مثل جندى نظامى محترف.. خطواته منتظمة الإيقاع فى حدة وغلظة.. يدخل إلى القاعة قاصدا" مكانه المعتاد الى جوار النافذة...
يده تقبض على المقعد وتسحبه بحزم... ليجلس على الطاولة ثم ينحنى ليخرج من جوف حقيبته بضع وريقات بيضاء لامعه...
يرتدى نظارته على الفور ثم يمد أصابعه ليداعبها حتى تستقر على وجهه كيفما يشتهى!!..
يقبض على القلم كانما يريد أن يعتصر منه الكلمات.. ثم يشرع فى السباحة مابين الحروف والفواصل..
وجهه الوسيم رغم صرامته لايكف عن رسم تعبيرات متناقضة فى جزء من الثانية..
فتارة يبتسم فى خجل.. وتارة يقطب جبينه.. تارة يضع القلم بين شفتيه... وتارة يفرك ذقنه كأنها سوف تلهمه بمعنى جديد !!
كل ذلك وهو لايلتفت لما يدور حوله على الموائد القريبة..
.فهو وحدهُ مع الأخرين...!!
تقترب من طاولته فى هدوء وخفة... قدماها تتهامس على أرضية القاعة مثل قطة شيرازية تتسلل إلى مخدع صاحبها وتخشى أن توقظه!!...
تضع فنجان القهوة عن يمينه برقة ونعومة وحرص كأنها تطبع قبلة على شرشف الطاولة السميك...
غارق هو بين السطور ..لايدله على إقترابها سوى عطرها الأتنثوى الثائر!!...
يرفع عينيه عن الورق ثم يرمقها بإبتسامة سريعة تردها على الفور بأحسن منها ممزوجة بالحماس!!..
ثم تمضى لتكمل رحلتها بين الطاولات..
لكن عقلها منشغل بذلك الرجل ذو الوجه الوسيم الصارم...
عقلها مشغول بأنامله التى تمضى فى متعة من نقطة إلى نقطة ومن سطر إلى سطر فى سعادة دونما تبدى التعب أو يدركها اللهاث!!...
نصف ساعة تمضى بعدها يطوى أوراقه فى حنان بأنامله كأنما يبث فيها الدفء... ثم يخرج من جيبه ورقة من النقود يضعها بلا إهتمام لترقد إلى جوار فنجان القهوة البارد!!..
عيناها ترقبه كل يوم وهوخارج متجه نحو الباب..
وفى كل مرة تحتار مع إلحاح التساؤل فى رأسها...
إذا كان الحوار بينهما صامتا" منذ شهور.. فياترى ماذا يربط بينها وبين ذلك الرجل الصارم؟!...
اليوم واليوم فقط إهتدت الى كلمة السر... ذهبت إلى الطاولة مسرعة لترفع عنها الفنجان.. لكن يدها فى سرعة وسعادة تلتقط الورقة المالية لتمضى بها الى الكاشير حيث تحتجزلنفسها ما فاض من جوده عليها..