المواهب
بسم الله الرحمن الرحيم
المواهب
د. ضياء الدين الجماس
خلق الله الإنسان من روح وجسد يختلفان بطبيعتهما بين الأفراد، وللنفوس خصائص متباينة بقدراتها الذكائية والإدراكية والميول العاطفية وقدرات التعبير الكلامية . وتحتاج الميزات النفسية إلى بنية تناسبها في الجسد خاصة في الجهاز العصبي. فمن يتميز بقدرة الحساب السريع يحتاج إلى مركز عصبي حسابي نامٍ، ومن يتميز بنظم الشعر يحتاج إلى ذاكرة قوية ومخزن كلمات واسع تترتب فيه الكلمات حسب معانيها ووزنها. ويصدق الحال على سائر المميزات الأخرى . كما تختلف الأجساد في قدرة تحملها للمشقّة والجهد، والقيام بالأعمال الدقيقة والثقيلة ... وتطلق على هذه المميزات الخاصة اسم المواهب لأنها هبة إضافية من الله تعالى يؤتيها لبعض الناس لحكمة يريدها سبحانه وتعالى من بينها تعريف الناس بقدراته الكاملة المتنوعة (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولتنويع مهمات المخلوقات ، وكل ميسر لما خلق له ، وقد أطلق القرآن الكريم على هذه المواهب كلمة (بسطة) أي سعة وزيادة (وزاده بسطة في العلم والجسم). وقد يؤتى الشخص الواحد أكثر من موهبة فيكون متعدد المواهب .
ولا علاقة بتفضيل الخلق بعضهم على بعض بمبدأ العدالة الإلهية ، (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )، فهو سبحانه وتعالى يحاسب عباده على حسب تكليفهم ويكون الجزاء على درجة الأداء والطاعة.
أدلة قرآنية على هبة (إيتاء) بعض المواهب:
(ولما بلغ أشده آتبناه حكماً وعلماً) – سياق الآية وصف لحال سيدنا يوسف ثم تبين لنا أن العلم الموهوب هو قدرته على تفسير الأحلام ، وسياسة توزيع خزائن الأرض على الناس ( التموين وقت القحط).
(وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) – تصف قدرة سيدنا داود على قول الحكمة وفصيح الكلام في الخطاب
(قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) – تصف قدرة طالوت المميزة في العلم وقوة الجسم.
أحاديث شريفة عن اختلاف بنية الناس
- ( كل امرئ مهيأ لما خلق له) أخرجه أحمد
- ("اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) متفق عليه
- (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا ) البخاري ومسلم.
نماذج من المواهب
بعض المواهب الروحية (النفسية) : موهبة الحساب والرياضيات (رياضي) – موهبة علوم الهندسة (مهندس) – موهبة علوم الطب ( طبيب) ، موهبة القيادة (سياسي) موهبة الشعر (شاعر) موهبة الخطابة (خطيب).
ومن بسطة الجسم : ضخامة الجسم (العملقة) مع الصحة ، قلة المرض (قوة وسلامة جهاز المناعة)، رفع الأثقال الكبيرة ، الجمباز والتوازن، الجري السريع والطويل...
موهبة الشعر- مفاهيم لغوية :
شَعَرَ به وشَعُرَ يَشْعُر شِعْراً وشَعْراً وشِعْرَةً ومَشْعُورَةً وشُعُوراً وشُعُورَةً وشِعْرَى ومَشْعُوراءَ ومَشْعُوراً ؛ الأَخيرة عن اللحياني، كله بمعنى: عَلِمَ.
الشِّعْرُ بمفهومه اللغوي المخصوص : منظوم القول المتميز بالوزن والقافية.
والشعر بمفهومه العام : كل ما يتعلق بالعلم والشعور الإنساني . فتقول شعر به أي علم به ، وليت شعري أي ليت علمي.
والشاعر من يقول الشعر ويجيده قاصداً. وقد جاء بوزن فاعل لكنه يتضمن معنى المبالغة بوزن فعيل وفعول (شَعور) والجمع شعراء .
قال سيبويه ( في لسان العرب): شبهوا فاعِلاً بِفَعِيلٍ كما شبهوه بفَعُولٍ، كما قالوا: صَبُور وصُبُرٌ، واستغنوا بفاعل عن فَعِيلٍ، وهو في أَنفسهم وعلى بال من تصوّرهم لما كان واقعاً موقعه، وكُسِّرَ تكسيره ليكون أَمارة ودليلاً على إِرادته وأَنه مغن عنه وبدل منه.
ولعل اسم القصيدة مشتق من القصد في قول الشعر وإيصال مشاعر الشاعر إلى الآخرين.
يفهم من ذلك أن الشعر موهبة (قدرة خاصة) آتاها الله لبعض البشر دون غيرهم كما آتى بعضهم الحكمة وفصل الخطاب أو القدرة على تفسير الأحلام أو فهم منطق الطير أو القدرة على تعلم أكثر من لغة....
وليس كل من رمي فأصاب الهدف مرات معدودة أصبح قناصاً ، وليس كل من وصف علاجاً أصبح طبيباً ... وليس كل من دعا لوليمة أو وليمتين أصبح كريماً..
وقول الشعر ( الكلام الموزون المقفى) يمكن أن يحدث بطريقتين وكلتاهما تتطلب النية والعزم على قول الشعر :
1- وجود قدرة بنيوية فطرية يمتلكها الإنسان بطبيعة خلقته التي جبلها الله عليها تمكنه من نظم الكلام سليقة وهذا يتطلب ذاكرة تصنف وتحفظ الكلمات حسب المعاني والأوزان، وهذا هو غالب الحال على ما كان عليه شعراء العرب ومنهم من كان نابغة في ذلك ويبدع فيه باكراً أو متأخراً في عمره حسب ظروفه.
2 - تعلم الشعر تعليماً عن طريق التلقي ولديه الاستعداد لتطبيق هذا العلم ، ولا تكفي الفصاحة والبلاغة وثراء الكلمات لقول الكلام الموزون المقفى، فكثير من فطاحلة اللغة لا يجيدون ذلك ، ولو أجادوه لسمع منهم مراراً.
والآية الكريمة : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) ، أي لم نيسر له طريق تعلم الشعر ولم نؤته موهبته فلا يتمكن من قوله ولا يحسنه. وهذا ما أثبته الواقع فهو لم يتلق الشعر تعلماً من أي بشر ولم يٌؤلف عنه قول الشعر كسجية، رغم أنه كان يتمثل بأقوال بعض الشعراء ولا يخفظ أبياتهم بشكل جيد. وأما أن تصدر عنه أبيات عفوية لكنها محدودة في عمره كله لا يعنى بأنه شاعر, فيمكن أن تصدر هذه الأراجيز عن أي شخص عادي مثله ولا يقال عنه شاعر.
ورغم ذلك اتهمه الجاهليون بالشعر منذ بداية الدعوة قبل أن يرتجز بعض الأبيات، كما روى القرآن الكريم، وهم لم يعهدوا عنه قول الشعر في شبابه وكلف بالدعوة بعد سن الأربعين ، ولذلك لم ينعتوه بهذه الصفة إلا بعد تبليغم بآيات الكتاب فاعتبروها شعراً على المفهوم العام للشعر ، إذ كان بتلاوة آيات القرآن الكريم يؤثر على مشاعر الناس ويسحرهم ببيانه فيجذبهم لصفه وما يدعو إليه.وفي الآية الكريمة (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) نفى الله تعالى صفة الشعر عن كتابه وصفة الشاعر عن نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى الذي خلق محمداً (صلى الله عليه وسلم) أدرى بطبيعة تكوينه ، وقد أخبرنا بنص كتابه أنه لم يعلمه الشعر ولم يمكّنه من ذلك، فقول الله تعالى الصادق وما شهده الواقع ينفي صفة الشاعر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأيات التي ورد فيها جذركلمة الشعر
وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ 224 الشعراء
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ 69يس
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى 49 النجم
بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ 5 الأنبياء
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ 36الصافات
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ 41 الحاقة
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ 30 الطور
أرجو أن يكون في الموضوع فائدة.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المختار محمد الدرعي
