كنا غالبا ما نلتقي أنا و صديقتي في كافتريا المستشفى، لكن نداءها العاجل جعلني أهرع إليها لمدرجات الكلية، و بمجرد ما أصبحت بمحاذاتها ناولتني ورقة و طلبت مني قراءتها.... وجدتني، و أنا ألتهم السطور، أعيش صراع داخلي تتقادفني فيه حروف و معاني موغلة في الابهام ، حين جذبني سؤال صديقتي إلى الاحساس بوجودها المضطرب:
- ما رأيك؟؟
كنت أنظر إلى صديقتي و كأنني لا أراها :
- الأعراض التي ذكرت لي في الهاتف و ما كُتِب في هذه الورقة....غريب أنك لم تلاحظي عليها شيئا قبلا...
أحسست بها محرجة و هي تقول:
- تعرفين انشغالي....ثم إنني لم أكن أزرهم كثيرا... تصوري أخفوا عني إلتجاءهم لجلسات تحضير الأرواح و إخراج الجن....
صمتت صديقتي لبرهة و تطلعت إلي و كأنها تلتمس استنكارا يشجعها على سرد تفاصيل أكثر:
- كنت أسمع عن أفكارها و عن حدَّتِها في الرأي و عن معارضتها لكل شيء، لكنني كنت أضع ذلك على حساب سنها و فترة المراهقة التي تعيش سنواتها...
- متى كتبت هذه الورقة؟؟
بدت صديقتي ضائعة و هي تقول:
- لا أدري..لا أدري بالتحديد، أختي وجدتها صدفة و هي تحاول أن ترتب حاجياتها المهملة منذ فترة...
- متى بدأت حالة الانعزال عندها؟
- منذ شهر حسب ما أخبرتني والدتها بعد ان مرت بفترة من الاحباط الدراسي، لم تكن هكذا أبدا...كانت متابرة...
ترددت قليلا قبل أن أسأل صديقتي:
- في هذه الورقة هي تحكي عن والديها...هل ما جاء فيها صحيح؟؟
أجابت و كأنها تحاول أن تتذكر:
- نعم...الى حد ما...أختي و زوجها لم يكونا على وفاق دائما.....طبعا هي لم تكن تشتكي...لكننا كنا نعرف، و هذا من الأسباب التي جعلتني لا أزورهم كثيرا.... الغريب في الأمر أن النهاية لم تكن هكذا...
- ماذا تقصدين؟؟
- في الورقة تبدو أنها كانت هادئة لكنها في الواقع مرَّت بنوبة غضب كبيرة و لم تتذكر بعدها شيئا...أيمكن أن يكون هذا هو السبب في حالتها الآن؟
- أريد أن أراها... ممكن؟؟
- طبعا و أكون ممتنة لك... لحظة عندي شيء آخر..
فتحت حقيبتها و أخرجت ورقة صغيرة، كانت الكتابة فيها مضطربة، لم تكن بوضوح الورقة الاولى، وجدت صعوبة في أن أتبينها أول الأمر، و كما الحروف الأولى...شدتني بقوة:
" نسيت لكي لا اتألم
و بكيت لكي لا أنفجر
و رفضت الغضب و التوتر
و عشت في سلام
بكماء صماء عمياء
بكل امتهان
و فاتني أن البذرة و الجنين
في كل أحشاء خصبة تنمو
و أن الاطلال بعد ترميم
أقوى و أجمل تغدو
و عشت في سلام
بكماء صماء عمياء
أنتظر المخاض"
وقبل أن أضعها في حقيبتي سألت:
ـ أيمكني أن احتفظ بها؟
ـ طبعا هي لك....ستزوريها عما قريب....
أجبت وما زلت تحت تأثير ما قرأت:
ـ في القريب العاجل ان شاء الله
.
.
يتبع
خديجة منصور
2011