في صحوةٍ للفطنة ، جاءتْ متأخرة جداً عن موعدها ؛ اكتشفتُ أنَّ منطق الأشياء في أيّ نزالٍ قد تفرضه الأيام عليك ، يدور حول حقيقة خالدة، سافرتْ عبر الأزمنة الطويلة،
ناقوس نبوءة يدق في ميادين التحدي . تلك الحقيقة ، هي ذاتها ما حدثنا عنها الأولون ، حين قالوا : " إما أنْ تكون كلَّ شيء، أو ألاّ تكون أي شيء " .
والأمر برمته هنا، يتوقفْ عند أي نوعٍ مِنَ الجذور ، تنحدر إليها جيناتُكْ.
فإن كنتَ مِنْ ذرية أولئك الذين يصقلون ذواتهم على اليأس ، مُقتاتين في مواسم الهزائم والإنكسارات ، على أطلال الذكريات .. فحريٌّ بكَ أنْ تعلمَ يا أنتْ ، أنكَ وكل إرثكِ : لستم سوى سقط متاع.
وإنْ لم تُصدق ، اسأل شمشون ، يُخبركَ :
" كُنْ إماماً بما شئتْ ، لكنْ اعلم أنك لا شيءَ يُذكر ، إذا ما غرس اليأس نصل النكوص في عزيمتك. "
رمز القوة والجبروت ، ما كان ليقول كلاماً كهذا ، لولا أنه عرف كم هو مؤلمٌ ، أنْ يمضي بكَ في مشوار العمرِ قطارُ الأقدار، وأنت خالي الوفاض مِنَ الأمل.. يتيماً مِنْ كل شيءٍ عدا اليأس.
أما إنْ دسَّتْ فيكَ الآلهةُ جـيـنـة قَداسةَ النفسِ وعزّتها . . وأخْبَرتكَ أمّة النمل ، التي منذ الأزل ، عقدتْ قرانها على النُبلْ : كم هو جميلٌ أنْ تنحت الممكن في صخورٍ أرهقها المستحيل بغيّه وتماديه، لتعبر اللاشيء وتكون كل شيء .. فأنت حتما ستكون حينها ؛ رجلاً عائدا مِنْ بوابة الإنقراض . بـحِـرَفـيّـة فرسان طروادة ، وبمروءة نساء اسبرطة .. ستمرر قبضة الإصرار على كل روؤس الخيبات التي مرّتْ بها أمُّ أيامك ، لاوياً عنق المرارة فيها بجرأة الغضنفر . . مُجتاحاً بأسفار أنواركَ أزماناً ظلماءَ ، طالتْ سِيرتها في سماوات لياليكْ .
ستكون رَجُلاً يا أنتْ .. رَجُلاً كلما مَـرَّ بجوار الانتصار ، إستسلمت تحت قدميه كل الهزائم.
فيا نفسُ .. انفضي عني قول أجدادي: بـِـ " أن الجرح قد يُصادق سيفاً أدماه. "
وانطلقي . . انطلقي نحو البعيد . . سافري إلى ذلك الزمان ، زمان البيارق . . زمانُ البنادق .
ذلك أنكِ في وقتٍ لاحق ، ستكتشفين أنه ثمّة مجرات ضوئية في نهايات الأفق ؛ تستدعي وتستحق بكل جدارة : محاولة التحليق .