(1)

اسمى سهر..نعم..سهر..وهو فى الواقع اسم على مسمى ..كأن أبى
كان يعلم انى سأكون مثله..ساهرة دوماً..عاشقة لليل وللنجوم..
اتخذ منها فى خيالى عقداً يزين جيدى..ومن تباشير الصباح زاداً
لحياتى..
لن أطيل عليكم..فحديثى سيكون دوماً عن حالاتى.. وليس عن نفسى..
وان كان الأمر يختلط كثيراً..وأجدنى أعيش مع كل حالة حتى الصميم
..لقد قررت الكتابة عنهم حتى ازيح
قليلاً عن كاهلى هذه الأحداث .. التى تكاد تفسد على حياتى
اننى أذكر الآن أول حالة ناظرتها بعد ان استقللت بعيادتى النفسية
..كانت لرجل..ولا أدرى لماذا انتابنى ذعر شديد.. كأنى كنت أتوقع
ان يكون كل مرضاى من النساء..أو لأنى أظن أن الرجال لا يتألمون مثل
النساء
..أو كأنى كنت أستبعد أن يفضى رجل لأمرأة بمشاكله..حتى لو كانت طبيبة
نحيت أفكارى الساذجة جانباً وأنا أنظر الى مكتبتى الكبيرة
كأنى استرجع كل ما تعلمته فى لحظة..وانشغلت عن نفسى به..عرفنى
بنفسه وعمله.. كان كلانا مرتبكاً حتى تمالكت نفسى قليلاً وبدأت فى
طرح الأسئلة ..كانت أسئلة قليلة..ولكن اجاباته كانت طويلة ..طويلة..
كانت لديه قدرة فائقة على الحكى..كأنه كان ينتظر عمراً بأكمله أن يسأله أحد
وكان يحكى فى كل اتجاه حتى انى شعرت اننى معه فى ملعب اسكواش مغلق..
وكلماته المتتابعة هى الكرة التى ترتد فى الحوائط وترتطم بذهنى
كان رغم كل شىء مسكيناً..لديه احساس قاس بالدونية..كان الأوسط
بين اخوته ..الأقل ذكاءاً..ووسامة.. وتعليماً..نال زوجته
عندما كانت تعانى من صدمة قوية بعد وفاة والديها..ساندها
وتزوجته رداً للجميل..وبعد..
انهى كل حكاياته فجأةونظر الى كأنه ينتظر كلمة سحرية تقضى على كل
آلامه..ولكنى كنت أعرف أنه لم يقل ما أريد معرفته..لم يقل
السبب الذى دفعه للجوء الى ..ودفعته الى مزيد من الحديث..وبعد عدة جلسات..
وجدتها كما يقولون.. كانت ابنته ذات السنوات السبع هى كل حياته ..تسيطر على
تفكيره ووجدانه.. وكان ارتباطهما الشديد يثير غيرة زوجته..فتتعمد
ان تحقره أمامها..وما دفعه لطلب المشورة هو خوفه على صورته أمام
ابنته ..لم يهتم لما يحدث له طول حياته من اهمال وتحقير ..
ولكن رغبته أن يكون أباً مثالياً جعلته يثور على نفسه وعلى واقعه الذى وجد
نفسه فيه..كان على أن أبذل جهداً خارقاً لكى أملؤه ثقة.. ولن أطيل فى سرد ما فعلته
فقد كنت أدفعه لاختلاق المشاكل مع زوجته لكى يصنع موقفاً يملى فيه
ارادته ورأيه .. كنت أصل الى حد اهانته فيتحول الأمر معه الى رغبة
قوية فى رد الاهانة ..وهكذا..
المهم.. اننى عندما طالبته بفاتورة الحساب فى آخر الأمر ثار وهاج
وماج وبدأيساوم ..ويحقر مما فعلته..وبالكاد نلت منه نصف ما استحق
..
عجباً أليس هذا ما جنته يداى..؟؟