على التعلم القائم على أساس الفهم وإدراك العلاقات القائمة بين عناصر الموضوع واستنباط علاقات جديدة (القدرة على العمل والابتكار).
• نمو القدرة على التفكير العملي واستخدام التفكير المنطقي في حل المشكلات.
النمو النفسي والاجتماعي في سن البلوغ:
أما علم النفس التربوي فإنه يؤكد ما يلي:
من أبرز مظاهر الحياة النفسية للشخص في سن البلوغ:
• التأثر الشديد بالثقافة والتقاليد والعادات والعرف والاتجاهات والميول السائدة في المجتمع والميل لاعتناق القيم والمبادئ بناءً على قناعات خاصة لذا يجب أن يسبق هذه المرحلة غرس وتأكيد العقيدة والقيم الدينية والأخلاقية وممارستها والتدريب عليها طوال مرحلة ما قبل البلوغ حتى لا تكون عرضة لإعادة النظر أو حتى لا تكون الجانب الأضعف في اختياراته.
• الرغبة في الاستقلال عن الأسرة، وتكوين أسرة مستقلة، لذا يجب استثمار ذلك لإعداد البالغ لتكوين أسرة جديدة وتحمل جميع تبعاتها.
• الميل نحو الاعتماد على النفس والتخلص من التبعية الاقتصادية للأسرة وهذا ما يجب استثماره لتعليم البالغ عملاً يمكنه من الكسب وتنمية قدراته وإزكاء مواهبه وتوفير الفرص لتنمو الشخصية من جهة، والعمل على أن يستفيد المجتمع من الطاقات الكامنة في شبابه من جهة أخرى.

ويتضح من ذلك أن مرحلة النضوج الجنسي هي علامة فاصله في حياة الإنسان تنقله من مرحلة الطفولة والاعتماد على أبويه إلى مرحلة الاستقلال والاعتماد على النفس .