الأخ الفاضل والمبدع المتميز .. الدكتور سمير العمري .. تحية طيبة ..
تعتمد قصة / استبدال / على نظرات عابرة للماضي والمستقبل ، فالسارد لخص الأحداث الحاصلة بالفعل ، فحدث الجدة أصبح قطعة من الماضي ، لذلك عمد السارد إلى الاستعراض السريع لفترة قصيرة من ماضيها ، ماض تشخصه الجدة في الحرص على كل التقاليد والقيم التي تربت عليها دون محاولتها الاندماج ومجاراتها تغير الحياة على اعتبارــ في نظرها ــ أن الجديد ما هو إلا زيف وإجهاز على القديم .. بفنية أدبية متميزة لفت السارد انتباهنا إلى شخصياته الرئيسية / صاحب العربة / اعتماد / الخادمة / عن طريق تقديمها في مشاهد قد نتخيلها منفصلة ، لكنها مترابطة دلالياً .. فالسارد يعود بنا إلى الوراء ، ثم يقفز بنا إلى الأمام لكي يقدم لنا ملخصاً مركزاً عن قصة الجدة كخلاصة إرجاعـية بهدف ترسيخ التناقض الحاصل بين ما هو حقيقي ومزيف ..
شخصيات القصة هي شخصيات اجتماعية منتزعة من الواقع الاجتماعي / صاحب العربة أو بائع المجوهرات المزيفة / اعتماد / الخادمة / الجدة /.. فكل شخصية تجد نفسها إزاء خصمها في النص / الفتاة خصم للجدة ، فهي تتمنى موتها ، والجدة خصم للخادمة لأنها تشجع الفتاة اعتماد على التمرد ، وصاحب العربة خصم للمرأة والمجتمع / إنها شخصيات منتظمة على مستوى المسار السردي الذي يحتل وضعاً تراتبياً ، لكنها متناقضة ومتصارعة على مستوى النفس والذات والفكر والمكانة الاجتماعية ..
للنص نكهة أدبية ترتكز أساساً على الإنسانية بكل أشكالها ، حيث أعطى السارد أهمية كبرى للطبائع والنفسيات ،طبائع مختلفة ومتباعدة ، فكل شخصية تتميز بصفات جوهرية تسمها وتميزها ، فكأنها مطبوعة في الذات والنفس مما شكل مساراً وتوجهاً لا يمكن تغييره أو محوه أبداً.. فالجدة محافظة على القيم الموروثة ، من منظورها هي قيم ثابتة ولا يمكن تجاوزها أو القفز عنها .. واعتماد متهورة ومتواكلة ومتباهية وأنانية ، لا تعرف قيمة الشيء الموجود لديها لأنها حصلت عليه بدون تعب ومجهود كبير.. والخادمة انتهازية ومستغلة للحظة ، بل منافقة ومدارية تحافظ على مكانتها داخل الأسرة .. وصاحب العربة محتال كبير ونصاب لا يقيم للضمير والأخلاق وزناً ...
ومما أثار انتباهي في هذه القصة الغنية ، أن السارد عمد إلى ذكر اسم الفتاة المغرورة بنفسها / اعتماد /، والمعتدة بمكانتها الاجتماعية والمادية ،والمعتمدة على غيرها .. دون أن يعطي اسماً للمحتال والجدة والخادمة .. حرصاً منه ــ في نظري ــ على أن هذه الشخصيات المجهولة الاسم هي مثيرة للاهتمام للقارئ أكثر .. وقابلة لتأويل أسماء مشتقة من أفعالها وسلوكاتها .. فكل قارئ يتخيل أن هذه الشخصيات موجودة بالفعل في المجتمع ، مما يتسنى له أن يطابق بينها وبين من يعرفها ويحتك بها في محيطه .. إنه نوع من استدراج فني لللقارئ لكي يضمن الكاتب مقروئية هادفة للنص ، قد يتوخى منها نقل القارئ من رحم النص المتخيل إلى الواقع المعيش مما يضفى على النص ــ بقوة ــ طابعاً واقعياً يتنسم حياته تحت غطاء إنسانية موزعة بين الناس على شكل مراتب ودرجات متناقضة ..
حقيقة أقحمت نفسي في هذا النص الكبير الذي يستدعي دراسة متخصصة ومتابعة لنبش دلالته العميقة ، وما قراءتي ما هي إلا ذاتية وانطباعية ، تنضاف إلى ما قاله إخواني وأخواتي في حق هذا النص الدقيق والمركز .. أتمنى أن أكون قد لامست بعض جوانبه الأدبية المتميزة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..