كل مساء يملأ الحارة صياحاً، يجتمع الناس من حوله ، يتفرس وجوههم ، يبتسم ، يستأنف السير .. يضع علامة حمراء على كل بيت ، يرسم نجمة خضراء على باب كل مسجد .. يقرأ تمتمة أمام باب كل حانة ، يتطاول بعنقه إلى العمارات ، يمرر نظراته عبر مدى علوها .. يتوقف ، يشم الريــح بـيده اليمنى ، يغرس عينيه بين رجليه مدة من الزمن .. يقرأ تراتيل غير مفهومة ، يضــرب بعكـازه الأرض .. ثم يشيـر بها إلى المدى البعيد ..
جماعة من الأطفال ترشقه بالحجارة ، الناس يتصايحون ، يصرخون .. قال أحدهم : لـــقد أصـابه الخبل ..؟ نظر نظرة عميقة إليه ، بسرعة قرأ وجهه وابتسم ..
فجأة ، اختفى الرجل ، اختلطت الحقيقة بالوهم ، فكروا ، قدروا .. ما وصلوا إلى فهـم يريحهم .. عادوا إلى منازلهم ليلا ، يتلمسون حيرتهم من قعر قـلوبهم ، يقذفون آهات ممتدة نحو السماء .. ناموا وهم يصلحون خيانة الذكريات في الأحلام .. كل واحد يسأل نفسه ، لكن السؤال أطل من ثقب الزمان، يهز رأسه ، ودمع دافئ يبلله.. ؟
في الغد ، اجتمعوا ، ترقبوا ، انتظـروا وانتظـروا .. ولكن الرجل لم يعد .. ؟