يومية من تجليات العيد
اليوم أغير المقهى المعتاد ،حيث أمكث لساعات طوال كعادتي ،أجلس الوحدة العابرة مرات ،والزاحفة في صحرائي مرات أخرى، أستمع لنغمات أستلهم منها بعض ما يمر أمامي من أشياء قد تكون لي فيها عبرة أو عبرة ،فتتأتى لي أشياء قد لا تطال نظرات وفكر الكثيرين .
إحساس رفقة نغمات طائشة لهواتف شباب في مقتبل العمر ،ومزيج من صخب يعصف بأذناي وهو بلسم وطرب لهم ،فلم أكن مثلهم وفي سنهم ،لذلك أحرم ذوقهم مادام عالمهم مغاير لعالمي .
تذكرت الماضي و الحاضر وهما يعمهان في ثنائيتهما الضدية، وفي كل ما تميز به كل منهما ،وتوالت على فكري ونفسي زفرات من ماض مرير وحاضر يكاد يصهر نفسي انصهار كيان الشمعة المتآكلة، التي يذهب بها لهيبها إلى اللاشيء .
نثر قلمي هذه الكلمات رغما عنه وهو ينفث العياء والإجهاد، ويرمي بهما على هذه الورقة البيضاء، ذات الأديم الصافي المتلألئ في هذه الأيام التي يحتويها ويحف بها الضيف العزيز على كل صغير وكبير ،وكل بعيد وقريب ،وعلامات الفرحة على وجوه الصبية الذين ارتسمت على أساريرهم علامات من فرح لا تختلط بالزيف أبدا ،فهم بذلك نأوا عن كل علامات استفهام قد تطال ضحكتهم وابتساماتهم المفعمة بألوان الحقيقة التي لم يمسسها شر ققط .
فالأطفال لا ينتظرون حلول العيد من أجل ان تصدح عبارة "الصلح خير " فهم يتخاصمون ويتصالحون في الحال، أو بعد مرور يوم واحد فقط ،وعندما يكبرون لا أدري من يعلهم اللعب بابتساماتهم وامتهان المكر والخداع ؟ فكانوا يلبسون ما نتحلى به في زماننا فتنتقل العدوى إلى زمانهم ، فماذا لو تعلمنا منهم هذه الصورة الجلية ما دمنا على أشياء باتوا أكثر منا دراية بها إذ هم على الفطرة ؟
أعجب لتلك الأشياء الفطرية التي اكتسبوها، فكانت سبيلا لهم نحو كل جميل، وباتت فرحتهم بالعيد حقيقة غير متنكرة بأقنعة الحفلات التنكرية ،التي با ت الغرب يتباهون لحضورها.
لا يمكن أن نتخاذل عن هذه الحقيقة التي نراها في سلوك أطفالنا صباحا ومساء وفي كل عيد، و كان حريا بنا أن نمتثل لمجابهتها لنا ،ونمتثل للحقيقة التي تبتهج لنتبعها ونعلي من شأنها ،هكذا نحن نرى الجميل في الصبية كأننا الصبية، وهم الراشدون ،بل كأنهم آباؤنا ونحن أبناءهم .
محسن العافي