أجاب الشيخ خالد بن عبدالله المصلح عن السؤال :
ما هو تفسير قَوْله تَعَالَى{كهيعص} ؟
الإجابة: لا خلاف بين أهل العلم أن الحروف المقطعة التي افتتح الله بها بعض السور في القرآن الكريم كسورة البقرة {الم} وسورة الأعراف {المص} وسورة يونس {الر} وسورة مريم {كهيعص} وسورة ص {ص} وغيرها من السور يقرأ فيها كل حرف على حدة ولا يقرأ مجتمعاً إلى غيره، فسورة البقرة يقرأ أولها ((ألف، لام، ميم)) ، أما معاني هذه الحروف فقد اختلف فيها أهل العلم على أربعة أقوال في الجملة:
الأول: أن هذه الحروف لها معنى لا يعلمه إلا الله، وبهذا قال جماعة من الصحابة منهم الخلفاء الراشدون وابن مسعود وغيرهم.
الثاني: أن هذه الحروف لها معنى يعلمه الناس واختلفوا في تعيين معناها فقيل: هي أسماء للسور، وقيل: هي أسماء لله تعالى، وقيل غير ذلك.
الثالث: التوقف في معاني هذه الأحرف فلا يقال لها معنى ولا ليس لها معنى.
الرابع: أن هذه الحروف ليس لها معنى في ذاتها وبهذا قال مجاهد بن جبر لأن كلام العرب الذي نزل به القرآن لا يعرف فيه معان لهذه الحروف. لكن انتفاء المعنى لا ينفي الحكمة فإن حكمة ذكر هذه الحروف المقطعة في أوائل السور هي بيان إعجاز القرآن الكريم وعجز الخلق عن الإتيان بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يعرفها العرب ويتخاطبون بها، ومما يدل على هذا أن الله تعالى يذكر بعد هذه الأحرف القرآن وعظيم إعجازه وأنه الحق الذي لا ريب فيه وهذا يشير إلى الحكمة من ذكر تلك الأحرف ففي البقرة قال الله تعالى: {الم} ثم أتبع ذلك بقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} (البقرة: 2) وفي آل عمران قال: {لم} ثم قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} (آل عمران: 2-3) وفي الأعراف قال: {المص} ثم قال: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} (الأعراف: 2) وهكذا في بقية السور وقد ذكر هذا ونبه إليه جماعة من أهل العلم كالمبرد والفراء وابن تيمية والمزي وغيرهم وقد قرره تقريراً جيداً الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير سورة هود وبه قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله.
انتهى ..
وأنا أميل إلى الرأي القائل بأن هذه الحروف التي ذكرت في ( أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه تركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة: 1، 2]. { الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [آل عمران: 1-3]. { المص * كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } [الأعراف: 1، 2]. { الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } [إبراهيم: 1]{ الم * تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [السجدة: 1، 2]. { حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [فصلت: 1، 2]. { حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الشورى: 1-3]، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن (7) النظر، والله أعلم ) . تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير الدمشقي .
والأمر ـ والله أعلم ـ كما قال ابن كثير في تفسيره :
( ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين ) .
الأستاذ الدكتور ضياء الدين الجماس
شكراً على جهودك الطيبة ، اسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء
وأن يجعلك من أهل القرآن
تحياتي وتقديري