والعاتبون على الخليل يتوهّمون أنه يعتبر الوزنَ "تتابُعًا في الحرَكات والسَّكَنات"، وأنه "لم يدلّنا على وحدة الكلام وهي المقطع" لأنه "لم يفطنْ [!] إلى أن الحروف الصائتة القصيرة [الحركات] تُكوِّن مع الحرف الصامت الذي توضع فوقه كحركة مقطعاً تامّاً مستقلاً، ولهذا اكتفى في تقطيع التفعيل بالحروف التي تُكتب، مُمَيّزًا بينها بالحركة والسكون" كما يقول مندور.
وهذا إطلاقٌ للكلامِ على عواهنه.
فالخليل رحمه الله كان يعتبر الوزنَ تتابعًا في "المتحركات والسواكن"، لا تتابعًا في الحركات والسكنات كما يقول مندور، وفرقٌ كبيرٌ طبعًا بين الاصطلاحين وإن أدَّيا معاً ذات المهمة في تحديد الأوزان.
فلقد عرَفَ الخليلُ الحركةَ كما عرفَ الصوامت وميَّزَ بينهما. لأن المتحرِّكَ عنده هو: "كلُّ حرفٍ مضمومٍ أو مكسورٍ أو مفتوح" فهو"حرفٌ وحركة" كما يقول الأخفش. وعرَفَ الخليل أيضاً أن "الحركةَ لا تكون إلاّ في حرف" فلا قِيامَ لأحدهما بدون الآخر.
بل عرفَ أكثر من ذلك؛ فبيّن أن الحرفَ المتحركَ ذاته (المقطع القصير) لا يُحقّقُ وجودَه إيقاعيّاً إلاّ عندما يندمج مع غيره، مكوِّناً معه كياناتٍ مستقلّةً هي: (السبب والوتد والفاصلة). يقول الأخفش: "وأقلّ ما ينفصل من الأصوات... حرفان"؛ متحركٌ فساكن، "ولا تصل إلى أن تُفْرِدَ من الأصوات أقلّ من ذا... نحو: (ها) و(قَطْ)".
ولقد نسيَ هؤلاء أوّلاً أن الخليلَ رحمه الله كان يتعامل مع الأوزانِ إيقاعيًّا لا لغويّاً. ولذلك لم يكتفِ في تقطيع التفعيل بالحروف التي تُكتب كما ادّعى مندور، بل إنه أغفلَ شكلَ الكتابةِ تماماً، وعوّلَ على الأصوات الجارية على اللسان، المسموعة في الآذان.