للشِّعر مزيّة وطعم يختلفان عن الكلام العادي ، فبه تجد الإحساس وتجد الموسيقى ، وعندما تسمع شعراً تستطيع في أغلب الأحيان أن تكتشف أنّ هذا شعرا.
طريقة إلقاء الشعرِ تختلف من شاعر لآخر أو من ملقٍ له لآخر.
أنا شخصيا ،أعتقد أن الشّعر يُطرب وترتاح له الأذن أكثر ،إذا ما قُرأ شطرا شطرا كوحدة واحدة دون بطء شديد ودون سرعة زائدة في النطق ،بل يأخذ الحرف المدة الطبيعية له ؛ فكثيراً ما أسمع شاعراً يلقي شعره ويمد الحروف بتراخٍ شديد يصيب المستمع بالملل ، وينسى المستمع أن ما يسمعه شعراً فقد طالت الحروف وتراخت وباخت بسبب ذلك الإلقاء الظّالم ، وهذا يحدث غالباً عند إلقاء الشعر الفصيح .
برأيي ،إضافة لإعطاء الحرف المد الصحيح له دون بطء أو سرعة ، أن إضافة لحن بسيط للكلام يضفي روعةً خاصة للشعر أثناء الإلقاء تكشف للمستمع العادي ،أنّ ما يسمعه من كلام ذو تركيبة خاصة وقطع مركبة متناسقة أكسبته صفة الشعر ،فلا يستحسن للشاعر أن يذهب هذه الصفة عن كلامة بسبب سوء إلقائه.
ضف على ذلك ما يقع فيه بعض الشعراء من "كساد وفساد " في الإلقاء ،فتجده فاتراً في موضع من القصيد يحتاج زيادة في حدة الصوت ، ويتراخى في موضع آخر ، ولا يندهش في مواضع الإستغراب والتعجب ، ولا تبدو علامات الإستفهام على نبرته في مواقع السؤال . فقد سمعت أكثر من قصيدة من لسان غير قائليها فتجدها ممتعة وجميلة وتلفت الإنتباه وتنبّه الأسماع بسبب حسن الإلقاء .
أما الشاعر الذي أصلاً قد كتب القصيدة ،ولو أن الأصل أن يحسّ بكلامه أكثر من غيره ،فتجده قد أفقد قصيدته شيئاً كثيراً من بريقها بسبب سوء إلقاءه ،فتفضّل عندها أن تقرأ قصيدته على طريقتك على أن تسمعها بصوته. .
طريقة إلقاء الشعر إذن هي فن وأصول ، يجب أن يعطي الشاعر كلمته وعصارة إحساسه الحقّ بإيصالها للمستمع على خير وجه .
فملامح الوجه وحركات الأيدي ونظرات العيون يجب أن تنقل للمشاهد جزءا من إحساسك بالكلمة .
نبرة الصوت تزاد وتنخفض حسب الكلام والمعنى ، لا مدٌ زائد يميّع الكلام ويحثُّ على النوم ،ولا سرعة زائدة تقتل الكلام .
يجب على الشاعر أن يثور في مواطن الإثارة فيزيد من حدة الصوت. ويرخي للصوتِ أوتاره إذا دخل في الشوق والحنين ، ويرسم الحزن بلحن قيثارة إذا ما أصبح للكلام وقع وأنين ،ويفرح ويرسم البسمة والأمل بصوته إذا بدأ بالحديث عن الفرح والمرح ، فيبقى يتنقّل بين هذا وذاك*الوتر واللحن ونبرة الصوت من أوّل القصيدة إلى آخرها .
هكذا يشعر المستمع أو المشاهد بالقصيدة أكثر ويعيش جو النص ويتأثّر .
كنت قد سمعت قصيدة رائعة من صاحبها ( الشاعر) فأحسست بظلم تجاه تلك القصيدة،لما شابها من فتور إلقاء من شاعرها،وكان هذا رأي كثيرون غيري أيضا ، على الرغم من أن القصيدة رائعة عند قرائتها وقد لاقت رواجاً كبيرا .كنت قد سمعتها هي ذاتها من شخص آخر ألقاها أمام جمع من الناس ،فكانت مزمجرة ومدهشة وتخطف القلوب لبلاغتها وجمالها فقد أضاف حسن الإلقاء بهاءاً وجمالاً شديدين .
عدنان الشبول
12.09.13