وللدكتور كمال أبو ديب "محاولة لطرح بديل جذري لعمل الخليل" أكد فيها على استخدام المتحرك والساكن أساسًا لفهم إيقاع الشعر العربي، وحاول جاهدًا أن يصف البحور باستخدام الوحدتين الإيقاعيتين (فعولن/فاعلن) ومتحوِّلاتهما، أو النواتين الإيقاعيتين اللتين تشكّلانهما معًا (فا/علن)، أي السبب والوتد.
حيث رأى أن كلَّ أنماط الإيقاع في الشعر العربي تنبع من علاقة هاتين النواتين التتابعية، وأن تغيّر الإيقاع يعتمد على ظاهرة رياضية هي حدوث عدد (أو آخر) من النواة (فا) في سياق النواة (علن)!
ولذلك اقترح أبو ديب ثلاثة مصطلحاتٍ جديدة هي:
1. النواة الإيقاعية؛ وتقابل السبب أو الوتد (فا / علن).
2. الوحدة الإيقاعية؛ وتقابل التشكل الناتج من تركيبهما (فاعلن/فعولن).
3. التشكّل الإيقاعي؛ وهو التشكل الناتج من تكرار الوحدات أو تركيبها (ويقصد البحور).
معتبرًا "هذه المصطلحات أدقّ، وألْصق بحركية الإيقاع من مصطلحات الخليل: السبب والوتد والتفعيلة والبحر"( ).
[لا شك أن مصطلحات الخليل أكثر دقّة من مصطلحاته المطّاطة على الرغم من دلالتها، لأن مصطلح السبب لدى الخليل يدل على شيءٍ واحد، بينما تدل النواة الإيقاعية على شيئين مختلفين أو ثلاثة.]
يقول أبو ديب: إنّ "تحليل البحور إلى النواتين (فا/علن) يُظهر أنّ لها نموذجاً نظريّاً مطلَقاً، يكاد يتصف بالكمال، ويتشكل من (12) نواة إيقاعية، تتناوب فيها (فا) و(علن) تناوباً منتظماً في الاتجاهين (فا --علن) و(علن -- فا).
وهذا يعني أن لدينا مجموعتين فقط من البحور، لا خمسة:
1. فا علن فا علن فا علن فا علن فا علن فا علن
2. علن فا علن فا علن فا علن فا علن فا علن فا
..... 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12
وتتشكل البحور المختلفة بفقدان عدد من النوى الموجودة أصلاً في النموذج النظري( ).
* فالبسيط مثلاً يساوي:
فا فا علن فا علن فا فا علن فا علن
1 3 4 5 6 7 9 10 11 12
(بسقوط النواتين: 2 ، 8).
* والطويل يساوي:
علن فا علن فا فا علن فا علن فا فا
1 2 3 4 6 7 8 9 10 12
(بفقدان النواتين 5 و 11).
* بينما يساوي الهزج مثلاً:
علن فا فا علن فا فا
1 2 4 5 6 8
(بفقدان الأنوية 3 و 7 و 9 و 10 و 11 و 12)!!.
ونظرًا لمحاولته هنا عدم استخدام النواة (///ه)، يضطر أبو ديب إلى تحليل بحري الكامل والوافر بصورةٍ خاصّة مختلفة عن تحليله السابق (انظر الجدولين (L2 ; L1 ) ص56-57.).
إلاّ أن أبو ديب يعود فيرفض ربط الانتظام الإيقاعي للشعر بمثالٍ نظريٍّ أعلى!! خوفاً -كما يقول- من تجمّد (البحور) ضمن حدود نظرية مطلقة لا يمكن أن نتعداها، مع اعترافه بوجود مثل هذه الحدود في سياق الشعر العربي التناظري!. ويبرر رفضه هذا بوجود إيقاعات شعرية ـ تراثية ـ عديدة، حاولت الخروج من الإطار العنيد المفروض على الشعر!! وكذلك بسبب ميلاد الشعر الأحادي الجديد (الحر)!!.