بين خطوتين..

بين خطوتين

تخيلوا معي هدير خطوتين وهما تمشيان معًا ..دون تحديد نقطة البدء التي
بقيت خلفهما ظلا غافيا..
أقول لم تحدداها..لأن نقاط البدء لن تبدو جليةً أبدا لمن أراد أن يقتفي
خطواتنا ، ووجدها ضبابية..وهي التي يجب أن تكون دائما واضحةَ المعالم.. والرؤى ..
حتى وإن لم نوقعها نحن عن قناعةٍ..ورضا..

نعود الآن إلى الخطوتين..فهذه تمشي لترسم لها نقطةَ بدءٍ ، والأخرى
تقتفيها أثرا ..أو تحذو حذوها بخط معلوم..

لكن قبل أن تصل الخطوةُ الأولى نقطةَ بدئها على مشارف الشهرة مثلا..
تنزلق إلى ما قد يقابل كلمة شهرة ..ولنقل حفرة على سبيل التجانس.. والتقابل..

بينما تمشي الخطوةُ الثانية في ثبات قدَري.. ولا تحاول أبدا الالتفات لسقوط
الأولى التي وقَّــعت ملامح النهاية - قسرا - قبل أن تدرج نقطة البدء..

لماذا برأيكم ..؟؟!!!
سؤال مرير أجابتني عليه ..كما ستجيبكم اللوحات التالية....

في سنواتٍ قليلةٍ خَلَتْ أقيمتْ بعضُ المعارضِ الفنية بمدينتنا الرافلة بثياب عُرسها دائما..
وكنا جميعا كفنانين بقاعة كبرى ..وقد لفَتتْ نظري لوحات تجمهر الضيوفُ من حولها ..
وسبق لي وأن تأملتُها جيدا قبل وصول صاحبها ..
لكنني صراحةً ما استطعتُ أن أخرجَ شيئا ذا بال من حدائقها الجرداء ..!!
وقلت في نفسي ربما مازلتُ بعيدةً عن قطار الحداثة ..
لأنني ممن يحبون التخلف كثيرا عن المحطات الضبابية حتى لا أركب قطارا لا أعرف له
نقطة بدءٍ ..فقد يرميني ضجيجُه بمجاهل النهايات..
قلت :..انتظرت حضور الرسام لأستمع من بعيد لبعض شروحاته ..
أو بالأحرى لسفسطته التي كم استعصى عليّ فك شفراتها..
لأنها ما كانت أبدا تحمل أي خيطٍ رفيع قد يراهُ قلبي قبل ناظري..!!
فلقد كانت وللأسف كحجارة (تسقط من علِ)
لكن الناس كانوا يستمعون إليه بشغفٍ شديد..
ويلمسون تلك اللوحات المؤطرة بأغلى ما يجْلبُ الأنظار..

فسألتني ابنتي حينها عمّا تعبر هذه اللوحات..؟

قلت بمرارة ..واستغراب :..لم أفهم شيئا حتى الساعة ..!!

وانتظرت إلى أن انفض الناس من حوله ..وما كانوا لينفضُّوا لولا أجراس الطعام..
ثم تقدمتُ منه مشيرة إلى إحدى الرسومات الهاربِ بياضُها من سوادِها..
من فضلك سيدي ..ماذا تعني هذه اللوحة ..؟؟!!

قال: إنها هرمٌ بحتٌ من أهرامات الفن التجريدي..

قلت : ما رأيتها كذلك أبدا.. !!!..

وقبل أن يكمل حديثه تذكر أن معرضي يقابل معرضه مباشرة فقال :
يا سيدتي هذه اللوحة أكبر من أن نشرحها..!!
ويجب أن يمتلك قارئها شعورا عاليا جدا بالفن التجريدي حتى يفهمها
ويلجَ عوالمَها المبهمة..

لم أضفْ شيئا وانصرفتُ ألوك بعض غصصي ..فيبدو أن تلك الرسومات أكبر من أن أفهمها فعلا..
كما لم أفهم أشياءً كثيرة غيرها ..

وأنا لا أحبّ المجهول أبدا ..لأنني تعودت على المعلوم الذي يُحدثني
بياضُه صمتا ..لأفهمه قبل أن تشرحَه سفسطةُ اللسان ..
والأنامل النابضة صدقا فقط هي من تستطيع أن تذرف ما بالقلب ناطقا دون حروف منمقة ..

فعلى بعد خطواتٍ من مديرية ثقافتنا ..أقول على بعد خطوات يعني خارج
نطاق تلك المعارض الفنية المؤطرة.. كانت هناك لوحات رُسمت بالفحم فقط ..
بعيدا عن بهرجة الألوان الصارخة .. ورُصفت على الأرض أوراقا مبعثرة
يؤطرها صاحبُها ببعض الحصى..حتى لا تتبع الريح لخفة وزنها ..
وما كل ما خفّ وزنه قلّ شأنُه كما قد يظن بعضٌ..
فصاحب تلك النفائس كان يضعها كعيّنة لمن يريد أن يرسم نفسه مقابل
بعض الدنانير التي لا يمكن أن تكفيه لقوت يومه..
وقد شارفَ على الخمسين من عمره أويكاد..
لأن وجوهَنا دائما لا تبوح بحقيقة أعمارنا ..فقد تزيدنا بعضُ السنوات
حزنا.. كما قد تُحذف بعض السنوات سعادةً ..والنتيجة واحدة دائما ..
فأوراقنا إن حان موعدُ سقوطها من شجرة العمر لا يمكن أن تؤخرها نضارتُها
أو ذبولها عن السقوط في وقتها المعلوم ، وساعتها المحددة ..

أعود لذلك الرسام الذي يبدو لي وكأنه قد احترقَ من الداخل قبل أن ترسو مراكب شيبه الموحشة على بحار محياه الذابل ..
لقد كنت وحتى الساعة كلما مررت بذلك المكان قبل أن يستهويني جمالُ أوراقه المبعثرة ..
أتأمل أولا حذاءه المرتق بكل ألوان الخيوط ..
وإذا ما سألته عن أي رسم من رسوماته يجيبني بصمت مرير عليَّ أن أفهم ما رُكب بخيطه الرفيع من خرزات موجعة ..
كانت دائما أثقل من أن ينفثها زفرةً.. أو يرصفها عبارةً منمقةً ،لأفهم جيدا بأن السواد إذا ما وقع على البياض
يستحيل على أي قارىء مهما بدا بسيطا ألا يفهم كنهَ ذلك التوقيع ..

فكم تمزق قلوبنا بعض النظرات وهي تشدُّنا إليها – وسط الزحام - بخيوط رفيعة لنرى دموعَها بكل وضوح ..
ويمر أمامها غيرُنا ولا ينتبه لها وهي تنوءُ بحمل جرحها الغائر كلما صفعها تنكر الشوارع ..والمدن..
ليضنيها التلفُّت وهي تبحث لها عن حضن دافىء- بين الخطوة والأخرى- علها تدفن فيه بعض أشجانها

وكم هو موجع ذلك الحرف الذي قد ينفثه صاحبُه جمرا على الورق لنقرأه أنينا صارخا ..
بينما غيرُنا حتى وإن حفظه درسا عن ظهر قلب ..لا يستطيع أن يفرق بين متنه ..وحواشيه..ليدوسه عابرا ..
وهو يمزق بين طي أوراقه خيوطا شفيفة أنّى لنول الأيام أن يرتق فتقها من جديد ..

(من مجموعة الخيط الرفيع)

والأنامل النابضة صدقا فقط هي من تستطيع أن تذرف ما بالقلب ناطقا دون حروف منمقة

السلام عليكم
شكرا لك فاكية,,, لقد أدخلتنا إلى عالم مختلف ,وحدثتنا عن ذلك العالم ,
في عالم الرسم واللوحات, أشياء غريبة تشبه خربشة الدجاج ,ومع ذلك لها مريديها ,وأنا أستغرب .
وكنت أنتظر من النص رأيك وتوضيحك, لكنك أقفلت الموضوع بكلمة واحدة ,وهي لا أفهم هذا ..
وأنا أيضا لا أفهم ذلك وأريد الفهم حقا ,
لغة سلسة جميلة هو سردك ,
استمتعت بالرحلة
شكرا لك
ماسة

والأنامل النابضة صدقا فقط هي من تستطيع أن تذرف ما بالقلب ناطقا دون حروف منمقة

السلام عليكم
شكرا لك فاكية,,, لقد أدخلتنا إلى عالم مختلف ,وحدثتنا عن ذلك العالم ,
في عالم الرسم واللوحات, أشياء غريبة تشبه خربشة الدجاج ,ومع ذلك لها مريديها ,وأنا أستغرب .
وكنت أنتظر من النص رأيك وتوضيحك, لكنك أقفلت الموضوع بكلمة واحدة ,وهي لا أفهم هذا ..
وأنا أيضا لا أفهم ذلك وأريد الفهم حقا ,
لغة سلسة جميلة هو سردك ,
استمتعت بالرحلة
شكرا لك
ماسة

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته

نعم أخيتي لم أرد أن أدخل في تفاصيل أكثر .. حتى يشاركني القارىء الرأي
بطبيعة الحال أنا فهمت جيدا مادار هناك ..لكنني أبقيته جرحا غائرا بقلبي ضمّنته ثنايا الحروف
ومجمل القول أن الحياة فرصٌ عزيزتي
فمن رفعته الفرصةُ إلى القمة صار سيدا ..حتى وإن كان خالي الوفاض
وأما من دحرجته الظروف كحجر منسي فإنه سوف يبقى بين السفوح متعثرا وهو يحمل أثقال حظه جيئة وذهابا
شكرا لفيض المرور
ودمت قارئة وفية
مع باقات ورد أبعثرها لك هاهنا

من عجيب الأمر أن نترك الدرر ونمتدح ونتسارع لما دونها .. فقط لأنها لا يغلفها أطر منمقة ترسم لها في بعض العيون قيمة تعادل الأخرى
مرحبا بك أديبتنا الفاضلة في ربوع الواحة
وفي انتظار المزيد من لوحاتك البديعة
تحاياي

من عجيب الأمر أن نترك الدرر ونمتدح ونتسارع لما دونها .. فقط لأنها لا يغلفها أطر منمقة ترسم لها في بعض العيون قيمة تعادل الأخرى
مرحبا بك أديبتنا الفاضلة في ربوع الواحة
وفي انتظار المزيد من لوحاتك البديعة
تحاياي

مرحبا بفيض مرورك أختي الكريمة أستاذة آمال

وفعلا كثيرة هي الدرر التي لا ننتبه لها لأنها ظلت لحقب من الزمن ملتصقة بالتراب

ولا ترجو عنه بديلا ، متخفية من بهرج الأضواء الزائفة بدثار الأصالة النادر

أسعدني كثيرا مرورك الأجمل

ولك مني دائما خالص الود

أختنا الراقية
الأديبة الأريبة
فاكية صباحي

جميل ما قرأت
عبرته أكثر من رائعة
عندما يأخذنا البهرج فلا نحفل بغيره

حدث أن أَلقيتُ قصيدة في ندوة
وألقيت قصيدة من عينة الهرم التجريدي
التي لم أفهم منها شيئا وأنا أزعم أنني قرأت أدبا بقدر معقول
فكيف بالحضور الذي لم يقرأ لا شعرا ولا أدبا

وكانت المفاجئة
من الناقد الذي مر بالقصائد مرورا عابرا
وتوقف وأناخ ناقته ونصب خيمته عند هذه التهويمات التي قد لا يفهمها قائلها


ربما لا يستنكر بعض الناس كي لا يتهم بالجهل

عفوا لثرثرتي


بورك القلب والقلم
تحاياي
عارف عاصي

أختنا الراقية
الأديبة الأريبة
فاكية صباحي

جميل ما قرأت
عبرته أكثر من رائعة
عندما يأخذنا البهرج فلا نحفل بغيره

حدث أن أَلقيتُ قصيدة في ندوة
وأُلْقِيتْ قصيدة من عينة الهرم التجريدي
التي لم أفهم منها شيئا وأنا أزعم أنني قرأت أدبا بقدر معقول
فكيف بالحضور الذي لم يقرأ لا شعرا ولا أدبا

وكانت المفاجئة
من الناقد الذي مر بالقصائد مرورا عابرا
وتوقف وأناخ ناقته ونصب خيمته عند هذه التهويمات التي قد لا يفهمها قائلها

ربما لا يستنكر بعض الناس كي لا يتهم بالجهل

عفوا لثرثرتي


بورك القلب والقلم
تحاياي
عارف عاصي

أختنا الراقية
الأديبة الأريبة
فاكية صباحي

جميل ما قرأت
عبرته أكثر من رائعة
عندما يأخذنا البهرج فلا نحفل بغيره

حدث أن أَلقيتُ قصيدة في ندوة
وأُلْقِيتْ قصيدة من عينة الهرم التجريدي
التي لم أفهم منها شيئا وأنا أزعم أنني قرأت أدبا بقدر معقول
فكيف بالحضور الذي لم يقرأ لا شعرا ولا أدبا

وكانت المفاجئة
من الناقد الذي مر بالقصائد مرورا عابرا
وتوقف وأناخ ناقته ونصب خيمته عند هذه التهويمات التي قد لا يفهمها قائلها

ربما لا يستنكر بعض الناس كي لا يتهم بالجهل

عفوا لثرثرتي


بورك القلب والقلم
تحاياي
عارف عاصي

حاشى لله أن تكون ثرثرة أخي الكريم أستاذ عارف عاصي – أكرمك الله-
إنها إضافة في صلب الموضوع
فكثيرا ما يصفعنا أدبٌ بعيدٌ كل البعد عن عما شربناه من طواسين أصالتنا
لنفاجأ بأن بعض الكتاب لهم عالمهم الخاص ذلك العالم التجريدي
الذي لا يتكىء على قاعدة قد تطيل بقاؤه فهو كتشييد القصور على هش الرمال.. ومهما علتْ.. وتطاولت
أكيد سوف تجرفها أبسط موجة لتستوي مع الأرض في لحظات..
وذلك للأسف دأب بعض من يتنكّبون على الإطار. أقول الإطار فحسب
أي القشور بعيدا عن اللب الذي تتفاوت قيمته بين أديب.. وآخر

فما قرأته حضرتك حينها حتى وإن لم يجد من يفهمه فهو دون شك سيسمو ويعلو بقناعتك
الشخصية التي سوف تفرضه على الآخر لأصالته وتجذره بأساس متين
فكثيرون هم أخي الكريم من تنوخ نوقهم بمراعٍ قد اصفرت سنابلها لتشل البصر لحظيا
لكنه سرعان ما ينتفض- أي البصر- ليغتسل من غبشه بماء الحقيقة وما أكثر تدفقه

وفي نهاية الأمر لا يصح إلا الصحيح وإن تأخر فتح بابه لأيدي الطارقين

أسعدني فيض مرورك ..وجميل تقريظك

ولك مني دائما مفردات التقدير وخالص الشكر

تجيدين فلسفة الحرف بمداد الحقيقة
هالة المشاعر التي تكتنف كلماتك تعطي طعما آخر لوقعها في النفس
مائزة الحرف والتعبير
دمت بخير
مودتي وتقديري