السكاكي، (-626هـ):

وجاء السكاكي بطريقةٍ جديدة اقترحَ فيها نظامًا جديدًا للدوائر يقوم على استنباط جميع البحور من البحر الوافر.
يقول السكاكي في خاتمة حديثه التقليدي عن العروض: "وإنّ لكَ أن تتخذَ الوافرَ أصلاً، وتُفرِّعَ عليه جميعَ البحور" الأخرى، وذلك بأن "تُقدِّرَ أصلَ الوافرِ مثمَّنًا، منبِّهًا على ذلك بنحو قول امرئ القيس:

خيالٌ هاجَ لي شجَنًا فبِتُّ مُكابِدًا حَزَنا ** عميدَ القلبِ مُرْتَهَنًا بذِكْرِ اللهْوِ والطّرَبِ


وتُلْحقَ مسدَّسَهُ بالمجزوء، ومربّعَهُ بالمشطور، على خلاف الصناعة"، فتجعلَه دائرة "ثم تستخرجَ منه الكاملَ مثمَّنًا، وتُلحقَ مسدّسَهُ بالمجزوء، ومربّعَهُ بالمشطور" كذلك . والتقدير عنده هكذا:

مُفاعَلَتن مُفاعَلَتن مُفاعَلَتن مُفاعَلَتن × 2
//ه /// ه //ه /// ه //ه ///ه //ه ///ه

 

"ثم تستخرجَ من معصوبِ الوافرِ الهزْجَ مثمّنًا، وتجعلَه دائرة، وتستخرجَ منها الرجزَ والرملَ مثمَّنين" والتقدير هو:

مفاعيـلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن × 2
//ه /ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه /ه

  

"ثم تستخرجَ الطويلَ" بحذْفِ (لن) من آخر (مفاعيلن) الأولى والثالثة من كل شطر، كما تستخرجَ المتقاربَ بحذفِ الأجزاء جميعها، "وتجعلَ الطويلَ دائرةً، وتستخرجَ منها المديدَ والبسيط" وبحرًا مهجورًا. والتقدير هو:

فعولن مفاعيـلن فعولن مفاعيلن × 2
//ه /ه //ه/ه/ه //ه /ه //ه/ه/ه

   

[يلاحظ كيف استخرجَ السكاكي البحرَ المهجور من وسط الوتد، وهو ما لم تجْرِ عليه الصناعة العروضية، إلاّ ما لاحظناه عند ابن القطّاع في تفكيكه للدوائر.]

والبحرُ المهجور تقديره هو:
مفعولاتُ مفعولُ مفعولاتُ مفعولُ × 2

" ثم تجعلَهُ أصْلَمَ [بحذفِ (عولُ) الأخيرة] فيبقى عندكَ [المقتضب] فتديرَهُ [دائرةً]، فتكون الدائرةَ المشتبهة، وتستخرجَ منها بحورَها" هكذا:

مفعولاتُ مستفعلن مستفْعِلن × 2
/ه/ه/ه / /ه/ه //ه /ه/ه //ه



وواضح أن السكاكي -كغيره من العروضيين- كان يُحسّ بالتوافق المقطعي بين بعض إيقاعات الشعر العربي، والذي حاول الخليلُ أن يظهرَهُ في دوائره الخمس كما مرّ.

وكانت فكرة الدوائر الخليلية -ولا تزال- تقدم إغراءَها الكبير للعروضيين، لكي يحاولوا إبراز ذلك التوافق. ولعلّ السكاكي في نظريته تلك؛ كان يحاول مضارعةَ الخليل ومضاهاته. إلاّ أنه أجهدَ النفسَ بما لا طائلَ تحته، ولا جدوى من ورائه. فهو لم يخرج البتّة من أسر دوائر الخليل الخمسة وما يُشتقّ منها، ولم يستطعْ النجاةَ مما يواجه نظرية الخليل من انتقادات. بل إن الانتقادات التي كانت تتركز على دائرة الخليل الرابعة (وهي دائرة السريع)، أصبحت تنطبق على دوائر السكاكي الأولى (دائرة الوافر)، والثانية (دائرة الهزج)، والرابعة (دائرة السريع)، لمخالفتها جميعها للواقع الشعري.