قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :


( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )


- ذكر القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي عن شيخ من التجار قال : كان لي على بعض الأمراء في بغداد مال كثير، فماطلني ومنعني حقي وجعل كلما جئته أطالبه حجبني عنه ، وأمر غلمانه بإيذائي، فاشتكيت الى الوزير فلم يفد شيئا، واشتكيت إلى أولياء الأمر من الدولة فلم يفيدو شيئا أيضا، فيئست من المال، وجلست كئيبا محزونا ، أندب حظي وأجتر آلامي، وإذا برجل من أصحابي يسألني عن سبب حزني و اكتئابي فأخبرت بخبري مع ذلك الأمير، وكيف آكل أموالي، ولم تجد معه جميع الشكاوي و التوسلات، ففكر صاحبي قليلا ثم قال :
هل أتيت فلانا الخياط ؟
قلت: لا، لم آته ، وما عسى الخياط أن يفعل مع هذا الأمير الذي عجز عنه الوزراء ورجال الدولة كلهم.
قال: أنا أنصحك أن تأتيه، لعله يستطيع أن يحصل لك مالك .
قلت : أين أجده ؟
قال: هو إمام المسجد الذي يقع بالقرب من قصر الخليفة المعتضد .صلي عنده وقص عليه قصتك.

يقول التاجر : ذهبت إلى المسجد المذكور وأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى، فماذا يستطيع خياط مسكين، إمام مسجد، أن يصنع مع أمير عات ظالم .وصليت في المسجد، وبعد الصلاة اقتربت من الإمام، فوجدته شيخا ضعيفا مسكينا، سلمت عليه، وسألته : هل أنت الخياط فلان ؟
قال: نعم، ما شأنك ؟فسكت وصرت أفكر أهذا الشيخ المسكين الضعيف يستطيع أن يستخلص لي حقي من ذلك العاتي الجبار، وهممت أن أسلم عليه وأنسحب بسلام خشية من أن أورطه في شيء لا طاقة له به . ولكن صوته رن في أذني مرة ثانية : ما شأنك أيها الرجل ؟ وقصصت عليه قصتي كلها مع ذلك الأمير الظالم، و كنت أتوقع أن يقول لي : لا طاقة لي به ولكنني فوجئت به يقول لي : دلني على بيته .
فقلت له : يا شيخنا إن عنده غلمانا أتراكا أشداء ، أخشى أن يؤذونك ، وأنت لاتتحمل ذلك
قال: قلت لك دلني على بيته، ولا شأن لك بي بعد ذلك .

فسلمت أمري إلى الله تعالى ،وذهبت معه ودللته على بيته، فتقدم هو وطرق الباب وتواريت أنا بالجدار خوفا من أن ينالني شيئا من الأذى ، وفتح غلام الباب، فلما رءاه الخياط ، قال له: أبلغ سيدك أن الخياط فلان بالباب يريد أن يراك، فلم يمضي إلا قليل حتى خرج الأمير مرحبا ومسلما، وقال للخياط : تفضل يا سيدي إلى الداخل، ما وقوفك هنا. فأجابه الخياط : لا أريد الدخول، و إنما جئتك في حاجت لتقضيها. فقال : حاجتك مقضية، قل ما هي ؟ فناداني الخياط فظهرت أمام الأمير، ولما رءاني اصفر وجهه وتلعثم لسانه فقال له الخياط :هذا الرجل له حق عندك فأدي إليه حقه كاملا الآن، فأخذ الأمير يبربر بنعم وأمرك وحالا و الآن ، وسألني : كم لك عندي ؟ فقلت له : كذا وكذا من آلاف الدنانير فدخل إلى بيته وغاب ثم عاد ومعه الغلمان يحملون أكياس الدنانير، ووضعوها أمامي قال لي الخياط عدها فعددتها ووجدتها كاملة غير منقوصة فقال لي الخياط دعها فعددتها ووجدتها كاملة غير منقوصة فقال لي الخياط احملها وهيا بنا ، فحملتها وسرت وأنا أحتمي بظل الخياط وأنظر ورائي خشية من أن يهجم علي غلمان الأمير ويأخذوا مني الدنانير مرة أخرى وأنا لا أكاد اصدق ما تم وحدث وألتمس الدنانير بين الفينة والأخرى .
وما إن ابتعدنا شكرت الخياط وسألته ما قصتك ؟

فقال لي أنا شيخ ضعيف مسكين ولكنني لا أستطيع السكوت على المنكر

كنت في يوم من الأيام قد خرجت من محلي ليلا بعد أن أنهيت عملي. فسمعت صراخا من بعيد فذهبت مسرعا لأرى ما الأمر، فوجدت زعيم الجنود الأتراك وهو يضرب امرأة صغيرة وهو يجرها إلى بيته يريد أن يفعل بها الفاحشة والناس واقفون يتفرجون. والمرأة تصيح وتقول لقائد الأتراك أسألك بالله أن تتركني فإن زوجي قال إن تأخرت في العودة عن البيت فسأكون طالقا.

فقال الخياط رحمه الله فعندما سمعتها ثارت الحمية في رأسي وهجمت على غلمان القائد أريد استخلاص المرأة منهم ولكن تغلبو علي ورموني خارجا ،وبعد أن استرديت روعي قلت لنفسي كيف يحدث هذا فنهضت وصرت أصيح بالمسلمين الخارجين من المسجد والمارة فذهبنا وطرقنا بابه فحمل علينا غلمانه وضربونا وضربني قائدهم بدبوس له إلى أن أغمي علي. و بعدة فترة عادت إلي قوتي وحملوني إلى منزلي والدماء تسيل من وجهي فضمدو جروحي وغسلو الدم من ثيابي و اضطجعت لأنام ولكنني لم أستطع فصورة المرأة المسكينة وهي تستغيث بالمسملين لم تنفك عن خاطري ، كيف يحدث هذا أمام سمعي وبصري وأنا لا أزال حيا وتذكرت المرأة المسكينة وأن زوجها سيطلقها ولم تتركني أهدأ أبدا فخطرت لي فكرة فقمت وخرجت من منزلي مسرعا وذهبت إلى المسجد لأؤذن أذان الفجر لعل القائد التركي يسمع الأذان فيظن أن الفجر قد بزغ لعل القائد يظن أن الفجر قد طلعفترجع إلى بيتها قبل أن يقع عليها الطلاق فلا يطلقها زوجها.
وصعدت إلى مئذنة المسجد وقمت أؤذن في نصف الليل وأنا أنظر إلى باب القائد لعله يفتح وتخرج المرأة المسكينة و لاكن الباب لم يفتح ، فهممت أن أؤذن أذان الإقامة للصلاة ،ولكنني فوجئت بباب قصر الخليفة يفتح وخرج منه حرس كثيرون وصاح كبيرهم من الذي يؤذن في هذا الوقت من الليل فخفت وسكت ولم أجب فأعاد كبير الحرس قوله فتشجعت وقلت على خوف واستحياء أنا يا سيدي فقال انزل وأجب أمير المؤمنين فازداد خوفي واضطرابي .

وعندما رأى الخليفة منظري والدماء التي تسيل مني سألني لماذا أذنت ولم يدخل موعد الفجر فسكت ولم أجب وارتعبت لأن المعروف عن المعتضد أن سيفه يسبق كلامه و ازداد ارتجافي واضطرابي فقال :هون عليك فلما هدأت قليلا أعاد علي السؤال .
فقلت أتعطيني الأمان لأتكلم فقال : لك الأمان فقصصت عليه قصة القائد التركي والمرأة.
فغضب المعتضد و قال أيفعل هذا في ملكي وأنا لا أدري فأرسل معي قائد الحرس وقال له إذهب معه ،فإن كان حق ما تقول فسأريك ما سأفعل يقطع وإن كذبت قسيقطع رأسك
فلما ذهبنا وجدنا المرأة المسكينة في إحدى غرف البيت فلما رأتني عرفتني وأخذت تصيح وتستغيث بي فهدأها صاحب الشرطة وعدنا إلى المعتضد فقصت للخليفة كل شئ كما قصصت أنا بالضبط وتبين صدقي فغضب المعتضد حتى احمرت عيناه و التفت إلى القائد التركي وقال له أما تستحي أن تنتهك حرمات الناس وأعراضهم،
كم راتبك في الشهر؟
قال : كذا ألف من الدنانير.
قال كم زوجة عندك؟
قال :أربع زوجات .
قال وكم جارية ؟ فقال: كذا جارية
فقال المعتضد كل ذلك لا يغنيك عن الحرام أنت رجل فاسد يجب بتره وأمر به أن يوضع في كيس من الخيش وأن يضرب بالمخابط حتى يموت فوضع وضرب حتى همد ومات وأنا أنظر أليه و أمر به ورمي عند بيته ليكون عبرة ثم أمر بالمرأة أن تؤخذ الى بيت زوجها وشفع لها بان لا يطلقها زوجها شفاعة الخليفة وأبقاها .
ثم قال لي قد وليتك الحسبة في بغداد كلما رأيت منكرا غيره و إن لم تستطع فأذن وهكذا منذ ذلك الوقت و أنا أنصر المظلومين وآخذ لهم حقوقهم.

انتهى