/ حَمْكة خيرية: تشابه كبير بين مصر واندونيسيا في نضال المرأة

حاوره من اندونيسيا/ هشام النجار

كان استقباله لنا دالاً على شخصية ودودة ومتواضعة وراقية – شأن كل أبناء اندونيسيا - وسرعان ما تترسخ الصداقة والمحبة والإخوة بيننا.. حيث نجد هناك في اندونيسيا كل ما يُغذى هذه القيم وهذه المعاني.

وقد قلت لهم جميعاً في إحدى كلماتي إنني كنت أحبكم بمجرد رؤيتكم في مصر دون الاقتراب والتواصل معكم.. والآن زادَ حبي وتقديري لكم بعد اقترابي منكم وصحبتي لكم .

كان مرافقاً لنا في رحلة اندونيسيا الثرية بمواقفها وأحداثها وفعالياتها ورموزها.. وقد تولى مهمة الترجمة مع غيره من أصدقائنا الذين أحببناهم جميعاً وصارت لكل منهم مكانة خاصة في قلوبنا .

نسأل الله لهم جميعاً التوفيق والسداد في حياتهم الأسرية والعلمية.. وأن يكتب هذه الصداقة والمحبة الخالصة لخدمة دين الله والدعوة في ميزان حسناتنا وحسناتهم .

لم نترك فرصة تضيع ولا وقتاً يمضى دون استثماره للعودة من تلك البلاد الثرية في كل شيء بما نحتاجه هنا.. ليس فقط على مستوى الصداقات والروابط .. إنما على مستوى القيم والأخلاقيات والسلوك والثقافة والدروس المستفادة من التجارب .

وهذا الوقت خصصناه لصديق جميل ورائع من اندونيسيا الحبيبة وهو الدكتور حَمْكَة حسن خيرية الذي أمتعتنا صحبته وصحبة رفاقه وأمتعنا في هذا الحوار الثرى بتلك الإطلالة الكاشفة العامة على هذا البلد الإسلامي الكبير تاريخاً وعلماً وثقافة .

نود التعرف عليك أولا ً؟

اسمي حَمْكة حسن خيرية

من أين؟

اندونيسيا.. وتحديدا ً جاكرتا .

وماذا عن الأسرة ؟

عمري 38 عاماً .. وأنا متزوج ولدى ولدان الأول اسمه "عبد الرحمن الحذيفى "والآخر اسمه" عبد الرحمن السديس " .

وفى أي مستوى تعليمي هما ؟

بالتعليم الابتدائي الأزهري هنا باندونيسيا.. حيث توجد هنا مدارس يقوم بالتعليم بها خريجون من الأزهر الشريف ، وهذه المدارس تعمل بالتعاون مع الأزهر بمصر .

وما شهاداتك العلمية ؟

حصلتُ على الليسانس من كلية أصول الدين بقسم التفسير عام 1999م ، وحصلت على الماجستير من نفس الكلية بمصر من الأزهر الشريف وحصلت على الدكتوراه من اندونيسيا جامعة " شريف هداية الله " .

وما هي طبيعة عملك ؟

أعمل مدرساً بجامعة اندونيسيا حيث أقوم بتدريس تفسير علوم القرآن ، وأعمل مستشاراً بوزارة الشئون الدينية وأيضاً وزارة المالية وباحثاً بمركز البحوث والدراسات الإسلامية .

وما هو موضع رسالة الماجستير ؟

كان موضوعها بعنوان: " الناسخ والمنسوخ وتطبيقه في فهم القرآن .. دراسة مقارنة بين علماء اندونيسيا ونصر حامد أبو زيد " .

حدثنا عن أهم محاور الدراسة ؟

هذا الموضوع مهم جداً وحساس لفهم القرآن الكريم ومقاصده وللوقوف على الطريقة المثلى لتطبيق قواعده وأحكامه .

وأضرب نموذجاً واحداً فقط .. لأن الموضوع متشعب وطويل وشواهده كثيرة جداً ؛ فمثلاً في قضية الخمور وقد نزلت في الخمر أربع آيات في القرآن الكريم بداية من " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ " وانتهاءً بـ "إنما الخمر والميسر" .. والرسالة – من ضمن مسائل كثيرة – تبحث في كيفية التعامل مع هذه الإشكالية بحيث تقف على كيفية تطبيق الحكم الذي ورد بأكثر من صيغة ومضمون في عصرنا الحالي .

وماذا عن رسالة الدكتوراة ؟

رسالة الدكتوراة كان موضوعها عنوانه " أحكام المرأة في التفسير .. دراسة مقارنة بين التفسير المصري والتفسير الاندونيسي ".. وقد ناقشتها بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة "شريف هداية الله " بالتعاون مع الأزهر الشريف بالقاهرة .

حدثنا عن رسالة الدكتوراة هذه وعن أهم محاورها ؟

أجريتُ الدراسة على أربعة محاور رئيسية وهى : الميراث وتعدد الزوجات والشهادة.. ثم القوامة".. فعلى سبيل المثال هناك فهم لظاهر نص " مثنى وثلاث ورباع " دون النظر إلى عمق وجوهر قضية العدل وتكريم المرأة في الإسلام .. بحيث إذا تعارضت قضية التعدد – وهى طارئة واستثنائية – مع المفاهيم والقيم والمقاصد الأساسية للشريعة ، فان هذه المقاصد تُقدم أولاً وقبل كل شيء .

وفى قضية الميراث هناك قراءة بظاهر النص لآيات الميراث تذهب بظلمها فيه على غير الحقيقة والناظر للواقع بإنصاف وعقلانية والذي يربط بين الواقع المعاش والنص القرآني يجده قد أنصف المرأة في قضية الميراث بالذات ، بل أعطاها في كثير من الحالات أكثر من الرجل بحسب اختلاف الحالات والظروف إعلاء لقيمة ومقصد العدل الشامل .

والتعدد ليس أصلاً في القرآن إنما كان موجودا ً في واقع الناس فجاء الإسلام لضبطه وتحديد مفهومه وإحاطته بسياج العدل والمعاملة الكريمة الراقية للمرأة في حدود حالات حل مشكلاتها الطارئة الفردية الاستثنائية .. فهو ليس واجب جماعي أصلى.. إنما يُؤخذ به في حالات تقتضى ذلك حلاً لمشكلات خاصة بالمرأة .

وكذلك الأمر في قضيتي القوامة والشهادة ، حيث لا ينبغي النظر إلى هذه القضايا الشائكة والحساسة بشكل انعزالي واجتزائي ومثالي بعيداً عن الواقع وتطبيقاته التي لم تختلف كثيراً من عصر إلى عصر.. حيث المرأة في كل العصور هي المرأة والرجل هو الرجل .

وما هي النتيجة التي خرجت بها من الدراسة على مستوى المقارنة بين التفسير والواقع المصري ونظيرهما المصري ؟

وجدتُ تشابهاً كبيراً بين مصر واندونيسيا من حيث آراء واجتهادات العلماء في قضايا المرأة على مستوى إنصافها وتكريمها وإعطائها جميع حقوقها وكذلك وجدت تشابهاً بين الحالتين على مستوى التطبيق والواقع والتاريخ ؛ فأوضاع وتفاعلات وتطورات قضية المرأة تكاد تكون متطابقة في كل من مصر واندونيسيا .

اشرح لنا ذلك مع بعض الشواهد ؟

في مصر كانت المرأة على سبيل المثال تُعامل كفرد من الدرجة الثانية وبشيء من الاحتقار والاهانة وانتقاص الحقوق ، وكان هذا هو وضع المرأة أيضاً في اندونيسيا في البدايات .

وبدأت مطالبة المرأة في كلا البلدين بحقوقها مع التفاعل مع ثقافات وأمم أخرى.. ففي مصر كان ذلك في خضم أحداث وتفاعلات الاحتلال الفرنسي والانجليزي وفى اندونيسيا حدث ذلك في خضم تجاذبات وتفاعلات الاحتلال الهولندي والياباني .

وكانت المرأة في البلدين عندما ترى وضع المرأة في البلاد الأخرى وكيف يتعامل معها الرجل والدولة تقارن بين حالها وحال المرأة في هذه البلاد وبدأت تكتشف أنها مظلومة جداً بالمقارنة بالمرأة في المجتمعات الأخرى وبالنظر إلى تعاليم الدين التي تحرم الإضرار بها وبحقوقها وكرامتها .

ثم ظل تشابه الأوضاع والأحوال يسير تدريجياً مع تطورات الأحداث والمقاومة واشتراك المرأة في كلا البلدين في فعالياتها وفى النضال والمقاومة وصناعة النصر وانجاز الاستقلال.. وكانت كل هذه الأحداث دافعاً قوياً لمشاركة أكثر فعالية وتأثيراً للمرأة في الحياة السياسية والاجتماعية فحضرت المؤتمرات في الداخل والخارج وقادت المظاهرات .. وصولاً إلى هذا المستوى المدهش من انتزاع الحقوق ووصولها إلى أعلى درجات المكانة الاجتماعية وتقلد أرفع المناصب في البلدين.. لدرجة وصولها إلى منصب رئيسة البلاد في اندونيسيا.

وكيف كانت فترة حكم ميجاواتى.. وهل أحبها الناس هنا ؟

كانت جيدة وأحبها الشعب .

لكن هل كان هناك رفض لتوليها هذا المنصب من قبل الإسلاميين.. خاصة وأن اندونيسيا أكبر البلاد الإسلامية سكاناً ومساحة ؟

بالفعل كان هناك من عبر عن رفضه ، لكن القبول العام والقيم الاندونيسية العامة باحترام المرأة وأيضاً لأن ميجاواتى أظهرت مقدرة وحكمة في فترة توليها المنصب كل هذا لم يعطى مناخاً مواتياً للأصوات الرافضة .

وما هو وضع المرأة السياسي الآن في اندونيسيا.. وما هو حجم تمثيلها في البرلمان ؟

رئيس الجمهورية أصدرَ مؤخراً قراراً مُلزماً لجميع الأحزاب بأن يتم تمثيل المرأة في قوائم تلك الأحزاب وفى عدد مرشحيها للبرلمان بنسبة 30 % .

وكيف يتم اختيار رئيس الجمهورية هنا ؟

تتم انتخابات البرلمان أولاً ، وبعدها يختار البرلمان رئيس الجمهورية بأغلبية الأصوات من بين الشخصيات التي تتقدم للترشح لهذا المنصب ، وفترة حكمه أربع سنوات .

وماذا عن المبادئ الخمسة في الدستور الاندونيسي ؟

المبدأ الأول هو التوحيد ، ومعناه أن الدولة تعترف بالدين وتقدره وتوليه أهمية كبيرة ، وأن الشعب والحكومة تتأسس خطاهما وطريقة عملهما ومنهج نضالهما على أساس من الدين وأخلاقياته وعلى توحيد الخالق جل وعلا .

والمبدأ الثاني هو الإنسانية بما يتضمنه من كل ما يدعم ويؤسس لرعاية الإنسان واحترام حقوقه ورعاية خصوصياته وممتلكاته وحاجاته الأساسية .

والمبدأ الثالث الوحدة بما يكفل التوحد فيما بين الشعب وطبقاته وحكامه وفئاته جميعا ، ومنع الفرقة والانقسام .

والمبدأ الرابع هو الشعبية ، بما يضمن تفاعل طبقات الشعب مع قضاياه وقيامه وممارساته لحقوقه السياسية والاجتماعية ومراقبته للسلطات .

والمبدأ الأخير هو العدل الذي ينبغي أن نسعى إليه جميعاً حكاماًُ ومحكومين.. فلا تظلم الرعية حاكمها ولا يظلم الحاكم رعيته .

حدثنا عن الوضع الاجتماعي هنا وما هي المشاكل الأساسية ؟

هنا مستوى المعيشة جيد والفقراء يشكلون نسبة 30% ، والحكومة تبذل جهدها في حل مشكلات الشباب خاصة في مجال التعليم وتعطى منحاً دراسية مجانية.. لكن تبقى مشكلة العمل هي الأساسية .

وماذا عن أشهر علماء اندونيسيا اليوم ؟

هنا في اندونيسيا علماء كثيرون في شتى المجالات ومنهم على سبيل المثال الأستاذ الدكتور محمد قريش سحاب الذي حصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر بقسم التفسير وتولى منصب رئيس الجامعة ثم وزير الشئون الدينية وعمل سفيراً لاندونيسيا في مصر ويمتلك مؤسسة علمية كبيرة اسمها "مركز الدراسات القرآنية " .

وهو صاحب مؤلفات كثيرة ومشهورة ومنها تفسير للقرآن من 15 مجلداً عنوانه " المصباح " .

وهناك الأستاذة الدكتورة خزيمة وهى متخصصة في الفقه المقارن وقد درست في الأزهر الشريف.. وهى عضو مجلس الفتوى وهيئة العلماء باندونيسيا .

وهناك أيضاً الأستاذ الدكتور سهل محفوظ رئيس مجلس العلماء.. وهو مفتى اندونيسيا وهو عالم مشهور هنا أيضاً وغيرهم كثيرون .

إلى من يرجع الفضل الأكبر في مقاومة الاحتلال واستقلال اندونيسيا ؟

كان الاحتلال قاسياً وطويلاً ، فقد احتلتنا هولندا 350 سنة ، وكانت سنوات احتلال اليابان لنا أقسى وأشد رغم أنها فقط ثلاث سنوات ونصف ، وقد بدأ الطريق بتحالف الملوك وحكام الجزر ضد الاحتلال وقادوا حركة مقاومة موسعة شارك فيها العلماء والشعب إلى أن نالت اندونيسيا استقلالها عام 1945م .

ماذا عن الحركة الإسلامية هنا في اندونيسيا ؟

موجود هنا كثير من التيارات .. ومنها الإخوان المسلمون والسلفيون.. وهنا أيضاً حركات صوفية كثيرة أشهرها "النقشبندية" و "الدسوقي" ، وغيرهما.

وهذه الحركات لها شعبية بدليل تمثيلهم المهم في البرلمان وبعد ذلك حددت السلطة لهم ثلاث أحزاب فقط ، فتوحدوا مؤخراً في حزب واحد .

وماذا عن انتشار السلفيين هنا ؟

هناك سلفيون جهاديون وهناك سلفيون تقليديون يهتمون بالعلم والدعوة.. وهناك الجماعة الإسلامية وأعدادهم جميعاً محدودة وليس لهم انتشار ملحوظ.

وماذا عن الشيعة ؟

قليلون جداً ولا ينتشرون .

وماذا عن مستوى انتشار مظاهر التدين بين النساء ؟

الحجاب منتشر لكن التبرج لا يزال مقبولاً مجتمعياً وله انتشاره أيضاً بدون تعصب ونظرة عدائية لهذا أو لذاك ، بل الأمور تسير طبيعية جداً ، وهذه طبيعة اندونيسيا في التنوع وعدم التعصب.